غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 5206 - 2016 / 6 / 27 - 13:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الــصــمــت عن الــخــطــأ... خـــطــأ...
والصمت عن الجريمة.. مشاركة بالجريمة.
غالب الانتقادات التي كانت توجه لي منذ كان عمري ثلاثة عشر أو أربعة عشر سنة, وحتى كتابة هذه السطور.. بأنني أتدخل بما لا يعنيني.. وهذا الانتقاد طبيعة موروثة لدى المشرقيين والعرب بشكل عام. وخاصة بكل ما يتعلق بالسياسة, أو بالموروثات الاجتماعية العادية التي فرضتها علينا العائلة أو العشيرة أو القبيلة أو المدرسة.. ومن فوق كل هذا السلطة.. لأنك إن فكرت.. إن تبقت عندك أبسط إمكانية تحليل أو تفكير.. مجرد أن تبدأ التفكير والتحليل.. تعتبر العائلة ثم العشيرة والقبيلة والمدرسة والسلطة.. أنك خارج عنها.. مهددا لديمومتها وموروثاتها.. وخاصة لدينها. وهكذا يمكن لهذه الحلقات المتدرجة بالسلطة من العائلة حتى الحاكم.. قــطــع أرزاق وأعناق كل من يفكر ويحلل... وكانت هذه هي القاعدة والشريعة.. في البلدان التي ولدنا فيها... وما زال منذ خمسة عشر قرن حتى اليوم...
والمحزن والمؤسف أنها هذه أيضا الحالة الفكرية والاجتماعية, لجاليتنا السورية, وجالياتنا العربية التي تعيش, في الغرب من سنوات قسرا أو اختيارا أو لمصالح رأسمالية ملونة الشكل والغاية.. وزعمائها المختلفي اللون والمصالح الرأسمالية والاجتماعية المختلفة اللون والشكل والغاية, والتي تحدد غالبا ــ كعاداتنا ببلدان مولدنا ــ حسب الثروة وانتفاخها المشروع أو غير مشروع ــ لا حسب الثقافة والمعرفة الحقيقية... أو إنسانية صاحبها وما يقدم لوطنه أو مجتمعه...
غالبهم ينتقد كتاباتي التي اعبر فيها عن اعوجاجات أقوالهم وكتاباتهم ( إن صح تعبير القول والكتابة).. معتبرا أنني أتدخل بما لا يعنيني.. وما علي سوى الاهتمام بصحتي ومعيشتي اليومية.. وأنهم يعتبرون أنني بعد ثلاثة وخمسين سنة من وجودي بفرنسا.. لا أملك أي شــيء.. لا أملك ثروة ولا بيتا.. وما زلت أسكن بالإيجار.. رغم ثقافاتي وعلاقاتي.. مما يزيد قناعتي بغبائهم وتصحرهم وجمودهم.. وحتى أخطائهم وجريمتهم. لأن كل تجاراتهم وأفكارهم ونتائج تجاراتهم وأفكارهم وتجمعاتهم.. كانت خلطات مكركبة ضد الصح والصحيح والتطور.. هــنــاك وهــنــا.. ضد كل حقيقة وتطور وحضارة وصواب.. حتى مؤلف حكمتهم اليومي الذي ينشر كل يوم حكمة إلهية منسوخة.. ينشر موجات مكثفة من الغباء (البعثي) المنسوخ.. كأننا ما زلنا بتجمعات هناك الغنمية... عاطيا لنفسه هالة وزير الحكمة.. تحت عباءة رئيس عشيرة... فكيف تريدونني أن أصمت عن كل هذا.. وأنا منذ بداية بدايات فتوتي, لم أصمت حتى عن أبسط من هذا الغباء وهذه الأخطاء.. بباحة المدرسة الابتدائية. مما جلب على رأسي غضب العائلة والعشيرة والقبيلة والكنيسة والسلطة.. ولم أتغير و لن أتــغــيــر رغم ثقل السنين.. وفقدان أوكسيجين الحياة والحقيقة.. وانتشار الغباء والتفاهة والعادات والشرائع والقوانين.. بكل مكان... هـــنـــاك.. و هـــنـــا...
حتى أصدقائي الذين يخشون من تعبي وإرهاقي وغضبي الذي ينهك جسدي, يرددون لي صدق خوفهم على صحتي بترديد صراخي بوديان الطرشان والعميان.. بلا نتيجة.. حيث الأكثرية بل كل الأكثريات.. تتبع الدارج والمعتاد كالغنم.. وتطبل من ولاداتها للزعيم وللرئيس وأمير القبيلة والعشيرة.. وتعبد الحاكم والسلطان.. وكالأغلبية.. تنتظر حل همومها وأمراضها وفقرها الفكري والاجتماعي.. بليلة القدر.. أو شفقة الرحمن... علما أن الآلهة غادرتنا ــ تــعــبــا ويــأســـا ــ من أقدم الأزمان!!!...
ولكنني, يا من تبقى من الأحبة لن أغير ولن أتغير... لأن قناعتي بما أكتب عن مجتمعاتنا وعن أمراضنا التاريخية.. قناعة إنسانية رياضية (من الرياضيات وليس الرياضة) كاملة مؤكدة من سنوات تجاربي مع البشر.. من الإنسان الفقير التحت العادي الذي لا يكذب ولا حاجة أن يدجل ويكذب.. حتى الزعيم الذكي المخادع الشرير جيناتيا من ولادته.. مئات ومئات من كل الجنسيات والبشر.. بمدرسة الحياة بكل غابات العالم ومدن العالم.. وببحور حضاراتها وأخطائها وحسناتها وسياساتها المختلفة... ولا أقول أنني أمتلك الحقيقة الكاملة.. كلا وألف كلا.. ولكنني وصلت إلى اللقاح ضد ســرطانات الـــشــر الآني المخبوء برؤوس أنواع من البورجازية والطبقات الإنسانية التي لا تــؤمــن بأي شــيء من مبادئ الإنسان الطبيعي.. نوع من البشر يعبدون ورقة خضراء.. مهما اختلقت الأرقام التي تحدد قيمتها, تحمل التعبير التالي "In God we Trust بالله نحن نؤمن"... اسمها الدولار... ولا قناعة إنسانية داخل مخوخهم أو أمخاخهم العجيبة الغريبة... وإن صمتت عنهم.. اعتبر نفسي شــريـكا معهم بكل ما حملوا وسببوا من تفريغ الإنسانية من مكوناتها ومبادئها.. وتصحيرهم لها... هؤلاء.. هذه الفئة من البشر التي لا تؤمن سوى بالغنى( المادي الدولاري) المشروع أوغير مشروع.. كقاعدة لحياتها وعلاقاتها مع الآخر.. هم دوما شــركاء مع أي حـاكم أو سلطان.. لأنهم لا يؤمنون سوى بالمثل السوري المهترئ التالي " اللي بياخد أمي بسميه عمي " ... هؤلاء لا يمكن أن أصادقهم يوما واحدا.. وليسوا أبدا رفاقي أو أصدقائي.. هـم خطر المجتمع النائم.. بكل مكان.. هــنــا وهــنــاك...........
*************
عــلــى الــهــامــش :
ــ خــرافــة الــمــســاواة (قصة واقعية حقيقية)
كتبت صديقة لي وهي طبيبة سورية, تخصصت هنا بفرنسا بامتياز لمدة خمسة سنوات, بأحدث المستشفيات الجامعية, وعرضت عليها عدة مناصب طبية مغرية جدا لتبقى بفرنسا.. وأنا شــاهد على ذلك.. ولكنها آثرت أن تعود لسوريا لتخدم بلدها وشعبها.. وذلك منذ عدة سنوات قبل هذه الحرب البغيضة الآثمة... لنعود لقصتها... كتبت صديقتي بأنها فقدت هويتها النقابية كطبيبة.. ولما طالبت نقابة أطباء مدينتها بهوية جديدة (بدل ضائع) قيل لها أنها بحاجة إلى تقرير (ضبط) شرطة.. ولما ذهبت إلى أقرب مخفر من عملها وسكناها, قال لها الضابط المناوب, أن تجلب (شاهدين) ليشهدوا معها بفقدان هويتها النقابية.. فعادت باليوم الثاني إلى نفس المخفر مع صديقتين يعملان معها بنفس المستشفى للشهادة.. فاعترض سيادة الضابط الهمام.. أما أن تأتي بأربعة نساء أو صديقات للشهادة معها.. أو تعود مع رجلين للشهادة... لأن ســوريـا ما زالت حتى اليوم بقوانينها ودوائرها الحكومية الرسمية, بظل قوانين مستقاة من الشريعة الإســلامية.. نعم من الشريعة الإسلامية... وما زال الزمن متوقفا لم يتحرك من خمسة عشر قرن.. حتى هذه الساعة... رغم جميع ما حدث بهذا البلد من نكبات ومآس وتغيرات وهزات وعواصف.. غيرت جميع الطقوس والعادات والشرائع المجنزرة المهترئة.. وما زالت ســوريا بقوانينها تعتبر المرأة نصف رجل.. مثل المملكة الوهابية.. والتي يــشــكي منها كل الطبول والطناجر والمقرقعين الإعلاميين المحترفين السورريين.. بأنها المصدرة الأولى لكل الشرائع التاخة للعالم العربي.. وللعالم كله...
غادرت هذا البلد منذ ثلاثة وخمسين سنة.. وكنت أدافع عنه.. وما أزال.. عن شعبه ضد جميع الأعاصير التي حاولت اقتلاعه.. وكنت أظن أن سلطاته وقوانينه تطورت.. مع تطور الأخطار وتفاقم الأحداث والمــآسـي.. و كنت أعتقد أنه قد خرج من ظلمات القرون الوسطى.. محاولا الوصول إلى التطور والنور.. ولكنني حزين.. لأنني أرى بقصة صديقتي الطبيبة الصادقة الغيورة الوطنية.. بأنه ما زال غارقا بعتمات التخلف والدين والجهالة...
لا تقولوا لي أنها الحرب التي أنزلت وشددت ستائر العتمة... كلا وألف مرة كلا...
أولا لماذا تحتاج طبيبة جامعية لشاهدي (زور) للحصول على بدل ضائع.؟؟؟... ألا تكفي شهادتها.. أو لا يكفي تصريحها؟؟؟...
ثانيا : لماذا أربعة شاهدات.. بدلا من رجلين؟؟؟...
يا لخرافة الخرافات.. ويا لهول التأخر وانعدام الفكر.. وهيمنة الجهل والجهالة الدينية الصحراوية.. ببلد مثل ســـوريـا.. كنت أعتقد, بعد كل ما أصابه من تفجير وخراب وموت وضحايا أبـريـاء.. أنه حافظ على الكبرياء ووقفة الــعــز.. ومثال التطور والحضارة... وخاصة مساواة المرأة كليا بالرجل... كــلــي غــضــب.. كلي غضب!!!............
آمــل ممن تبقى من الأنتليجنسيا السورية , بأي مكان من العالم, موازاة مع مقاومتها ضد جحافل الظلام والتعصب الديني التي مزقت هذا البلد وأرضه وشعبه, أن تعمل بكل جهودها وثقلها لإلغاء كل القوانين السورية المستقاة من الدين, والتي ما تزال تميز ـ سلبيا ـ المرأة عن الرجل. وأن تحاول بكل ثقلها لخلق دستور وقوانين حديثة متطورة تؤمن مساواة المرأة بالرجل والحريات الإنسانية كاملة... حتى نــؤمــن أن هذا البلد التاريخي الحضاري الذي قاوم أقسى الأعاصير.. لـه مستقبل.. ويمكنه أن يعود لمسيرة الأمان وسعادة الإنسان وحرياته الطبيعية.........
بـــالانـــتـــظـــار...
للقارئات والقراء الأحبة الأكارم... هـــنــاك و هـــنـــا... وبكل مكان بالعالم... لصديقتي الطبيبة السورية التي فقدت هويتها هناك بمدينة سورية منكوبة... كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق واطيب تحية إنسانية مهذبة...
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟