|
روبن هود في معرض الكتاب
عبد الرحمن جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1398 - 2005 / 12 / 13 - 03:40
المحور:
الادب والفن
المكان: معرض الكتاب... الزمان: الساعة السابعة مساءاً... يدخل (س) إلى المعرض، شاب في أوائل عشرينياته، بسيط الملامح يضع منظاراً طبياً فوق عينيه، وحقيبةً قماشية يسندها على خاصرته، يسوي منظاره قليلاً، ثم يهرع باتجاه "ستاندات" المعرض، ويبدأ بتقليب الكتب، وفجأةً تحين منه التفاتة ناحية صاحب "الستاند" فيجده مشغولاً بمشترٍ آخر. يتأكد، يحمل الكتاب ويضعه بسرعةٍ بالغةٍ داخل حقيبته المفتوحة سلفاً (إنما من الجانب، وليس من فوق، بحيث تبدو مغلقة، لو أنك نظرت إليها). ينظر ببطء بعدما انتهى. يتطلع صوب صاحب "الستاند"، لا يعيره اهتماماً، ويكمل باتجاه كتابٍ جديد، أو صيدٍ جديد لو صح التعبير. وينتهي المشهد... "حينما تسرق شخصاً غير محتاج تشعر بأنك تفعل شيئاً مريحاً، وخصوصاً إذا كنت تأخذ منه شيئاً تحتاجه أنت. أتعرف دائماً أتذكر روبن هود وأرسين لوبين وأنا أفعل هذا". يتحدث (س) برحابة صدرٍ تامة عن الأمر. ينفي تماماً أنه مخطئٌ، أو أن الأمر سرقة، وكما يقول يتذكر دائماً روبن هود، صحيح أن الأمور تختلف إلى حدٍ كبير بين القضتين إلا أنه يشعر بأن المراد واحد والهدف واحد. فهو يأخذ هذه الكتب، ولا يسمي الأمر سرقة، فصاحب هذه الدار أو تلك، شخص ممتلئ ومكتنز مادياً، فلن يضيره أبداً ضياع كتاب، أو سرقته/أخذه على رأي(س). "القراءة عندي أكثر من إدمان، فأنا لا أستطيع النوم ليلاً قبل قراءة حوالي العشرين صفحة، نعم، أنا لا أستطيع النوم، لذا علي أن آخذ مخدري اللطيف هذا". وهكذا تصبح القراءة عنده نوعاً من الإدمان، يمارسه لأنه يحتاجه، فيمارس حرفته لأنه لا يستطيع الشراء. الأمر عند (س) ليس مجرد أخذ كتاب، إنه بحد ذاته "حدث"؛ فهو لا يسرق أو يأخذ (استعمالاً لتعبيره الحرفي) إنه يُقَوِّم الأمر بهذه الطريقة: "الأمر أكثر من أخذ كتاب إنه متعة، لربما لأنك تحس بأنك تأخذ حقاً قد لا يعترف لك به أغلب الناس". فهذا الحق الذي لا يعترف به أغلب الناس هو أن الأمر سرقة، وبأن هذا الكتاب ليس من حقه أبداً، وبأنك حينما تأخذ شيئاً ليس لك فأنت تسرق، وكلها بالطبع من صفات السرقة التي يحاول (س) تارةً نفيها مستعملاً كلماتاً تخفف الأمر، وطوراً الاختباء خلف هدفه المنشود. ولكن هل صحيح بالنسبة له أن الأمر أخذ وليس بسرقة؟ مع علمه بأن سلوكه هو سلوك لص، حينما ينظر حوله بخفة، ويتابع حركة صاحب "الستاند". "بالحقيقة، أنا إذا أردت أن ألعب لعبة معينة، علي أن ألعبها للنهاية، بقوانيها، وعاداتها، وصفاتها، فأنا لا يمكنني أن آخذ كتاب، وأنا ألفت النظر إلي، وكذلك لا يجب أن ينتبه صاحب "الستاند" للموضوع، لأنه بطبيعة الأحوال لن يقبل، لذلك فإن عدم معرفته بالأمر هي أمر جيد، فلا ينتبه، وبالغالب لا ينتبهون، لأن فقدان كتاب، بالتأكيد، لن يجعلهم يخسرون...". يكمل (س) جولته الكتابية الخاصة جداً، وبعد أن يجمع كل ما أراد جمعه، يذهب إلى الكافيتيريا ويشرب شيئاً ثم يخرج "عادي، وكأنو ما صار شي" وعلى حسب رأيه فهو لم يفعل شيئاً أبداً، فالأمر مجرد استعارةً لكتاب، أو أخذ له، كما لو أنك تأخذ من صديق، ولكن الفرق بأن أصحاب الدور ليس بأصدقاء. يقول (س) بأنه يمكن أن يقول كل الناس بأن ما يفعله سرقة ولكنه مقتنعٌ بما يقوله هو وليس بما يقوله الناس، ويتضايق كثيراً، وينفث دخان سيجارته، ويشرب "النسكافيه"، ويؤكد عدم وجود مكتبةٌ في منزله، ويحلف مراراً بأن هذه الكتب توزع على أصدقائه حالما يقرأها، وأنه خلال الخمس السنوات الماضية، كان يأتي كل سنة لكي يفعل نفس الشيء ولم يتأثر أحد ولم يتأذى أحد. لكن قد يأتي يوم ويعتقد فيه بأن ما يفعله خطأً فيتوقف. وماذا إذا قبض عليه، أو أمسك، "لا شيء" يقول (س) بهدوء، أدفع ثمن الكتب التي أخذتها وأمشي، وهل حصل ذات مرة أن أمسكه أحد، يؤكد بأنه لا يمكن أن يمسك، لأن يده خفيفة، وبأنه أصبح يجيد الأمر على مر الوقت، وبأنه يفعلها منذ خمس سنوات، لذا فقد أصبح الأمر بالنسبة له "كشربة مي". وهل لديه أدنى استعداد بأن يشتري كتاباً، يجيب (س) بأنه مستعد لششراء كتاب، ودائماً ما يفعل ذلك، "أنا لا آخذ الكتب إلا إذا كانت أحوالي المادية سيئة"؛ ثم يغمزُ ضاحكاً: "وبالعادة أنا دائماً أحوالي سيئة، لكن لو كان معي مال بالتأكيد لكنتُ إشتريت هذه الكتب". يضحك (س) أخيراً، حينما أسأله هل يعتقد أن سوق الكتاب رائجة، أم هل سينتهي الحال بكل زبائن معرض الكتاب إلى زبائن خاصين مثله تماماً... فيقول بهدوء واثق... "لا، لا أظن ذلك، ففي النهاية لا يوجد إلا روبن هود واحد...". (يتزامن هذا المقال مع معرض الكتاب العربي والدولي الذي يقام في بيروت حالياً)
#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالةٌ إليكِ - قد مضى وقتٌ طويل ولم ترسل بعد
-
معذرة فيروز؛ لكنني فرغت منكِ...
-
أغنية
-
مجنون
-
أخال الخطى
-
مقطع مترجم من قصيدة -أوروبا الثقة- لسوزان هوي
-
طائرة من ورق- قصيدة مترجمة لروبرت سوارد
-
على مقعدٍ بجوار بحيرة-قصيدة مترجمة لدانيلا جوزيفي
-
وحدة المرأة الحامل-قصيدة مترجمة لدانيلا جيوزفي
-
شوية حب
-
Over ذوق... أف
-
عن مايكل مور ورجاله البيض الأغبياء...
-
استقلال
-
بغداد - نص مشهدي مسرحي
-
عن سحر طه، وبغداد
-
انتماء
-
أغاني المطر
-
تأملات
-
لليلٍ بلا انتهاء، تغني سحر
-
قدميها
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|