فيصل لعيبي صاحي
الحوار المتمدن-العدد: 1399 - 2005 / 12 / 14 - 10:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمكن اختصارسبب التقهقر والانحطاط الذي يعيشه العراقي اليوم الى كونه وضع كل ماله علاقة بالحياة في سلة السياسة . بينما اهملت نواح الحياة الأخرى وتراجع الأهتمام بها الى الخلف , ولهذا نحن لانزال ننتظر " المخلص " من مكان ما ليس له علاقة بالواقع ولا بالعصر ولا يرى اكثرنا في نفسه الثقة للقيام بالتغيير من خلال القوى الذاتية للأنسان العراقي
وضل الفكر السياسي لدينا يؤمن بالأنقلابات اكثر من ايمانه بالمؤسسات المدنية ويمجد الحزب الواحد الأحد اكثر من تمجيده للنشاط المدني والأجتماعي البعيد عن هيمنة الأحزاب والمنظمات السياسية المعروفة لدينا جيدا من خلال تأريخها الذي لايشجع عموما على الأعتماد عليها اساسا .
هذا مانراه من حصر الفكر السياسي العراقي جهوده بالسلطة والحكم وتسلم الأمور مهما كلف الأمر مع اهمال واضح لشكل الدولة وعلاقتها بالناس وكان الفهم القاصر هذا هو ديدن جميع الأحزاب وكل المنظمات النقابيةوالجماهيرية والأجتماعية والمدنية التابعة لها . هل كان هذا الميل شكلا من اشكال وثنية السلطة او عبادتها ؟ ربما اذا ما نظرنا الى امكانيات سياسيينا وقدراتهم البسيطة والمتواضعة خاصة في مجال الثقافة الديمقراطية وعلم السياسة واساليب ادارة الصراع مع المختلف والمغاير والمنافس كذلك . لقد كان كل تفكيرهم ينحصر بالسلطة وكل تغيير يجب ان يتم من خلال السلطة ولا يتصورون ان في الأمكان ان يتم التغيير بدونها او بواسطة مختلفة . ان الأنحطاط الذي يعيشه مجتمعنا هو في النهاية نتيجة طبيعية لفشل النخب السياسية عندنا وتحجر برامجها وتصوراتها للمستقبل كما انه نتيجة لفساد وجهل القادة الذين مكنتهم الظروف الغير طبيعية اساسا لقيادة احزابهم وحركاتهم السياسية الحالية , ولهذا السبب ايضا نشاهد اليوم انتشار الأفكار الغيبية والطائفية والعنصرية والعشائرية وجميع اشكال التعبير الهمجية التي تطفو على سطح الواقع العراقي . ولا ننسى طبعا دور النظام السابق في استفحال هذه الممارسات وتضخيمها ووصولها الى هذا المستوى .
كل هذا ادى الى تعميق الأزمة وتعقد امكانية حلها بفترة قريبة , لقد اصبحت الأحزاب المعارضة سابقا تمارس نفس سلوك النظام الساقط وتنظر الى المخالف بنفس المعيار العدائي الذي مارسه نظام صدام المنهار وهي تواجه منعطف اخلاقي جديد وهيكلية مختلفة اساسا عن الهيكلية التي تأسست عليها سابقا وامامها مهام صعبة للغاية في تجاوز ماضيها ومكوناته الفكرية والتنظيمية من جهة وافاق الحاضر ومداه المستقبلي القريب من جهة أخرى فما هو العمل المطلوب ؟
هناك طرق معروفة لمعالجة مثل هذه المشاكل ويعرف الجميع معظمها لكني انظر الى بعضها كمقدمات للخروج من الأزمة مثل : -
1- تغيير النظرة القديمة للأمور التي تواجه الأنسان في العراق والأعتراف بالواقع المر الذي نمر فيه لابمعنى الأستسلام له وانما بتفكيك آلياته وأعادة بنائه على أسس حديثة تتماشى مع روح العصر والتحولات الكبرى فيه مع عدم اهمال الخصائص المحلية لثقافتنا الوطنية .
2- مراجعة الأفكار والمفاهيم والأهداف.
3- البحث عن طرق جديدة اضافة للطرق المجربة سابقا.
4- تحديد واضح للموضوع و للأهداف بشكل صريح .
5- تحديد المنهج الذي يمكن استخدامه لمعالجة الموضوع .
6- ربط مجمل الأشكالات في مجتمعنا مع بعضها ككل واعتبار حركة المجتمع عبارة عن عملية مترابطة ومتحركة ايضا وليس مجرد مشاكل متفرقة هنا وهناك ليس لها علاقة مع بعضها .
7- ربط ما هو ثقافي بعملية النمو العام وبما هو تأريخي محدد بظروفه الخاصة . فالثقافة هي مجموع المعارف والقيم والمعتقدات والتجارب والأخلاق والعادات التي يكتسبها الفرد من جراء انتمائه الى جماعة معينة , اي انها جملة الأنماط التي تبدع وتنظم حقل الدلالات لدى جماعة معينة وتحدد اساليب عملها وطرق عيشها وامكانيات سيطرتها على البيئة المحيطة بها , وهي بقدر ما تبدو وكانها انتاج فردي بحت فهي في الواقع عبارة عن جهد كافة افراد المجتمع وعصارة تجاربه وملكاته المشتركة .
ان هذه العملية تتطلب منا عموما ان تكون المعرفة العلمية والمدروسة والمبنية على براهين ملموسة اساس للتوجه الجديد , والثقافة مصدر هام من مصادر الثراء الروحي للعراقيين بأختلاف مشاربهم ومعتقداتهم وقومياتهم وليس كمكون ثانوي يجري تناوله عندما يعجز السياسي او الحاكم من ايجاد مخرج لأزمة ما .
ان النقاش الدائر الآن في اوساط المثقفين العراقيين والنخب السياسية لايزال سجالا اكثر منه تشخيصا للمشكلة , خاصة بين ماهو حديث وما هو تقليدي او مفاهيم العلمانية والديمقراطية الى جانب الشريعة الأسلامية والكتاب والسنة او الأفكار المستوردة الى جانب االتقاليد والقيم والعادات التي يصورها البعض وكأنها سرمدية لاتتغير الا بكتاب سماوي او نبي مرسل ,ويحتكم اغلبية هؤلاء الى السياسي والآيدلوجي في الأمر وليس المعرفي ,وهذا مانراه في موضوعة الدستور او الموقف من المرأة او تطور العراق اللاحق ويبدو ان تجديد مفهوم العقل ضروري جدا في هذه المسألة , لأن اعتماد مفهوم جديد للعقل سيحدد لنا المشروع الأجتماعي الذي ندعو له , ومن هنا تبدو مراجعة محاولات رواد التمدن عندنا مهمة ضرورية في ايامنا هذه , لأن فهم محاولتهم كتأهيل للتمدن عندنا سيضع خطواتنا
الأولى على طريق قليل المشاكل وسريع الوصول الى الهدف المطلوب ومن جهة اخرى يجعل النظر الى التأريخ كشيء متحرك وليس كتلة صماء ودروسه كعملية تطورية غير خاضعة لأرادة خارج قدرات البشر او بعيدة عن توجهاتهم وبالتالي يمكن صنعه ولهذا نرى لكل مجتمع تأريخ خاص اضافة للتأريخ العام للبشر. ان تحرير العقل من مخلفات الماضي البغيض يعني تحرير الوعي من كهوف التحجر وجعله وعيا متحركا وقابلا للنمو والتطور والتعمق في اسرار الحياة .
ومن تجديد مفهوم العقل يمكن الذهاب تجديد مفهوم العائلة والوطن والعمل ومنه الى عقلنة الحداثة , لأن الحداثة ليست نهضة بل اسلوب عمل ونظرة الى العالم وهي ليست مشروعاحضاريا واجتماعيا شاملا بحد ذاتها كالنهضة , لأن من اشكاليات الحداثة البارزة هي خلطها بين التراث والدين وعدم التفريق بينهما , وبهذا تحولت الى علموية فارغة بعد ان اسس لها الرواد قاعدة جيدة للتقدم نحو المدنية. فأصبحت عندنا تهتم بالآيديولوجي اكثر من اهتمامها بالمعرفة والتمدن .
ان مفهوم هذه الحداثة هو الذي يفسر التطور الهائل للتكنولوجيا الذي يجعلنا نسطيع الوصول الى ابعد نقطة في الأرض بساعات قليلة ويمدنا بمعلومات هائلة من خلال الأنترنيت وبدقائق قليلة , لكنه عاجز عن ردم الهوة الحضارية والتمدن الذي يكشف عن فرق زمني يعد بالقرون بين الجنوب والشمال او بين الشرق والغرب.
ان النهضة عندنا لن تتم بدون ذات مفكرة , مستقلة و متحررة من قيود التخلف البغيضة فالمحاكمة هنا للعقل الحالي وليس للأسلاف الذين صنعوا تأريخهم بجدارة .
في ثمانيات القرن الماضي ظهر كتاب " فلسفات " عن جريدة اللوموند الفرنسية , وناقش موضوعة المثقف ومن الأسئلة التي طرحها : -
1-كيف يعرف المثقف وما هو وضعه الرسمي ؟
2-هل يجوز له القيام بنشاط سياسي او هل يجب عليه القيام بدور سياسي ؟
3- اذا كانت الأجابة بنعم , ما هو نوع النشاط ؟
4- ماهي الألتزامات السياسية المتماشية مع مهنة الفلسفة ؟
5- هل هناك فرق بين المثقف والفيلسوف ؟
6- اذا كانت الأجابة بنعم ماهو الموقف المفترض اتخاذه لكليهما من وسائل الأعلام ؟
وقد وضع بعض المساهمين في الكتاب مسؤولية التدهور على عاتق ماركس , نيتشه , فرويد وليفي شتراوس , لأن هجاء العقل والمنطق وصل الى هذا المستوى من التدني
والمثقف الذي ليست لديه ردة فعل على الأحداث يملك استعدادا في داخله لتقبل الخنوع.
وتجربة بعض مثقفينا في فترة تسلط النظام السابق تعطي امثلة واضحة على هذا السلوك مع ضرورة اخذ الأرهاب المنفلت الذي مارسه النظام عليهم بعين الأعتبار . وعلينا ان ننطلق في موقفنا تجاه مثل هذه القضايا من نظرة مكتملة وليست احادية, فئوية او حزبية ضيقة غيرموضوعية . .
هل نستطيع ان نقوم بتغيير شامل لواقعنا وحياتنا بدون نموذج معد سلفا وبدون فئة او جماعة تدعي تمثيلها لدين اوشعب اوقومية اوطبقة اوطائفة ؟
هل يمكن القيام بهذا التغيير بدون عنف او اراقة دماء او خطوط حمراء وخضراء لايمكن المساس بها ؟ .
هل نملك قوة داخل المجتمع لها القدرة على تبني مثل هذه الأفكار ؟
هل يمكن الأستعاظة عن السلطة السياسية والعمل بين افراد المجتمع من اجل الوصول الى الأهداف التي ترفع من مستوى الحياة والأنسان في عراقنا الجديد ؟
#فيصل_لعيبي_صاحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟