طارق علي حامد
الحوار المتمدن-العدد: 5194 - 2016 / 6 / 15 - 16:29
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
ورحل قلب آخر نابض بحب الانسانية
العم احمد محمد ابراهيم (العرضحالجي) والشيوعي المعتق
طارق علي
ونحن علي مشارف العيد السبعين لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني , وبعد مسيرة نضالية طويلة حافلة بالتضحيات من أجل سودان حر ديمقراطي , ومعارك ضارية خاضها الشيوعيون السودانيون في مواقع الطبقة العاملة وحركة المزارعين , والحركة النسائية , وحركات والشباب والطلاب . وتقديم عشرات الشهداء من الشيوعيين والديمقراطيين في كل تلك المواقع. فجعت مدينة كوستي وحركة المزارعين في الايام الماضية برحيل أحد المؤسسين الاوائل لحركة المزارعين في السودان وأحد المؤسسين لاتحاد مزارعي النيل الأبيض وأحد قيادات (الجبهة المعادية للاستعمار) بالنيل الأبيض , هو العم أحمد محمد ابراهيم , الشيوعي الفذ والمعجون بتراب هذا الوطن . فهلا ياموت قد ترفقت قليلا بنا ..؟؟؟
احمد محمد ابراهيم من مواليد نهاية العشرينيات من القرن الماضي , درس بالمعهد العلمي بامدرمان. التحق بعد التخرج من المعهد بالجبهة المعادية للاستعمار (الحزب الشيوعي السوداني) , فأكسبه الالتحاق بالحزب الشيوعي في فترة مبكرة من عمره تنمية الوعي الطبقي لديه , ومعرفة مكمن الاستغلال الواقع علي المزارعين , فساهم (عم أحمد) نتيجة للتسلح بهذا الوعي في تأسيس حركة المزارعين في الاربعينيات من القرن الماضي , تلك الحركة التي نشأت وتبلورت معالمها في خضم النضال ضد المستعمر الانجليزي , ساهم مع شيخ العبيد عامر محمد علي وعدد من المزارعين في تأسيس اتحاد مزارعي النيل الابيض , وكان العم أحمد ابراهيم هو سكرتير عام الاتحاد .
في آخر لقاء لي مع الراحل العم احمد ابراهيم كان في يوم 7 يناير الماضي , زرناه بمنزله الكائن بمربع 27 بكوستي انا والزميل احمد حسن للتوثيق معه حول تجربته ونشرها في حلقات لـ(الميدان) , وفي تلك الجلسة حكي عم أحمد بصوته المتهدج عن تلك السنوات النواضر من عمرة , وتطرق في حديثه عن مرور الذكري الـ60 لاستقلال السودان , وتطرق أيضا لعدد من المواضيع التي تخص المزارعين ومشاكلهم وعرج بنا أيضا علي أحداث منطقة جودة فقال : الواقع الحالي سيئ للغاية بعد مرور 60 عاما من استقلال السودان , وحصوصا تزايد الأعباء والمشاكل التي يعاني منها المزارعون في معظم انحاء البلاد , وتفاقم هذه المشاكل في ظل حكم نظام الرأسمالية الطفيلية والاسلام السياسي في السودان (المؤتمر الوطني) , و أوضح عم احمد في ذلك (اللقاء الأخير) ان مطالب المزارعين في فترة وجوده كسكرتير عام لاتحاد مزارعي النيل الأبيض كانت تتمثل في ان يكون نصيب المزارع 40% من اجمالي الانتاج بينما يأخذ صاحب المشروع 60% من الانتاج الأمر الذي رفضه أصحاب المشاريع الزراعية بشدة ـ سواء كات مشاريع ملك للدولة او ملكية خاصة ـ " أصحاب المشاريع من الرأسماليين كانوا بيشوفو المزارع دا زي المكنة او الآله , والمفروض بدوهو خمستاشر ولا خمسة وعشرين في المية بس والباقي يشيلوهو هم" ـ حسب تعبير عم احمد ـ . وبالطبع لم يقف الأمر عند رفض أصحاب المشاريع لمطالب المزارعين المشروعة وانما أستمر الصراع وتطور حتي وصل الي أقصاه فيما عرف في تاريخ السودان الحديث بـ(أحداث عنبر جودة) . حدثنا العم احمد ابراهيم ايضا عن شهداء حركة المزارعين في منطقة (جودة) جنوب النيل الأبيض وهو أحد الفاعلين الأساسيين الذين قادوا نضال المزارعين والصدام المباشر مع السلطة مما أدي لوقوع (أحداث جودة) المؤسفة في فبراير 1956م , وفي عهد أول حكومة (وطنية) بعد الاستقلال , وفي هذه النقطة يقول الزميل حسن العبيد مدني في كتابه التوثيقي الرائع (عنبر جودة : وعشرين دستة من البشر) " ان حادثة عنبر جودة هي لم تكن معزوله عن سياقها الاجتماعي كما يدعي البعض اليوم , لقد بدأنا استقلالنا بهذه الصفحة السوداء بظلم المنتج الصغير ووأده , وتوالت الصفحات السوداء لتتكامل معها صفحات الأزمة المستدامة حتي يومنا هذا " وفي تلك الأحداث أصيب عم أحمد ابراهيم بعيار ناري في ساقه اليمني مما أدي الي تدخل جراحي كانت نتيجته بتر الساق المصابه . يقول عم احمد ابراهيم عن تلك الأحداث : " كانت المطالب الأساسية للمزارعين تتمثل في 1 ـ تقديم صاحب المشروع لكشوفات الحسابات علي ان تحتوي تلك الكشوفات تفصيل دقيق بالربح والخسارة والمنصرفات. 2 ـ تعديل نسبة المزارع في الشراكة من 40% الي 50% من انتاج الحواشة. 3 ـ تقديم سلفيات للمزارعين. 4 ـ عمل تعديلات في بعض المنصرفات المقررة علي المزارع ليتحملها صاحب المشروع. 5 ـ ان يشارك ممثل المزارعين في عمليات الفرز والتسويق لمحصول القطن . 6ـ الاعتراف باتحاد المزارعين . يواصل عم أحمد في الحكي عن تلك الأيام السوداء في تاريخ السودان , فيقول بعد برهة من الصمت كانه يستدعي الي ذاكرته بعض من ملامح تلك الفترة " ونسبة لتماطل السلطات في الاستجابة لتك المطالب المشروعة للمزارعين حدثت احتكاكات بين المزارعين وقوات الشرطة في منطقة جودة في فبراير 1956م فتم القبض علي اكثر من 300 مزارع وتم حشرهم في عنبر ضيق جنوب مدينة كوستي , ونتيجة للاختناق مات منهم في الحال حوالي 200 مزارع , "في احداث جودة فقدنا مناضلين عظام منهم : أحمد المؤمن , محمد الزين ابو شاتين , وحسين علي , وناس تانيين كتااااااار , ما بتذكرهم هسي" .
العم احمد محمد ابراهيم , هذا المزارع الشيوعي المتسلح بالمنهج الماركسي عرف كيف يقرأ الماركسية ومقولاتها وقوانينها والنزول بها من علياء المصطلحات الفلسفية المعقدة الي براحات اللغة البسيطة , لغة الترابلة والفلاحين البسطاء , وملحمة (جودة) تقف كأسطع ما يكون الدليل علي تسلح المزارعين بهذا الفكر والوعي . بعد أحداث جودة , حادثة بتر الرجل اليمني عمل عم أحمد بمحكمة كوستي كاتبا يكتب العرائض (عرضحالجي) للمتظلمين والباحثين عن حقوقهم المسلوبة , وظل يعمل في هذه المهنة الي وقت قريب من رحيله , وكأنه بذلك أراد ان يواصل مسيرته في النضال والدفاع عن العدالة ولكن من موقع آخر , من موقع (العرضحالجي) . ظل المناضل (عم أحمد) حتي آخر أيام حياته يسأل ويستقصي عن أخبار المزارعين ومشاكلهم , وعن أخبار الرفاق في الحزب , وعن أسر الشيوعيين وأحوالهم , ونحن نقول له في علياءه : نم غرير العين يا (عم أحمد) , أيها الرفيق النبيل , والشيوعي المعتق ونحن سوف نكمل المسيرة من بعدك , ونحقق ما حلمت به القريب العاجل ..
#طارق_علي_حامد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟