|
ليلة الزفاف
ناصر قوطي
الحوار المتمدن-العدد: 5182 - 2016 / 6 / 3 - 16:07
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة ناصرقوطي
ليلة الزفاف سحابة سوداء غطت العروسين والمحتفين ببرقع من سخام ورماد مع صوت رعد هائل مصحوب ببريق خاطف بالرغم من أن السماء كانت صافية والفصل ربيع. مريم بقامتها الممشوقة بحلة الزواج البيضاء وحسن في استعداده على أحسن ما يكون ببدلته البيضاء وربطة عنقه الارجوانية.كان الجميع فرحا وسعيدا والزغاريد تتناثر مثل الزهور في ذلك الجو الرائق قبل أن ينادي العم "سوادي" ويطلق صوته الجهور بالرغم من انه تعدى الثمانين غير انه مازال صلبا كعود الخيزران. صوته الذي وصل رغم الضجيج والتهاليل والزغاريد والطبول الى سمع زوجته التي كانت ترتكن زاوية بعيدة وهي تتلفع بعباءتها الرمادية التي تعدت الستين من خيوط عمرها.الزوجة لم تسمع إلا كلمة "الصرة"وفي الحال فهمت ما كان يريد منها.لأن زوجها سوادي طالما كان يهددها بهذه "الصرة"حين تعارضه في أمر ما،لذا ما ان تناهى لها الصوت،سعت الى دارهم القريبة. كان الباب مفتوحا على سعته، دخلت ولم يعارضها أحد..لم يعارضها أحد بعد الآن، اتجهت الى المخزن وهناك في زاوية مربدة في غرفته المظلمة أزاحت الغبار عن الصندوق القديم، وهي تقترب بوجل رفعت غطاءه فتسلقت عناكب صغيرة على الجدار والتصقت بسقف الغرفة،أزاحت بيديها المرتعشتين شباك لعناكب ميته وبقايا أجنحة لذباب وحشرات غريبة لم ترها من قبل،تمعنت في الصندوق وفي زاوية منه رأت قماشة خضراء موشاة بلون ذهبي معقودة على شيء ما فتحتها بعجل فظهرت قماشة أخرى حمراء واخرى زرقاء ورابعة صفراء في الصرة الخامسة التي كانت بلون اللازورد عثرت على مسدس قديم بعنق طويل من العهد العثماني.كان صدئا ويشبه تلك المسدسات التي كانت تستخدم في العصور الوسطى التي تحشى بالبارود ..ترددت لحظة.ارتجفت يدها وهي تحمله لأنها تراه لأول مرة.كان المسدس يسع اطلاقتين فقط.حملته المرأة مع الاطلاقتين بعد ان لفته في الصرة الخضراء وعادت به راكضة كما لو كانت فتاة في العشرين.اخترقت الجموع المحتشدة وهي تلهث يراودها شعور فرح وأمل خفي من انها ربما ستتخلص من هذا الشيء الذي طالما هددها به اقتربت من زوجها ورمته في كفه العريضة المعروقة.ولم يصدق سوادي أن حلمه تحقق أخيرا فصرخ بأعلى صوته(اسمعو..هذا الورورعزيز عَلَي كلش..مال جد جد جدي..وأبوي الله يرحمه خلا أمانه عدي ..يمكن صار له ميتين سنه.. ثلثميه..بس الله يدري..ومحد رامي بي كبل..وعله مود ابن أخوي حسوني..وبتي مريوم..راح أثور بي اليوم)قال ذلك وعدل عقاله فيما انتبه الجميع لهيبته وراحت العيون المندهشة تبحلق وتتفحص السلاح الاسطوري القديم وهو يقلبه بين كفيه ويلقمه الرصاصة الاولى.. رفع يده عاليا وضغط على الزناد، غير أن الرصاصة لم تنطلق،انما صدر صوت واهن من الفوهة مع خيط رفيع من الدخان(أنه أبو أسعيد)همس سوادي متأسفا نظر الى فوهة المسدس بعد ان لسعه قلف الرصاصة في معصمه.ألقم الرصاصة الثانية وأطلق صوتا رخيما(توكلنا على الله)وفوق رأس العروسين دوى انفجار هائل وانتشرت سحابة سوداء فوق الرؤوس، غطت الأجساد وغمرت الزقاق برمته بينما ساد الظلام للحظات.تشنجت الأفواه وتوقفت الزغاريد وعم صمت مطبق لم يسمع أحدهم أي نأمة سوى أزيزا حادا صم آذانهم ولم يتردد في ذلك الصمت المهيمن إلا صوت سوادي الجهور(سالمين..سالمين,,وين صرتو)كان الجميع قد انبطح أرضا من هول الانفجار دائخا من رائحة البارود التي ملأت خياشيمهم.لقد انفجر المسدس ولم يبق منه إلا القبضة الفضية التي لم يتخل عنها سوادي رغم الحروق التي أصابت يده. أما العريسان وبعد انجلاء الغيمة وبعد ان هرب من هرب وهو يسعل كان العريسين مغموران بالسخام من أخمص قدميهما حتى هامتيهما، إلا العيون التي كانت تنظر بفزع وتبحث عن الآخر.لقد تشظى السلاح القديم ولم يعثر على أي جزء منه إلا قبضته الفضية ولكن في اليوم الثاني عثر أحد صبيان المنطقة في الزقاق الثاني على سبطانة المسدس وهي مفلوقة الى نصفين وهكذا انتهت الزفة بذهاب العم سوادي الى مركز الشرطة للتحقيق معه أما العروسين فقد قضيا ليلتهم في المستشفى لمعالجة وازالة القروح التي سببها البارود بأجسادهم ومنذ ذلك اليوم اكتسى وجه حسن بسحنة قصديرية متآكلة، وفيما يتعلق بالسبطانة التي عثر عليها الصبي فقد وصلت الى بيت سوادي بأمان لكنها لم تقع بين يديه انما بيد زوجته التي قلبتها في راحتيها وهي تنعم النظر فيها طويلا وتغمغم (هو هذا اللي جنت تخوفني بي كل هاي السنين..ياسبيطه..هو اللي جنت اتسبطني بي ..آني الك ياسوادي)همست بذلك وخطت بضع خطوات وسط باحة الدار أزاحت غطاء البالوعة الصديء وألقت قطعة الحديد ثم أعادت الغطاء.بينما سوادي ظل يعاقر الدار لايخرج حتى من باب غرفته لأنه كان يطيل النظر الى مقبض المسدس الفضي وفي داخله يمور حزن لايوصف.
#ناصر_قوطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى جبار فرج
-
مفتاح
-
في رثاء الشاعر مهدي محمدعلي
-
قصة ( الوصايا الثلاث)
-
عِبرة
-
لي ولهم
-
قصة قصيرة
-
قصص قصيرة جدا
المزيد.....
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|