سعد العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5215 - 2016 / 7 / 6 - 14:13
المحور:
الادب والفن
بغداد حبيبتي
بغداد حقاً حبيبتي، قِبلتي ودُعائي، ومستقبل أرادوه لك مجهولاً وأرادوه لنا سكاناً أن يكون عذاباً الى يوم الدين.
ما الذنب الذي أقترفه الأبناء يا بغداد؟، ليجعلوك هكذا منذ عقود:
جلاد يمسك سيفاً يرفعه باسم الله، ينحر رقاب الفتية الآتين بعمر الزهور متكلاً على الله. داعية يمكث طويلاً في بيت الله يؤدي فروض الصلاة وأكثرا منها أدعية وخشوعاً وتضرعاً، يخرج منه مسعوراً لتقديم تسهيلات النحر متكلا هو الآخر على الله . شيخ يأخذ من مسجده وكراً يحث في خطبته جمعاً من التابعين ليشيع النحر سنة جهاد في سبيل الله. مسؤول فاسد يشتري جهازاً
يسهم في قتل الناس، يتجه الى الكعبة حجاً خمس مرات. سياسي يجوب العالم كفاحاً، يجمع أصواتاً تجعل القتل والتفجير والتخريب شريعة غاب، وتجعلنا بين حيطانك العتيقة مأسورين.
قبلنا يا بغداد عيشاً فيه عذاب، ولبسنا السواد، وسكتنا عن أعداد اليتامى والأرامل، وأطفال يتسولون، ومهاجرون في البحار يغرقون، وغربة تهرس النفوس، وقتل وتشريد ولهيب صيف قائض وقطوع الكهرباء، وموت بطيء يملأه الأنين.
ألا يكفي سيدتي كل هذا وما زلت تطلبين المزيد؟.
أي مزيد بعد فاجعة الكرادة، وأي عيش نقترب في ثناياه من الذهول، نسمع أنين أحبتنا يحترقون، نرى أجساد أطفال عادت الى بطون أمهاتها من جديد تفتش عن ملاذ، وأب ملكوم يقلب جثمان شهيد أخذته العبرة بكاءً فجلس بين الجثث لا يقوى على التقليب، وأم تفتش بين المحترقين في الغرف العلوية عن ابنها الوحيد، وأخرى معها تسأل عن ثلاثة كانوا لها أملاً في هذه الدنيا قبل ساعات. وثالثة وعاشرة لا تستكين.
هل ما زلت يا بغداد تريدين المزيد؟.
نُقرُ يا بغداد نحن الواقفين في نقاط السيطرة، والعاملين في الدفاع المدني، ومراقبي الأمانة، والراشين والمرتشين والفاسدين وتجار الدين وأباء القتلة الارهابيين وجيرانهم الساكتين، والمعارضين والمؤيدين، والسياسيين والعسكر ورجال الأعمال، والطائفيين المتأسلمين، ونعترف علناً أننا السبب فيما حصل، ونعاهدك أننا سنكف عن البكاء بعد أيام ونقبل بالمقسوم، وسندفن أحزاننا في أعماقنا المليئة بالأحزان، وسنوكل أمرنا الى الله عرفاناً بمشاركتنا فيما حصل مثل كل مرة، ونوعدك أننا سنختلف مع بعضنا لنؤسس الى كارثة أخرى وموت آخر بالطريقة ذاتها، وسنرفع أيدينا الى الخالق قولاً بأعلى أصواتنا المبحوحة ... يا معين.
#سعد_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟