|
تداعيات خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي
راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 5204 - 2016 / 6 / 25 - 11:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صوت البريطانيون لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي بنسبة 52% لصالح معسكر الخروج،و48% لصالح معسكر البقاء،وامر الخروج الان والذي سيستغرق وقتأ قد يصل الى عامين حسب اتفاقية لشبونة متروك لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون،والذي يبدو انه استعجل الرحيل على ضوء النتائج،حيث قدم استقالته،وكانت قضية الخروج او البقاء في الإتحاد الأوروبي قد أثارت جدلاً واسعاً في الأشهر الأخيرة بين المؤيدين والمعارضين،ولعل هذا الجدل المحتدم سببه بالأساس هو السطوة الألمانية على الإتحاد الأوروبي،والمحاججة القوية عند المعارضين بأن هذا الإتحاد يحتضر وبحاجة الى حملة إنعاش قوية،والهدف منه بالأساس،ان يكون هذا الإتحاد كتلة وازنة اقتصادياً وسياسياً تنافس امريكا وروسيا،ولكن هذا الهدف المرجو لم يتحقق،حيث انه التكتل التجاري الوحيد الذي لم يسجل أي نمو تقريباً.
الإنقسام حول البقاء والخروج بين التيارين المؤيد والمعارض كان حاداً وكبيراً،وصل حد العنف بقيام احد المتطرفين اليمينيين البريطانيين بطعن النائبة البريطانية "جو كوكس" حتى الموت،لمواقفها الداعمة لبقاء بريطانيا ضمن الإتحاد الأوروبي،ومن المعروف بأن رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" يقف على رأس الفريق الداعم للبقاء،وقد حاول هو وفريقه والأحزاب التي تدور في فلكه او المؤيدة للبقاء،استخدام كل قدراتهم ونفوذهم،لجعل التصويت مع البقاء من خلال اشاعة مناخ من الخوف من المجهول واحتمالات خسارة ملايين الوظائف وفقدان المكانة المميزة للمملكة المتحدة في الأسواق المالية العالمية في حال الخروج من الاتحاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتشار البطالة وتراجع الأجور واضطرار الحكومة إلى زيادة الضرائب وتقليص الخدمات العامة.
بالمقابل الداعين للطلاق مع الإتحاد الأوروبي،وهم يمثلون اطياف سياسية مختلفة يمينية ويسارية، يقولون بأنه آن الأوان لإستعادة "إستقلال" البلاد من أيدي بيروقراطية وإحتكارات الرأسمال العالمي،وكذلك العمل على وقف الهجرة،والعمل على إعادة توجيه الأموال والثروات البريطانية من اجل بناء المؤسسات العامة والإقتصاد البريطاني الذي يشهد تباطؤ في النمو الإقتصادي،وأيضاً يطرحون بان السيطرة على القرار هي لدولة منطقة اليورو (17)،ويحظى القرار هذا بتأييد ودعم الفئات المهمشة والمزارعين وأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة،والذين يقولون بان البقاء هو لمصلحة الشركات الكبرى والمحتكرة.
خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي كان له تأثيراته المباشرة على الجنيه الإسترليني،حيث انخفضت قيمته 10%،وهي النسبة الأعلى منذ 31 عاماً،وكذلك يرجح خبراء ومختصون ومحللون اقتصاديون بريطانيون ودوليون،بأن هذا الخروج سيلقي بظلاله وتأثيراته على الإقتصاد البريطاني من حيث زيادة نسبة الفقر،وحسب تقرير البنك الدولي فإن خروج بريطانيا،سيكلفها خسارة قدرها 224 مليار جنيه استرليني،اتفاقيات منطقة التجارة الحرة،وكذلك سيؤدي ذلك الى انكماش اقتصادي في الإقتصاد البريطاني يبلغ 1.4 % بحلول 2019،ناهيك عن فقدان بريطانيا لقدرتها على التأثير في الاتحاد الأوروبي على المستوى الاقتصادي والسياسي. التداعيات لن تكون على مستوى بريطانيا الداخلي،بل هذا سيطال بتأثيراته مجمل الإتحاد الأوروبي،من شأن هذا القرار الذي اتخذه الشعب البريطاني بمغادرة الاتحاد الأوروبي أن يضع مسألة استقلال أسكتلندا مرة أخرى على جدول الأعمال. والواقع أن كثيرين في أسكتلندا ممن يدافعون عن الاستقلال سيجادلون من أجل أن تبقى عضوا في الاتحاد الأوروبي - وهو امتناع شعبي من المتوقع أن يؤدي إلى التصويت لصالح الانفصال عن المملكة المتحدة. وعلى أقل تقدير، لا يرحب الأميركيون بنقاش صعب مع قادة أسكتلندا على إمكانية تمركز الأسلحة النووية والغواصات على أراضيها في الوقت الذي أشارت فيه إلى روسيا مرة أخرى كمصدر تهديد لأوروبا. ومن غير المرجح أن يتوقف التقسيم عند هذا الحد. فما يحدث في اسكتلندا يمكن أن تكون له تداعيات عبر ما تبقى من المملكة المتحدة المجزأة. وعلى وجه الخصوص،فإن مغادرة بريطانيا العظمى الاتحاد الأوروبي وخروج اسكتلندا من المملكة المتحدة سيؤججان التوترات في أيرلندا الشمالية بين مؤيدي بريطانيا الاتحاديين والجمهوريين الذين يسعون للانضمام إلى أيرلندا،انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤثر على مستقبله، فانسحابها سيشجع دولا أوروبية أخرى على أن تحذو حذوها فتنفصل من الاتحاد الأوروبي،وأبرز مثال على ذلك، أن مسالة الخروج من الاتحاد تناقش حاليا في هولندا، وسحبت سويسرا طلب انضمامها إلى الاتحاد الذي كانت قدمته عام 1992،وكذلك فإن المسألة لن تقف عند هذا الحد فالدول الأفقر والأضعف والتي شهدت إحتجاجات شعبية واسعة طالبت بالخروج من نطاق دول اليورو كاليونان واسبانيا والبرتغال وايطاليا،حيث اعتبرت ما يسمى بسياسة ووصفات التقشف التي وصفها البنك وصندوق النقد الدوليين لها،هي بمثابة هيمنة وإفقار لدولها وتدمير لإقتصادها لعشرات السنين القادمة،ولذلك ستجد في بريطانيا وخروجها نموذجاً يحتذى به. قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي لم يحدث في فراغ. وفي الواقع، لا يمكن للتوقيت أن يكون أسوأ؛ إذ تواجه أوروبا مسبقاً عاصفة من الصعوبات المالية ونمو اقتصادي هزيل وتدفق أعداد هائلة من المهاجرين واللاجئين وتجدد الصراع مع روسيا ،بعدما إستعادت مكانتها الدولية عسكرياً واقتصادياً. وكأن ذلك لم يكن كافيا، فهناك أزمة منطقة الشرق الأوسط والتغير المناخي والإرهاب.
الولايات المتحدة الأمريكية تدرك تماماً بأن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي سيكون له تداعيته الكبيرة على الولايات المتحدة الأمريكية،فهي تعتبر بريطانيا حليفها الإستراتيجي القوي في الإتحاد الأوروبي،إذ تعد بريطانيا أهم شريك للولايات المتحدة تعوِّل عليه في كثير من الأحيان لدعم مواقف تتفق مع مصالحها في بروكسل،كما سيعزز نفوذ معسكر الدول الأوروبية الشرقية،خصوصًا ألمانيا،على حساب الدول الأوروبية الغربية، فضلًا عمّا سيلحقه خروج بريطانيا من الاتحاد من تراجع دورها ومكانتها على الصعيد العالمي، الذي قد يؤثر سلبًا على التوازن الدولي والمصالح الأمريكية في العالم خصوصا في هذه المرحلة الحرجة التي تشهد صعود قوى عالمية مثل الصين وروسيا وتشكيلها.
فور نجاح التصويت بالإنفصال البريطاني عن الإتحاد الأوروبي،كانت ردود الفعل من الدول القوية في هذا الإتحاد،تشير الى مدى ما سيلحقه هذا الخروج من ضرر على مستقبل هذا الإتحاد،والذي قد يصل حد التفكك الكلي،فقد عقب نائب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على نتائج الإستفتاء بعبارة "إنه يوم مشؤوم لأوروبا"،بينما رآها وزير الخارجية البولندي "أنباء سيئة لأوروبا وبولندا".
أما فرنسا فقالت على لسان وزير خارجيتها إن ما حصل "يوم سيئ لبريطانيا وأوروبا ستستمر،لكن عليها العمل لاستعادة ثقة شعوبها".
من جانبه، أعلن البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيبحث مع كاميرون نتائج الإستفتاء.
القدس المحتلة – فلسطين
25/6/2016 [email protected]
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حماس وايران ....تحالفات الضرورة مجدداً
-
لا خطوط حمراء ولا ثوابت فلسطينية وعربية
-
المتأنسنون الفلسطينيون .....والمنهارون العرب
-
عملية تل أبيب.....الإنتفاضة حية ولم تمت
-
لا إنتقائية في التعامل مع الإرهاب.....؟؟؟
-
ليست نكسة،بل هزيمة كبرى بإمتياز..؟؟
-
ثورة في ثورة
-
المبادرة الفرنسية....تنازلات قبل البدء
-
مبادرتان ل -سلم دافىء- مع -اسرائيل-
-
-اسرائيل- ......حكومة للبلطجية والزعران
-
في الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس – بيكو
-
في فعاليات ذكرى النكبة
-
اختراق الوعي....والمال المشروط
-
معركة حلب ....ستحدد الإتجاه والوجهة
-
في ذكرى عيد العمال العالمي ... إستغلال مستمر
-
السلم الأهلي والمجتمعي......وحماية النسيج الإجتماعي والوطني
-
منطقة .....وأربعة مشاريع
-
القدس... حرب إستنزاف ومعركة كسر عظم
-
أيها المقدسيون ....أوقفوا حفلات التكريم
-
تحرير تدمر ...تطور محوري في الأزمة السورية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|