أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد نوح - أسئلة كثيرة وما من إجابات في رواية -حكايات صغيرة للشيطان- د.شاكر عبد الحميد















المزيد.....

أسئلة كثيرة وما من إجابات في رواية -حكايات صغيرة للشيطان- د.شاكر عبد الحميد


سعيد نوح

الحوار المتمدن-العدد: 5184 - 2016 / 6 / 5 - 00:52
المحور: الادب والفن
    


أسئلة كثيرة وما من إجابات ...
عن "حكايات صغيرة للشيطان"
رواية سعيد نوح
قراءة: د. شاكر عبد الحميد
في هذه الرواية ثمة محاولة لتشكيل عالم موازٍ، بديل لهذا العالم ولتاريخه الذي نعرفه من القراءات والتربية والعقلية والإعلام.. إلخ. محاولة للتأمل في وصول فكرة الخير والشر، وكذلك حول الحياة والموت والتاريخ والمعرفة والسعادة والحب والعقل والروح والرزق، والطفولة وقلب الإنسان والألوان والحقيقية والجمال، أسئلة الوجود الكبرى. وهناك أيضًا شعور دائم بفقدان اليقين وضياع الحقيقة والحيرة والشك والالتباس هنا أيضًا نوع واضح بارز من الولع بالميتافيزيقا والاهتمام كذلك بفكرة العناصر الرئيسية للحياة، العناصر الأربعة: الماء والنار والتراب والهواء، وكيف ترتبط هذه العناصر بالأخلاط السائدة لدى البشر: الدم والصفراء والبلغم والسوداء، وكيف يتشكل ذلك ويتبدي في أنماط بشرية. الطيب والعدواني والمتبلد والمنسحب والمتحمس والغيور ..إلخ. وكيف أن أصل اللون من عناصر الكون: الماء والتراب شكلا آدم، ومن آدم خرجت حواء لكن النار والهواء شكلا الشيطان، ومنه خرجت الشرور كلها، لكنه كان هو أيضًا الذي اكتشف الموسيقى والغناء والرقص والفنون... إنه الطوطم الأصل النموذج الأولي "أن بروميثيوس ذلك الذي سرق النار لكن زيوس قيده (شد وثاقه) في صخرة وأرسل نسرًا كي ينتزع كبده، كما أنه خلق باندورا، أول امرأة وأرسلها إلى أخيه في صندوق من الهدايا وبقية الحكاية معروف. كذلك تمزق ديونيسيوس إلى قطع (إربًا إربًا) بواسطة التيتان لأنه عكس صورته الشبيهة بالإله في المرآة".
وعوقب "نرجس" بالموت بسبب تأملاته المتيّمة المستمرة لصورته في المرأة، وعوقب أورفيوس عندما عزف بقيثارته التي كانت تقيم سلامًا بين الأرض والسماء وعندما غالبه الشوق ونظر إلى زوجته.
وحكم على ديدالوس بالنفي لأنه صاحب فكرة فن النحت للأشكال البشرية وإعطاء التماثيل قوة الكلام التي للبشر، وحدث الأمر نفسه بالنسبة لابنه أيكاروس عندما حول الطيران/ الحلم/ الخيال فاقترب من الشمس وذابت أجنحته وسقط في البحر.
من حادث قطار وقع منذ سنوات قليلة في مصر ولقي فيه أربعة أطفال مصرعهم وشوهدت أمهم وهي تبكي فوق شاشات التلفاز بينما المذيعة التافهة تسألها أسئلة تافهة عن مشاعرها الآن بعد فقدانها فلذات كبدها، استلهم سعيد نوح روايته، لكنه ابتعد كثيرًا فدخل في عوالم لا تنتهي وهوس المشهد المباشر.
وهذا النص لسعيد نوح أشبه بمحاولة للاقتراب من الكثير من الأفكار المسكوت عنها إنه بوتقة تنصهر فيها النصوص المحرمة كلها، وهو كذلك انصهار أو مزج يدل على قلق دائم وحيرة مستمرة وتشكك لا ينقطع، وقد تم ذلك كله من خلال المزج والاستلهام والمزج والإضافة والتوظيف للنصوص القديمة والحديثة التي تمتد فتشمل: العهد القديم والعهد الجديد والقرآن الكريم والأحاديث الشريفة والقدسية، وكتاب الملل والنحل للشهرستاني، وحكايات المتصوفة والحلاج ومثلاً وأيضًا إشارات للأزمنة القديمة والحديثة وأسماء نعرف بعضها ولا نعرف بعضها الآخر. وغير ذلك يقدم لنا سعيد نوح هذا النصح غير السهل، لكنه أيضًا غير الممتنع، إنه يحتاج إلى قراءة وثقافة وصبر ومتابعة، وتفتح على كافة مسارات الثقافة والقراءة والنصوص والبعد عن ضيق الأفق ومحدودية التلقي.
هنا يحاول الشيطان الدفاع عن نفسه: فهو يعرف أنه قد وصف عبر النصوص الدينية وغير الدينية بصفات مثل: الرجيم – الآثم- الكافر- مرعب الصوت- الكذوب- المخادع- المداهن- ابن الهرمة- الفاسد- الجاهل- الماكر...إلخ. لكنه يدافع عن نفسه بأنه كان مدفوعًا – من جانب الرب- إلى كل ما فعله من شرور وما اقترفته يده من آثام والتي يذكر منها، تمثيلاً لا حصرًا، دوره في قتل قابيل لأخيه هابيل. دوره في قتل الأطفال الأربعة لابنة نوح (بابل) لكنه على الرغم من ذلك ظهر من كل روح نوع من الفن كالموسيقى والعود والكمان للمرة الأولى.
إنه يشعر إنه مبعد / غريب/ حزين مظلوم / مهدور الكرامة من كل إنسان لكنه يحاول أن يسترجع التاريخ كله هنا فيرى أنه قد ظلم في موضوع خروج آدم وحواء من الجنة وظلم في حادثة قتل قابيل لأخيه هابيل فهو يرى أنه أقل شرًا وأن هذا القاتل أكثر شرًا منه، وهو يرى أنه قد ظلم مثله في ذلك مثل يوحنا الاسخريوطي، فالمسيح كان يدعوه لخيانته حتى تكتمل رسالته، وكذلك الحال بالنسبة لزليخة امرأة العزيز وحكايتها مع يوسف وهو ليس مسئولاً عن صلب المسيح ولا عن محنة أيوب وهو يرى أنه لم يكن مسئولاً كذلك عن الأطفال الأربعة الذين قتلوا تحت عجلات القطار ولا عن الذين قتلوا في ميدان التحرير، ولا عن الذين أحرقوا، أو أغرقوا، أو اختطفوا أو ماتوا غيلة ظلمًا هنا وهنا.
وهو يرى نفسه كذلك على أنه مجرد شماعة يلقى البشر عليها بخطاياهم وأخطائهم وشرورهم، هكذا يتولى السرد المكثف عبر هذه الرواية، وهو سرد مكثف متناثر وسرد متناثر مكثف أيضًا، وذلك لأن خيوطه ليست خيوطًا أفقية مباشرة متتابعة كالزمن كرونولوجيا، بل هي أشبه بخيوط تشبه المادة الأساسية في صناعة الأحداث، سرد يشبه الأحلام أو الكوابيس أو الهذيانات التي تحضر فيها النصوص والاستشهادات والتساؤلات والحكايات، من خلال عمليات إزاحة دائمة وكذلك عمليات تكثيف دائمة.
ومثلما هناك وحدة ما بين النصوص الكبرى في هذه الرواية واستلهام لها، فهناك أيضًا استحضار للكون كله بتكويناته وكائناته وحكاياته: سكان الصحراء والتلال والبحار- المثل الأفلاطونية (الأصول والظلال) والحكمة الأفلاطونية، والحكمة الصوفية ونعمة المعرفة، الشياطين والملائكة، الصغار والكبار، والأسياد والعبيد، رحلة تكوين العائلة الإنسانية ورحلة فناء هذه العائلة أيضًا.
ويتكرر عبر الرواية ذلك الاستدعاء والاستلهام لمراتب النفس عند أرسطو وأفلاطون والصوفية والحكماء الإشراقيين الهرامسة وإرسال الله الملائكة إلى البشر، وكذلك الشيطان الذي طرد من الجنة وأصبح يهيم على وجهه هناك بعيدًا عن السماء التحولات من الموت إلى الحياة، ومن الحياة إلى الموت، وعزلة الكائنات الحية قديمًا وحديثًا. والبشر والعصافير والحيوانات كلها تتساءل عن عذاباتها وفشلها ووجودها دائمًا في قبضة الحرمان والموت والغياب، والعصفور يغني أيضًا أغنية ساحرة للكون وللحياة، حتى إنه يشنف آذان الرب، كما أنه يتحول إلى إنسان يفكر ويصطدم بملاك آخر. وهنا تأكيد وإبراز متكرر أيضًا لأهمية الحكايات: الحكايات التي تجعل الجميل قبيحًا والقبيح جميلاً، والقاتل مظلومًا والمظلوم قاتلاً، الحبيب عدوًا والعدو حبيبًا، الحكايات التي ترتبط بالخير والشر والخيال والجن، وهنا أيضًا حكايات عن الأسماك وسكون الليل والأشجار والموت والجوع وسندريلا والنساء الجميلات النائمات وعصا موسى وقميص يوسف ومحنة أيوب وصلب المسيح وسندريلا وعلى بن أبي طالب والحسين والحلاج وأم كلثوم.
وهكذا فإنه يوجد هنا لكل شيء حكاية في هذه الراوية؛ للتاريخ حكاية وللأشواق حكاية، وللغناء حكاية وللأشجار والقمر ضحكات الصبايا وصوت النقشبندي وساعي البريد وصناع الأحذية وقطاع الطرق حكايات. للظل والنور والألوان والحياة والموت والظلام الدائم والظلم حكايات، والحكاية هنا هي الأمانة، والحكاية أمانة، مثلما توجد لكل أمانة حكاية، والإنسان الذي حمل الأمانة التي رفضت الأراضي والجبال أن يحملنها صار هو الحكاية، وصارت الحكايات الأخرى الموازية لحكايته هي حكايات حول الشيطان حول الشيطنة للآخر المختلف كي يبقى الإنسان وحده هو الملاك الذي يبحث عن فرصته الأولى وعن فرصته الأخيرة أيضًا.
وهنا في هذه الراوية نجد تلك الحكايات داخل الحكايات، بعضها من الماضي وبعضها من الحاضر، بعضها حقيقي وبعضها مختلق، لكن الموت موجود فيها دائمًا كعنصر غالب مهيمن، والشر موجود فيها أيضًا كعامل بارز مسيطر، لكن ما من إجابات داخل هذه الحكايات، إنها تطرح فقط أسئلة وتساؤلات وافتراضات، تطرحها من خلال حكايات ونصوص كثيرة ومتنوعة، الأدب بطبيعته شجي الطابع كما يشير بعض النقاد وثمة بعد شجي يتجلى في هذه الرواية فهنا محاولة لترميم بعض الصور، وكذلك إبراز الجسد الترقيعي للشبح الأساسي هنا- الشيطان- من خلال عمليات الهدم والبناء المستمرة للصور والتصورات والأفكار وما بين الهدم والبناء أو المسافة الثالثة كما يقول بعض النقاد تحضر روح شبحية وتتحرك ما بين النص والواقع والتاريخ وبالعكس هكذا تعود روح النص القديم سفر التكوين أو نشيد الإنشاد أو سفر أيوب ولكن في شكل جديد، وهكذا تخرج الأرواح التي فقدت حياتها من مياه الخليج ومعها مملكة الأشباح، وتخرج امرأة من خليج الأشباح وثمة ملاك يحاول إيقاظ صياد نائم.
هكذا يرى الشيطان نفسه هنا – مجرد شمعة تحترق لإضاءة الطريق للبشر، إنه ليس نارًا تحرقهم، ليس بحرًا يغرقهم ولا قطارًا يحرقهم ولا طاغية يسجنهم ويقتلهم، كانت خطيئته واحدة لكنه خسر بعدها، كل شيء. وهنا، في هذه الرواية ، حالة من التهويم فوق التاريخ والجغرافيا والدين واللغة والموت والإبداع وحياة البشر، وهنا أيضًا تداعيات وتهويمات وترابطات بعيدة وهنا كذلك لغة متوترة قلقة مسكونة بالحيرة وفقدان اليقين والتساؤلات الكبرى، مع طرح مستمر لأسئلة مسكوت عنها، لكنها أسئلة تبتغي في جوهرها الوصول إلى الحقيقة تلك التي تتجلى - كما كان أرسطو يقول - على أنحاء شتى.



#سعيد_نوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات صغيرة للشيطان
- خيوط الزمن التي صاغت عالم بيتر بروك الجمالي
- قراءة في -الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك -.. الروائي المصر ...
- فصل من رواية الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك ..سعيد نوح
- شهادة روائية لسعيد نوح ..روائي مصري
- إشكالية الدين والسياسة في تونس
- غياب العقل النقدي والتمسك بالنقل والمتن على حساب النص من أهم ...
- خدني المظاهرة يا حبيبي معاك / شهادة أدبية
- سعيد نوح رئيس لمصر .. كتب عليك يا ابن نوح أنك مخلوع مخلوع
- علاقة اللغة والمجاز ورؤية الإنسان للكون في كتاب المجاز واللغ ...
- الفصل الأول من رواية ملاك الفرصة الأخيرة
- الفصل الثاني من رواية ثلاثية الشماس
- قصة قصيرة:الشيخ قاسم
- قصة :عريف أول
- قصة :في انتظار اللقاء الثاني
- قصة: ثلاثية الشماس
- قصة : كما يجب عليك قبل أن تحتل المقعد الأخير
- مقال
- قصة حذاء عمي اللميع
- جزء من رواية :الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك


المزيد.....




- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد نوح - أسئلة كثيرة وما من إجابات في رواية -حكايات صغيرة للشيطان- د.شاكر عبد الحميد