أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جودت هوشيار - أوجه الإختلاف والتشابه بين الصحافة والأدب















المزيد.....

أوجه الإختلاف والتشابه بين الصحافة والأدب


جودت هوشيار
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 5208 - 2016 / 6 / 29 - 16:58
المحور: الادب والفن
    


إستهلال :
لا أحد يعرف على وجه الدقة ، هل الأدب أقدم من الصحافة ، أم الصحافة أقدم من الأدب؟ . بعض المؤرخين الغربيين يطلقون على الصحافة اسم ( ثاني أقدم مهنة في التأريخ) ، ويجزمون ان مهنة (بيع الهوى) ، هي أول وأقدم مهنة عرفها الجنس البشري . ولكن لا توجد شواهد أثرية أو تأريخية تؤكد هذه المزاعم ، في حين توجد أدلة قاطعة على ممارسة الأنسان البدائي – ذكراً كان أم أنثى - لحرف ومهن حياتية وعملية ، ضرورية لأستمرار الحياة ، ولم يكن بينها ،هاتان المهنتان .
الأدب قديم قدم الأنسان ، ويحدثنا علماء الآثار والأنثربولوجيا عن نصوص أدبية يعود تأريخها الى اربعة آلاف سنة قبل الميلاد ، مثل التراتيل الدينية والأساطير والملاحم ، ومن ابرزها ملحمة جلجامش ، في بلاد الرافدين . وكتاب الموتى ، وأناشيد الرعي والأستسقاء والعبادة والغزل في مصر الفرعونية . والذاكرة الإنسانية حافلة بالأعمال الأدبية الخالدة مثل " الألياذة " و" الأوديسا " لهوميروس ، ناهيك عن قصص ألف ليلة وليلة ، وكتاب كليلة ودمنة . كل هذه النتاجات الأدبية كتبت قبل أن يظهر للوجود أبسط شكل من أشكال الصحافة البدائية .
يقال بأن أول (صحيفة) في العالم صدرت في روما سنة 85 قبل الميلاد ،بأسم ( الأعمال الرسمية ) أسسها الأمبراطور يوليوس ، الذي أمر كبار موظفي دولته أن يدونوا جميع أعمالهم على لوح يعلق في الميادين عامة ، ثم صدرت (صحيفة) أخرى كانت اكثر انتشارا لأنها كانت تنشر أخبار الخاصة والعامة .
الصحافة في بداية ظهورها لم تكن منتظمة الصدور، ولم تنشأ أول صحيفة دورية ، الا في سنة 1631 في فرنسا . اما في العالم العربي ، فقد نشأت الصحافة على أيدي الأدباء والنقاد الرواد. ويكفي إلقاء نظرة على تأريخ الصحافة العربية ، وتراجم روادها الأوائل ، في كل من مصر ولبنان والعراق ، وفي سائر البلدان العربية ، لأثبات هذه الحقيقة الموثقة.
الصحافة والأدب نوعان من الإبداع اللفظي . الصحافة حرفة أو مهنة يمكن تعلمها ، أما الأبداع الأدبي ، فهو فن التعبير بالكلمة، لا يتيسر الا لصاحب موهبة فطرية ، بذرة الموهبة يمكن تنميتها بالمرانة ومعاودة النظر ، ولكن بدون الموهبة لا يوجد أديب حقيقي . أي ان الكتابة الأبداعية أكثر من مهنة أو صنعة .
أوجه الأختلاف :
1- تقوم الصحافة على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور وغالبا ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة الداخلية والخارجية ، أوتتناول شتى جوانب الحياة السياسية والأقتصادية والثقافية والأجتماعية والرياضية وغير ذلك. وأغلب ما يكتبه الصحفي يستند الى وقائع وأحداث حقيقية واناس حقيقيين . الصحفي المحترف هو في خضم الناس والأحداث دائماً ،ومثل الجندي في خندق القتال ، في حالة استنفار دائم . اما الأديب فأنه يعمل ، في عزلة وهدؤ ، عندما يأتيه الألهام ويكتب في تأمل وروية في البيت أكثرالأحيان ، وان كان بعض كبار الروائئين والشعراء اعتادوا الكتابة في المقاهي أيضاً .
2- الصحفي العامل في الصحافة اليومية أو الأذاعة أو التلفزيون ، لديه مواعيد محددة لأنجاز ما كلف به من أعمال .وكلما اسرع في عمله كان ذلك افضل . فهناك المنافسة والسبق الصحفي ، وليس لديه الوقت الكافي لأعادة كتابة المادة الصحفية أكثر من مرة . أما الأديب فأنه يصرف الجزء الأكبر من وقته ليس في كتابة النص الفني فحسب ، بل في صقله على هواه ، فهو يقدم ، ويؤخر ، ويضيف ويمحو ، ويغيّر هذه الكلمة أو الجملة أو تلك ، وفي معاودة النظرفيه اكثر من مرة ، فهذا هو عمله الأساسي. من يصدق أن عبقرياً مثل ليف تولستوي كان يعيد كتابة فصول رواياته الطويلة مرات عديدة ، وكذلك هيمنجواي الذي أعاد كتابة بعض فصول رواياته عشرات المرات ، وهي ظاهرة شائعة لدى معظم الأدباء الروائيين . أما في الشعر ، وكان الشاعر الرائد والمبدع بدر شاكر السيّاب يقول ، أن مهمة الشاعر الرئيسية هي الحذف والأختصار . واذا كان المقال الصحفي يمكن كتابته – اذا لزم الأمر – خلال بضع ساعات ، فأن الرواية قد تستغرق كتابتها عدة سنوات.الصحفي عندما يتناول الصحيفة في الصباح فأنه يرى ثمرة عمله بالأمس ،. اما الكاتب فأنه ينتظر احياناً سنوات لأصدار كتابه الجديد.
3- يبدو لي ان الفرق الجوهري بين الصحفي والأديب . هو درجة الحرية الشخصية التي يتمتع بها كل منهما . الصحفي لا يمكنه أن يكتب حسب هواه ، بل يلتزم بالسياسة التحريرية للصحيفة التي يعمل بها ، ان لم يكن هوشخصيا مالك الصحيفة . أما الأديب فلا رقيب عليه سوى عقله وضميره وذوقه الفني .
- 4 - الشيء الرئيسي في الصحافة هوالمحتوى الموثوق ، ولكنه يتقادم بسرعة . فعمر المادة الصحفية هو المسافة الزمنية التي تفصل بين صدور عددين من الجريدة أو المجلة . أما الأدب فلا يتقيّد بالحاضر ، بل لا يتقيّد بزمان ولا مكان ، وقيمته الحقيقية تكمن في مستواه الفكري والفني . وما يبدعه الأديب يظل حياً ومقروءا لعشرات وربما لمئات السنين.
5- الصحافة ، بمفهومها الحديث حرفة أو مهنة لها اصولها وقواعدها ويمكن تعلمها ، في كليات ومعاهد الصحافة أو خلال العمل الصحفي . أما الأبداع الأدبي ، فإنه موهبة فطرية ، يتمتع بها قلة نادرة من الناس . بذرة الموهبة يمكن تنميها بالمرانة ومعاودة النظر ، ولكن من يفتقر الى هذه البذرة لا يمكنه خلق نتاج إبداعي حقيقي .
6- لغة الصحافة واضحة وبسيطة ومرنة تنبض بالحياة ، والصحفي يحاول اجتناب الغموض ويتوخى مرضاة القاريء ، ولهذا فأن المواد الصحفية في متناول الجمهور العام . أما الأدب فأنه يمتاز بلغته العالية وأسلوبه الرفيع ، ويوجه في المقام الأول للنخب الثقافية التي تتذوق الأدب وتنشده ، وتستمتع به . بعض الكتاب عندما يكتبون مقالات صحفية بأسلوبهم المعهود في الأدب ، لا يدركون ان القاريء ليس لديه وقت لأستخراج الحقائق والمعلومات من عباراتهم الأنشائية الملتوية الغامضة .
7- الصحفي في بلادنا يمكن أن يكسب لقمة عيشه من عمله ، أما الأديب - الذي ليس لديه مهنة أخرى يعتاش منها - فأنه يعاني أشد المعاناة في حياته الخاصة وفي نشر نتاجه الأبداعي – شعراً كان أم نثراً فنياً - وتوزيعه الذي يستنزف الكثير من الوقت والجهد والمال ، ويعجز عن تأمين حياة كريمة له ولعائلته اذا كان ما يبدعه فوق مستوى الجمهور ولا يلقي رواجا في السوق . .
8- الصحافة أداة فعالة وقوية في التأثير ليس في الرأي العام فقط ، بل أيضاً في السلطات الثلاث (الحكومة ، والبرلمان ، والقضاء ) . ولهذا يطلق على الصحافة مسمى " السلطة الرابعة " . الأدب لا يمكنه ان يمارس مثل هذا التأثير المباشر والسريع .
أوجه التشابه :
1 - الصحافة مدرسة نافعة للأديب ، يستفيد من خبرة العمل فيها في ادامة وتعزيز اتصاله بالناس وتوسيع آفاق رؤيته للحياة والعالم ، مما يشكل معيناً لا ينضب لتجربته الأدبية . وقد عمل العديد من كبار الأدباء في العالم كمراسلين صحفيين لسنوات طويلة . منهم هيمنجواي ، الذي اتاح له عمله في ميادين القتال ، ان يكون شاهد عيان على مآسي الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية الأسبانية ، وانعكس كل ذلك في رواياته وأقاصيصه . كما أن الكثير من الكتاب الكلاسيكيين عملوا في الصحافة ومنهم أنطون تشيخوف ، ومارك توين ، و ريمارك ، واورويل الذي ظل طوال حياته يمارس كلا النوعين من الأبداع ، وقال عنه النقاد أنه أعظم كاتب مقالات في الصحافة الغربية الى جانب كونه روائيا كبيراً.
2- يقال ان «كل أديب صحفي، وليس كل صحفي بأديب". ولكن هذه المقولة ليست دقيقة . صحيح ان الصحافة قامت على أكتاف الكتاب ولكنها لم تعد كذلك منذ زمن طويل. بل تحولت الى صناعة ، في حين أن الشهرة الأدبية للعديد من الأدباء ترجع الى عملهم الصحفي ، وقد خدمتهم الصحافة في استكشاف إمكانات التعبيرعن أنفسهم وتحسين اسلوبهم وتطوير لغتهم نحو مزيد من المرونة والوضوح
• 3- العلاقة المتداخلة بين الصحافة والأدب .ليس وليدة اليوم بل قديمة ، ويمكن اعتبار العديد من نتاجات الكتاب الكلاسيكيين روايات وثائقية بنيت على وقائع واحداث حقيقية . وقد أخذت هذه العلاقة تتعمق وتتسع منذ الستينات من القرن الفائت ، ونجد اليوم ان الكثير من الروايات العالمية مبنية حول أشخاص حقيقيين وأحداث حيّة وواقعية . انهم يكتبون ما حصل في الواقع ، لتتخذ نتاجاتهم شكل الوثيقة ، وهذا النوع من الأدب يمكن تسميته بالأدب الفني - الوثائقي ، أو الأدب غير الخيالي . وبذلك أخذت الحدود بين الصحافة و النثر الفني تتلاشى . وهذا ما أقرت به لجنة نوبل حين منحت جائز الآداب لعام 2015 الى الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا الكسيفيتش ، التي تنتمي رواياتها الست الصادرة لحد الآن الى هذا النمط غير الخيالي . وليس من السهل على الناقد الأدبي اليوم ، ان يميز بين القصة الخيالية وغير الخيالية ، ناهيك عن القاريء العادي .
4- لا ينبغي لنا أن نتساءل بعد اليوم أيهما أهم ،وأكثر التصاقاً بالحياة : الصحافة أم الأدب ؟ بعد أن أصبحت الفنون الصحفية والسردية متداخلة . الصحافة توظف اللغة الأدبية في المقال والأعمدة والتحقيقات الصحفية ، والأدب يستمد مادته مما يحدث على ارض الواقع ويغتني بالفنون الصحفية . ولقد ظهرت في البلدان الغربية في الآونة الأخيرة روايات مستوحاة من الصحافة الألكترونية وما توفره من معلومات ووسائل تفاعلية ، ولم تصل هذه الموجة الينا بعد ، كما لم تصل من قبل الرواية غير الخيالية، المتعددة الأصوات رغم مرور ستة عقود على ظهورها في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

جــودت هوشيار



#جودت_هوشيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبدالوهاب البياتي في موسكو ... ملاحظات وإنطباعات
- متعة القراءة العميقة
- سحر الإستهلال الروائي الجاذب
- حيّوا معي هذه السيدة العظيمة
- من هو الكاتب الحقيقي ؟
- في حضرة ناظم حكمت
- عودة مدهشة للروائية الأميركية هاربر لي
- مناورة بوتين الذكية !
- ترومان كابوتي ... العبقري الذي جنى على نفسه
- الصحافة الجديدة
- قصة ( ميلاد عبقري جديد ) لأندريه موروا : حين يتحول الفن الى ...
- أشهر الأخطاء المطبعية في تأريخ الصحافة العالمية
- مكتبة -سربستي-.. صفحة مشرقة من تاريخ أربيل الثقافي
- هل يمكن للكتب أن تغيّر العالم ؟
- عندما لا تثمرالمعاناة عن الحرية !
- أربعة كتب جديدة للدكتورة شكرية رسول
- ثمن إستفزاز الدب الروسي !
- ليونيد أندرييف : قصة لا تنتهي
- مزحة العبادي
- يفغيني يفتوشينكو : الشاعر في روسيا أكثر من شاعر


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جودت هوشيار - أوجه الإختلاف والتشابه بين الصحافة والأدب