|
أسئلة ودلالات لحكايات النزوح العراقي
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 5168 - 2016 / 5 / 20 - 21:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أسئلة ودلالات لحكايات النزوح العراقي
عبد الحسين شعبان
كشفت المنظمة الدوليّة للهجرة عن ارتفاع أعداد النازحين في العراق، إضافة إلى تردّي أحوالهم حيث بلغت في آخر مصفوفة (3.418.332 وهو ما يعادل 569.772 ألف أسرة) وهذه الأرقام تشمل الفترة من 1 يناير / كانون الثاني 2014 وحتى 31 مارس/ آذار 2016، وحسب إحصاءاتها فقد بيّنت أن 77% من النازحين هم من محافظتي الأنبار ونينوى (الموصل). وقد لوحظ مؤخّراً تدفّـقاً متكّرراً للنازحين من هيت خلال شهري مارس وأبريل (آذار ونيسان) 2016 بما يزيد عن 30 ألف نازح، وقبله نزوح من الفلوجة، التي ظلّت محاصرة، كما أن هناك نزوحاً من جنوب غرب مخمور (محافظة الموصل ـ نينوى) وذلك بسبب العمليات العسكرية وصعود نبرة الحديث عن المعركة الفاصلة المقبلة. إنّ عدم تحسّن الأوضاع الأمنية بصورة رئيسية يقف عائقاً أمام عودة النازحين، ناهيك عن أن مدنهم وقراهم ومنازلهم مهدّمة وتنعدم في بعضها أبسط مقوّمات الحياة، ففي مدينة الرمادي تم تدمير 80%، منها اعتماداً على سياسة "الأرض المحروقة" التي اتبعتها قوات التحالف الدولي. لقد شهدت أوضاع النازحين جدلاً سياسياً وإدارياً، سواء على المستوى العراقي أو على المستوى الدولي، خصوصاً بارتفاع أعدادهم ونفاذ الموارد الإغاثية، علماً بأن القسم الأكبر منهم غادر منزله، ولم يستطعْ أن يحمل ما يتمكّن من المستلزمات الأوليّة لإعانته، فما بالك وأن الجزء الأكبر من النازحين لم تكن لديه أية إمكانية ماديّة أصلاً، لهذا فإن الجميع كانوا بحاجة إلى دعم شامل في جميع المجالات الصحيّة والتعليمـيّة والخدمية والمعيشية والعمل والسكن وقبل كل شيء توفير الأمن. وحسب لقاءات مباشرة مع أعداد من النازحين الذين فرّوا إلى كردستان في أربيل، فإنهم لقوا دعماً من إدارة الإقليم وتضامناً من الأهالي، وهو ما حصل في مناطق أخرى من وسط وجنوب العراق بدرجات متفاوتة، في حين كانت بعض تصرفات الإدارة الحكومية غير مقبولة، الأمر الذي عاظم من معاناتهم، حيث احتجز بعضهم عند مشارف بغداد وبعض نقاط التّفتيش، بزعم عدم وجود كفيل ضامن لهم، و"حذراً" من تسلّل عناصر من داعش بين صفوفهم، وهم الهاربون أصلاً من ظلمها. مضى عامان على احتلال داعش للموصل وتمدّده إلى محافظات صلاح الدين والأنبار وأجزاء من محافظتي كركوك وديالى وبعض أطراف بغداد، إضافة إلى تداخلات مع محافظات أخرى، ومعاناة النازحين تكبر، وتزداد الحياة قسوة مع مرور الأيام، وإذا كان النازحون يؤمّلون أنفسهم بالعودة السريعة، فقد طالت مدّة النزوح وازدادت المعاناة، وخصوصاً للنساء والأطفال والشيوخ، واضطرّ بعضهم وخصوصاً الشباب للهجرة إلى الخارج، لفقدان الأمل وضياع المستقبل، وحتى الدول المانحة أوقفت مساعداتها للعراق في أغسطس (آب) 2015 نتيجة الفساد المستشري في المؤسسات العراقية، وهو ما جرى نقاش حوله بسبب الفضائح المتتالية التي تم كشفها مؤخراً، والتي عرفت بأوراق بنما، حول ملفات فساد وغسيل الأموال والتلاعب بالمبالغ المخصصة للنازحين، علماً بأن البرلمان الياباني وافق على تقديم دعم للنازحين مقداره 105 مليون دولار (أبريل / نيسان / 2016). جدير بالذكر أن المنظمة الدولية للهجرة IOM، التي تأسست في العام 1951 ولديها مكتب إقليمي في القاهرة منذ العام 1991 يغطّي نشاطها في 13 بلداً عربياً، هي من المنظمات الإنسانية الدولية التي تقوم بمهمة مساعدة النازحين واللاجئين، وكان قيامها إثر هروب أعداد من اللاجئين إلى غرب أوروبا من الدول الاشتراكية السابقة، حيث كانت قد أبرمت الاتفاقية الدولية لحقوق اللاجئين لعام 1951، والتي كانت مصمّمة للاجئي أوروبا الشرقية تحديداً، لكنها أخذت تشمل اللاجئين والنازحين في العالم، وخصوصاً بعد صدور ملحق لها العام 1967. يمكن القول إن هناك علاقة عضوية وطردية بين النزوح والتنمية، فكلّما عرف البلد نزوحاً بسبب الحروب أو النزاعات المسلّحة أو الاحترابات الأهلية أو انهيار سلطة القانون أو احتلال أو عدوان خارجي أو غير ذلك، فإن ما يقابله هو تعطّل عملية التنمية المستدامة، بمعناها الشامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والقانوني والتربوي والتعليمي والصحي والبيئي وغير ذلك، إضافة إلى تدهور حال حقوق الإنسان ومنظومته الشاملة، وهو الأمر الذي يعاني منه العراق منذ الاحتلال الأمريكي العام 2003 ولحد الآن. أربع مشكلات واجهها النازحون في العراق، من غير الجوانب السياسية وهي: أولها - إدارة النزوح، وخصوصاً التصرّف بالأموال التي تُمنح للنازحين داخلياً أو عبر المساعدة الخارجية، فغالباً ما تُصرف الموارد المخصصة لإغاثتهم على أعمال الإدارة، ناهيك عن الاتهامات بالتلاعب وعدم الأمانة، إضافة إلى البيروقراطية المستشرية. وثانيها - تيسير النزوح، وأعني به إمكانية توفير مساعدات إنسانية عاجلة مثل: السكن والصحة ووسائل العيش اليومي، إضافة إلى تهيئة المدارس الضرورية وفرص العمل، ونقل خدمات الموظفين من المناطق الأصلية إلى الأماكن المؤقتة، وغير ذلك. وثالثها - تنظيم النزوح، والمقصود بذلك وضع حلول ومعالجات لاعتبار كل ما هو طارىء مستمر، وكل ما هو مستمر طارىء، أي جعل حياة النازح أكثر إنسانية ومقبولية. ورابعها - معالجة الآثار النفسية والصحية والاجتماعية التي يسببها النزوح، خصوصاً انتشار أفكار التعصّب والتطرّف والثأر والانتقام، لا سيّما من تعرض منهم لاضطهاد داعش مباشرة، مثلما هن النازحات من النساء الإيزيديات، والمسيحيين، فلكل نازحة ونازح حكاية خاصّة، سيأتي اليوم الذي يتم التوقّف عندها، ومن يدري فقد تظهر أعمالاً إبداعية تعبّر عنها وتعكس حجم المأساة التي مرّ بها النازحون؟ وإذا كانت الدول والحكومات مسؤولة عن ضمان الوضع الإنساني للنازحين واللاجئين، فإن المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، هم كذلك مسؤولون عن حمايتهم وتوفير المستلزمات الأساسية لهم. ويحتاج الأمر إلى تعاون وطني وإقليمي ودولي لتأمين ذلك. ولا بدّ من رسم سياسات محلية وتشريعات ضامنة بخصوصهم، طبقاً لقواعد القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، كما يتطلّب مساهمة منظمات المجتمع المدني المحلية، لا سيّما في الجوانب ذات البُعد الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وبالتالي وضع خطط وطنية تسهم فيها الدولة والمجتمع لاحتضان النازحين وللتخفيف عن معاناتهم، وإعادتهم بأسرع ما يمكن إلى مناطقهم الأصلية وإعادة إعمارها وتعويضهم عمّا لحق بهم من غبن وأضرار. وأنا أكتب عن النازحين أستعيد الشاعر الكبير الجواهري، وكأنّه يخاطبنا بقوله: أمشرّدون وأرضهـــمْ ذهــــبٌ ومـجــوّعـون ونـبتها عَــممُ عن كلِّ ما يُقذي العُيون عَمى وعن الّذي يلدُ الصدى صمَمُ
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن فكرة الانتماء والهوية العراقية
-
استراتيجية واشنطن وأولويات بغداد
-
متى يعاد الاعتبار للسياسة عراقياً؟
-
العراق.. تدوير الزوايا ومعادلات القوة
-
الزبائنية وما في حكمها!!
-
العربي أبو سلطان -محمد الهباهبه-: حالم لم يفارقه حلمه
-
الماراثون العراقي والعودة إلى المربع الأول
-
اللحظة اليابانية.. ال«هُنا» و«الآن»
-
الفلوجة وسريالية السياسة العراقية
-
محمد السمّاك :الشاب الثمانيني الذي يسيل من يراعه عطر الفلسفة
-
«غوانتانامو» وتسييس العدالة
-
وليد جمعة : كان يشرب من دمه كأنه النبيذ!
-
«وثائق بنما» وتبييض الأموال
-
ثلاثة سيناريوهات محتملة في العراق - حوار مع جريدة الزوراء
-
اللاجئون السوريون وهواجس التوطين
-
الدولة العراقية معطّلة ومشلولة بسبب الطائفية السياسية وألغام
...
-
تمنيت على الحزب الشيوعي إدانة المحتل أو مقاومته أو الدعوة لس
...
-
مشروع التفكيك الجديد
-
جورج جبّور : بين كتابين !
-
إسرائيل عنصرية مقننة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|