|
في النحت العراقي الحديث/ خالد عزت
عادل كامل
الحوار المتمدن-العدد: 5192 - 2016 / 6 / 13 - 15:39
المحور:
الادب والفن
في النحت العراقي الحديث خالد عزت جذور الواقعية وحداثتها
عادل كامل
أتيحت لخالد عزت فرصة التعرف على رواد الفن التشكيلي في العراق، بعد أن تلقى تدريباته في معهد الفنون، وفي أكاديمية الفنون الجميلة، عبر دراسته للرسم، ومن ثم للنحت، للتعرف على ابرز هؤلاء الرواد، طالبا ً، ومشاركا ً، ومحترفا ً لفن النحت. على إن خالد عزت لم ينحز لأسلوب من أساليب أساتذته ـ كجواد سليم، أو عبد الرحمن الكيلاني، أو محمد الحسني، أو محمد غني حكمت، أو إسماعيل فتاح ـ بل توقف عند المشهد بتنويعاته، واختلافاته ـ كي يأتي أسلوبه متطابقا ً مع رؤيته، من ناحية، ومع المنجز الحديث للتشكيل الحديث في العراق، من ناحية ثانية.
فلم تشكل تلك العلامات انحيازا ً مباشرا ً لتيار يتجمد عند استلهام الموروث، أو الانشغال بمحاكاة النحت المعاصر، بل سمحت له بقراءة راحت تتوارى عبر مجسماته بوصفها وليدة ايكولوجيا ـ ثقافية واجتماعية ـ منشغلا ً بالتأمل، والتدريب، عبر تجريب توازنت فيه مكونات الواقعية الحديثة. فالتأثيرات ـ وإن كان من الصعب تلافي منطقها الصوري ـ وعلاماته ـ وإنما سرعان ما وجدت تنصيصاتها داخل الحركة الفنية عامة، بروافدها المتنوعة، وليس باتجاه محدد فيها. فقد ترك الفنان رؤيته تعيد صياغة شعار مدرسة بغداد للفن الحديث: المزاوجة بين الذاكرة والمخيال، بوعي لم يسمح له أن يكون أسيرا ً للماضي، أو الانشغال بمحاكاة النماذج الأكثر تداولا ً بفعل نشاطات الخيال، والتطلع نحو الحداثة.
هذا التوازن، عمليا ً، ليس مصالحة تقليدية، بل موقفا ً مسبوقا ً ببرامج تؤكد إن بلاد ما بين النهرين؛ من سومر إلى أعالي الفرات، كانت مدنها زاخرة بكنوز أدهشت العالم بأسره، ليجد انه يعمل بالدوافع ذاتها لدى معلميه: جواد سليم والرحال وحكمت، بردم الفراغ (الحضاري) للبلاد ـ عبر قرون طويلة خلت من الابتكار الجمالي ـ والعمل، ضمن التيارات المستحدثة، ببلورة شخصيته، حرفيا ً من ناحية، وكصانع للأشكال من ناحية ثانية.
فجيل الرواد الذي نشأ فيه، لم يجد صعوبة تذكر في إعادة فهم (هويته)، الأمر الذي سمح له أن لا يكون أحاديا ، أو أن يتخذ من التكرار علامة للتميز، أو للشخصية، بمعنى: الهوية. فثمة تلقائية تدعمها الخبرة ستأخذ على عاتقها على ترك الأسلوب يأتي عبر ديناميته، وحل المعضلات التي تواجهه أثناء العمل، فالتحدي يكمن في الفن، بوصفه علامة متقدمة للرؤية الجمالية، بالدرجة ذاتها بخلق جسور مع الحياة الاجتماعية، والفنية. فعبر تجارب أكثر من نصف قرن، لخص خالد عزت المفهوم الأقدم للمجسمات (النحت) في الحضارات القديمة: العناية بالمكان، كما لم يتخل عن معضلات العصر: الزمن. فإلى جانب موضوعات الخصب (الأمومة/ الطفولة) ثمة موضوعات تستمد حيويتها من الاحتفاء بالحياة، وتجدد أشكالها. فمع عنايته بالنماذج الواقعية، التعبيرية، والمحورة، أولى الاختزال حد التجريد عناية لإثراء مجسماته النحتية، كجزء لا يتجزأ من مكونات المدينة الحديثة، وبوصفها لغة جمالية ذات خطاب معاصر...
إن هذا التنوع، في المعالجات، والأفكار، عبر النصب، والمصغّرات، والتماثيل، والقضايا الاجتماعية، والفنية، حتمت عليه اختيار خاماتها المتنوعة، والمختلفة. فالتنوع استدعى الوحدة بينهما، عبر تحقيق غير مقصود للهوية. فكما قال بيكاسو: الأسلوب يأتي بعد الموت، فان خالد عزت منحه مداها (الهوية) المناسب بوحدة الأزمنة، لكن بما يتطابق مع رؤيته، ووعيه للصدق الفني. فالأسلوب منح الفنان تنوعا ً في معالجاته للخامات، وأشكالها المتعددة. فالفنان خالد عزت ـ مع جيله، والأجيال التالية ـ لم يتجنب التأثيرات الصريحة للحداثات، ومنها الأوربية تحديدا ً، ولكنه بدل أن يقع في أسرها، ويقع في كمائنها، سمح لرؤيته المرنة أن تستمد عناصر ديناميتها، بقراءة الحياة ذاتها: علاماتها البشرية، الاجتماعية، الشعبية، وبقراءة رموزها الثقافية ـ الجمالية. فسيتكرر ولعه بقضايا الموسيقا، الأعياد، الاحتفالات .. الخ مانحا ً البعد التعبيري صلة اكبر لتغذية واقعيته الحديثة. ذلك لأن (الهوية) في عصر تصادم القوى ـ لم تعد راسخة وحقيقية إلا عبر تجددها، ومن خلال مغامرة ابتكار الأشكال التي تنصهر فيها روافد الحضارات، إن كانت محلية أو عالمية. فالهوية، بهذا المعنى، ليست علامة (سوق) تميز السلعة، بل ستأخذ مفهوم الحرية إزاء الضرورة. فخالد عزت، وجد في واقعيته الحديثة معادلا ً بين الروافد،من ناحية، ونتيجة يحقق فيها فن النحت مكانته كجزء من المعمار الروحي للمدينة الحديثة، من ناحية ثانية. ولعل مفهوم (التوازن) سيتعرض إلى تجارب أكثر تطرفا ً، لكن انحياز النحات للواقعية قيده بتقاليد رسخها الرواد ـ جواد وخالد الرحال والحسني والكيلاني ـ ووجدت دعما ً أسلوبيا ً من لدن محمد غني وإسماعيل فتاح وصالح القره غولي...، فالهوية شبيهة باللغة لا تتوقف عند وظيفتها، بل تنحاز لشرعية التجدد، بالإضافات المستمدة من دينامية الحياة وقوانينها. فواقعيته ـ بحداثتها وتحويراتها ـ رسمت لغز اقتران وجود النحت ـ في المجتمعات البدائية الأولى، إلى جانب وجودها في أكثر العصور ولعا ً بالاستحداث والابتكار ـ وبالتقنيات الخيالية، والافتراضية. إنها واقعية متوازنة بخلق تقاليد عملية للقاعدة الفنية، بين الموروثات البيئية، والتجارب العالمية، فلم تعد مدن عالمنا مسورة، أو بحاجة إلى بناء جدران عازلة وأسوار لحمايتها من العدو، وإنما غدا الانفتاح اختراقا ً يذهب بعيدا ً في هدم (المكان) وفي إعادة تشكله، مجددا ً، بوعي يعيد للزمن ديناميته، بل وشرعيته، بنزعات جمالية لها تميزها، بما تمتلكه من إجابات تتجدد مع عوامل تجدد أسئلة الإنسان، إزاء حقيقة إن الواقعية تمتلك لغز ديناميتها، ضد الأحادية، والتزمت، والجمود.
* سيرة ـ ولد في محافظة البصرة، عام 1937 ـ درس فن الرسم في معهد الفنون الجميلة ـ 1960 ـ ودرس فن النحت في أكاديمية الفنون الجميلة ، 1965 ـ عمل مشرفا ً للتربية العملية في معهد التربية الفنية في الرياض ـ المملكة العربية السعودية ـ عامي 1968 ـ 1971. ـ مارس التدريس في معهد الفنون الجميلة، وعمل خبيرا ً في وزارة الثقافة/ دائرة الفنون التشكيلية ـ قسم المصاهر. ـ أقام العديد من المعارض الشخصية وشارك في المعارض الجماعية داخل العراق وخارجه. وشارك في العديد من المؤتمرات الفنية. ـ أقام العديد من النصب والتماثيل. ـ حصل على العديد من الجوائز التقديرية. ، عضو نقابة وجمعية الفنانين العراقيين.
#عادل_كامل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصص ليست قصيرة جدا ً
-
قصة قصيرة/ الذئب فائضا ً
-
قصة قصيرة/ الحمامة رأت
-
مساحات وقصص قصيرة اخرى
-
في النحت العراقي الحديث/ يحيى جواد/ تدشينات صاغت حداثتها
-
زوال وقصص قصيرة اخرى
-
المجد للفأس/ لمحات من تاريخ العبودية في بلاد ما بين النهرين
-
صرخة وقصص قصيرة اخرى
-
في النحت العراقي الحديث/ مكي حسين
-
في النحت العراقي الحديث/ محمد الحسني
-
قصة قصيرة/ بقع سوداء فوق اثير ابيض!
-
عشرون قصة قصيرة جدا ً
-
قصة قصيرة/ حكاية رواها لا أحد!
-
كي لا نوغل في التمويهات.... المرأة مازالت في عصر العبودية!
-
رسامو الحمير في التشكيل العراقي الحديث!
-
22 قصة قصيرة جدا ً
-
مصير وقصص قصيرة اخرى
-
7 كتب في الفن/ من الشفاهي الى التدوين
-
قصة قصيرة/ ولادة
-
قصة قصيرة/ الشق
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|