|
المتدين وفلسفة الأخلاق والتفاضل
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5206 - 2016 / 6 / 27 - 19:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المتدين وفلسفة الأخلاق والتفاضل
إذا كان الدين كمنجز غيبي بمعنى أنه خلق من قوة لا بشرية فرض وأحكمت قواعده بموجب علاقة متعالية فلا داع للبعض أن يفخر على البعض بالانتماء له على الأقل من الجانب الأخلاقي، أما لو كان هذا الدين ودائما أكرر مقولة أنه كفكر مجرد فقط بعيدا عن صور التدين اللاحقة به هو منجز بشري، فيكفي أن أسس أخلاقيات الدين تدفع المتدين أن يكون أكثر قدرة على تجسيد مفهوم الأخلاق واقعا، وبالتالي في الحالتين على المتدين الأصولي والمتدين بالفطرة أن يعط للناس صورة حقيقية عن أخلاقيات الدين قبل أن يطلب منهم أن يفرزوا له منزلة السيادة، وكأن ما يؤمن به يجب أن تكون له ضريبة واجبة الدفع علينا نحن الأخر. الملاحظ في الواقع أن القيم الأخلاقية والتي هي جوهر فكرة الدين وعماد مؤسساته العقلية ينحى جانبا لمصلحة الطقوس وتستبدل القيم بالممارسات، وهذا تغيب حقيقي لمعنى وماهية الدين، لا نختلف في أن الدين في جزء منه ممارسة والتزام وتطبيق لكنه أيضا ليس كل الدين وحتى هذه الممارسات والسلوكيات الإلزامية إن لم تكن لها وازع أخلاقي تربوي، تخرج الدين من دائرة الأحترام ودائرة الإرشاد، الممارسة الدينية وسيلة عملية تربوية تهذب وتنشئ فرد متماسك بين حدي الإيمان وحد الخلق، لذا فليس غريبا أن يخاطب النص الديني النبي بأنك على خلق عظيم لأنه على إيمان عظيم وتدين أعظم. ترابط الوازع الأخلاقي السليم والإيجابي مع وجود الدين ينبئ بحقيقة أن الإنسان الذي يبحث عن الدين هو إنسان لديه مقدار مهم وفاعل من الحس الأخلاقي يدفعه للبحث عن صور أكثر إيجابية مما يعتمد من سلوكيات وأفكار أخلاقية، بغير هذا الواقع لا يمكننا أن نعتمد مقولة أن الدين مصدر أخلاقي أساسي بل الأخلاق مصدر أساسي للإيمان بالأديان، وهنا نستحضر مقولة الرسول الأكرم ص (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والإتمام يستوجب حضور القيم الأخلاقية وإن كانت غير تامة بل تثبت إن المقدمة الأخلاقية هي المبرر الأول لبروز ظاهرة الديت وعلة وجود. الموضوع الذي حرك هذا البحث ودفعنا للكتابة عنه هو تحديد معنى ومستوى الأخلاق عند المتدين، الصورة قد تبدو مختلفة بين الكهنوتي الديني لها وبين الأخلاقي الذي يؤشر لحقيقة أن الإيمان بالأخلاق يستوجب الترفع عن التمايز أولا، التمايز القائم على الأنتساب للدين أو التمايز القائم على درجة التدين، كل الإنسان واحد أخلاقيا وكل الإنسان مستوجب أن يعامل بمستوى أخلاقي يرتقي بالوجود إلى مفهوم الوحدة الإنسانية بعيدا عن العناوين حتى ما يتعلق منها بعلاقته بالدين أو التجرد منها، الديني يذهب خلافا لأصل العقيدة وفكرة الدين أن الإنسان ليس واحد ولا يمكن أن يكون كذلك لأن المؤمن له درجة أفضل على اللا مؤمن وأدلته النقلية كثيرة، وفضلنا بعضكم على بعض وحتى في مستويات الأنبياء، هذا الفهم مغلوط من أساس المقارنة وحيثياتها. هناك فرق مهم وجوهري بين التفاضل بالإيمان داخل المجموعة المؤمنة وبين التفاضل بالإنسانية داخل المجموعة البشرية، في الأولى تفاضل نوعي مرتبط بالالتزام الحر بالدين فهو ملزم بما ألزم نفسه بمحدد، وبالتالي التفاضل هنا أختياري يمكن أن يناله أي مؤمن بالعمل أي أنه تفاضل ذاتي خارج عن موضوعية الأخلاق العامة، التفاضل الأخر هو تفاضل قائم على كونية أسية هي أن الإنسان كمخلوق لله وخاضع لإرادته لا يغني عن هذه الحقيقة أن الإنسان اللا مؤمن بالله بل وحتى العدو المفترض لله لا يكون تحت ولاية الخالق ولا يعني خروج عن إرادته، المؤمن والكافر كلاهما أمام الله نتاج واحد وعلى خط من الأهتمام واحد، المؤمن والكافر كلاهما خاضعين بكل أشكال القدرة الربانية بمستوى واحد مثلا بالرزق أو الموت أو الحساب. إذن لا يفرق الكافر عن المؤمن بحسب الولاية عند الله وكلاهما مسئولية الرب وحده، المؤمن بالدين والمؤمن بالله غير ملزم أن يفرق بهذه الحالة ويتعامل بإنتقائية على أساس فكرة الدين أو فكرة الإيمان، فالخلق كما ورد بالأثر كلهم عيال الله وعلى المتدين وخاصة صاحب حق التشريع التبعي أن يعي هذه الحقيقة وأن يترك أمر التفضيل لله وحده ويتعامل بأس أخلاقي واحد تبعا لذلك، (لو كنت فضا غليظا لأنفضوا من حولك) هذا الخطاب لنبي وليس لفرد عادي في محاولة تصويب لقيم أخلاقية في التعامل مع الإنسان مؤمن وغير مؤمن، وتبعا لذلك على المتدين أن يكون وفقا لهذا المثال أكثر أخلاقية وأرق في التعامل مع الأخر المختلف ليك يطبق دينه أولا ويجسد مفهوم التفضيل الرباني على أرض الواقع، وبذلك يخرج الفرز الديني والتصنيف الإيماني من دائرة العلاقة الفردية الله العبد إلى واقع أخلاقي أكبر هو الله الخالق والفرد المخلوق، وكلكم من آدم وآدم من تراب. ملخص ما يمكن أن نقوله يجب أن لا نجعل من الدين إطارا للأخلاق ونحصر القيم الأخيرة بما نؤمن به، فنكون قد قزمنا موضوعية الدين وأخرجنا الإنسانية من عظمتها لنجعل منها دائرة متضايقة على فكرة ضيقة ونجعل العلل نتائج والنتائج سبب، لا بد أن نؤمن قبل أن نتعبد بالدين ونمارس الطقوس ونبني سلوكيات نعتقد أنها تعكس واقع الدين أن نفهم أن لا دين بلا أخلاق ولا أخلاق خاصة بالدين خارج إطار الإنسانية الكلية، الدين يمثل شكل متطور من قيم أخلاقية أساسية تشترك الإنسانية جميعا في بنائها ويحرص الدين أن يرتق بأفضل ما يمكن من القيم، ليكون الوجود أخلاقيا بأمتياز عبر فهم معنى الأخلاق، على أنها تمكين الإنسان من أن يكون طبيعيا ككائن متصالح مع الواقع الأكثر إيجابية ليعيش بسلام ويخرج أفضل ما يمكن من قواعد تعايش مع الأخر، دون أن يتحمل الأخر تبعات خيار أو التزامات غيره.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خالتي العجوز ونبوءة المطر
-
العراق وأزمة الهوية.
-
البيان المدني
-
انا لون الرماد ...طز بالحجر
-
نحن والعمة بريطانيا
-
كوميديا السارق والسارقة باللون الاحمر والاخضر
-
الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح4
-
إسلام معاصر ومسلمون تحت الوصاية ح 2
-
أسلام معاصر ومسلمون تحت الوصاية ح1
-
الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح3
-
الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح1
-
الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح2
-
ماذا نريد من الله ... الكلمة الأخيرة.ح3
-
لو أصبحت رئيسا للوزراء هذه خطواتي الأولى...ج2
-
ماذا نريد من الله ... الكلمة الأخيرة.ح2
-
لو أصبحت رئيسا للوزراء هذه خطواتي الأولى...ج1
-
ماذا نريد من الله ... الكلمة الأخيرة.ح1
-
ترانيم الصباح ...أمنيات لا ترفع للسماء
-
من سلسلة _ جدلية الزمن والمكان في النص الديني ح4
-
من سلسلة _ جدلية الزمن والمكان في النص الديني ح5
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|