|
من يدفع ثمن الرحيل المبكّر للفنان مؤيد نعمة؟!
زياد حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 1399 - 2005 / 12 / 14 - 10:59
المحور:
الادب والفن
يخطيء من يعتقد أن الفنان مؤيد نعمة كان ضحية النظام الدكتاتوري وسنين عذاباته فقط .. بل أنه كان ضحية وضع سياسي ومنظومة أحداث سياسية عصفت بالبلد لأكثر من ثلاثة عقود .. وهو الذي أتت به أفكاره وأدواته وموضوعاته إلى واجهة المشهد السياسي والثقافي والفني .. ورحيل الفنان المبدع مؤيد نعمة بهذه الطريقة المفاجئة والمفجعة يجب أن نتوقف عنده طويلآ .. لأنه يضعنا جميعآ بمواجهة سؤال كبير من نوع؛ ترى من يدفع ثمن هذا الرحيل هل وحده الفنان يدفع فاتورة مصيره برمتها إلى العدم ثمنآ لاندحارات سياسية أنتجته وصاغته وعصفت بحياته فيما بعد لأكثر من ثلاثة عقود؟ أم أن الاندحارات السياسية تلك كانت ثمنآ بخسآ وكافيآ لانهاء حياة الفنان مؤيد نعمة ؟! .. من جهة أنه ينتمي الى جيلنا جيل السبعينات .. جيل اليساريين من الفنانين والأدباء والكتاب والمثقفين الذين خذلتهم السياسة بين مطرقة النظام الدكتاتوري القمعية وسندان السبل التي تقطعت بهم داخل الوطن بعد انفراط الجبهة للاوطنية،هذا الجيل هو جيل مؤيد نعمة .. هذا الجيل الذي لا يتقبله لا النظام الدكتاتوري ولا المعارضة اليسارية التي فرت بجلدها وجليدها .. كان مؤيد نعمة وأبناء جيله هم أبطال المحنة الحقيقية الدامية الذين توزعتهم جبهات الحروب والمعتقلات والانتهاكات والتسقيط السياسي وتوقيع آلاف التعهدات بالإعدام إذا ثبت تعاطيهم السياسة .. هذا الجيل هو الذي كان في واجهة المشهد الثقافي والفني وفي واجهة مشهد العذاب الدامي .. في ذلك الوقت كان مؤيد نعمة وأبناء جيله يعدون العدة لمواجهة الطوفان الدكتاتوري الذي جرف البلد بخيرة فنانيه ومثقفيه وأدبائه.. في ذلك الوقت كانت فيه حثالات من فنانين بعثيين وشيوعيين يتمتعون بزمالات دراسية من أحزابهم حينما جيُّرت أكاديمية الفنون باسم البعثيين وحزبهم الفاشي وخرَّجت حثالات من دكاترة لا يملكون غير صفة رفاق في الحزب..وحينما كانت لجنة الزمالات في الحزب الشيوعي تحتكرها وتسيطر عليها بعض العوائل ومنحت زمالات لأناس لا يحملون غير أسماء تلك العوائل .. كان مؤيد نعمة وأبناء جيله أمام مفترق طرق مظلمة أما الذهاب إلى جبهات القتال دفاعآ عن جلادي الثقافة والفن وإما أن تسحقهم ماكنة الإعلام الحربية وإما أن يزج بهم في المعتقلات .. وقد تعرض العديد منهم للاعتقال ومنهم كاتب هذه السطور حيث حكمت عليه محكمة الثورة سيئة الصيت عشرة سنوات .. وهنا أدون مقطعآ من مقال كتب عن مؤيد نعمة في موقع عراقي 8 كانون اول 2005 باسم توفيق التميمي :(( وأنت تقاوم .. شوهوا تخطيطاتك .. أوقفوا رعشاتك المشاكسة .. واصطحبت حقيبة المقاتل .. جنديً في الخطوط الأمامية المهلكة في الفرقة العاشرة .. يطاردك ملف سري مشبوه للفنان )) .. هل يستحق فنان متعدد المواهب مثل مؤيد نعمة هذا المصير ؟؟ !! سؤال أوجهه إلى كل حثالات السياسة التي عصفت بالبلد وتعصف به الآن والى كل حثالات الفن والثقافة من فنانين وأدباء بعثيين وشيوعيين ألم يستحق الفنان مؤيد نعمة وهو السيراميكي اللامع أن يكون أستاذا لمادة السيراميك في أكاديمية الفنون ؟ ألا يستحق مؤيد نعمة أن يحصل على زمالة من الحزب الشيوعي لتطوير أدواته التي يقارع بها الدكتاتورية ؟أم أنها السياسة التي داست بحذائها كل القيم وحولت البلد إلى مستنقع أنتم مياهه الآسنة الآن .. أم لأن مؤيد نعمة لم يحّول الحزب الشيوعي يوماً ما إلى وليمة عوائل كي يمسح يديه منها بعد ما يُشبع رغباته الدنيئة !! .. من منكم ذاق طعم العذاب والاضطهاد والتهميش والإلغاء والتسقيط والعزل داخل الوطن المستباح غيرنا نحن جيل مؤيد نعمة ؟ وأنا أتحدث عن الفنان مؤيد نعمة .. فأنا أتحدث عن زميل دراسة أربعة سنوات في الأكاديمية وزميل في اتحاد الشبيبة الديموقراطي العراقي ورفيق في الحزب الشيوعي.. وصنو في الخدمة العسكرية وجبهات الحروب ..وزميلا في الحركة التشكيلية العراقية..وعندما أريد أن أقرأ رحيل الفنان مؤيد نعمة فأقرأه قراءة مغايرة غير القراءة التي رافقت رحيله .. قراءة تليق بفنان متعدد المواهب .. فهو سيراميكي من الطراز الرفيع وأول من وظف السيراميك في فن الكاريكاتير في المنطقة والثالث في العالم بشهادة أستاذه الفنان الراحل إسماعيل فتاح الترك .. وهو من المؤسسين لمدرسة بغداد لفن الكاريكاتير واختير في أكثر من لجنة عربياً ودولياً لتحكيم الأعمال في معارض الكاريكاتير وحائز على جوائز محلية وعربية وعالمية ومصمم أفلام كارتون متحركة ومصمم كتب ورسام أطفال من الدرجة الأولى ومنفذ سيناريوهات .. ولم يكن مجرد رسام في جريدة طريق الشعب مثلما يحاول الآخرون تقديمه بمناسبة رحيله .. هذه المناسبة التي أصبحت فرصة للتبجح والمزايدة على رحيل الفنان مؤيد نعمة .. هذا الفنان الذي غادرنا بهذه الطريقة المفجعة وهو حامل معه أفكاره ومشاريعه وأوراقه وطينه وهو الخارج تواً من ذلك الطوفان ولم يزل مشحوذاً ومتوقداً .. وكان لحد لحظة رحيله مشروعاً كبيراً لفنان سبح ضد التيارات والانهزامات والانكسارات والمصالح الشخصية .. وبقى أميناً لأفكاره ومبادئه وقريباً من شعبه وهمومه .. ولم يتخلى يوماً عن حمل أدواته لمقارعة الدكتاتورية ومن ثم مقارعة الإرهاب .. هذا هو المجد الحقيقي الذي صنعه مؤيد نعمة لنفسه وفنه ولم يمنحه له أحد !! لقد كان الحزب الشيوعي ذاته يقاتل البعثيين برسومات مؤيد نعمة .. على حد تعبير الفنان قاسم الساعدي .. قبل أن يخذله الجميع ويضل وحيداً وعندما لم يجد أحداً يتحد معه اتحد مع نفسه ومع أدواته ومع فنه .. ولم يجن شيئاً من هذا البلد غير المكابدات والعذاب والحرمان .. فمن يستمع للقاء إذاعة العراق الحر مع زوجته في باب أجيال يحس من نبراتها الحزينة بذلك العذاب والنكد والحرمان الذي كان يحيط بمؤيد نعمة حتى بعد سقوط الدكتاتورية ومجيئ المعارضة اليسارية !! وأنا في وداع الفنان الصديق والزميل والرفيق فنانا المبدع مؤيد نعمة .. أقول لكل الذين يبكون مؤيد الآن .. أنتم الذين خذلتموه .. أنتم الذين ساهمتم في عذابه وحرمانه .. أنتم الذين عجلتم في رحيله المبكّر والمفجع هذا .. أنتم الذين كان بامكانكم إنقاذه يوم تركتموه وحيداً.. أنتم الذين كان بامكانكم المحافظة عليه .. مؤيد نعمة غادركم بهذه الطريقة المفجعة لأنه في غفلة من الزمن وجد نفسه محاطاً بكل الناس الذين خذلوه لثلاثة عقود !! غادركم مؤيد بهذه الطريقة المدمية لأنه لا يليق بكم وأنتم لا تليقون به!! فهذا البلد لا يستحقك يا مؤيد وأنت لا تستحقه !! فنم قرير العين يا مؤيد .. فالناس الذين خذلوك والناس الذين عزلوك واضطهدوك جميعاً هم الآن في موكب عزاءك يا مؤيد !! ويودعوك سوية في رحلتك الأبدية .. فنم قرير العين يا مؤيد !! أمستردام 11- كانون الثاني - 2005
#زياد_حيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سكرتير الحزب الشيوعي العراقي: واشنطن تعمل لانقلاب عسكري
-
حكم مخفف بعد رفضه أداء دور ((رأس الفتنة)) سوريا: السجن عامين
...
-
الخلاف مستمر على علنية المحاكمة الترك يهدد بالصمت والقاضي لا
...
-
بدائل اليسار السوري
المزيد.....
-
مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
فنانة مصرية تصدم الجمهور بعد عمليات تجميل غيرت ملامحها
-
شاهد.. جولة في منزل شارلي شابلن في ذكرى وفاة عبقري السينما ا
...
-
منعها الاحتلال من السفر لليبيا.. فلسطينية تتوّج بجائزة صحفية
...
-
ليلة رأس السنة.. التلفزيون الروسي يعرض نسخة مرممة للفيلم الك
...
-
حكاية امرأة عصفت بها الحياة
-
زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة
-
أكتبُ إليكِ -قصيدة نثر-
-
تجنيد قهري
-
المنتدى الثقافي العربي ضيف الفنانة بان الحلي
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|