|
تخلَّ عن الأمل: 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5190 - 2016 / 6 / 11 - 10:14
المحور:
الادب والفن
مدينة بلا نهر. مدينة داخلية بلا نهر، ماذا تأمل فيها من خير. لا نهر إذاً، بل مجرّدَ جرفٍ يمتدّ من مشارف باب خميس عابراً باب دُكالة حتى يتلاشى عند عتبة الداوديات. إنه أخدودٌ، حَسْب. لا يُعلم أيّ شيطان حفره، أو الهدف منه. إلا أنّ هذا الأخدود، غيرَ المنتمي للظواهر الطبيعية أو التفسيرات التاريخية، قد وفّرَ على الدولة عناءَ وتكلفة انشاء مكبّ لنفايات كلّ من تلك الأحياء، الموسومة. الحقيقة، أنني كنتُ أمرّ بذلك الجرف في ساعات النهار، حيث الشمس تشوّه أحياناً جماليات الأمكنة وخصوصاً مكبّات الزبالة. وعلى ذمة رواة الزمن الأقدم، فعلى طرف الجرف من ناحية حيّ باب خميس ( أو ربما حيّ سيدي يوسف! )، كان بعضهم قد وصلت به الجرأة أن يضَعَ لوحة كبيرة لأمير المؤمنين تصوّره وعلى رأسه أذنا حمار. هذا العمل الأخرق، جلبَ سخطاً أفقياً على مدينةٍ برمتها؛ مدينة، كانت فيما مضى عاصمة لمملكةٍ مغضوبٍ عليها في التاريخ الرسميّ. في الأثناء، وَجَدَ بطلا قصتنا نفسيهما في هذه المدينة. كانا قد وصلا أمس بالطائرة إلى كازابلانكا قادمَيْن من ستوكهولم، وكان برفقتهما رجلا بوليس. هذان الشرطيان السويديان، كانا في غاية اللطف طوال الرحلة. أي أنهما خالفا الصورةَ المُشنّعة عن رجال البوليس، التي أشاعها جان جينيه في حواره مع محمد شكري. " فرهاد "، المهتمّ بالأدب، لم يكن قد قرأ بعدُ شيئاً من أعمال ذينك الكاتبين. لقد كان مهووساً، إلى ذلك الوقت، بالأدب الروسي الكلاسيكي ـ كما هو حالُ جيلنا بشكل عام. الكوفية الحمراء، الملتفّ بها عنق " فرهاد " حين وصوله إلى صالة المطار، كانت منسجمة ولا شكّ مع لحيته الصهباء. بيْدَ أنّ مظهرَ بطلنا وإن كان مُتواشجاً مع ميله اليساريّ ( أو الماركسيّ بصحيح العبارة )، فإنه كان متأثراً خصوصاً بهيئة مغنٍّ كرديّ ـ تركيّ كانت له شهرة واسعة في تلك الأيام. وإذاً، أُشْكِلَ على البوليس المغربيّ تحديدَ هويّة الشابّ القادم لدرجة أنهم ظنوه فلسطينياً. هذا، على الرغم من أنّ قرار ترحيله، مع شقيقته، قد تمّ بالاتفاق بين بوليس البلدين. كانت الأوراق تقول، أنهما كرديان بدون جنسية من مواليد مدينة دمشق. وعلى كلّ حال، احتارَ المسئولون بهذين اللاجئين السوريين ـ الكرديين ـ بعدما تبيّنَ أن كلاهما لا يكاد يفهمُ شيئاً مما يقال له. " انني أُجيد قليلاً من الفرنسية " ما أن نطقتها " شيرين " إلا وأسارير الشرطيين قد اتسعت، بل إنّ بعضهم نفخَ تعبيراً عن قلّة صبره. ولا بدّ من القول، أن كل أولئك المسئولين المحترمين، المتواجدين في غرفة التحقيق، كانوا مفتونين بهذه الصبيّة الحلوة. عندئذٍ، راحت الأسئلة والأجوبة تترى في حجرة التحقيق. كان كلّ شيء على ما يرام، حين خروج الشقيقين من تلك الحجرة، ولكنّ حادثاً جدَّ على حين فجأة: إنّ الحقيبة الكبيرة، التي تخصّهما كلاهما، قد تابعت رحلتها إلى مراكش مع الطائرة الملكية القادمة من ستوكهولم. " ثمة قطار سيتحرك إلى مراكش بعد حوالي نصف ساعة، بإمكانكما لحاقه بالطبع "، خاطبهما من بدا أنه المسئول الأكثر أهمية. نقلت " شيرين " لشقيقها كلامَ الرجل، فقال يسألها: " وبعد، ماذا سنفعل في تلك المدينة؟ ". كان جوابُ من بدا أنه مسؤولٌ رفيع " هنا أو هناك سواءُ؛ فعلى كلّ منكما تدبير أموره بنفسه ". ولم ينسَ أن يُضيفَ وهوَ يلعبُ بشاربه الكثيف: " لأن المغرب ليسَ زاوية دراويش! ". ثم تكرّمَ الرجلُ فسألهما، ما إذا كان لديهما ثمن تذكرة القطار. وكان هذا السؤال، مثلما أدركا لاحقاً، مدعاةً لمزيد من سوء حظهما: إذ كان في جيب " فرهاد " مبلغ أربعمائة دولار، سبقَ أن أستدانته أمه من أحد أقارب زوجها. فلما علِمَ المسئولُ بأمر الدولارات، فإنّ ومضة من المكر لمعت في عينيه. على الأثر، أحضروا للشقيقين تذكرتيّ سفر بذلك المبلغ. إذاك غمغمَ " فرهاد " متسائلاً، عن الطريقة التي سيصلان بها لاحقاً إلى مطار مراكش وهما بدون نقود. ولكنّ شقيقته ما وجدت حاجة لترجمة كلامه: كان ذلك المسئول قد سلّمهما تواً إلى مرؤوسيه، ثمّ ما لبثَ أن أدار ظهره لهما ومضى في طريقه. بعد ثلاث ساعات من السفر الليليّ بالدرجة الثانية، طرحَ القطارُ في رصيف محطة مراكش الشابين الغريبين. كانا في حالٍ سيئة من الوهن والخواء. لقد أدنفهما الجوع، فوق ذلك، ولم يكونا ليملكان ريالاً أحمر.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تخلَّ عن الأمل: 1
-
الرواية: استهلال
-
سيرَة أُخرى 34
-
احتضار الرواية
-
فاتن حمامة والزمن الجميل
-
أقوال غير مأثورة 6
-
سيرَة أُخرى 33
-
الهلفوت والأهبل
-
سيرَة أُخرى 32
-
بسمة مسمومة
-
الغموض والوضوح
-
عَرَبة العُمْر
-
اتفاقية سايكس بيكو وشعوب المشرق
-
أحلى من الشرف مفيش !
-
سيرَة أُخرى 31
-
سيرَة أُخرى 30
-
أقوال غير مأثورة 5
-
دعها تحترق !
-
الحمار والدب
-
الأبله؛ الرواية العظيمة كفيلم تافه
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|