الحايل عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 5209 - 2016 / 6 / 30 - 08:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فقط للمسلمين الجاهلين للعقيدة المسيحية
يحز في النفس والمنطق أن نقرأ لبعض المستشرقين المهاجمين للثقافة والتراث العربي ومن ضمنهما العقيدة الإسلامية. وهؤلاء لا يجدون من المتحاورين معهم سوى مثقفين معربنين لا يثقنون لغة أجنبية ولا دراية لهم بالثقافة الغربية أو الثقافة العالمية...
فوسائل الحوار الثقافي غير متكافئة زيادة على عدم تمكن غالبية المثقفين العرب الحاليين من لغات أجنبية. فالفرق في وساعة وثقل الثقافة بين من يثقن لغة واحد ومن يثقن لغات أجنبية فرق شاسع واسع. وهذا الإختلال في موازن الحمولة الثقافية يرجح في الغالب كفة الثقافة الغربية المتحررة والعابرة للحدود على الثقافة العربية المقوقعة والمنكمشة والمنغلقة...فالمثقفون العرب في غالبتهم معربنون فقط ولا ثقافة دولية لديهم...وما يصلهم من الغرب سوى ترجمات لا تفي بالإحتياجات الثقافية الحالية...ومن تم فالتحكم في اللغات الأجنبية أو في لغة الغرب مع التحكم في اللغة العربية هو من ضمن الشروط الواجبة توفرها فيمن يخوض في الحوار الثقافي أو الثراث...فبدون إثقان للغة أو عدة لغات أجنبية يبقى الحوار حوار الصم والبكم مع المعربنين...أما غالبية المثقفين العرب المتمكنين من لغات أجنبية في الوطن العربي ( وهم قليلون) فمغمور عليهم أو مهمشون...ومن تم فهم لا يستطيعون الرد على مثقفي الغرب...
كل هذه المقدمة تصدق فيما يخص مناقشة العقيدة الدينية لدى العرب ولدى الغرب. وتبعا لذلك فغالبية من يدافعون على العقيدة الدينية الإسلامية جلهم لا يثقن لغة أجنبية أو إن أثقنوها فهم لا يستعملونها في مجالها ولا يستشفون منها مباشرة ثقافة الغرب وعقيدته المسيحية...
فعلا، كثير هم المسلمون الذين لا يعرفون المسيحية ولا تعاليمها ورغم ذلك فهم ينقضونها ويتجاهلونها وينقمون عليها بواسطة آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو من خلال استعمال الثقافة العربية. لكنهم في حوارهم هذا مع المسيحيين لم لا يستطيعون إقناع المسيحيين كما يستطيع هؤلاء إقناعنهم. والسبب في ذلك هو أن الإقناع بالوثيقة التي ندعي صحتها ليست منطقيا أقوى من الوثيقة التي يدعي غيرنا صحتها. فالمسيحيون يريدون إقناع المسلم بديانتهم بواسطة الإنجيل وبواسطة ما جاء في القرآن والحديث، والمسلمون يودون لو أقنعوا المسيحيين لكن فقط بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية. والفرق في ثقل الثقافة وسعتها. وهذا هو سر حوار الصم البكم بينهما...ففي نظرنا، فبالقرآن والحديث لا يمكن أن يحتج على مساحي فيما يدعيه من أفكار واعتقاد ديني، والأفضل أن يناقش المسلمون ويجادلوا ( برفع الياء) المسيحين بما ورد في الإنجيل نفسه وذلك بعد قراءة الإنجيل قراءة تمكنهم من الإطلاع على ثقافة وثرات الغرب...
وفي الآونة الأخيرة يظهر على الشاشات التلفزيونية مفكرون من مسيحيي العرب لهم ثقافة عربية وإنجليزية أو أو عربية وفرنسية أو عربية وإسبانية، ولهم من الثقافة ما هو أوسع من فقهاء الكثير من المسلمين المعربنين الغير العارفين للغة أجنبية.
فعلا، هناك مفكر مغربي مسيحي الإعتقاد إسمه رشيد ينتصر للمسيحية ويدعي أشياء غير صائبة كليا. لكنه عميق المنطق والفهم. ومن تم نخصص هذا المقال للرد عليه، وفي نفس الوقت نبين لمن لا يعرف العقيدة المسيحية بعض ما جاء في الإنجيل لكي يكون على بينة من أن الإنجيل فيه كثير من الأفكار الإسلامية والعكس صحيح...
1) السيد رشيد المغربي يقول أن القرآن يصر على وجود سبع سماوات في وقت لا توجد فيه سماء.
الجواب هــو أن الســـيـــد رشــــيــــد يعـتـبـر نفـسـه مسيحيا ويومن بمـا في الإنجــيل. لكنه ينكر على المسلمين ما يجب إنكاره عليه هو نفــســه. فالإنـجـــــيــــل يـــذكــر هو أيضا أن هـــناك عــــدة سمــــاوات. ففي الفقرة التي يتحدث فيهــــا عــن الصـــــلات الربانية notre dieu qui est aux cieux ( la prière divine)، وحـــيـــن يـــتـــحــــدث عـــــن وجـــود الــــــرب في الســـمــــــاوات « le Royaume des cieux » ( la guérison du serviteur de l’officier) , « le Règne des cieux »فهو يعترف ويقر في عدة مواقف وبعدة فقرات بوجود عدة سماوات.
ومن تم فالقول بأن القرآن حين يعتقد بوجود سبع سماوات فهو يخالف العلم ويخالف العقل ( بمجرد القول بذلك) هو قول لا يستقيم ولا أساس له من الصحة.
فالإسلام كالمسيحية يؤمنان معا بأن هناك عدة سماوات...وإذا لم تكن سبع سماوات موجودة ( احتمالا، لأنه لا دليل على عدم وجودها) فالقرآن أخطأ كما أخطأ الإنجيل قبله...
2- عندما يقول بعض المسيحيين أن الله هو المسيح بن مريم فهم يخالفون حتى ما هو مكتوب في الإنجيل. فعيسى بن مريم، حسب الإنجيل، حين كان يتحدث للناس كان يقول " الرب الذي هو في السماء" ولم يقل قط أنه هو نفسه الرب أو الله.
ومن تم فالقرآن في رأيته وحديثه عن المسيح لا يعتبره لا ربا ولا الله بل رسولا لبني إسرائيل...فما جاء في القرآن متناسق مع ما جاء في الإنجيل في هذه النقطة...لكن على العكس من ذلك فبعض المسيحيين يقولون بأن المسيح هو الله. وهم بذلك يخالفون ليس فقط القرآن بل الإنجيل أيضا.
فالمسيح كان يعتبر الله أباه ولم يقل أبدا بأنه هو الله. والدليل على ذلك هو أنه في الفقرة المسماة مثلا « confessez et reniez Jésus » " الإعتراف بالمسيح أو نكرانه" :
C’est pourquoi, tous ceux qui se déclareront pour moi devant les hommes, je me déclarerai moi aussi pour eux devant mon Père céleste »
" كل من يعترف بي أمام الناس، أعترف أنا أيضا به أمام أبي الذي في السماء؛ وكل من ينكرني أمام الناس، أنكره أنا أيضا أمام أبي الذي في السماوات".
3- أما فيما ينسبه بعض المسيحيون لمحمد عليه السلام من عنف في قرآنه ورسالته في موضوع النساء، نقول لهم أن في الإنجيل عدم مساوات بين المرأة والرجل، وعنف ضد المرأة، بل أن المرأة في الإنجيل محقرة ومدموم. حيث جاء في خضم الحديث عن الزوجات والأزواج مثلا :"أيتها الزوجات، اخضعن لأزواجكن، كما للرب. فإن الزوج هو رأس الزوجة كما أن المسيح أيضا هو رأس الكنيسة ( حسده)، وهو نفسه مخلص الجسد. فكما أن الكنيسة قد أخضعت للمسيح، فكذلك الزوجات أيضا لأزواجهن، في كل شيء"
وبالفرنسية نقرأ هذه الفقرة من الإنجيل كالتالي :
« Le mari, en effet, est le chef de la femme comme le Christ est le chef de l’Eglise qui est son corps et dont il assure la vie. Mais comme l’Eglise se soumet au Christ, de même les femmes se soumettent en toutes circonstances à leurs maris… »
4- وحين نقرأ الإنجيل نحس بالعنف والشدة على البشر في غالب الأحيان. والدليل على ذلك مثلا هو الفقرة المسماة " يسوع والعالم". ففي هذه الفقرة نقرأ بلسان عيسى بن مريم : " لا تظنوا أني جئت لأرسي سلاما على الأرض. ما جئت لأرسي سلاما، بل سيفا. فإني جئت لأجعل الإنسان على خلا مع أبيه، والبنت مع أمها، والكنة مع حماتها،. وهكذا يصير أعداء الإنسان أهل بيته. ومن أحب أباه أو أمه أكثر مني، فلا يستحقني. ومن أحب ابنه أو ابنته أكثر مني، فلا يستحقني...."
وبما أن العنف هو أنواع وفيه الضاهر والباطن، فالتوضيح السابق يمكن أن يكون جوابا عما جاء في الجرائد كجريدة " شارل إبد" Charlie hebdo » « من كاريكاتورات ضد الإسلام والمسلمين...فعوض أن يفجر متخلف إرهابي نفسه على أبرياء كان عليه أن يناقش ثقافة الغرب من داخلها...
5- يقول الإنجيل أيضا في موضوع العبيد وذلك في الفقرة الخاصة بالسادة والعبيد : " أيها العبيد أطيعوا سادتكم البشريين بخوف وارتعاد، من قلب صادق، كمن يطيع المسيح، ...بل انطلاقا من كونكم عبيدا للمسيح...".
أين هي الرسالة الإنسانية الخالدة في الإنجيل إذن ؟
فالإنجيل كالقرآن كلاهما له نفس النظرة لعبودية البشر للبشر. لكن الفرق هو أن الإسلام يحرض على التحرر من العبودية ويأمر بتحرير العبيد ولو بالتمرد على السيد...زيادة على إيمانه بحتمية التدرج من العبودية إلى التحرر من سيادة البشر على البشر...
تتمة فيما بعد...
الحايل عبد الفتاح، باحث ومستشار قانوني من المغرب، بتاريخ 20 / 06 / 2016
#الحايل_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.