|
انطولوجيا الصحافة ومرآة الحياة ونبضها - أوراق من ذاكرة ليث الحمداني العراقية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 5182 - 2016 / 6 / 3 - 17:36
المحور:
الادب والفن
انطولوجيا الصحافة ومرآة الحياة ونبضها أوراق من ذاكرة ليث الحمداني العراقية* د.عبد الحسين شعبان** I بأدبه المعهود وقلمه الرشيق طلب منّي الصحافي البارز ليث الحمداني تقديم كتابه "أوراق من ذاكرة عراقية"، وقبل أن تصلني المخطوطة، جاء صوته المعروف بنبرته العراقية الشجية، ليواصل السؤال عنّي بعد وعكتي الصحية، وليبلغني بأن كتابه سيكون جاهزاً للطبع ، وهو يرغب في أن أكتب له مقدمة، وهو ما أدخل السرور إلى قلبي، لسببين أساسيين: الأول، لأن ليث الحمداني من الصحافيين المتمرّسين والذين خبروا المطبخ الصحافي بكل مذاقاته، حيث عمل في ميادين عدّة، وكانت العديد من الصحف والمجلات تخرج طازجة وساخنة من "تنوّره"، ويتلقّفها عشرات الآلاف من الناس، الذين كان بعضهم متلهّفاً لها، خصوصاً في تلك الأيام التي كانت للصحافة نكهتها الخاصة ونفوذها الكبير في صناعة الرأي العام أو التأثير عليه أو المساهمة فيه، فضلاً عن حضورها الفاعل في الوسط الثقافي والفني وفي أجواء الحوار الفكري والاجتماعي ودورها السياسي المؤثر. كان ليث الحمداني من المواقع المختلفة التي شغلها عاشقاً حقيقياً للحرف ورائحة الورق وماكنات الطباعة من صفّ الحروف إلى الأوفسيت إلى أدوات الطباعة الحديثة وتكنولوجيا الإعلام لاحقاً. والصحافة الورقية التي اعتادت النخبة على اقتنائها لم تكن مصدر الخبر فحسب، بل كان فيها الجديد: من المعلومة إلى القصيدة والمقالة والدراسة والبحث، والنقد وصولاً إلى الكاريكاتير، وهكذا كانت حاضرة بقوّة في جميع مجالات الحياة. وإذا كان المذياع " الراديو" قد بدأ يتسلّل إلى البيوت دون استئذان، ويستمع الناس إليه في المقاهي والسيارات والمحلاّت العامة، قبل انتشار التلفزيون، إلاّ أن تأثيره وإنْ كان كبيراً لكنه يختلف عن الصحافة ، فهو يعتمد على الصوت وسرعة إيصال المعلومة أو الخبر أو الرأي وقد لا يحتاج إلى التعمّق الضروري، كما لا يمكن إعادة ما تم إذاعته، فإنْ لم تسمع الخبر أو المعلومة أو الحكاية، فإنها ستكون قد فاتتك، وإن سمعتها ولم تتوقّف عندها، فلا تستطيع تدقيقها، في حين أن الصحافة فيها فسحة واسعة من التأمل والقراءة المتأنّية والمراجعة والاستذكار والتدقيق، كلّما استدعت الحاجة والضرورة إلى ذلك، وكذلك يمكن التوثيق من خلالها بالاحتفاظ بها والعودة إليها أو إلى قرارات أو قوانين أو آراء أو وجهات نظر نشرتها، فضلاً عن أخبار أو حوادث احتوتها، سواءً لتأرختها أو لاستخدامها في البحث أو لقراءة دلالتها في سياقها التاريخي. ومع إن الراديو ولاحقاً التلفزيون، وفي العقدين الماضيين الموبايل والانترنيت ووسائل الاتصال الحديثة الأخرى، بما فيها الطفرة الرقمية " الديجيتل"، أصبحت تأثيراتها خارقة على مئات الملايين من المتلقّين في ظل العولمة وثورة المواصلات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلاّ أن الصحافة الورقية وعلى الرغم من انتشار الصحافة الأليكترونية لم تفقد دورها أو تنتهي وظيفتها مثلما هو الكتاب، حتى وإن ضعف دورهما إلى حدود كبيرة جداً. في تلك الأيام كان يكفي قصيدة أو مقالة تتناقلها الأيدي أو تنشرها الصحافة لتصبح وسيلة للتحريض والتعبئة، بل منظّماً أحياناً، مثلما كان برنامجاً ساخراً وجاداً في الآن ذاته يقدّمه من إذاعة بغداد الصحافي المعروف شمران الياسري " أبو كاطع" وعنوان برنامجه "إحجيه بصراحة يبو كَاطع" يفعل فعله، لدرجة إنه بعد عقود من الزمان أصبح الناس يرددون عنوان برنامجه "إحجيه بصراحة يبو كَاطع"،حتى وإن لم ينسبونه إليه، أو ربما لا يعرفون مصدره، وذلك لأنه استقرّ في الذاكرة الجماعية الشعبية، خصوصاً وكان خفيف الظل يمزج الأقصوصة والحكاية بهموم الناس ويملّحها بشيء من السخرية، وإذا كان برنامج أبو كاطع في أواخر الخمسينات ومطلع الستينات، فإن عموده الصحفي " بصراحة أبو كَاطع" في صحيفة "طريق الشعب" الناطقة باسم الحزب الشيوعي في السبعينات، كان بمثابة بارومتر للأوضاع السياسية في العراق. وكان الناس يقرأون صحيفة طريق الشعب بالمقلوب، أي من الصفحة الأخيرة التي تنشر عموده. ولهذا فالصحافة، وسواء كانت الورقية في الماضي أو الأليكترونية اليوم، تختلف عن الراديو أو التلفزيون، حتى بعد العولمة وتكنولوجيا المعلومات والإعلام والاتصالات وتحوّل العالم إلى قرية كونية، ويبقى لها جمهورها ولا أعتقد إنها ستفقد دورها كلياً حتى وإن خَفَتَ لمعانها وضَعُفَ بريقها وانخفض رصيدها إلى حدود كبيرة، لكن تأثيرها كان كبيراً في الماضي حتى وإن كانت دائرة المتلقّين محدودة، والثقافة العامة شحيحة، باستثناء النخبة، التي ستكون مشغولة بالحرف والصورة والإخراج، وبالمعنى والمبنى كما يُقال. وبحسب ألبير كامو، فالصحافي هو "مؤرخ اللحظة"، وما يكتبه يمكن أن يكون مادة أولية للمؤرخ والباحث السسيولوجي والسيكولوجي والقانوني والحقوقي والتربوي والثقافي والعلمي والتقني والرياضي والسياحي والمعرفي والصناعي والزراعي والتجاري والاقتصادي والمالي والبيئي والصحي، وفي جميع فروع المعرفة واختصاصاتها المختلفة. لقد اشتغل ليث الحمداني في حقول كثيرة متخصصة في عمله الصحافي، ولذلك فقد اختزن خبرة مهنية ومعرفية كبيرة، حيث ابتدأ عمله كهاوي ومراسل ومنشغل بالفكاهة وفن الضحك أو السخرية، حتى وإن كانت حزينة، ثم انتقل إلى مواقع جادة وحسّاسة لها علاقة بالصناعة والاقتصاد والتنمية، لكن حسّ الفكاهة لم يفارقه وظلّت الفكاهة تعنّ عليه وأحياناً تطلّ برأسها حتى في كتابته الجادة، وحسبما يقول ماركس " إني أقف مما هو مضحك موقفاً جاداً" أو كما يقول الشاعر المتنبي: وماذا بمصر من المضحكات/ ولكنّه ضحك كالبكاء. شغل ليث الحمداني مواقع مسؤولة متعدّدة مثل مدير التحرير أو مشرفاً أو رئيساً لقسم أو محرّراً أساسياً أو نائباً لرئيس التحرير أو رئيساً للتحرير. وفي كل تلك المواقع كان ليث الحمداني يعمل بذات المنهج وبنفس الحماسة، فالصحافة بالنسبة إليه تعني الحياة والكون، إنها عالمه الروحي الذي لا يمكنه العيش بدونه ، فهي حبل السرّة الذي يربطه بمحيطه الخارجي. والسبب الثاني الذي شعرت فيه بالارتياح لكتابة هذه المقدمة، هو إن تجربة ليث الحمداني الجديدة في الصحافة الألكترونية بعد الصحافة الورقية، وبالترافق معها أيضاً، أكسبته خبرات جديدة ظلّ الكثير من صحفيّ ذلك الجيل يفتقرون إليها، بل إن البعض لم يقاربها، أما ليث الحمداني فقد قام بإصدار صحيفة البلاد من لندن أونتاريو في كندا (ورقياً وأليكترونياً)، حيث واصل القديم بالجديد، واستفاد من كل مخرجات الحداثة، بما فيها الكومبيوتر والإنترنيت، وساهم إطلاعه على الصحافة العالمية، بما فيها العربية التي تصدر في الخارج في صقل تجربته المتميّزة، خصوصاً وقد حمل في نفسه " القابلية على التطوّر" باستعادة عبارة الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي، (الذي كتب عن بعض الشعوب التي لديها القابلية على الاستعمار، أي قبوله). وكان الحمداني ميّالاً إلى التجديد، ولديه القدرة على استيعابه والتكيّف مع متطلّباته ومستلزماته، فضلاً عن توجّهه للاستفادة من كل تغيير يحصل على صعيد الطباعة وعلومها وفنونها، سواء على المستوى العلمي- التقني أو على المستوى الفني والجمالي، فضلاً عن المستوى الحقوقي والاجتماعي، وبالتأكيد على الصعيد المهني والأخلاقي، وتلك مواصفات تُحسب له وتميّز بها، وخصوصاً تمسكه بالجانب المهني والأخلاقي . II ما إن استلمت المخطوطة بالبريد الأليكتروني واستخرجتها على الورق لقراءتها والاستمتاع بها، حتى استلمتني هي ولم تتركني إلى أن انتهيت من قراءتها، واستكملتُ تكحيل عيناي بهذه الصورة القلمية الجديدة التي خطّتها يراع ليث الحمداني، وهو صورة غير نمطية، امتازت بالجدّة والموضوعية والجمال، خصوصاً وقد سال من حبرها نفحة أديب اعتنى بحرفه ورصف جملته برقّة ولطف، فجاءت شفيفة واضحة ومثيرة ووازنة في الآن. لكن ما قرأته زادني فضولاً وشغفاً، وأستطيع أن أقول إنه لم يشبعني، بل فتح شهيتي لمراجعة تجربتنا، من خلال تجربة ليث الحمداني، بما في بعضها من مشتركات. لقد اكتشفتُ من خلال الكتاب الذي بين أيدينا مدى شحّ معلوماتنا، وحتى جهلنا أحياناً بمجريات الدولة ودواونيتها وآليات عملها، ومثل هذا الجهل وعدم المعرفة يطال الغالبية الساحقة من السياسيين، ولاسيّما الجدد منهم أو ما يطلق عليهم " سياسيو الصدفة" ، ليس هذا فحسب، وأنا أتحدّث عن الوسط الذي أعرفه، فالكثير من المثقفين والأكاديميين هم الآخرون لا يعرفون سير عمل الدولة أو لم يطّلعوا عليه بما فيه الكفاية، ولم نتوقّف في الكثير من الأحيان عند حيثيات أساسية وضرورية، لمعرفة الدولة من داخلها، بحيث نتمكّن من إعطائها الاهتمام المطلوب من الدراسة والبحث والتفكير، لرسم برامجنا وخططنا وسياساتنا من حيث الستراتيج والتاكتيك واستصغرنا التفاصيل مكتفين بالشعارات العامة، بل نشعر أحياناً بالزهو والتعالي على الآخرين، لأنهم يهتمّون بالتفاصيل أو بالمطالب الاحتجاجية لقطاعات انتاجية وخدمية وإدارية، في حين إن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال. وغالباً ما كنّا نؤخذ مواقف مسبقة من قضايا وأحداث، أو يكون ردّ فعلنا عليها عبر تصنيفات جاهزة، في مسطرة آيديولوجية نُخضع لها الجميع، مدّعين الأفضلية على غيرنا وامتلاك الحقيقة التي تميل حيثما ملنا، وتلك مشكلة الآيديولوجيات الشمولية جميعها، فالتيار الديني وفي الغالب ليس بعيداً عن الطائفية، يحرّم ويحلّل، وقد يخرجك من الدين أو من الطائفة لاعتراض أو لرأي، أو تصل به الأمور حتى لتكفّيرك، فإن دعوت إلى دولة مدنية دستورية، فقد تكون علمانياً، وحسب مفهومة العلمانية ضد الدين، لأنها تدعو إلى فصل الدين عن الدولة، بل فصله عن السياسة، وقد أصبحت الطائفية شائعة ومتفشية لدى أوساط واسعة حتى بين غير المتدينين، وعلى حدّ تعبير عالم الاجتماع العراقي علي الوردي بوصف الظاهرة قوله" إنهم طائفيون بلا دين". ويقول الوردي أيضاً: "لقد ضعفت نزعة التديّن في أهل العراق وبقيت فيهم الطائفية، حيث صاروا لا دينيين، وطائفيين في آن واحد وهنا موضع العجب ". أما التيارات الشمولية الأخرى الماركسية والقومية، فكل يزعم أن أفكاره وسياسته هي الصائبة التي تزكّيها الحياة، حتى وإن كانت تثبت كل يوم عن خطئها وخطل ممارساتها، خصوصاً محاولة قولبة المجتمع وإكراهه على السير في طريق محدّد بزعم مصالح الكادحين والحزب والثورة والعروبة وغير ذلك من الحجج، ولم تكن تلك سوى تبريرات للفكرة النسقية المهيمنة، والآيديولوجيا التي لا تقبل الآخر، وهي بهذا المعنى مثل الدين، أما أن تقبلها كلّها أو أنك ستكون معادياً أو كارهاً أو حاقداً. لقد رفعنا أكثر الشعارات رنيناً وصخباً، وهي شعارات كبرى، ولم نكن نرتضي بأقل من إسقاط النظام، في حين تركنا المطالب البسيطة بنظرنا، لكنها الضرورية بنظر الناس مثل العمل والتعليم والصحة والخدمات، ولاسيّما الأمن والأمان، وكنّا نستخفّ بالاصلاحات وننظر إليها بعين عدم الرضا على أقل تقدير، إنْ لم يكن الازدراء بسبب من أدلجتنا التي قادتنا إلى اعتبار تلك الاصلاحات يمينية وليست ثورية لأنها غير مطابقة للموديل الاشتراكي الذي كنّا نعتبره هو الأفضل والأرقى بل والمنزّه. كنّا نريد انقلاباً حاسماً وسريعاً يغيّر كل شيء، وهو ما لم يتحقّق في أي مكان في العالم، بل وفي أي وقت، ونسينا إن أي تغيير حقيقي لن يحدث دون التراكم المطلوب، والتدرّج والإضافة والتطوير، الذي قد يكون بطيئاً، لكنه سيكون مؤكّداً، كلّما كان ضمن سياقه التاريخي، وتلك أمور من طبيعة الأشياء، لكننا كنّا نجهلها أو لا نعرف حقيقة التطور التاريخي وكنهه وتعقيداته ومنعرجاته، بقدر ما نريد إسقاط رغباتنا على الواقع، على نحو إرادوي، مأخوذين بأحلام وردية، محلّقين فوق الواقع المتناقض، المتشابك، والمتفاعل، والذي يحتاج إلى معرفة وعلم وصبر وأناة لتغييره، لا بالشعارات بالعمل الطويل الأمد. وبقدر فائدتي وكشف بعض نقاط ضعفي وأنا أقرأ كتاب الحمداني وأستمتع بمنهجه، إضافة إلى لمسته الإنسانية وحرصه على إظهار محاسن الناس وسجاياهم الإيجابية، فإنني تعرّفت من خلال كتابه على قطاعات عمل كانت مجهولة بالنسبة لي أو خافية عني، واطلّعت على منجزات لم تكن تحظى بمتابعتي، وتعرّفت على شخصيات مثيرة، بجوانبها الإيجابية والسلبية، وتلمّست مدى المعاناة الفائقة حين يعمل إنسان حساس مثل ليث الحمداني في مواقع من هذا النوع وفي بيئة فيها الكثير من الأحساد والضغائن والدسائس والمؤامرات والإيقاع بالآخر، والتزلّف والمداهنة والتملّق وغير ذلك. وقد لمست منه على الرغم من كل تلك الأمراض السائدة مدى الحرص والإخلاص والنزاهة الأخلاقية في تناول أحداث الماضي، دون إساءة أو غمط حق أو مبالغة، ولكن بنقد موضوعي وبلغة شفافة وحرف أنيق وقاعدة أخلاقية، رصينة وبالغة الحساسية، ناهيك عن التقاطاته الذكية وعمق معرفته بسيكولوجية الشخصيات وسسيولوجية الواقع الاجتماعي بكل تناقضاته وتعقيداته بما هو معلن منه أو مستتر، فقد كان كثيراً ما يقلّب الأمور ويحاذر كثيراً، فالخطأ في ظل الأوضاع التي عاشها والمواقع التي شغلها يعني نهاية غير محمودة على أقل تقدير. لقد كان الحمداني وفياً للصداقة إلى أبعد الحدود، وفي الوقت نفسه وفياً للحرف والمهنة، التي لم أصادف أحداً امتلك هذه الإمكانات الكبيرة وعمل في حقول مختلفة وتجوّل في مواقع عمل ومطبوعات كثيرة، وظلّ عند مواقعه يتحسّس الأرض التي يقف عليها، بواقعية مذهلة وقدرة عجيبة على شمّ المخاطر والتقاط الجوهري من الأشياء ومعرفة خفايا وخبايا وأسرار يحفل بها الكتاب، بل إنني حسبما أعرف ، لم يعرفها كثيرون، حتى من المقرّبين لتلك الفترة والمرحلة، خصوصاً في أجواء السرّية المطبقة، فكل شيء، بما فيه معلومة بسيطة تصبح من أسرار الدولة وجزء من الأمن الوطني، فما بالك بمعلومات في غاية الخطورة . تذكّرت وأنا أقرأ ما كتبه ليث الحمداني، مدى الرعب الذي كان يصيبني خلال آدائي للخدمة العسكرية الإلزامية التي التحقت بها على الرغم من صدور أمر تعييني في جامعة بغداد، وكان هذا الرعب يتعاظم كلّما كنت أنجز عملاً جيداً ويتم تقييمه إيجابياً من جانب مديري الحقوقي أيضاً، وهو إنسان نبيل وفي غاية الأخلاق والنزاهة والعلم أيضاً، وأرجو أن تحين الفرصة المناسبة لإيفائه ولو بجزء يسير مما يستحقّه، ومهما فعلت فلم أستطع أن أفي حق الرجل الذي له فضل كبير على استمرار حياتي. وعندما التقيه الآن، هو من يبادر بشكري والتواصل معي، وكأنني أنا من ساهم في إنقاذ حياته، وعند كل مناسبة يبدأ الرجل بالإشادة والتمجيد، دون أية إشارة لما حصل لي وهو مطّلع عليه، ناسباً لي صفات قد لا أستحقها مثل الشجاعة والنزاهة والعلم والخلق، ودائماً ما كنت أشاكله بقول الإمام الشافعي : وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة، وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا . أتذكّر حالة الذعر والفزع التي أصابتني حين طُلب مني إعطاء رأي بخصوص موضوع شراء سلاح فاسد، من شركة هسبانا سويزا السويسرية والتي تم توقيع العقد معها في لندن، لشراء صواريخ نوع سورا 30 مليم، وكيف كانت هذه الصواريخ تنفجر في الجو، خلال الحرب على الأكراد بعد العام 1963، علماً بأن الاستلام كان في أحد الموانئ الإيطالية. ولأن شبهة الفساد كانت قائمة لكنه لم يتم تحريكها، بل إنه بعد تغيير نظام الحكم في انقلاب 8 شباط (فبراير) العام 1963 تم شراء صفقة جديدة، ثم صفقة ثالثة عقب العام 1967 على ما أتذكّر، على الرغم من وقوع عدد من الطائرات بسبب الصواريخ التي كانت تنفجر وترتد على جهة الإطلاق ووفاة أكثر من طيار. وكانت الصفقة الرابعة قد تمت بعد انقلاب 17 تموز (يوليو) العام 1968، ولكن التحقيق بدأ بخصوصها في العام 1969، ولا توجد شخصية عسكرية كبيرة في الدولة، لم يرد اسمها في الصفقة وذيولها، وفي التحقيقات لكشفها، سواء من جانب الرئيس أحمد حسن البكر أو من مدير الدائرة القانونية عبد الفتاح السلط، ووردت أسماء عشرات العسكريين الكبار، بما فيهم ملحقين عسكريين، اطلعوا أو أبدوا رأياً أو حققوا أو حقق معهم بخصوص الصفقة. طُلب مني بعد فشل مكتب المحاماة البريطاني المعروف روتشيلد أن أقدّم تصوّراً وخلاصة، بعد عرض الموضوع. وكتبت 35 صفحة عرضاً لمطالعة دام العمل عليها أكثر من ثلاثة أشهر، وذلك لقراءة ملفات ضخمة كانت تغطّي ثلاث رفوف، أما الرأي فقد كتبته في 3 صفحات دون أن أقول إنه رأيي، بقدر ما كانت إحالتي إلى مواد قانونية، أو تلخيصاً لرأي قانوني بخصوص العقود والاتفاقيات. وكانت شركة هسبانا سويزا قد تم حلّها وانضمّت إلى شركة كارلتون، وأعلنت إن من لديه حقوقاً على الشركة مراجعتها خلال عام، وعند عدم مراجعته ستسقط حقوقه، ونشرت ذلك في صحف عالمية، لكنه لم يراجع أحداً من الجانب العراقي، ولم يطالب بالحقوق. وكان رأسمال الشركة الجديدة مليون جنيه استرليني فقط، وهو مبلغ لا يساوي مطالبتنا بالتعويض، وافترضتُ إن الخبرة القانونية بعد سقوط الحقوق، لا بدّ أن تتبع طريقاً دبلوماسياً وسياسياً، خصوصاً إذا كان بالإمكان التوصل إلى حل رضائي، وهو ما حصل وما لقي ترحيباً وتشجيعاً وتكريماً من جانب المسؤولين باقتراحي بدعوة الشركة إلى بغداد، وهو ما تم فعلاً، وقد تم التوصل معها على منح العراق تعويضاً عينياً (ثلاث طائرات) ثم أصبحت أربعة طائرات قبيل نهاية المفاوضات، مقابل شراء أسلحة جديدة، وهو ما كان قد ورد في النص الأصلي، لكنني قمت باستبدال كلمة "شراء"، بدراسة الجانب العراقي "إمكانية شراء" أسلحة جديدة من الشركة، وهو نص غير ملزم كما هو معروف، وهو ما تم تبنيه من الجانب العراقي، ولقي استحساناً. إن ما تحقّق في هذا المجال جعلني أعيش في خوف حقيقي يومي، بل وفي كل ساعة لاعتقادي إن ذلك كان بمثابة كمين لي، خصوصاً وإن الكفاءة والنجاح سلطتا الأضواء عليّ وهو ما لم أرغب فيه، وتلك قصة يمكن روايتها في وقت آخر، لكن ما أعادني إليها هو حالة ليث الحمداني وهو في مواقعه العديدة، كيف كان كفاءته عاملاً في الحفاظ على سلامته بقدر ما كانت مصدر حسد وغيرة، من بعض من حوله، وخوف ورعب يكادان يستوليان عليه، ويرتفع هذان العاملان، أي ثقة رؤوسائه به وفي الوقت نفسه محاولات الإيذاء والشغب من الوسط نفسه، فما بالك حين يتم استبدال رؤوسائه أو التضييق عليهم أحياناً. III وأنا أقرأ أوراق ليث الحمداني، استعدتُ حواراً دار بيني وبين عبد الرحمن اليوسفي رئيس وزراء المغرب (الوزير الأول) الشخصية الوطنية العروبية الحقوقية البارزة، وقد كان عضواً في عدد من المنظمات الحقوقية التي أنتسب إليها مثل اتحاد الحقوقيين العرب والمنظمة العربية لحقوق الإنسان واتحاد المحامين العرب وغيرها، وهو حوار دوّنته في كتابي عن: سعد صالح – الضوء والظل: الوسطية والفرصة الضائعة، والحوار تم في (كازابلانكا) العام 1999، وذلك بعد قبول اليوسفي تكليفاً ملكياً بتولّي رئاسة الوزراء. وكان اليوسفي قد طلب اللقاء مع نخبة من زملائه العاملين في الاطارات الثلاث، على دعوة عشاء نظمها الاستاذ عبد العزيز البنّاني في بيته، يومها تحرّك فيّ الهاجس الصحفي لسببين، الأول هو كيف يمكن لمعارض وطني قضى أكثر من ثلاثة عقود في المنفى أن يتبوأ رئاسة وزارة في عهد ما زال مستمراً وكان من أشد المعارضين له، بل داعياً لإلغائه؟ والثاني كيف يفهم السياسي الوطني معارضته من خلال هيكل الدولة وكيف يمكن التعامل معها؟ بادرت حينها الى إثارة النقاش بسؤال الوزير الأول: ألا تشعر أحياناً بالغربة أو الاغتراب، يا " دولة" سي عبد الرحمن وأنت في هذا الموقع؟ وكان جوابه، نعم والى حدود غير قليلة، لكن شفيعي أن جزءًا من خطابي ما زال معارضاً، وهو ما كنت ألمسه في أحاديثه وخطبه التي تابعتها لأكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، بما فيها عندما أستقبل عدداً محدوداً من الذين يرتبطون بعلاقة أو معرفة معه في منزله، الذي رفض البقاء فيه رغم طلب الملك نفسه، لكنه عاد الى شقته التي كان يسكنها قبل توليه الوزارة، وبعدها أردف اليوسفي قائلاً: لقد كنّا نعارض الدولة من خارجها، وربما بعض معارضتنا الآن من داخلها، وهي تجربة اخترناها بالأغلبية رغم تحفظ بعض الأصوات ، وعلينا اجتيازها، نأمل ان تكون مفيدة وناجحة، وهي تجربة مفتوحة للزمن للمناقشة والتقييم. وقال اليوسفي كنّا نعتقد إن بعض الملفّات يمكن أن نفتحها بيُسر وسهولة، وإذا بها مغلقة أمامنا، وبعضها اعتقدنا بصعوبة فتحها، وإذا بها مفتوحة أمامنا، بل أننا استطعنا المضي فيها إلى حدود كبيرة، بما فيها ملفّات التعذيب والمساءلة وجبر الضرر والتعويض، فضلاً عن إعادة النظر ببعض القوانين وتشريع قوانين جديدة. استذكرتُ أثناء حديثه سعد صالح، حيث كنت أنوي إعداد كتاب عنه، فسعد صالح عندما انتقل إلى المعارضة، جاء إليها من موقع الدولة والمسؤولية الوظيفية، وليس من خارجها، أي إنه انتقل إلى المعارضة وهو يختزن معرفة واسعة بشبكة علاقات الدولة ومؤسساتها المختلفة، المركّبة والمعقّدة، لاسيّما مواطن الخلل والضعف فيها. وبهذا المعنى لم تكن معارضته بالشعارات فحسب، بل كانت من خلال معطيات ومعلومات لمشاكل الدولة، وذلك عبر مقترحات وحلول ومعالجات واقعية وممكنة. ولعلّ المعارضة ليست وظيفة دائمة، كما أن الحكم ليس هدفاً بحدّ ذاته أو وظيفة مستمرة، وعلى السلطة والمعارضة، فيما إذا توفّرت فرصة التناوب والتداول والانتخاب، سماع رأي الناس ببرامجهم ومشاريعهم السياسية، فذلكم هو ما ندعوه بـ"التجربة الديمقراطية" في الدول العصرية المتقدمة. التجربة إذاً معيار أساس في المعرفة ولفحص وتدقيق النظرية، والتأكد من صواب وصحّة ومدى انطباق الممارسة، وسيرها بخط متوازي مع النظرية. وإذا كان سعد صالح قد انتقل من موقع المسؤولية في الحكم إلى موقع المعارضة، فقد ترك بصمته وختمه على الحياة السياسية، فمن كان يتصوّر ان بإمكان مسؤول ما أن يبادر إلى اتخاذ إجراءات تتعلق بإجازة أحزاب معارضة راديكالية وإلغاء السجون وإطلاق سراح المعتقلين، وإطلاق حرية الصحافة، لكن سعد صالح فعلها، وذلك حين قرأ الوضع الدولي جيّداً، لاسيّما بعد هزيمة الفاشية واتساع نطاق الأفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبخاصة بعد إبرام ميثاق الأمم المتحدة العام 1945، وبالتساوق مع بعض إرهاصات الوضع الداخلي، لاسيّما بعد خطاب الوصي عبدالاله، الذي وعد بالانفراج. هنا بادر سعد صالح إلى التقاط اللحظة التاريخية، في إطار علم السياسة التنبوئي وبخطوة واثقة جريئة، بحيث جعل الجميع أمام مسؤولياتهم، وذلك حين أصدر قرارات مهدّت للانفراج والاصلاح في فترة لم تزد عن 100 يوم، ولعلّ ذلك يفسّر سبب إقالة الوزارة والاستدارة بالبلاد مرّة أخرى نحو التسلطية والتضييق على الحريات، تمهيداً لمصادرة الكثير من الهوامش، وبخاصة بعد قيام اسرائيل العام 1948 وبدء " الحرب" العربية المزعومة ضدها، وتحت حجة حماية مؤخرة الجيش جرى التشديد على القبضة الحديدية، لاسيّما بعد معاهدة بورتسموث العام 1948 ومحاولة الإطاحة بالحكومة، لاسيّما بالانتفاضة الشعبية. IV كان المشوار الأول لليث الحمداني مع الفكاهة وذلك لحبّه للكاريكاتير الذي لازمه منذ أن كان صبياً كما يقول، حيث كان قد إطلع على مجلات (الفكاهة) وروز اليوسف (المصرية) وقرندل (العراقية) والدبور (اللبنانية) والمضحك المبكي (السورية) والوادي (العراقية) ويلاحظ هنا التنوّع والتعدّدية والإتساع، بحيث توجد مثل هذا العدد من مجلات السخرية التي توزع عناقيد الضحك على الناس لتلطيف حياتهم وإعطائها معنى من خلال عرض مشكلاتهم وأحزانهم بطريقة ساخرة. وقد جرّب الحمداني في بداياته أن يحذو حذو هذه المجلات فيكتب بلغة ساخرة، وهو عكس الغالب الشائع، فالمبتدئ عادة ما يبدأ بالقضايا الكبرى والعموميات، لأنه يجدها هي الأسهل، وكلّما تمرّس في عمله انتقل إلى المواضيع الأصغر وإلى قضايا التخصص، لكن ليث الحمداني بدأ من الأصعب والأعلى والأكثر غرابة، لهذا سرعان ما تمكّن من المهنة وطوّع الحرف ورصفه في جملة مبدعة، فقد بدأ ينشر في زاوية أسبوعية بعنوان (سينمائيات ) في مجلة الفكاهة، حيث تناول فيها السينما العراقية الناشئة على نحو ساخر. ويقول عن تجربته تلك وفي إطار النقد الذاتي: ولعلّي حين أعود اليوم لقراءة بعض ما كتبته فيها أجدني متجنّياً على ياسر علي الناصر وفالح الزيدي وصفاء محمد علي وبرهان الدين جاسم وغيرهم. وفي مشواره الأول يلتقي الشاب الموصلي وهو قادم إلى بغداد بعشرات ومئات الأسماء التي تزدحم بها الذاكرة من أدباء وفنانين وصحافيين ومطربين ومخرجين ومسرحيين وسينمائيين وتشكيليين. بدأ الحمداني حياته من التصحيح ، حتى رئاسة التحرير، وظلّ يردّد ما كان يقوله الصحافي شاكر حسن: الصحافة تبدأ من التصحيح، وليست منضدة وقلم وأوراق.ويشيد بفضله في اختيار العناوين واختصار المواد الطويلة. ويمكنني اعتبار كتاب ليث الحمداني وأوراقه وذاكرته، آرشيفاً للصحافة وذاكرتها الإنسانية الحيّة، وهو آرشيف من رأس عاشق، حاول أن يضعه على الورق ليشاركنا فيه، إضافة إلى فهرست للصحف والمجلاّت طيلة ما يزيد عن أربعة عقود من الزمان، فضلاً عن ذلك فإن ما خصصه من حيّز للصحافة الساخرة يعتبر مسألة مهمة للدارسين والباحثين الذين بإمكانهم التوسّع فيه وتوثيقه. لا يمكن بعد صدور كتاب الحمداني الحديث عن انطولوجيا الصحافة وسردية الحداثة الفنية دون الرجوع إليه كمصدر حي وتجربة معاشة، بفروعها المختلفة، يتحدث فيها عن صداقات مع فنانين وصحافيين وشخصيات عامة منهم حقي الشبلي أحد روّاد المسرح العراقي والمطرب رضا علي والملحن محمد غوشي والفنان عباس جميل والفنانة لميعة توفيق والموسيقار جميل بشير. ويتوقف عند حميد المحل الذي يدين له بالكثير. ويستذكر أمين أحمد وصادق الأزدي، والعلاّمة مصطفى جواد والباحث فؤاد جميل وعالم الاجتماع علي الوردي وشاكر علي التكريتي وسليم التكريتي والفنان جعفر حسن وعزيز شلاّل وأديب القليه جي وجواد الشكرجي واسماعيل خليل والسياسي علي صالح السعدي، أمين عام حزب البعث سابقاً. ومن الإعلاميين البارزين يذكر علاقاته مع فايق بطي وعبد المنعم الجادر وعبدالاله البزاز وسجاد الغازي وعبد العزيز بركات وفيصل حسون وحسن العلوي وجليل العطية وسامي مهدي، إضافة إلى بعض زملاء المهنة منهم قيس لفته مراد وزيد الحلي وآخرين. وما لفت انتباهي وأحاول إضاءة هذه المسألة للقرّاء هو علاقته بالمسرح، وإذا كان الصحافي يرصد مسرح الأحداث، فإن رصده لحركة المسرح، سيعني رصداً للحياة ذاتها، ومن هنا علاقته مع فرقة المسرح الفني الحديث وفرقة 14 تموز وفرق الفنون المسرحية وفرقة المسرح الشعبي وغيرها. لقد انتقل الحمداني من صحافة الفكاهة إلى صحافة السياحة، لكن التجربة الأهم والأخطر في حياته المهنية، بما فيها من مفارقات هي عمله مع عشرة وزراء في إعلام الظل، وتلك بحد ذاتها تجربة تستحق التوقّف، لما فيها من معاناة وآلام ورعب وفزع ومخاوف وقلق، وحسبما يقول الحمداني " ليس هناك قسوة أشدّ على الصحفي المحترف من العمل في وزارات الدولة ودوائرها بعيداً عن المطبخ الصحفي وبعيداً عن أجواء المهنة الصحفية"، خصوصاً عندما يتعامل مع موظفين ومسؤولين لا علاقة لهم بالإعلام. وقد عمل في بداية الأمر في مجلة السمنت العراقي، ثم في مكتب إعلام وزارة الصناعة، منذ أواسط العام 1968، حيث عمل في مجلة الصناعة، وعاصر الوزراء التالية أسماءهم : طه الجزراوي وفليح حسن الجاسم وناجح محمد خليل ومحمد عايش وطاهر توفيق وطارق حمد العبدالله وقاسم أحمد العريبي وحاتم عبد الرشيد وحسين كامل وأخرهم عامر السعدي، وكما يقول كان لكل واحد من هؤلاء أسلوبه في التعامل مع الصحافة، وهو أسلوب ينمّ عن ثقافته وتربيته السياسية. ولنتصوّر كيف ستكون علاقة الصحفي برجل قادم من محكمة خاصة ليكون وزيراً في قطاع يجهله، ويدير إعلاماً ليس على علاقة ودية معه؟ كان الجزراوي قد وصل إلى الوزارة بعد أن حكم على العشرات بأحكام غليظة بينهم سيدتان هما د. فاطمة الخرسان (وهي طبيبة ومن عائلة عريقة) وسعدية صالح جبر (شقيقة سعد صالح جبر كريمة ابن رئيس الوزراء الأسبق صالح جبر). لكن الصناعة العراقية شهدت حينها بداية نهضة، وذلك بعد صدور القانون رقم 90 لعام 1970، وشملت النهضة مجالات التصميم والإنشاء الصناعي والصناعات الإنشائية وصناعة الألبسة والجلود والسكاير والمواد الكيماوية والغذائية. يتحدّث الحمداني عن معاناته حيث يقول كان مكتب الإعلام التابع للوزارة بين المطرقة والسندان، خصوصاً وأن الوزارة كانت تتعرّض لبعض الانتقادات، وكان يكلّف أحياناً هو بكتابة الردود، مثلاً على جريدة التآخي حينها، وفي ذلك حرج كبير فهو لا يستطيع أن يرفض ما يمليه عليه رئيسه في العمل، وفي الوقت نفسه لا يريد الإساءة إلى المهنة وزملائها وهما الأقرب إليه وإلى مزاجه وتفكيره، والأكثر من ذلك حين يعدّ الردّ لكن الوزير يقوم بتغييره أو تغيير عنوانه أو جعله أكثر تشدّداً. ويقول الحمداني إن مرحلة طه الجزراوي في القطاع الصناعي شهدت أوسع حملة لتفكيك التنظيمات النقابية الشيوعية والقومية بأسلوب غير أخلاقي وغير إنساني. وقد خاض الجزراوي معركة مع جريدة طريق الشعب حيث كانت قد نشرت سلسلة مقالات عن أزمة الكهرباء. ويقيّم الحمداني، الجزراوي بأنه تعلّم الكثير خلال وجوده في الوزارة من وكيل الوزارة الكفء نجم قوجه قصاب، ويقول رغم قوة الجزراوي كوزير وعضو قيادة، إلاّ أنه كان يقف عاجزاً أحياناً أمام الرأي الفني والخبرة. وقد أبعد الجزراوي من الوزارة إثر انعقاد ندوة انخفاض الانتاجية، التي أدارها لبضعة أسابيع نائب الرئيس حينها صدام حسين. وبعد أن جاء فليح حسن الجاسم الذي يقارنه بمن سبقه فيقول كان نموذجاً متميّزاً يتعامل بهدوء مع انتقادات الصحافة لمنشآت الوزارة ولا ينفعل أو يتأثّر ويفضّل الردود الهادئة، وأعقبه ناجح محمد خليل، الذي كان له اهتمامات أكاديمي، خصوصاً بعد إقصاء فليح حسن الجاسم بسبب رفضه المصادقة على قرارات المحكمة الخاصة بأحداث "خان النص" (شباط/فبراير/1977)، وأعقبه محمد عايش الذي حوّل الوزارة إلى منظمة حزبية حسب تعبير الحمداني، وجلب إلى الإعلام شخصاً لا علاقة له بالمهنة من قريب أو بعيد. ويعتبر تلك المرحلة من أسوأ المراحل التي مرّت بها الوزارة. وبعد إعدام محمد عايش جاء إلى الوزارة طاهر توفيق العاني الذي يسميه الحمداني بـ" الوزير الطيب والنزيه"، ولكن تلك الفترة شهدت مضايقات تعرّض لها الحمداني، وقد قرّر مغادرة العراق، وبعد أن وصل إلى براغ لم يستطع هضم فكرة البقاء في الخارج، وقرّر الذهاب إلى عمان للاستقرار، لكنه لم يتقبّل البقاء فيها أيضاً. وعند وجوده في براغ قابل زكي خيري عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي حينها بمبادرة من صديقه رواء الجصاني، واستمع زكي خيري إلى حديثه عن موقف الحزب الملتبس من الحرب العراقية- الإيرانية ومشاعر الناس (كما يروي ذلك). بعد بقائه بضعة أسابيع في براغ وعمّان قرّر العودة إلى العراق، ويفرد الكاتب فصلاً خاصاً عن طارق محمد العبدالله، الذي يقول عنه إنه كان منفتحاً على الصحافة ولا ينفعل من النقد، وقد خوّله كمدير للإعلام صلاحيات واسعة لتسهيل مهمة الصحفيين وحركتهم في منشآت الوزارة والكتابة عن أية زاوية يريدون. ويسلط الكاتب فقرات عديدة على علاقته بطارق حمد العبدالله وما قام به الرجل قبل نحره أو انتحاره، حيث يسرد رواية كاملة عن الحادث الدرامي الذي هو أقرب إلى أحد أفلام الرعب. V الفصل الخاص بطارق حمد العبدالله يعنونه بـ " طارق حمد العبدالله والرسالة القاتلة" ويتصدّره عنوان آخر أقرب إلى إهداء " إلى روح طارق حمد العبدالله: الإنسان الذي لن أنساه مهما مرّ الزمن" ويعتذر في هذا الفصل عن تأخّر هذه الصفحات لسنوات عديدة، قبل احتلال بغداد، حيث تجنب نشرها كي لا يسبّب أذى للكثيرين وبعد احتلالها يقول: تجنّبت نشرها مخافة أن يوظفها المحتلّون وأعوانهم في غير مكانها. ويروي كيف إن علي حسن المجيد توجّه بعد خبر قتل أو انتحار طارق حمد العبدالله إلى منزله قائلاً لعائلته حسب مزهر الدليمي في كتابه " محطات الموت": إن انتحاره لأسباب نفسية، وأي حديث آخر سيكون شائعة مغرضة تستحق أقصى العقاب. وكجزء من الوفاء الشخصي يتناول الحمداني سيرة طارق حمد العبدالله ولقائه الأول به ورحلة العمل معه التي كانت رحلة الثقة، وكيف دافع عنه عند استدعائه لدائرة المخابرات (بسبب تقارير الوشاة) وكيف رافقه إلى بيت فاضل البراك وكيف حلّت المسألة. ويعتبر الحمداني وجوده بمعية طارق حمد العبدالله : العصر الذهبي، ويُشير إلى أن نجاحه وإنسانيته كانا وراء تصفيته. يختتم هذا الفصل بتقرير يجمع بين القتل والانتحار، حين يقول" إن طارق حمد العبدالله لم ينتحر بمحض إرادته" بمعنى حتى لو أطلق هو النار على نفسه فقد كان مُكرهاً حيث وصل السيل الزُبى كما يقال ، ويستعيد أربعة حوادث طرق غريبة تعرّض لها، في الطريق الى البصرة قرب مرقد الرفاعي ومن الكوت إلى العمارة وقرب العمارة وفي ميناء أم قصر، لكن الرسالة التي قتلته هي التي وجهها إلى الرئيس صدام حسين، وفيها تلميحات إلى وقوفه إلى جانبه، وقد تم تلاوة أجزاء من هذه الرسالة في مجلس الوزراء في حين تم حجب أجزاء أخرى، وينشر الحمداني نص رسالة د. منى طارق حمد العبدالله، التي تؤكد أنها قالت لوالدها إذا أرسلت هذه الرسالة ستقتل، فكان ردّه إنه تَعِبَ ولا بدّ من الكلام... ويتحدّث ليث الحمداني عن جوانب إنسانية مهمة لدى طارق حمد العبدالله وتقواه ونزاهته ورغبته في مساعدة الفقراء، ويشيد كذلك بقاسم العريبي الرجل الهادئ والذي يتمتع بأخلاق عالية ثم أعقبه حاتم عبد الرشيد، وعلى الرغم من علاقته معه جيّدة إلا أنه يقول عند وصوله إلى الوزارة انقلب مزاجه إلى درجة كبيرة. VI يفرد الحمداني فصلاً عن جريدة "طريق الشعب" ويسمّيه " التجربة الحلوة... والمذاق المرّ" ويتحدّث عمن قابلهم في الجريدة، ابتداء من فخري كريم وفايق بطي ورواء الجصاني ومحمود حمّد وذياب كزار (أبو سرحان) ومظهر عبد العباس (المفرجي) وجمال وسامي العتابي وآخرين، ويتحدث عن مطبعة الحزب التي كان قد أخفاها الحزب أيام العمل السري بعد أن فكّكها وهي قديمة، حيث تم نصبها وتدرّب عليها طارق علي السامرائي. ويتحدّث عن فرحته حين كان يشرب الشاي في مقهى (حسن كيتاوي) في الباب الشرقي، وهو يرى العدد صفر يتناوله بعض العمّال المتجهين إلى المسطر، وهو يوزّع مع جريدة الفكر الجديد، التي كان يتولى إخراجها حسام الصفار. وكان الحمداني قد تولى القسم الفني في الجريدة، ويقول إن محمد سعيد الصكار هو الذي أعدّ الماكيت الثابت، وقد أجرى عليه صادق الصائغ تغييرات لاحقاً، واختيرت عفيفة لعيبي كأول فنانة تشكيلية لتعمل متفرغة للجريدة، وكان الكاريكاتريست مؤيد نعمه قد بدأ يرسم كاريكاتيراً يومياً. وبعد أن كانت الجريدة التي بدأت في شقة أصبحت إدارتها لاحقاً في بناية مستأجرة قرب سينما بابل. وحينها تفرّغ الحمداني للعمل في الجريدة، بعد أن كان يشرف على مجلة "الصناعي" ومجلة "صوت المهندسين" ومجلة " الصناعيون" وكلّها مجلات فصلية. وقد عمل في الأقسام المختلفة صحافيون مخضرمون مثل عبد المجيد الونداوي وشمران الياسري " أبو كاطع" ويوسف الصايغ وعزيز سباهي وصفاء الحافظ والفريد سمعان ورشدي العادل وقيس الياسري وصبحي حدّاد، ويستعرض عشرات الأسماء التي عملت معه في الأقسام المختلفة. ويتحدث عن الإمكانات الشحيحة المالية والفنية للجريدة، ولكنها استطاعت أن تحقق سبقاً مهنياً على الصحافة الرسمية مثل جريدة الثورة. يقول عن ذكرياته " سأظل أذكر للراحل الكبير حسن العتابي وهو من الرعيل الأول من الشيوعيين الذين عملوا في الجريدة، الانضباطية العالية التي وصلت إلى حد محاسبة أحد أبنائه على أي تصرّف شخصي داخل الجريدة..." يتطرّق إلى ماكنة الأوفسيت التي تم نصبها، وإلى حوار أيّده عبد الرزاق الصافي فيه، هو إننا نريد أن ننسى إننا نصدر صحيفة حزبية، وهكذا قفزت طريق الشعب فنياً، وأهم انطباعاته أن الجريدة تخلّصت إلى حد ما من التأثير الآيديولوجي على الجانب المهني الصحفي (وليس السياسي)، ولكن القسم الفني كان يتلقى نقداً من المكاتب الحزبية، والأمر يعود إلى تفاوت في المعايير الجمالية بين الحزبي والمهني. ويتحدّث عن المشاكل السياسية بسبب نشر بعض المواضيع التي لا تروق للسلطة، ويذكر كيف تم سحب عمود "أبو كاطع" من المطبعة أكثر من مرة، أو سحب بعض المواد من الصفحات الثقافية، وكذلك وقف العمود اليومي "هموم الناس" الذي ابتدعه مخلص خليل كما يقول. يؤكد الحمداني حقيقة قد يعرفها الجميع، لكنه يتحدّث عنها بالملموس، وهو إن السلطة لم تتحمل نقد جريدة "طريق الشعب"، فضلاً عن مشكلة تعاطي المصطلحات الرسمية التي كان على الجريدة نشرها مثل : "الحزب القائد" و"الرئيس القائد"، ويشير إلى حادث تفجير في مطار بغداد اتهم به " النظام السوري"، وهو تعبير لم يكن متداولاً في الجريدة، وكانت السلطة قد اتهمت سوريا بحادث التفجير، وحين تم اختصار الخبر حصلت مشكلة في اجتماعات الجبهة الوطنية. ونود الإشارة إلى أن نائب الرئيس حينها صدام حسين كان قد استدعى ممثلي الحزب في الجبهة وأنبّهم على مثل هذا التصرّف وطلب منهم إصدار بيان يدين الحادث، وصدر هذا البيان باسم الجبهة بعبارات أشدّ، وقامت الجريدة في اليوم الثاني بنشره بالكامل، باعتباره خبراً ورد عن طريق وكالة الأنباء العراقية (واع). ترك الحمداني "طريق الشعب" قبل أشهر من إغلاقها، ولكنه رفض العمل في صحف أخرى عرضت عليه مسؤولية الأقسام الفنية مثل جريدة الجمهورية، وعمل مع سجاد الغازي وخالد الحلي في ملحق الجمهورية (طب وعلوم) كمحرّر مشارك. ومن استنتاجاته المهمة إن الصحافة الحزبية مهما بلغت من الكمال فإنها لا يمكن أن تحقّق تقدّماً مؤسسياً لأنها تدار في الغالب من كوادر حزبية لا تفهم من العمل المهني شيئاً، ومعيارها الوحيد هو الدرجة الحزبية والالتزام الحزبي، كما يقول. ويتحدّث عن صدمة شخصية وسياسية بعد استدعائه لمديرية الأمن العام حين وجد أحد الأشخاص الذين جاء بهم أحد الكوادر القيادية للعمل في الإدارة، ليقوم بتشخيصهم، مؤكداً أنهم كانوا يعقدون الاجتماعات داخل الجريدة. يتذكّر باعتزاز عبد المجيد الونداوي وعبد الرزاق الصافي ورشدي العامل وعامر عبدالله وأبو كاطع (شمران الياسري) وسامي حسن ومحمود حمّد ومصطفى حمّد لما قدموه من مساهمات، كل في مجاله ويأتي على ذكر آخرين. ويتذكّر ممازحته مع أبو كاطع وكان " الحلفاء البعثيون" قد طلبوا إيقاف عموده، وذلك حين خاطبه: شنو (ما هو) رأيك لو تكتب هسّه عمود وندزّه (نرسله) للطبع بلا (رقابة الرفاق)؟ فضحك أبو كَاطع كما يقول، وأخذ القلم وبدأ يكتب قصة التحالف بأسلوبه الساخر على لسان خلف الدواح. .. وهي حكاية الواوي والبعير، المعروفة. ومن خلال طريق الشعب يقول تعرّفت على الصحافة الشيوعية بسفره مع وفد برئاسة الصافي إلى هنغاريا ولبنان وبلغاريا، ويقول من خلال زيارتي تعرفت من أين تعلّم البعثيون تشكيل الجهات الوطنية الهامشية (جبهة بلغاريا وهنغاريا). باعتزاز يعود لاستذكار "طريق الشعب" التي ستظل تجربة صحفية متميّزة تعلّم الجميع فيها، فلا يوجد أستاذ وتلميذ، لكنه بألم يقول بشأن إدارتنا وبكل أمانة كما يكتب " إننا معشر الشيوعيين يومها لو تسلّمنا السلطة في العراق وأدرناها بالأسلوب الذي أديرت فيها دار الرواد، لوضعنا الدولة في موقع لا يختلف كثيراً عما وضعها فيه حزب البعث، لأن الموقع الحزبي كان هو الأساس في الاختيار وليس الكفاءة أو الخبرة، وهذا الداء ابتليت به كل أحزابنا للأسف".
VII يتناول بشغف مشروعه لإصدار صحيفة الاتحاد، الحلم الذي كان يراوده كما يقول، وهي جريدة تعبّر عن القطاع الخاص، ويوم صدرت الموافقة كان معه شهاب التميمي. وقد كتب عكاب سالم الطاهر حكايته مع جريدة الاتحاد في صحيفة الزمان مؤخراً تحت عنوان " بعيداً عن الصناعة... بعيداً عن التجارة"، وكتب في جريدة الاتحاد وتعاطى معها أسماء لامعة مثل الشيخ جلال الحنفي وعلي الوردي وحسين علي محفوظ وحسين قاسم العزيز وأنور الناصري وحارث طه الراوي وخالص عزمي وسليم طه التكريتي وسلوى ساطع الحصري وآخرين. وكانت هيئة التحرير تتألف من عبد القادر البراك وصادق الأزدي وخالد محسن اسماعيل ورفعت عبد الرزاق وسعيد الربيعي وحسين الكرخي وعبد الحميد المحاري. ويذكر كيف استضافت الجريدة د. علي الوردي في محاضرة بدأها بإعلان تفوق جريدة الاتحاد، وفشل صحفنا ومجلاتنا، مشيراً إلى أن بعض المقالات كانت بمثابة "إعلانات" موضحاً الفرق الكبير بين الإعلام والإعلان، ومثل هذا القول في تلك الظروف شجاعة تكاد تكون خارقة. ويسلّط ليث الحمداني ضوءًا على كيفية التعاطي مع عدد من المبدعين على الرغم من الظروف القاسية واستجابتهم على الرغم من الممانعة والتردّد، لكنهم إذا شعروا أن من يقابلهم ويدعوهم للكتابة لا يفرض عليهم شيئاً، بل هو سيكون سعيداً بالهامش الذي يمكن أن يعبّروا فيه عن أفكارهم، على الرغم من الأجواء الخانقة، وتلك مهمة لم تكن سهلة، لكن ليث الحمداني الصحفي المهني والمحترف، وتهمّه الكلمة النظيفة، جعلها من أولوياته رغم الأجواء السائدة، ومن هؤلاء علي الوردي وعبد الحميد العلوه جي ومسعود محمد وأحمد فوزي وسليم طه التكريتي، وتم نشر أوراق مصطفى علي، أول وزير عدل بعد ثورة 14 تموز جواد وخليل كنه (وزير في العهد الملكي) وكذلك أوراق حسين جميل. وبسبب من هذا النشاط الإعلامي تم استدعاء الحمداني إلى مديرية الأمن العامة عدّة مرّات، وواحدة منها كانت بسبب مقالة للسياسي عبد الغني الدلّي (الوزير والسفير في العهد الملكي) وأخرى بسبب معاذ عبد الرحيم الذي تم نشر مذكراته، ثم يقول إنه في مساء اليوم نفسه وبعد التحقيق معه إنه تلقى مكالمة من نوري نجم المرسومي وكيل وزارة الإعلام، بإيقاف نشر مذكرات معاذ عبد الرحيم بأمر من الوزير لطيف نصيّف جاسم. عانى ليث الحمداني من تنازع اتجاهات شتّى، فالسلطة أو بعض من محسوب عليها تعتبر فتح صفحات الاتحاد لبعض عناصر حزب الدعوة العميل (المقصود عبد الغني الدلّي ويا للمفارقة؟)، أو بعض العناصر البعثية القديمة التي تريد تشويه تاريخ الحزب (المقصود معاذ عبد الرحيم) علماً بأنه شخصية قومية وكان من الرعيل الأول المؤسس لحزب البعث ومبرر ذلك ورود أسماء اثنين من البعثيين القدامى وهما أعضاء في حزب الدعوة لاحقاً. وبعض أصدقائه اعتبروه يروّج لقوى رجعية عندما ينشر مذكرات خليل كنّه (شهاب التميمي وضياء حسن) ومن جهة أخرى فإن هناك من حاول أن يذكّره بماضيه الشيوعي، وهو الأمر الذي كان يتعرّض بسببه إلى ضغوط منظورة وغير منظورة، مباشرة أو غير مباشرة، وخصوصاً عندما عمل مع طارق حمد العبدالله وزير الصناعة والذي كانت علاقته به وطيدة، وكان عليه أن يتذكّر يومياً وكي لا يغلط بما يفسّر هواه الذي قد يوقعه في ورطة حقيقية. الكتاب حافل بحكايات وسجالات ونقاشات ضمّها أسلوب أدبي رفيع، وهي لمن يريد دراستها يستطيع أن يعرف حقيقة الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية السائدة في البلد، خلال الحرب العراقية – الإيرانية وما بعدها، وكذلك سنوات الحصار اللاحقة. كان ليث الحمداني يأمل أن يحوّل جريدة الاتحاد بعد أن كبرت وقوي عودها إلى دار نشر، وكانت هذه الطموحات تلقى دعماً من طارق محمد العبدالله ومن عبد القادر عبد اللطيف وطلال طلعت، وفعلاً تم نشر الكتاب الأول لعبد القادر البراك، والكتاب الثاني لمدني صالح، والثالث لعزيز السيد جاسم، والرابع لمحمد أمين الحسيني، وكتاب مترجم، وكان ضمن خطته جمع مقالات علي الوردي وعبد الحميد العلوه جي، ولكن بعد اجتياح الجيش العراقي لدولة الكويت في 2 آب (أغسطس) 1990 وصدور قرارات بتقليص المطبوعات توقفت الاتحاد. وقبل ذلك، تم دمج القطاع الصناعي بالتصنيع العسكري، وتم اختيار الحمداني مديراً للإعلام من بين مدراء إعلام الوزارات المندمجة، وذلك بإعجاب من حسين كامل، وصدر حينها لجريدة الاتحاد أكثر من ملحق (الدنيا) و (الفلقة)، وعدد خاص يومي خلال المعرض الأول للتصنيع العسكري. ويروي عن التناقض بين الوظيفة المهنية والسبق الصحفي والصراع السياسي والإداري، حتى إن حسين كامل أبلغه أنه أنقذه من بئر كان يحفرها له لطيف نصيّف جاسم، بسبب نشر خبر عن " قتل الزانيات" وإلغاء العقوبات بحق من يقوم بذلك، وهو الخبر الذي أثار ضجة وصلت إلى الرئيس حينها، علماً بأن الخبر تم نقله عن صحيفة الوقائع العراقية. وبعدها تم إلغاء قرار مجلس قيادة الثورة وهو ما اعترف به صدام حسين حين قال إننا نتراجع عن أخطائنا. ولكن حلم ليث الحمداني كما يقول تحوّل إلى كابوس بسبب اجتياح صدام حسين للكويت... وما كل ما يتمنّى المرء يدركه. يعود ليث الحمداني إلى مهنته ليصدر خمسة أعداد من مجلة الحضارة، ويتحدّث عن تجربته مع حسين كامل وتجربة العمل مع العسكر، وهي تجربة لا أريد أن اختزلها، لأن تلخيصها قد يشوّهها لما فيها من أبعاد إنسانية ونفسية واجتماعية وأخلاقية ومهنية غنيّة، تحتاج إلى قراءة متأنية، لاسيّما عن علاقة العسكري بالثقافي، والطاغية بمحيطه والجلاد بضحاياه، ناهيك عن دور الجيش في العالم الثالث، وتغوّل السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، إضافة إلى محاولة إخضاعه السلطة الرابعة، وأعني بها "الإعلام"، وتوظيفها لمصلحته، تحت عناوين آيديولوجية أو سياسية. وإليكم تلخيص ليث الحمداني عن الوزراء الذين عمل معهم بسؤال من الوزير حسين كامل:مع كم وزير عملت في الصناعة يا ليث؟ (ولا بدّ هنا ملاحظة أجوبة الحمداني ذات الطبيعة الزئبقية، ولكنها لم تكن بعيدة عمّا يعتقد به، فقد حاول انتقاء الكلمات بدقة وحذر). الجواب: من قريب مع خمسة وزراء ومن بعيد مع تسعة ومن هو الأفضل؟ لكل واحد منهم خصوصية يا سيادة الوزير ضحك وسألني: مثلاً؟ قلت له: الاستاذ طه الجزراوي كان يتعلم بسرعة ويعتمد على المختصين من حوله!! فليح حسن الجاسم متواضع ويسعى وراء الأكاديميين، ويحاول أن يعرف الكثير مما فاته!! ناجح محمد خليل، همّه إرضاء الحزبيين في الوزارة رغم أنه أكاديمي، ولكنه يعتمد على المنتمين أكثر من اعتماده على الأكفاء.... محمد عايش اعتمد على حزبيين أداروا له الوزارة، وكانوا الأكثر إيذاء للموظفين في زمنه. طاهر توفيق (العاني) كان هو يقول عن نفسه إنه ليس مهندساً سوى بالاسم... ولكنه طيب القلب جداً. طارق حمد العبد الله، كان أبرز الوزراء المتابعين ميدانياً، وكسب كلّ من حوله ببساطته وكياسته.. قاسم العريبي الأكفأ علمياً بين الجميع!! حاتم عبد الرشيد يفهم عمله جيداً ولكنه مزاجي!! يقول الحمداني بعد أن انتهى من تقييماته أمام حسين كامل، عاد هذا الأخير بكرسيّه إلى الخلف وقال لي: تقييماتك غير صحيحة مع أغلبهم، وخاصة قاسم العريبي. لا أعتقد أنه كان وزيرا ناجحاً !! وفهمت من اللقاء أن الرجل يبني مواقفه من خلال الآخرين، وليس من خلال الاحتكاك الشخصي والمعلومات الدقيقة... ويذكر الحمداني أن الفريق عامر السعدي يتمتع بخلق عال ومتواضع ويترك أثراً طيباً في نفس من يعرفه ويشيد أيضاً بالوكيل الثاني (عامر العبيدي) الذي لا يقلّ أدباً وتواضعاً عن الأول، ويقول إن حسين كامل كان يكّن لهما احتراماً كبيراً، وكان ينصت لهما ويسمع التفاصيل منهما باهتمام. ويقول ليث الحمداني أن لقاءاته ازدادت مع الوزير حسين كامل، فقد كان يحضر اجتماعاته وتوثّقت علاقته به، ويشير إلى أمر طريف وهو إن كثيرين في وزارة التصنيع العسكري لا ينتمون إلى حزب البعث، ويذكر معلومة قد تكون صادمة للبعض وهي إن حسين كامل ( وخلال تعامله معه لمدة سنتين) ليس له أي توجّه طائفي أو عرقي أو انحياز حزبي. والأكثر من ذلك إنه لمس من حسين كامل كراهية واضحة لبعض التكارتة ومنهم خيرالله طلفاح. ويتحدّث عن معاناته الشخصية، فيقول إنه كان يُستدعى في أية ساعة للعمل ويعاني من ضغوط، لاسيّما الدوام العسكري، وقد حاول الحصول على تقاعده، ولكن الفريق حسين كامل غضب وخاطبه بعد أن حاول التوسّط " لن تخرج من هذه الدائرة إلاّ حين نقرر نحن". ويروي طريفة عن حسين كامل الذي طلب منه تأمين كتب دستوفسكي له، وفعل ذلك، ويقول وبعد فترة انتهزتُ فرصة وجوده لوحده، فسألته عن مجموعة الكاتب الروسي، دستوفسكي، فأجاب وهو مستغرق بالضحك بعد أن فوجئ بالسؤال قبل ذلك: عن أية مجموعة تسأل؟ هل تعتقد بأن لديّ وقتاً لقراءة روايات؟ هذه الكتب لزوجتي أم علي (المقصود رغد ابنة صدام حسين). يتحدّث عن شخصية حسين كامل القلقة، فهو حاد المزاج ويعاقب أقرب الناس إليه، كما ينقل تصرفاته الاستفزازية السمجة مع جهات دولية، مثلما هو لقاؤه مع مسؤول كبير في وزارة الخارجية اليابانية إبان احتجاز العراق لعدد من الأجانب، وكذلك اللقاء مع بريماكوف خلال زياراته المكوكية، وكان الحمداني قد حضر جزءًا من لقائه مع حسين كامل، وبعد تحذيرات من بريماكوف سمعها حسين كامل، خصوصاً بأن أمريكا تريد تدمير العراق، قال بانفعال " لتدخل أمريكا الحرب وسترى ..." ولم يكتفِ بذلك بل قال له " ... كل ما أطلبه منكم أن لا تطلبوا وقف إطلاق النار إذا بدأت الحرب" ولنتصوّر العقل الستراتيجي هذا الذي يخاطب به مسؤول في ثاني أكبر وأهم دولة في العالم آنذاك وهي الاتحاد السوفييتي. لقد تلمستُ شخصياً مدى خفّة ورعونة وعدم اتزان حسين كامل واضطراب شخصيته، وكان قد اتصل بي بعد خروجه من العراق إلى الاردن وبعد مؤتمره الصحفي المعروف في 8/8/1995، مثلما اتصل بنحو 20 شخصية عراقية قال إنها مرموقة، مثلما هو صلاح عمر العلي وحامد الجبوري وهشام الشاوي وعامر عبدالله وآخرين، وتلك حكاية أخرى يأتي الوقت المناسب لروايتها. ولكن كل من يعرفه أو التقاه أو اتصل به يكاد يجمع على أنه شخص غير مستقر، وليس لديه الحد الأدنى من الثقافة السياسية، ناهيك عن السلوك الاجتماعي المرن، وكنت قد كتبت مقالة في جريدة الحياة بعد مقتله، أشرت بها إلى بعض الوقائع، وكانت بعنوان" ليس للجنرال من يهاتفه"، مع الاعتذار للروائي الأمريكي اللاتيني (الكولومبي) العالمي ماركيز. تستمر معاناة الحمداني سواءً عشية الحرب أو خلالها، لكان معاناته الأشد كانت في ظروف العمل القاسية والقلق المصاحب له، وما إن اعتكف حسين كامل في مزرعته بعد إنجاز كإعادة بناء الجسر المعلّق، وقام الرئيس صدام حسين بتكريم حمود ذياب، وجد الحمداني ضالّته ليقول وداعاً للوظيفة، حيث قدّم في اليوم الثاني طلباً للتقاعد، وبعدها قابل الوزير الجديد عامر السعدي الذي اقتنع بمبرراته كما يقول. وعلى الرغم من نقده الشديد لحسين كامل وتصرفاته وسلوكه ، لكن يقول بصراحة " لم ألمس أي توجّهات طائفية عند حسين كامل، وكان أقرب العاملين له هم من أسر شيعية"، ثم يتناول حقيقة أشيعت عبر دعاية صاخبة خلال الانتفاضة الشعبية في آذار (مارس) العام 1991 بعد هزيمة القوات العراقية للكويت، وهي قوله مخاطباً الإمام الحسين (ع) خلال قمع الانتفاضة " أنا حسين وأنت حسين، نشوف منو ينتصر"، ويعتبر ذلك ترويجاً ضدّه قام به خصومه، وفي مقدمتهم جماعة عُدي صدام حسين، الذي كان يكنّ له كُرهاً أعمى. وبالمناسبة فهناك بعض الأوهام التي ترسخت لدى المعارضة والسلطة على حد سواء، قد لا يكون لها علاقة بالواقع، بسبب الأفكار المسبقة التي يحاول كل فريق إسقاطها على الآخر أو على الواقع بصورة مسبقة، ومثل هذه التصوّرات والأوهام تستمر حتى يومنا هذا بين الموالاة والمعارضة، بسبب غياب الحوار وعدم الاعتراف بالآخر. وفي قسم الملاحق ينشر الحمداني، ملحقين ، الأول تحت عنوان " حين لا ترى بعض العيون سوى السواد عن الصناعة في العراق" والثاني تمت الإشارة إليه وهو ما كتبه عكاب سالم الطاهر، ويدوّن الحمداني معلومات في غاية الأهمية عن سنوات السبعينات والثمانينات، حيث شهدت البلاد نهضة صناعية لا ينكرها سوى جاهل أو مؤدلج كما يقول، وهو ما دعاني وأنا أقرأ حجم المشاريع والمؤسسات الصناعية، إلاّ أن أعلن عن عدم معرفتي وشحّ معلوماتي في هذا الميدان المهم والحيوي، الذي كان علينا إيلاءه جزءًا من توجهنا ، وذلك ما استدعاني لمراجعة مواقفنا السابقة ومواقفنا الحالية. وأدعو القارئ ليس إلى قراءة كتاب الحمداني الذي هو سجل حافل بانطولوجيا الصحافة والصحافيين وهموم المهنة وتاريخ البلد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فحسب، بل تاريخ الصناعة العراقية، وخصوصاً فترة ازدهارها منذ أواخر الستينات وحتى الثمانينات، حيث شهدت تراجعاً لاحقاً بسبب الحروب العبثية التي دخلها العراق، وفيما بعد أثر الحصار الاقتصادي وقرارات العقوبات عليه وصولاً إلى الاحتلال العام 2003، حين تم تدمير ما تبقى منها، سواء تفكيك المعامل وتهريبها عبر الحدود، أو بيعها قبل ذلك للقطاع الخاص في ظروف، تتّسم بعدم الاستقرار واضطراب التوجّهات الاقتصادية . وإذا لم يكن القارئ لديه الوقت أو الاهتمام الكافي لمعرفة انطولوجيا الصحافة، فيمكنه الاطلاع على هذا الجزء الملحق، من الكتاب، وقد أفلح الكاتب في عرضه بإبداع واتساق ورؤية نقدية جديرة بالاهتمام، وهو يصلح لأي دارس أو باحث أن يعتمده كأحد المراجع المهمة والمصادر الموثوقة بخصوص الصحافة والصناعة في آن، وبكل فروعهما، وأعتقد إن مثل هذا الجمع أو المزاوجة، كان بمثابة هارموني دقيق وحساس وصعب، لكن مُكنة ليث الحمداني وسعة أفقه ونظراته الشاملة، جعلته يلمّ بمثل هذه التفاصيل، ويتوقّف عند المنجز وعند العراقيل، العامة أو الخاصة. كتاب ليث الحمداني، شهادة شفيفة على مرحلة كاملة بما فيها من تناقضات وصراعات وتنازعات مشروعة وغير مشروعة، ناهيك عن كونه عرض بانورامي لعدد من مفاصل الدولة المهمة وقطاعاتها المختلفة وعدد غير قليل من إدارتها ومسؤوليها وطريقة تفكيرهم وأساليب عملهم، لاسيّما خلال فترة عصيبة، سواء باتجاه الحكم تدريجياً نحو الانفراد بالسلطة وإقصاء خصومه أو منافسيه من القوى الأخرى أو من داخله، فضلاً عن الحرب العراقية- الإيرانية وما تركته من جراحات، زادها عمقاً وألماً مغامرة غزو الكويت وحرب قوات التحالف ضد العراق، حيث بدأ مسلسل الحصار الاقتصادي. كتب ليث الحمداني شهادته مقلّباً بعض أوراقه ومستعيناً بتحفيز ذاكرته، وكان أميناً حين جمع ذلك في عنوان كتابه " أوراق عراقية من ذاكرة ليث الحمداني "، والذاكرة يمكن أن تكون انفعالية بحيث تأتي إرادوية، إمّا لتصفية حسابات أو تبرير مواقف أو صرف النظر عن أخرى أو تحميل المسؤولية إلى جهة وإعفاء أخرى أو تبرئة النفس عن أخطاء وممارسات، وأعتقد أن ذلك كان بعيداً عن هدف الحمداني من نشر أوراقه والتنقيب في ذاكرته. أو أن تكون الذاكرة حسّية، وهي تعني القدرة على تذكّر واستذكار الأحوال والأهوال، التي عصفت بالحياة الشخصية والعامة، بحيث يتم توظيف المادة الخام أو إعادة عجنها حسب قراءة الشاهد أو المؤرخ أو المشارك وفقاً لتوجهاته ودرجة وعيه وموضوعيته، وهو ما حاول ليث الحمداني تقديمه من السطر الأول إلى السطر الأخير. وهناك الذاكرة المنظّمة التي تعتمد على المادة الأولية، وتسعى لاستخلاص المعاني التي تتألف منها الوقائع وصولاً للدلالة، خصوصاً بفعل التحقق، وذلك بإضفاء تفسيرات وتأويلات على النص أو الحدث أو الواقع المعيش، حتى وإن كنّا نتحدث عن تاريخ مضى. وقد تكون الذاكرة محفّزة، لاستعادة ما مرّ بعرض الوقائع وإعادة قراءتها بحيث يمكن تقديم رؤية جديدة لها قد تكون مختلفة عن القراءات الأولى، خصوصاً عندما يكتسب الإنسان معارف جديدة ودروس وعبر وفرتها تجاربه المختلفة، بحيث تكتنز ذاكرته ، إذ لا قيمة لإنسان بلا ذاكرة، فلا حاضر ولا مستقبل له، لأنه سيعيد أخطاءه ويكرّر سلبياته. كتاب ليث الحمداني أقرب إلى رواية عن الحياة العراقية لنحو أربعة عقود من الزمان، بما لها وما عليها، وبكل مذاقاتها حلوّها ومرّها، وقد كتبها بيراع ماهرة وبأسلوب باهر، أقرب إلى السهل الممتنع، وقد سجّل ما عرفه وما خبره وما رآه واطلع عليه وسمعه في تلك الفترة، بأمانة تكاد تكون نادرة ، وبتجرد عال، ونقد ذاتي مقتدر، ودون أية تبجّحات أو إدعاءات أو بطولات زائفة، فقد كان واقعياً إلى أقصى حد، وواضحاً إلى أبعد ما يكون، ومنصفاً وكريماً بحيث لم يبخل بذكر إيجابيات، يلهج الجميع بتناول سلبياتهم ومساوئهم، لكنه تعامل بضمير يقظ ونفس توّاقة للحقيقة، وشجاعة فائقة، وهو ما أكسب الكتاب صدقية كبيرة ويمكن اعتباره وثيقة للصحافة العراقية للفترة من أواسط الستينات ولغاية أواسط التسعينات، حين اضطر للرحيل إلى المنفى. ولعلّ ذلك ذكّرني بما قرأته قبل فترة قصيرة عن الصحافة العراقية وهو كتاب لزيد الحلي الصحفي المخضرم أيضاً بعنوان " خمسون عاماً في الصحافة". لا أريد أن أنغّص على القارئ متعة الاكتشاف والفضول والبحث عن الحقيقة، من وراء هذه السطور ومن داخلها وخارجها وما حولها وما له علاقة بها، ولكنني وجدت نفسي أتوقّف عند بعض الأحداث والمحطّات لكي أضيء عليها، لاستدرج القارئ لمشاركتي متعة قراءتها، بل والأكثر متعة البحث عن الحقيقة حتى وإن كانت صادمة، لكنها صادقة، كما قدّمها ليث الحمداني في طبقه الشهي، بحيث كلما قرأت إزدادت شهيتي. إن قلماً نظيفاً مثل قلم ليث الحمداني يستحق التكريم، ولعلّ ذلك واجباً على نقابة الصحفيين العراقيين والمعنيين بالحرف والحق بشكل عام، وآن الأوان لتكريم مبدعينا في حياتهم، وهذا أقل ما يمكن أن نقدّمه لهم.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقوق المدن
-
القوة الناعمة: جدل في المفهوم والسياسة
-
مأساة الفلّوجة وملهاتها
-
الطفولة المعذبة في العراق: إلى أين؟؟
-
حوار مع مجلة كولان الكردية
-
كوابح التغيير في العراق
-
عدوى التعصب الديني
-
اتفاقية سايكس بيكو: الاتفاقية الحرام
-
أسئلة ودلالات لحكايات النزوح العراقي
-
عن فكرة الانتماء والهوية العراقية
-
استراتيجية واشنطن وأولويات بغداد
-
متى يعاد الاعتبار للسياسة عراقياً؟
-
العراق.. تدوير الزوايا ومعادلات القوة
-
الزبائنية وما في حكمها!!
-
العربي أبو سلطان -محمد الهباهبه-: حالم لم يفارقه حلمه
-
الماراثون العراقي والعودة إلى المربع الأول
-
اللحظة اليابانية.. ال«هُنا» و«الآن»
-
الفلوجة وسريالية السياسة العراقية
-
محمد السمّاك :الشاب الثمانيني الذي يسيل من يراعه عطر الفلسفة
-
«غوانتانامو» وتسييس العدالة
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|