|
أسس تعلم التفلسف عند مجموعة مونبليي
أسامة الوليدي
الحوار المتمدن-العدد: 5170 - 2016 / 5 / 22 - 09:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أسس تعلم التفلسف عند مجموعة مونبليي تقديم : يتمحور عمل مجموعة مونبليي حول إشكالية أساسية تتمثل في المشاكل التي تطرحها العلاقة بين الخطاب الفلسفي وديداكتيك الفلسفة، بين قول الفيلسوف وقول مدرس الفلسفة، لذلك وضع طوزي فرضية ديداكتيكية للتفلسف قائمة على التمييز بين التعليم والتعلم تحدد ديداكتيك الفلسفة، وعلى امتدادها يجب التأمل في الوسائط الضرورية بين التفلسف الذاتي وتعليم وتعلم الفلسفة للآخرين. وعلى هذا الأساس يمكننا القول أن ميشيل توزي حاول أن يخرج الفلسفة من عزلتها وجعلها كباقي المواد الدراسية الأخرى هذا من جهة، ومن جهة ثانية كون الفلسفة لا يمكن أن تظل بمنأى عن التطورات التي عرفتها نظريات التربية، والتي انعكست على ديداكتيك المواد المدرسية الأخرى وأعادت النظر في استراتيجيات وتقنين تعليمها وأساليب تقييمها . لقد أدرك أعضاء مجموعة مونبلي أن ديداكتيك المواد المدرسية الأخرى حققت من الأهداف والكفايات والمهارات ما جعلها ترتقي بالتلميذ من مرحلة كان ينظر إليه على أنه مجرد وعاء تفرغ فيه المعلومات إلى تلميذ أصبح محور العملية التعليمية التعلميةّّ، أي أنه يبني معارفه ذاتياً. من هنا إنطلقت أعمال أعضاء المجموعة واتجهت صوب محاولة تأسيس بيداغوجيا للفلسفة انطلاقا من قناعات تقتضي ضرورة الانتقال في المجال التربوي التعليمي من الممارسات التربوية العفوية التلقائية، إلى الممارسات التربوية الواعية بذاتها المحسوبة والمنظمة، والتي تكون بفضل ذلك قابلة للنقل والتداول أكثر من الممارسات السابقة.( طوزي 1996)، هذا بالإضافة إلى العمل على تأسيس بيداغوجيا خاصة بالفلسفة كغيرها من المواد الأخرى، ثم الاعتماد على الملاحظات الوصفية (عمل الأستاذ، إنتاجات التلاميذ). حقاً إننا نلمس مع مجموعة مونبلي تجسيدا فعلياً لمقولة كانط الشهيرة:" لا يمكننا تعلم الفلسفة، بل يمكننا فقط تعلم التفلسف"، لأن درس الفلسفة بما هو مجال للحرية العقلية المتمثلة في التأمل النقدي، يقوم على التفلسف كعملية عقلية، نقدية، تساؤلية مستمرة. الغرض منها إزالة البداهة عن الأفكار المألوفة والأحكام المسبقة، والتخلص من هيمنة الحقائق المطلقة بإعادة النظر فيها وجعلها تتسم بالنسبية والقابلية للتجاوز. فالتفلسف إذن هو "المسار الذي نقطعه من بادئ الرأي (الدوكسا) إلى المعرفة (الإبستيمي)". كما أنه يعتمد على القدرات والإمكانات الذاتية للتفلسف باعتباره ذاتا مبادرة، فاعلة، منتجة، لها القدرة على التفكير الحر وإبداء الرأي وتحديد مسارها التعلمي وامتلاك سلطة تكوينها. هكذا يكون التلميذ قد أصبح مع مجموعة مونبليي هو مركز العملية التعليمية التعلمية. وبهذا المعنى يجد المتعلم نفسه –في إطار التعلم الذاتي-أمام وضعيات- مشكلة تتطلب منه إيجاد حلول لها اعتمادا على معارفه وإمكاناته وقدراته الفكرية وتجعله متورطا في البحث عن مخرج صنعه هو ولم يصنع له. مواجها لكل العوائق المتمثلة في المكتسبات المألوفة والأحكام المسبقة، موسعا لهامش مبادراته وفاعليته، وهذا ما يجعل تعلمه يتسم بالإيجابية. إن إقحام البعد البيداغوجي في الدرس الفلسفي الحالي، صار أمرا محتوما، نظرا لإكراه تقني فرضته عوامل متعددة، تتمثل بالأساس في تحول الفلسفة من نظام تدريسي نخبوي إلى نظام تدريسي جماهيري يتبعه التقويم أو الامتحان. الشيء الذي يستلزم إقامة تعاقد "ديمقراطي" بين التلميذ والأستاذ، وبين جميع الفاعلين في العملية التعليمية/التعلمية المتعلقة بالفلسفة، رغم المفارقة القائمة بين الفلسفة كمعرفة حرة والتفلسف كفعل حر من جهة، والإكراهات التقنية التي قد تحملها البيداغوجيا من جهة ثانية. ولعل هذا ما يؤكده فيليب ميريو الذي خلص من دراسته حول "علاقة الفلسفة بالبيداغوجيا" إلى الخلاصات التالية: 1 – ليس هناك من يستطيع إنكار ضرورة التمرين العقلاني على التفلسف بواسطة طرق ووسائل بيداغوجية. 2 – إن التلاميذ محتاجون للبيداغوجيا، وذلك للمضي بهم بعيدا في طريق التفلسف. 3 – يجب التعجيل بإخضاع الدرس الفلسفي إلى الهاجس البيداغوجي (مع مراعاة شروطه وطبيعته) إذ لا يكفي أن نقول ما سنعمل على القيام به، بل المهم هو أن نبدأ العمل، أو نحجم عن الكلام. 4 – إن الديداكتيك يجب أن يميز أو يعرف (ويتعلق الأمر بشروط التفلسف) بما يجب عليه أن يعمل على إحداثه (وهنا يتعلق الأمر بفعل التفلسف نفسه). وعليه، نستطيع الآن القول أن تعليم التفلسف عند مجموعة مونبليي لا ينفصل عن الهاجس البيداغوجي الذي أرق المشتغلين المعاصرين بديداكتيك الفلسفة، إذ أن القولة الكانطية السالفة الذكر لم تأخذ حقها الكافي من التطبيق إلا في خضم الصراع الذي دارت رحاه بين الديداكتيين خاصة منهم الفرنسيون.وهكذا عمل ميشيل توزي،كأحد أعضاء مجموعة مونبلي، على اعتماد بيداغوجيا خاصة بمادة الفلسفة، معتبراً أن بيداغوجيا المواد الأخرى جد محدودة، لذلك حاول تبني بيداغوجيا ذهنية خاصة بالفلسفة. لكن السؤال الذي يطرح في هذا المضمار هو كيف لهذه البيداغوجيا الذهنية أن تجد مكاناً لها داخل الحقل الفلسفي؟. كجوابا على هذه الإشكالية حدد ميشيل توزي رائد مجموعة مونبليي ثلاث قواعد نواتية وأسس فعل التفلسف تخترق كل برنامج وضرورية للإختيارات وتحظى بإجماع كل هيئة التدريس وهي كالآتي : 1. البناء المفاهيميLa conceptualisation: وذلك بتحديد معنى المفاهيم قصد الدرس ( الحق، الجمال، العقل، الحقيقة...إلخ). 2. الاستشكالLa problématisation : وهو القدرة على التساؤل فلسفيا حول المفاهيم وإدراك ما تنطوي عليه من مفارقات وتناقضات. 3. الحجاج L’argumentation : تقديم حجج وبراهين ومبررات تثبت وتدحض المواقف والأطروحات المجيبة عن الإشكال. لنستهل حديثنا هاهنا بالحديث عن المفهمة كعملية أساسية للتفكير الفلسفي: الــمـفـهـمـة: تعتبر المفهمة مرحلة أولى من مراحل التفكير الفلسفي التي يتم فيها بناء المفهوم (الموضوع) وإعطاؤه معنى انطلاقاً من الانتقال به من المستوى المتداول إلى المستوى الأكثر دقة وضبطاً وذلك بوضعه في محكات الدلالة اليومية واللغوية والفلسفية وباقي الحقول المعرفية الأخرى، خصوصا وأن المفهوم الفلسفي ليس مفهوما منعزلا قائما بذاته، بل إنه متعلق بغيره ضمن بنية شمولية تجعله يغتني من خطاب إلى آخر ويوسع نطاقه من مرحلة إلى أخرى، كما أنه يعد أيضاً "كائن" تاريخي ينشأ وينمو داخل خطاب فلسفي معين. وتبقى لحظة بناء المفهوم لحظة أساسية تمكن المتعلم من "التحرر الذهني والوجداني من عوائق البداهات المباشرة والأحكام المسبقة والآراء الوثوقية. و في هذا الصدد نستحضر موقف ميشيل توزي الذي أكد أنه لا وجود لتفكير فلسفي دون مفهمة المدلولات. التي يمكن مفهمتها حسب " ميشيل توزي"، إما بإنشاء معنى مفهومها بالإشتغال على اللغة، أو بأشكلتها انطلاقا من الطعن في تمثلاتها العفوية أو الإصطلاحية أو انطلاقا من إقامة علاقة استفهامية بينها وبين مدلولات أخرى أو ببناء مفهومها كأداة لتعقل الواقع انطلاقاً من مجالات تطبيقية. وعليه، يمكننا القول أن للمدلولات العلاقة الثلاثية التالية: - علاقة باللغة (لأنه يعبر عنه بكلمة تندمج في نسق التواصل). - علاقة بالفكر (لأن المدلول يحيل على فكرة أو مفهوم). - علاقة بالواقع (لأن ذلك المفهوم يعد موضوعا فكريا يستهدف العالم ). وفي السياق ذاته اقترح ميشيل توزي منهجاً مناسباً لعرض المفهوم تدريجيا سماه منهج الإستقراء الموجه بالتعاكس ، وهو إجراء بيداغوجي يتمركز أساساً حول النشاط العقلي للتلميذ. ولما كانت المفهمة نشاطاً عقلياً أو ذهنياً، فإنها من الطبيعي أن تختلف تصورها من فيلسوف لآخر، وهكذا نجد مثلاً جون ماريتان Jean Maritain يعتبر أن المفهوم هو "الشيء نفسه، والطبيعة المدركة بسهولة، والمتلقاة بواسطة الحواس، وبفضل التجريد، والموجهة من قبل الفكر إلى داخله، وإلى الدرجة القصوى من اللامادية". ويعرفه أيضاً فولكيي وسان جون Foulquié & Saint Jean بأنه ثمرة الإدراك أو التصور العقلي. الإستشكال: يكتسي الإستشكال أهمية قصوى في سيرورة التفكير الفلسفي عند مجموعة مونبليي، وذلك لكونها مرحلة أساسية تتمفصل عندها لحظتي المفهمة والحجاج، إنها مرحلة تسمح لنا بالوقوف على مختلف التقابلات والمفارقات التي تثيرها المفهمة، وموجه للبحث عن أطروحات ومواقف فلسفية تجعلنا ندخل في لحظة الحجاج. لكن السؤال الذي يفرض نفسه علينا الان هو ما المقصود بالاستشكال؟ بالنظر إلى التاريخ المديد للفلسفة نجد اختلافات شاسعة بين الفلاسفة والمفكرين في تحديد مفهوم الإشتسكال، ولما كان غرضنا في هذا البحث المتواضع هو تحديد أسس تعلم التفلسف عند مجموعة مونبليي، فإننا سنقف على تعريف جاكلين روس J. Russباعتباره من بين أبرز المهتمين المعاصرين بالمفاهيم الفلسفية، حيث اعتبر أن "الاستشكال هو الارتقاء في طرح الأسئلة المنظمة لنبلغ عمق المشكلة". و قد ميز بين ثلاثة نماذج من الاستشكال : 1- نموذج التبرير الإشكالي: نجعل الإثبات والبداهة والتمثل والتعريف أشياء قابلة للشك والطعن أي نضعها موضع تساؤل. 2- نموذج تفكيك المشكل: مساءلة السؤال نفسه والبحث عن ما وراءه من مشاكل فلسفية. 3- نموذج صياغة الإشكالية: تطرح فيه المشكلة بصيغة تعارضية، تبرز الخاصية الحوارية لفكر لا يبحث عن حلول نهائية بل عن أجوبة ممكنة. إلا أن ميشل توزي ومعه أعضاء مجموعة مونبلي يعتبرون أن الاستشكال ليس المقصود به هو تلك الأسئلة المنظمة التي توجه مسار البحث، بل يعتبر الأشكلة هي القدرة على المساءلة واكتشاف المشكلة الفلسفية انطلاقا من مدلول، وصياغة تلك المشكلة بشكل تناوبي. وفي نفس الوقت يعتبر ميشيل توزي أن القدرة الأولى تخص الكفاية واليقين، أما الثانية فتخص الجهل بالمسائل الفلسفية والمسائل غير الفلسفية، في حين أن القدرة الثالثة تتعلق بتجاهل وجهات النظر المخالفة لوجهات نظرنا أو مقاومة أخذ رأي مناقض حول نفس المسألة بعين الإعتبار. هذا ويخصص ميشيل توزي في كتابه " تعلم التفلسف في ثانويات اليوم Apprendre à philosopher dans les lycées d aujourd’hui "، فصلا بأكمله لمعالجة شروط السؤال الإشكالي قبل الإجابة عنه والتي حددها في التالي: 1- ضرورة استبعاد الآراء والأحكام المسبقة والعفوية. 2- واتخاذ مسافة إزاء المشكل أو السؤال المطروح من خلال خطوات منهجية منظمة تبدأ بإعداد السؤال والوقوف على مختلف مفاهيمه وعلى العلاقات المنطقية القائمة بينها، ودون إغفال "الكلمات الصغيرة" التي قد تؤثر بشكل أو بآخر على معنى السؤال كالظروف adverbes والنعوت adjectifs أو غيرها من الروابط. ومن أجل تسهيل الإجابة عن السؤال المطروح، وضع ميشيل توزي شروطاً حددها في : 1- تحديد الحقل الذي تثار فيه الإشكالية. 2- تحديد المشكل الفلسفي المثار من خلاله مع التركيز على طبيعة صياغة السؤال التي قد تعطينا فكرة عن طبيعة الجواب. 3- بعد إخضاع السؤال لكل هذه الإجراءات، يمكن الانتقال إلى البحث عن الجواب المناسب الذي يقتضي الأخذ بعين الاعتبار كل الممكنات من خلال تركيب يتجاوز ما قد يكون بها من تناقضات. كما أن السؤال ليس بالضرورة أن نجد له جوابا وذلك إما لمحدودية العقل وإما لتناقضات يستحيل دمجها في التركيب. حاصل القول إذن أن مسارات تعلم التفلسف كما حددتها مجموعة مونبليي تقوم على مبدأ التدرج وذلك بالبدء من البسيط إلى المعقد، أي من القدرة على مفهمة الموضوعات إلى القدرة على الأشكلة والمساءلة وصولا إلى المحاججة، وهذه المسارات تروم تحقيق الكفاية الفكرية التالية: تعلم التفكير الذاتي وتحقيق نوع من الاستقلالية والحرية الفكرية. الـحــجـــاج: إن الحجاج لا يكتسي قيمته إلا بحضور كل من المفهمة والأشكلة، ذلك أن الدفاع عن أطروحة ما والمحاججة عليها لا يتم إلا من خلال الإجابة على مشكل معين يحدد العلاقة بين مجموعة من المفاهيم. وهكذا فالمحاججة لا يمكن أن يكون لها معنى إلا في علاقتها بالإشكالية والإشكالية لا تكون ممكنة إلا بتحليل الموضوعات ومفهمتها. وعليه، يكون الحجاج هو عرض للأفكار وللأطروحات المجيبة عن المشكل المطروح، الأمر الذي يقتضي القيام بالمحاججة التي تعد خطاباً استدلالياً إقناعياً، هدفه التأثير على المخاطب وإقناعه بصواب أو بطلان موقف ما باعتماد مسوغات ومبررات وأدلة وحجج منطقية أو بلاغية. إن الحجاج بهذا الشكل يكتسي مكانة أرفع ضمن مقومات التفكير الفلسفي، فالفلسفة بدون حجاج لا يمكن أن تسير قيد أنملة، ذلك أنه عمودها الفقري الذي يعطي لمفاهيمها أبعادها وخيطها الناظم ويمنحها معنى، فالمفاهيم الفلسفية كما نعلم جميعاً هي مفاهيم تم توليدها، وبالتالي فهي بحاجة إلى الحجاج ليمنحها معنى ومدلول. وانطلاقاً من ذلك اعتبر أعضاء مجموعة مونبليي أن القدرة على الحجاج هي هدف مركزي لتعلم التفلسف وهي تحيلنا ضمنيا على نموذج فلسفي وديداكتيكي للحجاج الفلسفي. لكن السؤال الذي يضع نفسه أمامنا الآن هو أي نموذج للحجاج الفلسفي ؟. حسب مجموعة مونبلي،ليس هناك نموذج واحد للحجاج في الفلسفة، وهكذا يمكن لكل مدرس أن يبني ويختار مفهومه للحجاج الفلسفي ويصرح به للمتلقين أو يجعلهم يكتشفونه. إن المهم والأساسي هو أن نجيب على السؤال: ما هو المطلوب من المتلقين فيما يخص الحجاج الفلسفي؟ وفي هذا الإطار تقول مجموعة مونبلي الفرنسية: توزي وكاري وبونوا- يمكن تقديم الحد الأدنى الذي يجب أن تكون عليه الحجة على مستوى المعايير الصورية للحجاج: ـ ألا تناقض الحجة نفسها ـ أن تكون الحجة منسجمة مع الأطروحة المدافع عنها ـ أن تكون الحجة منسجمة مع حجج أخرى تدافع عن نفس الأطروحة. في الحجاج الفلسفي يتعين أن نعي العوائق التي تعترض المتلقين، وهكذا ينبغي العمل على: *إخراج المتلقي من وجهة نظره الخاصة بإزاحة خصوصيته الأمبريقية في اتجاه العقل الكوني. *جعل هذا المتلقي يعي أننا في الحجاج الفلسفي ننخرط في فضاء محبة الحكمة. *مساعدة ذلك المتلقي على إدراك وضع المثال في الفلسفة من حيث إن هذا الأخير لا قيمة له في الفلسفة إلا إذا كان موضوعا لتحليل نظري "فقد كان الإمبريقي عنصرا خارج الفكر الفلسفي على الدوام. لنأخذ كمثال على ذلك سقراط Socrate. لقد كان سقراط موضوع تفكير العديد من الفلاسفة، لكن سقراط في تفكير هؤلاء الفلاسفة ليس هو ما يدخل في تصور الإنسان بالرغم من كونه إنسانا، بل يمثل تجربة فلسفية فريدة داخل تاريخ الفلسفة. وما كان يهم أولئك الفلاسفة هو سقراط الفيلسوف الذي ارتبط في تجربة التفلسف بالموت، وهذا ما لا ينطبق على كل إنسان. سقراط ليس مجرد مثال داخل خطابات هؤلاء بل هو المثال بامتياز". ليس المثال إذن هو الواقع بل هو جزء من سلسلة برهانية داخل القول الفلسفي. فاستخدام المثال واستعماله يدخل ضمن عمليات العرض والإثبات والبرهنة (لنستحضر هنا مثال الشمع عند ديكارت، أو مثال الطفل وهو يلقي أحجارا داخل النهر ويتأمل حركتها عند هيجل Hegel وهو يتحدث عن الحاجة إلى الفن. *مساعدة المتلقي كذلك على إدراك كون: ـ التجربة الشخصية لا تأخذ معناها في الفلسفة إلا في شروط معينة من الكونية. ـ الإحالات والاستشهادات مثال لفكر فعلي.
حاصل القول إذن، هو أن هذا النموذج الفلسفي للحجاج الذي تقترحه ميشيل توزي مجموعة مونبلي هو ذلك النموذج الذي يقوم كل واحد ببناء مفهومه وتبليغه للتلاميذ، فيتم تبليغه بشكل واضح مما يجعل التلاميذ يكتشفون محمولات مفهومه. لكن السؤال الذي يضع نفسه أما منا الان هو كيف نجعل المتلقي يكتشف الحجاج الفلسفي؟. للإجابة عن هذا السؤال تقترح مجموعة مونبلي الفرنسية بعض المقتضيات نشير إلى بعضها : *إقامة الحجة فلسفيا: يتعلق الأمر هنا بجعل المتلقي يكتشف من خلال التناقضات بين الحجج الفلسفية والحجج غير الفلسفية في علاقتها مع النموذج الحجاجي للأستاذ، خصائص الحجاج الفلسفي ثم جعل هذا المفهوم –أي خصائص مفهوم الحجاج الفلسفي- إجرائيا بدفع المتلقي إلى تمييز ما إذا كانت هذه الحجة أو تلك فلسفية أم لا وعلى أن ينتج هو نفسه حججا فلسفية وغير فلسفية (قانونية أو إشهارية). *إقامة الحجة على الشك أو الشك في إثباتات ما بالانطلاق من رأي وإقامة الحجة على رفضه كأطروحة بهدف وضعه موضع سؤال. *الاشتغال على الحجج كمعارضة حجة بحجة من نفس الطبيعة أو من طبيعة مخالفة، كمعارضة حجة تقنية بحجة من طبيعة أخلاقية. *ضرورة الوعي بأهمية القياس، باعتباره يؤدي إلى صرامة الفكر: إذا كان… فإنه، وباعتباره يبين الضرورة في الاستنتاج. * المساهمة في تأسيس فكر مستقل انطلاقا من الوعي بكون: *الإحالة أو الاستشهاد تبقى توضيحا وليست أبدا حجة. *السيرورة الحوارية أساسية لأن التركيب ينبني على حجج متناقضة. * التخلص من الفكرة المتداولة عن الخطاب الفلسفي التي تعتبره خطابا منطقيا فقط وإعادة الاعتبار للبلاغة كمكون طبيعي ضمن ذلك الخطاب حقاً إن اكتساب التلاميذ للقدرات الثلاث التي حددتها مجموعة مونبليي كأسس لفعل التفلسف ( المفهمة، الأشكلة والحجاج)، معناه قدرتهم على الإمساك بالخيط المنهجي، ومعالجة الإنشاء الكتابي معالجة فلسفية وتجهيز الإمتحان وتعلم التفلسف بعيدا عن العوارض المدرسة. وانطلاقاً من ذلك تتبين لنا فعالية التفكير الذاتي القائم على المساءلة والنقد وحل الإشكالات بتقديم أطروحات أو دحضها اعتماداً على آليات حجاجية متنوعة، وهذا ما سيمكن المتعلم من بناء شخصيته وبالتالي تأهيله للانخراط في الحياة الاجتماعية والسياسية وهذه إحدى الغايات الأساسية التي تراهن عليها مجموعة مونبليي...
#أسامة_الوليدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة المرأة في الأمثال الشعبية
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|