|
الاصلاح في سورية- ضروراته ومعيقاته
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 1397 - 2005 / 12 / 12 - 11:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدعوة من جامعة الدول العربية، وتحت رعاية الأستاذ طاهر المصري: المفوض العربي للمجتمع المدني في جامعة الدول العربية، سوف يعقد في عمان في 5و6/12/2005 الاجتماع التحضيري الأول لإطلاق العقد العربي للإصلاح، ونظرا لتعزر سفري، فقد قرئت مداخلتي في المؤتمر بالنيابة عني. وهذا هو نص المداخلة. الإصلاح في سورية (ضروراته ومعوقاته) د.منذر خدام يلاحظ المراقب للشأن السوري، منذ بدء التحولات الديمقراطية الكبرى فيما كان يسمى بالبلدان الاشتراكية السابقة، في أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي، وبالأخص خلال العقد الأخير منه، وما تلاها من انتقال لعدوى التغيير إلى جميع مناطق العالم تقريبا، ما كان منها قد نسج نظامه على المنوال السوفييتي، أو ما كان منها من دكتاتوريات جاءت بها أمريكا في سياق الحرب الباردة، أن المنطقة العربية عموما، وسورية على وجه الخصوص قد بقيت في منأى عنها إلى حد كبير. ورغم الوضع الدولي الضاغط بعد الحادي عشر من أيلول، والاستراتيجية الأمريكية المعلنة للتدخل، بذريعة محاربة الإرهاب، والتي وجدت تطبيقا مباشرا لها في أفغانستان، ومن ثم في العراق، ظل النظام السوري يراهن على مناعته. غير أن استراتيجية التغيير التي أصبحت دولية، بعد تبنيها من الدول الثماني الكبار، والموجة الجديدة من التغيرات التي بدأت تجتاح العديد من الدول، خصوصا تلك التي كانت جزءا من المنظومة السوفييتية السابقة، هذا بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، والاجتماعية الخانقة، التي تأخذ بتلابيب الدولة والمجتمع، والناس جميعاً في سورية، كل ذلك جعل المهتمين بالشأن السوري يتساءلون عن مدى استمرار النظام السوري في الممانعة تجاه استحقاقات الإصلاح الضرورية، والعميقة، وفي مقدمتها الإصلاح السياسي. ويبدو لي أن محاولة مقاربة الأجوبة المحتملة لمثل هذه التساؤلات، والتي تكتسب أهمية كبيرة، لا بد لها أن تبدأ بالإجابة عن السؤال المركزي المتعلق بطبيعة السلطة في سورية، وما تركته من أثار في البنية المجتمعية السورية. في السلطات الاستبدادية، كما هو حال السلطة في سورية، يندمج المستوى الأول للسلطة، والمتمثل بالأشخاص الحاكمين، في المستوى الثاني لها، والمتمثل بمؤسسات السلطة، فتتحول هذه الأخيرة إلى مجرد أجهزة، ويضيق كثيرا المستوى الثالث لها والمتمثل بالتعاقدية، بحيث يركز على ضبط السلطة، ويعيد إنتاجها بالصورة عينها التي يريدها مستواها الأول. ومع أن السمات السابقة تنطبق على جميع السلطات الاستبدادية، إلا أن لها في سورية خصوصية معينة، وإن معرفة هذه الخصوصية، يفسر لنا شدة ممانعة السلطة السورية، حتى الآن، لأي إصلاح عميق وجدي. من المعروف أن تاريخ سورية السياسي منذ الاستقلال عن فرنسا وحتى عام 1970، كان يتميز بسمتين بارزتين: من جهة، كانت السلطة السياسية غير مستقرة، وتخضع لتأثير الجهاز العسكري، الذي بدوره كان يخضع لتجاذبات القوى السياسية المحلية، التي بدورها كانت تتأثر بتجاذبات القوى الإقليمية والدولية. ومن جهة ثانية، كان الحراك السياسي الحزبي يتركز في أوساط الطبقة الوسطى، وفي أوساط الطلبة بصورة رئيسة، وفي أوساط الفلاحين والنقابات العمالية بصورة أقل. ومما لا شك فيه أن هذا التاريخ السياسي كان مدركا ومستوعبا بصورة جيدة من قبل الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي قاد في عام 1970، وهو على رأس المؤسسة العسكرية، آخر انقلاب عسكري، تحت عنوان تصحيح مسار الحزب والدولة، لتدخل البلد، والسلطة في مرحلة جديدة نوعيا. لقد كان واضحا للحكام الجدد، ومنذ البداية، أن استمرارهم في السلطة يتوقف على مدى نجاحهم في ثلاث مجالات على الأقل: من جهة، كان لا بد من إخراج المؤسسة العسكرية من دائرة الفعل السياسي. ومن جهة ثانية، كان لا بد من القضاء على الروح السياسية في حزب البعث، وفي غيره من الأحزاب التي كانت قائمة آنئذ. ومن جهة ثالثة كان لا بد من نزع السياسة من المجتمع، وتقديم كل ذلك في إطار أيديولوجي، وسياسي مناسب. في المجال الأول عمدت السلطة ومنذ البداية إلى تضخيم الجهاز العسكري بحجة المجابهة مع إسرائيل، وربطه بالسلطة عبر شبكة من العلاقات التوازنية في داخله، بحيث تلتقي خيوطها جميعها في قبضة واحدة. بالإضافة إلى ذلك، فقد فتحت شهية الصف الأول من الضباط على الثراء بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة، وانتقال ذلك بالعدوى إلى مستويات أخرى، وبهذا الشكل تم ربط الكثير من مفاصل الجهاز العسكري بالسلطة من خلال المصالح الاقتصادية. أما في المجال الثاني فقد عمدت السلطة إلى تحويل حزب البعث إلى مجرد جهاز من أجهزة السلطة، فقضت على روحه السياسية، وعمدت إلى تضخيمه كثيراً، ونمت في صفوفه روح الانتهازية، المستندة بالأساس إلى العلاقات والروابط الشخصانية، ذات المرجعية الأمنية. وفي المجال الثالث عمدت السلطة، و"بعبقرية" تسجل لها، إلى القضاء على الحياة السياسية في المجتمع، من جهة عبر ربط مجموعة من الأحزاب بها، من خلال ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية، بعد أن أرغمتها عمليا على الموافقة على تجفيف منابعها، من خلال حرمانها من العمل في أوساط الطلبة. ولم تكتفي بذلك، بل عمدت إلى تخريبها من الداخل بحيث تحولت إلى صورة كاريكاتورية عن حزب البعث، فعمدت إلى تنمية الميول الانتهازية في صفوفها، وفتحت شهية قياداتها على الثراء غير المشروع، مستغلة الامتيازات السلطوية المختلفة التي منحت لها. ومن جهة ثانية عبر إلغاء أية حياة نقابية حقيقية، من خلال ربط جميع النقابات، والتنظيمات المدنية، والأهلية بالسلطة، بل تكليفها بأدوار أمنية عديدة كل في مجاله. ومن جهة ثالثة، عبر قمع القوى السياسية المعارضة لنهجها، بل ولكل رأي لا يروق لها. ولهذا الغرض فقد بنت أجهزة أمنية عديدة، وأهلتها للقيام بهذا الدور بكفاءة، وزودتها بكل ما تحتاجه ماديا ومعنوياً، وحمتها من أية مساءلة قانونية، بل أصبحت هي القانون، وهي فوقه في ذات الوقت. بتكثيف واختصار، يمكن القول أن سورية، في أواخر عهد الرئيس حافظ الأسد، كانت تخضع لهيمنة سلطة أمنية مطلقة قل نظيرها، هي مزيج من الأوليغاركية الأمنية، والأوليغاركية الاقتصادية، حولت المجتمع إلى خواء، يملأه الخوف والسلبية، تديره عبر الفساد وآلياته. في هكذا مجتمع، يفتقر إلى الحياة السياسية الطبيعية، ناسه مجرد رعايا، يلهثون وراء لقمة العيش، ينتظرون مكرمة من هنا، أو حسنة من هناك، بهذه المناسبة أو تلك، مجتمع، هذا هو حاله، لا يمكنه أن يولد قوى تغيير حقيقية، وفاعلة من داخله. في هكذا وضعية كان من الطبيعي، والمنطقي، أن يبرز الخارج باعتباره قوة حاسمة، لتحفيز التغيير في الداخل، وهو يحفزه فعلاً. ويبقى السؤال إلى متى سوف تظل السلطة في سورية تقاوم التغيير، ومتطلباته، و مستحقاته؟ الم تستنفذ جزءا كبيرا من قدرتها على الممانعة؟ بعد أن أصبحت التغييرات تجري من حولها، وبعد أن فقدت أي غطاء عربي، أو دولي لسياساتها، وفي ظل استفحال الأزمة الاقتصادية، التي تعصف بالكيان المجتمعي. أعتقد أن تاريخ الأوليغاركيات في العالم يقدم نوعا من الأجوبة المحتملة. وللأسف الشديد فإن هذا النوع من الأجوبة يرتكز في الغالب الأعم على الدور الحاسم للخارج، وليس للداخل، ويأخذ إحدى صورتين: إما انكسار حاد، أو إعادة تكيف. في الحالة الأولى، تفقد الطغمة الحاكمة موقعها، وقد تفقد بعضا من مصالحها، أما في الحالة الثانية، فقد تبقى في مواقعها الجديدة إلى حين، مع المحافظة على مصالحها. في الحالة الأولى قد يكون الثمن المجتمعي باهظا في المدى القريب، والمباشر، أما في الحالة الثانية فقد يكون الثمن في إطار ما هو مقبول ومحتمل. العامل الحاسم في تغليب احتمال على آخر هو مدى اقتناع الطغمة الحاكمة بجدية المخاطر المحدقة بها. في سورية، وكما يبدو لي، أن السلطة الحاكمة، أو على الأقل القوى الحاسمة فيها، قد أدركت أخيرا حاجة سورية إلى التغيير، وكذلك جدية المطالب الدولية لها بهذا الخصوص، وهي تعد العدة لعملية إعادة التكيف معها، وهذا ما شكل الشغل الرئيسي لمؤتمر حزب البعث الأخير. ومع أن المسألة برمتها لا ترقى إلى مستوى اليقين، فهي مع ذلك على درجة عالية من الاحتمالية الممكنة والمتوقعة. ومما يزيد في ترجيحها حقيقة غياب البدائل الممكنة من خارج السلطة ذاتها، الأمر الذي يجعل قوى الضغط الخارجية تركز جل اهتمامها على انفتاح النظام ذاته. في ضوء ما تقدم يمكن القول أن سورية تشهد بداية مرحلة جديدة، في ظل العهد "الجديد"، مرحلة لم تقطع مع المرحلة السابقة، لكنها قد تؤسس من خلال جملة ما تحدثه من متغيرات، تبدو سطحية وجزئية، لتغيرات أكثر عمقاً. إنها محكومة بالتغير، وبقدر ما تبكر في وعي ضروراته ومتطلباته، بقدر ما تقلل من تكاليفه المباشرة، وغير المباشرة. وبالفعل لقد حدثت على هذا الطريق جملة من المتغيرات لا بد من رؤيتها: 1-لقد اعترفت السلطة، وعلى الضد من طبيعتها "الكاملة" التي ادعتها طوال العقود الثلاثة الماضية، بأنها تعاني من نقص شديد، هو فيها أزمات متداخلة متراكبة، لا بد من تجاوزها، فكان الخطاب الإصلاحي خطاب للسلطة، قدمته في صيغة التطوير والتحديث تارة، أو في صيغة التغيير من خلال الاستمرارية تارة أخرى. ومع أن هذا الخطاب لم يستقر بعد، وليس متسقاً، إلا أنه محكوم بالاستقرار، والانتقال من دائرة تداوله التكتيكي إلى دائرة الخيارات الاستراتيجية. وسر محكوميته يكمن: أولاً؛ في المتغيرات الخارجية التي عصفت بالبيئة العالمية، والإقليمية، التي كانت تولد طلباً على الأنظمة الاستبدادية، والدكتاتورية. وثانياً في ضرورات استيعاب المتغيرات في البنية المجتمعية الداخلية الناتجة عن انتشار التعليم، والانخراط في النشاطات الاقتصادية المختلفة، وتحديدا تحول الكثير من رموز البرجوازية البيروقراطية، في جيلها الثاني إلى مواقع البرجوازية التقليدية. باختصار لم يعد من الممكن العيش بالطريقة السابقة، لا السلطة، ولا المعارضة، الجميع ينشد التغيير لكن كل على طريقته. 2-في هذا الإطار اتخذت السلطة جملة من التغييرات في البنية التشريعية، والقانونية السائدة، وأصدرت قوانين جديدة، تركز في مجملها على ما اعتبرته أولوية في رؤيتها الإصلاحية، أعني الإصلاح الاقتصادي، والإداري. في هذا الإطار سمحت بإنشاء البنوك الخاصة، والجامعات الخاصة، واتخذت إجراءات للحد من تأثير القوانين الاستثنائية السائدة المفعول في ظل إعلان حالة الطوارئ، والحكم العرفي، على المجال الاقتصادي، وتسعى لتحسين بيئة المناخ الاستثماري في سورية. 3- اتخذت إجراءات هامة على صعيد تحسين الواقع المعاشي للمواطنين، فزادت دخولهم الاسمية أكثر من 65% خلال الأربع سنوات المنصرمة، وتتحدث السلطة عن خطة لزيادة دخول المواطنين الاسمية مائة بالمائة بحدود عام 2010. 4- تراجعت كثيراً قمعية السلطة، سواء باعتبارها وظيفة رئيسة من وظائف السلطة المستبدة، أو باعتبارها وظيفة سيادية للدولة. وإذا كانت الأولى تؤشر إلى متغير إيجابي في واقع السلطة، فإن الثانية تؤشر إلى متغير قد يكون كارثياً على وجود الدولة ذاته. وما نشهده من حراك اجتماعي وسياسي معارض، وعلني، يؤشر بلا شك إلى أن السلطة لم تعد كتيمة، بل أخذت تبدي بعض النفاذية. في هذا الإطار أخذ حزب البعث يراجع منطلقاته الفكرية، والسياسية، في خطوة لافتة. 5- اتخذ حزب البعث، في مؤتمره الأخير، جملة من التوصيات الهامة، تتعلق بالوضع الداخلي، منها إمكانية النظر في تعديل الدستور، والحد من نطاق سريان حالة الطوارئ، وحل مشكلة المواطنين الأكراد غير المجنسين، وإلغاء المرسومين رقم 4 ورقم 6 سيئي الصيت، وكذلك إلغاء القانون رقم 53 المتعلق بأمن الحزب، وتعديل قانون المطبوعات، وقانون الإعلام، وإصدار قانون للأحزاب..الخ، وجميعها كانت في مقدمة مطالب المعارضة السورية. بطبيعة الحال تبقى العبرة في التطبيق، وهو لا يسير كما تريد المعارضة وكما تحتاجه سورية. من نافل القول، أن سورية تهددها مخاطر كثيرة، داخلية وخارجية. غير أن هذه المخاطر ما كان لها أن تكون بهذا الوضوح والجدية، والخطورة، لو كان البناء السياسي، والاقتصادي، لسورية سليما معافى. ليس من باب المغالاة أبدا القول بأن الكيان السياسي السوري أصبح مهددا في وجوده. وإن البحث العلمي الجاد في الأسباب التي قادت سورية إلى هذه الوضعية، سوف يقود مباشرة إلى طبيعة النظام السياسي الاجتماعي القائم في سورية على الاستبداد، والشمولية، في رعاية دولة أمنية قاهرة. من الناحية العلمية تتحدد خيارات المجتمعات الحرة، كمحصلة لجميع القوى المجتمعية وتعبيراتها السياسية، والمدنية، والأهلية، وهذا يضمر في ذاته ضرورة التنوع في أشكال الوجود الاجتماعي، وفي تعبيراتها الفوقية، السياسية، والثقافية، والأيديولوجية..الخ. وهو يفترض أيضاً إمكانية الاختلاف في وجهات النظر، وفي السلوك، تجاه طبيعة القضايا، والمخاطر التي تواجه البلد، وفي كيفية التصدي لها. بكلام أخر، إن خطاب الوحدة الوطنية، الأثير على قلب الحكام السوريين، هو خطاب ينبغي أن يتوجه بالضرورة نحو بنى، وقوى مجتمعية مختلفة بحكم مصالحها، ولا بد من خلق الظروف المناسبة كي تعبر عن وجودها، وتدافع عن مصالحها، في إطار القانون، ورعاية المؤسسات. غير أن واقع الوحدة الوطنية في سورية، في الظروف الراهنة، يتحدد سلباً، يتجلى ذلك من خلال السلبية المفرطة التي يبديها المواطنون، سواء تجاه المخاطر التي تواجه بلدهم، أو في حياتهم الاجتماعية، أو السياسية، أو في مجال العمل. يحضرني في هذه المناسبة قول مأثور للإمام علي، يفيد كثيراً في توصيف الحالة التي نمر فيها. يقول الإمام علي:>، فكيف إذا كان الفقر الذي يعاني منه السوريون فقراً مركباً: فقراً مادياً وروحياً، فقراً في أسباب العيش، وفقراً في الحرية، وفقراً في الحياة العامة، وفقراً حتى في الكرامة الشخصية، والوطنية. نعم يشعر الكثير من السوريين بالغربة في وطنهم، وهم موحدون في ذلك، موحدون أيضاً في الخوف، موحدون أيضا تحت مظلة القمع الطاغي، والمعمم، الذي يتعرضون له منذ أكثر من أربعة عقود من السنين. لقد نجح الاستبداد إلى حد كبير في القضاء على روح المواطنة، والوطنية، لدى جماهير الشعب، منذ أن قضى على روحهم السياسية، والمواطن لا يكون كذلك إلا بروحه السياسية. ما لدينا مجرد رعايا يكرسون وقتهم للبحث عن أسباب وجودهم البيولوجية، ولا يجدونها إلا بشق الأنفس. لقد نجح الاستبداد أيضا في تهديم منظومة القيم الوطنية، من خلال سياسة الفساد والإفساد التي انتهجها منذ عام 1970. يخطئ من يظن أن الفساد المنتشر في سورية هو مجرد ظاهرة، يمكن أن يوجد مثيل لها في أي بلد، حتى في بعض الدول المتقدمة، بل هو سياسة رسمية. إنه نهج، وأسلوب في الإدارة، له منظومته الخلقية، والمفاهيمية، وأدواته، وأساليبه. باختصار عندما نبحث عن عناصر القوة والضعف في الوحدة الوطنية، للأسف الشديد، لا نجد سوى عناصر الضعف غالبة، ومهيمنة. فنحن موحدون في السلبية، واللامبالاة، وموحدون في الغربة عن الوطن، وموحدون في الخوف، وموحدون في الفقر المادي والروحي، وموحدون في الفساد، والإفساد..الخ. مع ذلك لم نعدم بعد إرادة النهوض، والخروج من المأزق الذي أوصلنا إليه الاستبداد، والمخارج لا تزال ممكنة.على هذا الطريق: إن إصدار عفو شامل عن جميع سجناء الرأي، وإغلاق ملف السجن السياسي نهائيا وإلى الأبد، ورد المظالم إلى أهلها، هو إجراء ضروري من ناحيتين: من جهة يعيد الحقوق إلى أهلها، ومن جهة ثانية يكسب السلطة بعضا من المصداقية في نظر الشعب. وفي خطوة موازية تالية، لا بد من إلغاء جميع القوانين الاستثنائية المخالفة للدستور، أو تعديلها لتتوافق معه، ومنها إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية، وما بني عليها من إجراءات، وأحكام، ومحاكم. وفي خطوة موازية ثالثة، لا بد من شرعنة الحياة المدنية، والأهلية، والسياسية في البلد، وتنظيمها بقوانين عصرية للأحزاب، وللنقابات، وللجمعيات الأهلية، وغير الحكومية. وفي خطوة موازية رابعة، لا بد من تحرير الإعلام، وتعديل قانون المطبوعات، والنظر في إلغاء وزارة الإعلام، والاستعاضة عنها بمجلس وطني للإعلام، وميثاق شرف إعلامي. وفي خطوة خامسة موازية، ينبغي البدء بتحول تدريجي، سلمي، آمن، من نظام الدولة الأمنية الشمولية إلى النظام الديمقراطي، بدءا بتعديل الدستور، والشروع بتعميم الحياة الديمقراطية في النقابات، والأحزاب، والمنظمات الأهلية، وفي غيرها من أشكال الوجود الاجتماعي، بحيث يمكن الوصول، في مدى زمني من خمس إلى عشر سنوات، إلى إمكانية تبادل السلطة عبر صناديق الاقتراع. وفي خطوة سادسة موازية، لا بد من إصلاح الاقتصاد، وتحويله من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد ربحي، ويكون ذلك من خلال خلق بيئة ملائمة للاستثمار، وإصلاح القطاع العام في ضوء معايير السوق، واقتصاره على المجالات الاستراتيجية، أو على البنية التحتية، أو على تلك المجالات التي تطلب استثمارات كبيرة، ليس بمقدور القطاع الخاص تأمينها. وفي خطوات أخرى موازية كثيرة، لا بد من إصلاح الإدارة، والقضاء، والتعليم بمختلف مستوياته، وتحسين الواقع المعاشي للناس..الخ. باختصار لا بد من برنامج وطني شامل للإصلاح، تشارك في إعداده، وتنفيذه جميع القوى الوطنية والديمقراطية في البلد. بغير ذلك نسير حثيثا نحو مزيد من التأزم. في القول المأثور>، فكيف إذا كان الزمن العالمي، وكذلك الزمن في منطقتنا يتغيران بوتائر سريعة جداً. بمعنى آخر إن لم نسارع لملاقاة التغيرات العالمية، وحجز موقع لنا في العالم المعاصر، في ضوء مصالحنا الوطنية والقومية، فسوف نرغم على ذلك، في ضوء مصالح الآخرين. غير أن الثمن عندئذ قد يكون باهظا، ندفعه من وجودنا، ومن دورنا، ومن مصالحنا الوطنية والقومية. لقد حاولت في مداخلتي التركيز على ما هو مطلوب القيام به في العمق، مع إدراكي أن ما تم إنجازه خلال السنوات الخمس الماضية من عمر العهد الجديد، مع أنه لم يطل العمق المجتمعي، فهو مهم أيضاً. وإذ ترفض قوى المعارضة السورية في الداخل، أي تدخل للقوى الخارجية في الشأن السوري، وإنها على دراية تامة، إن ما تطلبه أمريكا، والغرب عموما، من سورية، ليس أكثر من تحقيق مصالحا، وهي مصالح ليس بالضرورة متفقة مع مصالح الشعب السوري، والكيان السياسي السوري، وبناء على ذلك، فقد امتنعت القوى الوطنية، والديمقراطية في سورية، عن تشبيك مطالبها، وتحركاتها مع القوى الخارجية. هذا لا يعني أبدأ أنها لا تريد الاستفادة من المتغيرات العالمية لجهة الحد من الطلب على الأنظمة الاستبدادية، ومن هذه الضغوط، لتسريع التحولات باتجاه الحرية، والديمقراطية في سورية. لقد طالبنا، وفي أكثر من مناسبة، بضرورة أن تبادر السلطة للحوار مع القوى الوطنية والديمقراطية في سورية، من أجل التوصل إلى مشروع وطني للتغير، متدرج، سلمي، وأمن، ونقول لها الآن عليك أن تسارعي إلى الحوار مع شعبك، عبر قواه الوطنية والديمقراطية، للخروج من الأزمة الراهنة التي وضعت البلد والشعب فيها. ولن يكون للحوار أي معنى إذا لم يتركز حول مسائل الإصلاح الجدي، والعميق، وفي مقدمته الإصلاح السياسي. إن الضغوطات التي تتعرض لها سورية هائلة، وهي تحصل تحت شتى الذرائع، وإن الشعب الحر، هو الذي يستطيع الدفاع عن وجوده، و مصالحه، ومصالح بلده، وتقدمه وازدهاره، فهل يعي نظامنا العتيد هذه الحقيقة. من جهته المجتمع السوري لم يعد يقبل بالصمت، خصوصا، وأنه يتعرض للتهديد في وجوده، ومصيره، وأخذ يفكر بصوت عال، ويحاول إنعاش حياته المدنية، من خلال مختلف أشكال التنظيم المدنية، والأهلية. فأغلب الأحزاب في سورية أصبحت تعمل بصورة علنية، والنخب الثقافية السورية تعبر عن أرائها بحرية أكبر، بل وتفتق الحراك الاجتماعي عن أشكال للعمل المدني لافتة، مثل لجان الحوار أو لجان العمل الوطني الديمقراطي، التي أخذت تنتشر في المحافظات السورية، وكان للجنة العمل الوطني الديمقراطي في محافظة اللاذقية شرف السبق على هذا الصعيد.(يمكن الإطلاع على نشاطها على الموقع www.lazikia.org). وأكثر من ذلك أخذت المعارضة تبادر في طرح رؤاها، ومشاريعها للتغيير الوطني الديمقراطي، في هذا السياق جاء إعلان دمشق، وكذلك إعلان حمص، وأخيرا إعلان البلازا، وتجري حوارات مكثفة لتوحيد جهودها، ونشاطاتها، بما يساعد على إنجاز التغيير الوطني الديمقراطي المنشود على يد الشعب السوري وفي ضوء مصالحه.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مساهمة في إعادة صياغة إعلان دمشق
-
الخطر الذي يواجه سورية قادم من أين؟
-
تقرير ميلتس: بوابة عبور خطرة جداً
-
سورية إلى أين؟
-
إعلان دمشق والمسؤولية الكبيرة
-
ما أفسدة دهر الاستبداد هل يصلحه عطاره الجديد؟!
-
في سبيل حوار رصين وهادئ
-
أدوات قديمة لا تصنع جديدا
-
نحو حزب بلا تاريخ- مرة اخرى
-
محددات السياسة الامريكية في الوطن العربي
-
وأخيرا عقد البعث مؤتمره
-
السوريون يكسرون القاعدة الذهبية لنظامهم
-
في سبيل مشروع وطني ديمقراطي لإنقاذ سورية
-
نحو حزب سياسي منفتح على المستقبل
-
مساهمة في نقد العقلية البعثية
-
الليبرالية وحذلقة المثقفين
-
بحث في طبيعة السلطة في سورية واحتمالات انفتاحها على العصر
-
حتى لا يخطئ أحد في قراءة التحركات الشعبية
-
نحو حزب بلا تاريخ-ضروراته وهويته
-
مبروك للشعب المصري
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|