أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مراد مسعف - سارتر بين الانطولوجيا و النزعة الوجودية















المزيد.....


سارتر بين الانطولوجيا و النزعة الوجودية


مراد مسعف

الحوار المتمدن-العدد: 5201 - 2016 / 6 / 22 - 21:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"ليست القضية ان نؤمن بوجود الله , و لكننا نعتقد ان المشكلة ليست مشكلة وجوده ام لا , المشكلة هي ان الانسان يجب ان يجد نفسه الضائعة , و يجب ان يقتنع ان اية قوة لا تستطيع ان تخلصه من نفسه ."1
لابد ان كلام سارتر يكشف حقيقة الانسان في –العالم , الحقيقة التي على الانسان ان يواجهها , و سارتر يمثل هذه اللحظة التي تبدو فيها غربة الانسان في اقصى درجاتها , فالوعي قد سقط في مصيدة عالم غريب لا يمكن استعابه بالمرة, و لا يوجد هناك اله, و لهذا فلايوجد اي مذهب موضوعي مطلق للقيم , كما انه لا يوجد اي مذهب "معطى "للاخلاق الدنيوية , فالزمن زمن قلق و صراع : قلق الفرد على حرية تهددها الفاشية في اقدس مقدساتها و صراع بين الطبقات و المعسكرات و الايديولوجيات , زمن بدات تتزعزع فيه اسس الفلسفة التقليدية التي اختزلت الوجود في فكرة قبلية , و حتى تلك التي ابقت الوجود الانساني حبيس المجرد الترانسندانتالي في عداد الموتى , غير مبالية بالاحساس بالالم و الاهمالية الماساوية في عالم غريب ممتلا بالادوات و باشكال الهيمنة التقنية المنفلتة من عقالها, بات معها الوجود الانساني مجرد لعبة في يد البورصة و الخطة , فاقد للمعنى في مهب العاصفة .
فبدت الحيوية الفلسفية للقرن التاسع عشر لايمكنها على غناها و افقها الرحب ان تجيب على كل الاسئلة التي تطرحها اللحظة , التي ارغمت الانسانية على الانتخاب بين الوجود و العدم . في هذا الجو المشحون بالثوثر تسلل سارتر ليطرح قضيته الاساسية وجود الانسان في –العالم او ما يسميه بالحقيقة الانسانية من اساسها الاول و بمختلف ابعادها طرحا جديدا كان مشروع مذهبه الانطولوجي الوجودي.
ساتناول في هذا المقال الموجز احدى اهم جوانب تفكير سارتر ويتعلق الامر بالانطولوجيا و النزعة الوجودية , و هدفي هو ان اوضح الركائز الاساسية للانطولوجية الفينومينولوجية و حضورها ضمن التفكير الوجودي عند سارتر, هذا المفكر الوجودي الذي هو اكتر الوجوديين اهتماما بمحاولة توضيح مبادئه الانطولوجية الفينومينولوجية و ربط هذه المبادئ في نسق متكامل , و بمحاولة تطبيق نتائجه الانطولوجية الفينومينولوجية على نزعته الوجودية . يقول سارتر :" لقد اردت ان يكون تفكيري عقلانيا ذا علاقة بالوجود , و اعتقد ان فكرة الانطولوجيا قد ترسخت في ذهني بفعل تكويني الفلسفي , فالفلسفة تسال و تبحث عن اصل الوجود, و كل تفكير لا يبحث عن الوجود ليس تفكيرا سليما او صحيحا 2.
ان سارتر معني –شانه في هذا شان جميع الوجوديين – بالمعطيات المحسوسة للتجربة كما تظهر هذه المعطيات بالفعل , و هو يتبع في هذا منهجا فينومينولوجيا وصفيا , يمكنه من بناء مذهب انطولوجي حول الوجود الانساني , و سارتر يحاول في"الوجود و العدم " ان يكشف عن طريق المنهج الفينومينولوجي "وجود" الموجود نفسه و ليس الفكرة التجريدية . فمحاولة سارتر هي تحليل فينومينولوجي للوجود الانساني , او بمعنى ادق للوعي الانساني و هو يواجه العالم , و هذه الفكرة تشكل الركيزة الاساسية للانطلاق لتكوين نظرية للانطولوجيا , و سارتر انطلق في هذا كما انطلق الاغريق بطرح سؤال الوجود- ما الوجود في الموجود ؟ ما الوجود بالنسبة لكل ما هو موجود؟, و يبدو من خلال مقدمة " الوجود و العدم: دراسة في الانطولوجية الفينومينولوجية"3 ان الاجابة على السؤال تستند الى الطريقة الفينومينولوجية . يقول سارتر في هذا الصدد : " حقق الفكر تقدما هائلا برده الوجود الى سلسلة من المظاهر تكشفه عنه . "4 "فالظاهرة (مايبدو من الوجود للوعي ) هي الشئ ذاته , و ماهية الشيء ذاته هي الرابطة التي تجمع بين ظواهره, و الظاهرة هي " النسبي المطلق " لكن اذا تخلصنا مما سماه نيتشه بوهم العوالم الخلفية "5, " و الظاهرة يمكن دراستها و وصفها بما هي كذلك لانها تدل على نفسها دلالة مطلقة "6 , " ان الظاهرة هي ما يظهر , و الوجود يتجلى للجميع على نحو ما , لاننا لا نستطيع ان تحدث عنه و نفهمه على نحو ما , و لهذا يجب ان توجد ظاهرة الوجود , و يمكن وصفه على هذا النحو , و الوجود سينكشف لن بوسيلة لبلوغه مباشرة : الملال , الغثيان ,الخ . و الانطولوجيا ستكون و صف ظاهرة الوجود كما تتجلى اي دون وسيط" هذه الدراسة و هذا الوصف للظاهرة يمكننا اذا ما كان دقيقا , من ان ننشئ الانطولوجيا على اسس لها من اليقين و من الموضوعية ما للعلوم , اي الانطولوجية الموضوعية " المطلقة"7 . و عند سارتر ظاهرة الوجود انطولوجية بنفس معنى البرهان الانطولوجي للقديس انسلم و ديكارت8 , و وجود ظاهرة الوجود هو كونها مدركة , و كون الوجود مدركا يحيل الى مدرك , و المعروف يحيل الى المعرفة , و المعرفة تحيل الى الموجود العارفبوصفه موجودا لا بوصفه معروفا اي الى المعرفة9 , و المعرفة عند سارتر مرادفة للوجود و الانسان هو حامل المعرفة للعالم , و قانون وجود الذات العارفة عند سارتر هو الوعي , و الوعي ليس ضربا من المعرفة يسمى الحس الباطن او معرفة الذات , بل هو البعد في الوجود الذي وراء الظاهرة بالنسبة الى الذات . وسارتر عكس ديكارت انطلق مما يسميه بالكوجيطو السابق للتامل – افكر في شيء- في دراسته للوعي , ذلك ان الكوجيطو الديكارتي في رايه هو شكل من اشكال التامل عن الانسان , فيرتد الوعي عن نفسه و ينظر في اوجه نشاطه , و لكن ليس هذا دليلا على انني "اوجد", فالوعي "يكون" بمعنى اخر . ان الموضوع الذي يعيه الانسان " يكون " ان الوعي يكشف العالم , انه لا يكشف عن نفسه مباشرة .هكذا يفترق سارتر عن موقف ديكارت و ياخذ الراي الذي ذهب اليه هوسرل من ان الوعي كله " قصدي " او بمعنى اخر ان الوعي يجدب دائما بسبب طبيعته ان يتجه ناحية موضوع من الموضوعات او شيء من الاشياء . و بالنسبة لسارتر " كل وجود واع يوجد كوعي بالوجود "10 "كاشف –منكشف "11 على حد تعبير هيدجر . و سارتر في دراسته عن هوسرل " تجاوز الانا " قد اوضح "اننا لا نحتاج الى "الانا " كرابطة موحدة لتمثلاتنا, و الفينومينولوجيا قادرة على اظهار ان الوعي تحدده القصدية 12" اي ان الوعي هو وعي بشيء , وعي بدون "انا" : " افكر في شيء " و هذا ما عبر عنه هيدجر و هو يتحدث عن "دازاين " ان ماهية هذا الموجود ينبغي بقدر ما يمكن التحدث عنها , ان تدرك ابتداء من وجوده" , 13 فلما كان الوعي غير مكتمل قبل ان يوجد , و انما وجوده هو ينبوع امكانه و شرطه,فان وجوده هو الذي يتضمن ماهيته , و هذا ما عبر عنه هوسرل ابتداء من "ضرورة الواقع "14 و لقد سبق لسارتر ان عبر عن هذه الاراء في اعماله التي صدرت قبل " الوجود و العدم ", التخيل , نظرية عامة في الانفعالات , المتخيل , المواقف ج الاول فيما بعد.
ان الكوجيطو السارتري يميز في الوجود بين منطقتين هما الوجود –في ذاته و الوجود-لذاته , و هذا التمييز هو الاساس الاول الذي يشيد عليه سارتر الانطولوجيا الفينومينولوجية 15. فالوجود لا يمكن ان يؤكد ذاته الا ضد الله , لان سارتر لا يؤمن بالخلق من العدم , والوجود في –ذاته لم يخلق و لا يمكن تفسيره بالخلق , لانه يستعيد وجوده وراء الخلق , و معنى هذا ان الوجود قديم غير مخلوق . و الوجود –في ذاته لا يخلق ذاته , و ليس له علة وجود, انه ليس انفعالية و لا فاعلية , انه الوجود هو في-ذاته , هو ماهو , يوجد وراء الصيرورة , وجود بارمينيدي تابث منعزل في وجوده , لا يعقد اية صلة مع ما ليس هو , و لهذا فهو زيادة بالنسبة للسرمدية . الوجود يوجد , و الموجود هو في –ذاته و الموجود هو ماهو16 , باختصار شديد انه لايملك التراكيب الانطولوجية للوجود-لذاته , الذي هو ما ليس هو , و ليس هو ما هو , فهو الوجود الواعي بالعالم, فعندما يبدو له الموضوع يصبح اياه و لكن على نحو مغاير له , لانه ليس هو هو , انه حاضر لذاته دوما في طريقه نحو التحقق , مرتبط بمشروع مستقبلي , هرب من الحاضر نحو المستقبل , ليس له زمان سوى المستقبل , انه دائما سعي نحو تجاوز ذاته و تجاوز الاخر. ويعبر سارتر عن هذا بعبارة يستعيرها من عند هيدجر " الوعي موجود في وجوده تساؤل عن وجوده " اي " الوعي موجود يثير مسالة وجوده ضمن هذا الوجود17 " و تمة شيء يفصل بين الوجود -لذاته و الوجود , ان هذا الشيء منفصل عن ال " انا " التي تفكر في هذا الموضوع, وعند سارتر ما يفصله هو شيء لا نستطيع ان نقول عنه سوى "العدم", وسارتر يفترق عن فكرة هيدجر من ان "العدم يعدم نفسه" , يقول سارتر :" ان العدم لا يستطيع ان يعدم نفسه الا ضد ارضية من الوجود , و اذا شئنا الدقة اكتر فانه لا يعدم نفسه , انه هو نفسه يتعدم " و ينتج عن هذا انه لا بد ان يوجد في العالم كائن لديه قدرة ان يعدم العدم و كذلك يستطيع ان يؤكد العدم في وجوده , انه ليس الوجود في- ذاته , انه الوجه الاخر للوجود , اي الوجود-لذاته , الوعي. "ان الانسان هو الكائن الذي الذي يظهر العدم من خلاله الى العالم "18, لان الوعي الانساني يحمل عدما لذاته و للعالم بوصفه سلبا متدفقا نحو المستقبل , فالوجود-لذاته هو القدرة على الاعدام , و الوجود-لذاته لايمكنه ان ياتي بالعدم الى العالم الا اذا كان خارج الوجود في-ذاته , و هذا الانعزال و الهرب من الوجود نحو الوجود خارج الوجود في-ذاته يعني ان تكون "حرا" فالوجود –لذاته اذن حر . الواقع الانساني هو الحرية . و الحرية هي اساس الاساس بالنسبة للواقع الانساني انها تمتد مع حقيقة الوعي الانساني تلازمه في وجوده , انها تضع لكل تحديد لماهية انسانية في تعريف ساكن امرا مستحيلا لان الحرية تفوق كل تعريف . و على هذا الاساس فان الوجود-لذاته بالنسبة للوجود في- ذاته ليس وجودا , بل لا وجودا, انه خيط سراب انطولوجي, "انني ما لست انا و لست ما انا " على حد قول سارتر ,الوجود-لذاته هو ما ليس هو و ليس هو ما هو " و نظرا لوجود العدم يفصل بين الوجود-لذاته و الوجود في-ذاته فان الانسان لا يستطيع ان يكون في حالة محددة نهائية , انه محكوم عليه بالتجاوز نحو ما ليس اياه , و بجانب هذا فان الوجود-لذاته هو نقص و رغبة , ذلك لان النقص يظهر في العالم عندما يبزغ الواقع الانساني , بل ان الواقع الانساني او الحقيقة الانسانية هي نقص , بجانب هذا ان الرغبة نقص في الوجود , اذن ما ينقص الوجود-لذاته هو الوجود , و من تم فان الكوجيطو الذي يشير الى ما ينقصه , انما يسكنه الوجود . و يضيف سارتر الى هاتين المنطقتين للوجود منطقة ثالثة يسميها سارتر بالوجود-للغير , يقول سارتر :" اذا كان هناك اخر فانا لي خارج , لي طبيعة " و معنى هذا ان الغير هو سلب خارجي للوجود-لذاته , انه حضور للوعي على نحو ليس هو اياه , باعتبار الغير "هو الانا الذي ليس اياي و لست اياه "19. ان الوجود-للغير في وجوده الاصلي يتاسس على العدم ," ليس انا" , لان السلب عند سارتر شكل من اشكال العدم , و " ليس " تشير الى العدم وقد انبثق كاصل اولي و اساسي للعلاقة مع الغير , فالعلاقة اذن هي انعدام العلاقة , و بالتالي فشل كل العلاقات العينية المشتركة التي يريد ان يقيمها الوجود-لذاته في الخارج ,لانها تمثل استلاء على حريته و قتلها داخل امكانية ميتة و هو موقف مستحيل التحقق ,لان الحرية عند سارتر ملازمة للوعي و لا تقوم الا في الخارج , خارج الوجود-في ذاته , انها تقوم في بحث الوجود-لذاته عن الوجود الذي ينقصه , فالحقيقة الانسانية انفعال نحو الوجود للتوحد مع العالم بامل مستحيل ان تصبح الله . يقول سارتر في نهاية" الوجود و العدم " : " في كل منا رغبة في ان يصبح كل منا الله , الانسان بطريقة عكس المسيح , المسيح انفصل عن الله فاصبح الانسان , و نحن بانفصالنا عن الانسان نحاول ان نكون الله, و هذا الانفعال و تلك العاطفة و هذا الهوى عبث و الحلم الالهي متناقض مع نفسه " . ان الوجود-لذاته يريد ان يصبح وجودا في-ذاته ولكن الوجود-لذاته ليس الا فشلا , ذلك لان الوجود-لذاته لا يستطيع اطلاقا ان يصبح الوجود في-ذاته , الا اذا فقد طبيعته الخاصة و هي الوعي , فاذا امكن افتراض ان الوجود-لذاته اصبح وجودا في-ذاته فلن يكون الا الله ,انه لن يكون اطلاقا ما يريد ان يكون عليه , لانه لا يمكن ان يكون الوجود-لذاته-في-ذاته اي لن يكون الله. فالوجود –لذاته فشل في تغلبه على العالم : ان يصبح الوجود-لذاته-في ذاته , الوجود-لذاته فشل ايضا في موقفه مع الغير : "الحب و الرغبة و الجنس اوهام عديدة و الجحيم هم الاخرون" , فالوجود الانساني مجرد انفعال عاطفي لا مجد , تلكم هي النهاية التراجيدية للانطولوجيا السارترية 20. وهي الفكرة التي سبق لسارتر ان عبر عنها في "الغثيان" , فانطوان روكانتان بطل الرواية يمارس عملية الانكشاف الوجودي كازمة , وحيد في العالم ,و الغربة ليست هي الخاصية لعلاقته بالعالم فحسب بل لعلاقته بالغير , فروكانتان ليس له وجود-للغير , انه يدرك الواقع كسقوط و الوجود كنقص و عدم الاكتمال , و هو يصبو الى الضرورة الموضوعية في نظام العالم , و هو يرغب ان يكون قادرا على معرفة الاشياء و يمارسها باعتبارها وجودا ضروريا , انه يسعى للتوحد مع العالم , لكن قلق الزمن وواقعة العيش في الزمن هي اكبرمظهر لعرضية الوجود و عبثيته , انها تعبير عن فقدان الوجود لكل اشكال المعنى و الدلالة, انه مجرد وجود فاقد للضرورة الملزمة لوجوده, و لا يوجد داعي لوجوده ,وجود زائد مقرف يثير الشعور بالغثيان ,لدرجة اصبحت اللغة مجرد حركة عقيمة لا يمكنها ان تنفذ الى هذا الوجود لتعبر عنه , لانه ببساطة وجود هش مائع مسرح للضياع و الاهمالية و لغياب المعنى انه الاحساس بمدى ميوعة و هشاشة الوجود الانساني, شعور كئيب بالسقوط في عالم مجاني ضبابي و غامض اشبه بالطلاسم , و هي الفكرة التي لا يدركها الخنزير القدر البرجوازي الذي يتوهم ان وجوده في هذا العالم وجود شرعي و ان هذا العالم وجد من اجله , اما بالنسبة لروكانتان فقد انفكت الكلمات عن الاشياء و لم يعد للوجود من دلالات سوى ان ياخذ على عاتقه مهمة تصحيح العالم عن طريق الكتابة , فالادب هو انقاد للعالم من العرضية قبل ان يكون تاكيدا للذات اتجاه هذا العالم , هذا هو دور بطل الغثيان ان يكتب رواية بعد ان فقد كل ادواره في هذا الوجود الذي تنكر له . و ليست ماساوية الحياة ببساطة هي اننا نعيش تم نموت , بل هي بالاحرى اننا نموت في كل لحظة , و نحن نسعى الى التطابق مع وجودنا , هذه الرغبة , و الثوقان فشل مما يجعلنا على المنصة السيكولوجية المتحركة للزمن , " فاذا اردت ان تفهم شيئا , عليك ان تواجهه عاريا " ليس لنا ان نشكوا فهذا العالم هو عالمنا "نحن" رغم اننا لم نطلب و لم نختر ان ناتي اليه , بل القي بنا في هذا العالم بلا رحمة , لسنا مسؤولين عن وجودنا في هذا العالم , الصدفة هي من كانت وراء ظهورنا في هذا العالم , و من تم وجد الانسان نفسه حرا , لانه لا توجد نظرية اخلاقية يمكن ترشده و توضح معالم الوجود امامه , سوى افعاله الحرة. لقد انكشف الوجود امامنا كعبث مقرف , لكن علينا الا نقف مكتوفي الايدي امام عبثيته, علينا ان نصححه ان نتعقله رغم انه يقاوم معقوليتنا و يستبسل في هذه المقاومة, على الانسانية اذن ان تتحمل مسؤوليتها اتجاه العالم , لان المسؤولية و الالتزام هي ما ينقد العالم من العرضية , اذ ذاك لن يعدو العالم عبثا لاننا عرفنا انه عبث , سيصبح عالما انسانيا , نحن الذين صنعناه , اختارناه , و علينا ان نتقبله21 . فاذا كان الوجود يسبق الماهية حقيقة , فالانسان محكوم عليه بالحرية22 , و الحرية عند سارتر تتجاوز الموت23 , ليصبح الموت واقعا يمكن انسنته, و معنى هذا ان الانسان مشروع حر يعيش بذاته و لذاته24 , ليس فقط موجودا كما يتصور ذاته , بل كما يريد ذاته , بعد ان تكون هذه الذات قد وجدت25 , فالانسان هو خالق ذاته لانه وحده المتصور لها , و خالق العالم و القيم , اذن فالانسان مسؤول عما هو كائن26 , و نجد هذا ماثلا في" الذباب "في صيحة اوريست في وجه : "انا لست سيدا او عبدا يا جبتر , انا حريتي , انا حر يا الهي و منذ اللحظة التي خلقتني فيها لم اعد اخصك و لم تعد مسؤولا عني و سوف اظل وحيدا , انني حر و مستعد ان اتقبل مسؤولية هذه الحرية "27, و سارتر يربط الحرية بالمسؤولية, فالانسان حكم عليه ان يكون حرا يحمل تقل العالم كله على كتفيه, كما انه مسؤول عن العالم و عن نفسه , و ثمن هذه الحرية هو الكابة و القلق , فالوجودي يؤمن ايمانا قاطعا بان الانسان هو كابة عميقة , و هذا يعني ان الانسان الذي يلتزم بمسؤولية افعاله يتاكد له انه لا يختار نفسه فحسب بل هو يختار الانسانية جمعاء , فهو يقع ضحية شعور عميق بالمسؤولية المترتبة عليه28 , و هذا القلق هو عدم استطاعتي الاعتماد على اي تبرير لعملي و اختياراتي , و القلق و الكابة هما شعور ناتج عن مسؤوليتي اتجاه الغير29 , لانني مسؤول عن كل شيء ما عدا مسؤوليتي عن مسؤوليتي .
لقد جعل سارتر الفينومينولوجيا نظرة للانطولوجيا , و الانطلوجيا نظرة للوجود, و الوجود هو هذا الوجود المعاش امبيريقيا ,بجميع تراكيبه , وقد كشفت الانطولوجيا السارترية عن حقيقة الوعي الانساني في-العالم , فاظهرت ان الوعي قائم في علاقة مواجهة مع العالم , و ان الوعي لا يمكن ان يتحقق الا في علاقته بالعالم خارج الوجود البارمينيدي الصلب , اذ ذاك يكون حرا متحررا من كل اشكال الوجود سواء الوجود القائم او الوجود الذي نكونه في الخارج (الوجود-للغير) , و عي لا يملك شيئا سوى حريته , مسلح بها في وجه الوجود الذي يبحر نحوه , وجود لا شاطئ له , اضحت فيه الحقيقة الانسانية مجرد مغامرة فاشلة اراد لها سارتر حرية كاملة و مطلقة ,الحرية اللانهائية التي تمتد مع الوجود , حيث يكون الانسان حرا في كل شيء حتى في انفعالته و عواطفه .
ان سارتر هو فيلسوف الالتزام , و فلسفته الملتزمة لم تظهر في فراغ , لان جحيم سارتر قد وجد و هو يوجد في معسكرات الاعدام و في الدول الديكتاتورية , و الالتزام عند سارتر يمثل استجابته الخاصة لتحدياث عصره , انها استجابة الانسان المسؤول في العالم و الحاضر ازاءه , و الذي يفكر في انه قادر على تحويل الموقف الذي يجد نفسه فيه باختياراته , انها استجابة تتضمن تقييما للموقف , و هو موقف ماساوي وجدت الانسانية نفسها , و سارتر الانسان-الفيلسوف هو نفسه ضمن هذا الموقف , لذا فرد فعله ازاءه هو ان نؤكد على الطبيعة النوعية لافعالنا و ان ننزع نحو الانسانية كهذف مشترك , هكذا تكون الوجودية مع سارتر فلسفة الموقف .






"1"- Jean-Paul Sartre : « L’existentialisme est un humanisme » P 95 Nagel 1970
"2"- « Magazine litterraire » Mars 1976
"3"- J.P.Sartre : « L’ etre et le nèant » p 11 Gallimard :1943
"4"- Ibid : P 11- 12
"5"- Ibid : P 12-14
"6"- Ibid : P 12-14
"7"- Ibid : P 14
"8"- Ibid : P 16
"9"- Ibid : P 17
"10"- Ibid : P 20
"11"- Ibid : P20
"12"- « La transendance de l’ego » P 35-43
"13"- « L’etre et le nèant » P 21
"14"- Ibid : P 21
"15"- Ibid : P 31
"16"- Ibid : P 31-33
"17"- Ibid : P 29
"18"- « L’ etre et le nèant » le problème du nèant , P 37-56
"19"- « L’etre et le nèant » le pour-autrui , P 275
"20"- Ibid : P 677-678
"21"- « La nausèe » Gallimard
"22"- « L’existentialisme est un humanisme» P 37
"23"- « Lemur » - « Morts sons sèpulture » Gallimard
"24"- « L’existentialisme est un humanisme» P 23
"25"- Ibid : P 22
"26"- Ibid : P 24
"27"- « Les mouches » Gallimard
"28"- « L’existentialisme est un humanisme» P 28
"29"- Ibid : P 100



#مراد_مسعف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ترجف من الإرهاق.. إنقاذ معقد لمتسلقة علقت أكثر من ساعة في -م ...
- تمنّى -لو اختفى-.. مخرج -Home Alone 2- يعلق مجددًا على ظهور ...
- جوزاف عون يتحدث عن مساعي نزع سلاح حزب الله: نأمل أن يتم هذا ...
- ثنائي راست وتحدي الكلاسيكيات العربية بإيقاعات الكترونية
- -من الخطأ الاعتقاد أن أكبر مشكلة مع إيران هي الأسلحة النووية ...
- عراقجي: زيارتي إلى روسيا هي لتسليم رسالة مكتوبة من خامنئي إ ...
- تصاعد أعمدة الدخان فوق مدينة سومي الأوكرانية بعد غارات بمسير ...
- المرسومً الذي يثير القلق!
- دورتموند يتطلع لتكرار أدائه القوي أمام برشلونة في البوندسليغ ...
- عاصفة رملية تخلف خسائر زراعية فادحة في خنشلة الجزائرية (فيدي ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مراد مسعف - سارتر بين الانطولوجيا و النزعة الوجودية