|
الخطاب الماركسي بين الانغلاق والانفتاح
رجراحي عبد الرحيم
الحوار المتمدن-العدد: 5183 - 2016 / 6 / 4 - 09:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعد الخطاب الماركسي، نسبة إلى كارل ماركس، خطابا نقديا، يهدف إلى الكشف عن الاستغلال والاستبداد وطرح ممكنات التحرر والعيش الكريم؛ ويستمد فعاليته النظرية والعملية من كونه يقوم على بنية مفاهيمية إجرائية لتفسير الواقع في أفق تغييره. غير أن هذا الخطاب تتهدده تأويلات وثوقية تزعم لنفسها الوفاء لكارل ماركس، والحال أن من شأنها أن تكون حفارة قبره، ومشيعة جنازته، وسببا لنسيانه، كتلك التأويلات التي تلقي بالأحكام المطلقة دون تنسيب، وتستثمر، بشكل حَرْفي، الإرث النظري الماركسي الذي يتناسب وسياق تاريخي لتحليل سياق آخر مختلف عنه بشكل جزئي أو كلي؛ ولعل هذا ما يسوغ لأعداء التحرر التحامل على الخطاب الماركسي، والتشنيع به، تارة بمبرر استنفاذ إمكاناته التاريخية، وتارة أخرى بعدم نجاعته الإجرائية؛ الأمر الذي يُسَوِّغُ لنا التمييز في الخطاب الماركسي بين توجهين: الأول منغلق على ذاته؛ والثاني منفتح على التاريخ وما يحبل به من إمكانات. فما هي إذاً حدود الفصل بين الانغلاق والانفتاح في الخطاب الماركسي؟ وما السبيل لتخليصه من التأويلات المحدقة به، وصيانة بعده النقدي وأفقه الجذري؟
ننبه، في البدء، إلى أننا لا نسعى من وراء ثنائية الانفتاح والانغلاق في الخطاب الماركسي أن نكرس الخلاف؛ وما يستتبعه من نفي وإبعاد، بل نسعى، أساسا، إلى تكريس الاختلاف، عن طريق التركيب بين هذين التوجهين في الخطاب الماركسي في صيرورة جدلية منفتحة على ممكنات التاريخ؛ وبالتالي فهي ثنائية إجرائية وليست ميتافيزيقية.
أما بعد، فإن الخطاب الماركسي في الأصل خطاب إنساني، غايته تحرر الإنسان من شتى أنواع الاستغلال والإستلاب؛ تلك التي تكرس الظلم، وذاك الذي يكرس الوعي الزائف الذي يَحُول دون التحرر. ولما كان الموضوع الأساس لهذا الخطاب هو تحرير الإنسان، فخليف بهذا الخطاب مراعاة التحولات التي شهدتها الأجيال، ووضعها بالحسبان، ولو اقتضى الأمر إعادة النظر في منطلقاته وتجاوز مسلماته؛ وهي مهمة من شأنها أن تضمن استمراريته، وتطور فعاليته وتحقق بغيته.
يبرر هذا بحق ضرورة فتح باب الاجتهاد على مصراعيه في الخطاب الماركسي، والجرأة على إعمال العقل في مدى صلاحية مبادئه النظرية، وبدائله العملية، بخصوص ما استجد من اشكالات لا عهد لكارل ماركس بها؛ ولعل هذا ما حدا بثلة من المفكرين إلى النهوض بهذه المهمة، وعيا منهم أن التاريخ هو الفاعل على الحقيقة، وما اجتهادات كارل ماركس والماركسيين من بعده إلا اجتهادات مشروطة بسياقات تاريخية؛ وبالتالي ليست منزهة عن التهافت، واستنفاذ إمكاناتها النظرية والعملية على حد سواء، وهي المهمة التي نهض إليها كل من لوي ألتوسير وإريك فروم وأنطونيو غرامشي وغيرهم من المجتهدين والمجددين الذين ليس هذا مقام للتذكير بإسهاماتهم، بل حسبنا الاشارة إلى أنهم جعلوا من الخطاب الماركسي خطابا مفتوحا على ممكنات التاريخ، وما يحبل به من مستجدات.
غير أن هذه الاجتهادات، على الرغم من أهمية تقويماتها وإضافاتها والمداخل التي اجترحتها في الخطاب الماركسي، فقد ووجهت بممانعة شديدة من طرف رهط ممن يدعون الانتساب إلى هذا الخطاب والذوذ عليه؛ والواقع أن هذه الممانعة لم تكن تقوم على أساس متين، بل كان مردها إما إلى الوفاء السلبي للإرث الماركسي، وغض النظر عن صيرورة التاريخ وإما الرغبة في الاستفراد بالزعامة، وضرب عرض الحائط الأبعاد الإنسانية والآمال الكبرى للخطاب الماركسي؛ فظن أصحاب هذه الممانعة أن إسهامات كارل ماركس إسهامات تحقق فيها الكمال، وأنها تقدمية على الدوام، والحال أن ادعاء التقدمية، دون الجرأة على إعمال العقل في هذه الإسهامات وتقويمها وإعادة النظر في منطلقاتها، لهو في واقع الأمر عين الرجعية والماضوية والسلفية؛ ولما كان هؤلاء الممانعون يفتقرون إلى الحجج المقنعة، فقد اكتفوا بالتشنيع بكل من تجرأ على الاجتهاد في فهم إسهامات كارل ماركس، حسب ما تمليه ظروف عصره، وذلك باتهامه بالتحريفي أو الاصلاحي أو الانتهازي وغيرها من التهم المغرضة، في أفق النيل منه بالعنف المادي، في الوقت الذي لا يستطيعون إلى السجال الفكري القائم على الاقناع والاقتناع سبيلا ولا طاقة، وحسبنا شاهدا على سوءاتهم جرائم ستالين الأشهر من ذكرها، ومن حدا حدوه من الستالينيين الذين لا زالوا يغطون في سباتهم الوثوقي العميق، جاعلين من الخطاب الماركسي خطابا منغلقا على ذاته، ومتعاليا على صيرورة التاريخ.
نستخلص مما تقدم وجاهة الخطاب الماركسي المنفتح الذي يأخذ بالحسبان صيرورة التاريخ، في مقابل ضحالة الخطاب الماركسي المنغلق المتعالي على هذه الصيرورة، والذي من شأنه أن يقف كعائق إديولوجي وإبستمولوجي أمام مهمة تحرير الشعوب من الاستغلال والاستعمار والاستبداد؛ وعليه فخليق بنا إعادة النظر في مسلمات هذا، والتفكير في مطموراته، وتجاوز طوباوياته، من أجل تحقيق المهام الديمقراطية، وبناء مجتمع العدالة والعيش الكريم.
#رجراحي_عبد_الرحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|