أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نزار صباغ - دراسة عن واقع المرأة في مجتمعنا















المزيد.....



دراسة عن واقع المرأة في مجتمعنا


نزار صباغ

الحوار المتمدن-العدد: 1393 - 2005 / 12 / 8 - 11:00
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


لقد عانت المرأة بشكل عام في ظل جميع السلطات الدينية والمدنية ، ومنذ زمن طويل في كل مجتمعات العالم تقريبا تبعاً لمستوى الوعي الحضاري والمجتمعي فيها.... وما ساعد المرأة كثيراً في الوصول إلى حالة نسبية من المساواة هو النمو والتقدم مع مرور الزمن ، وصولاً إلى الكثير من التغيير في النظرة إلى المرأة ودورها ضمن المجتمعات التي نطلق عليها صفة المتقدمة ، مع ملاحظة أنها لا زالت تسعى للوصول إلى المساواة التامة مع الرجل باعتبارها مثله خليقة الله كما أنها تساهم معه في العمل والإنتاج وتطوير وتقدم المجتمع ، ويمكن القول إنه باستطاعتها الوصول إلى ذلك لأن التوافق مع مسيرة الزمن أمر طبيعي وملزم في المجتمعات المتقدمة .
تشكل المرأة في بلادنا نسبة عددية تكاد تزيد عن النصف ، لذلك فإن مشاركتها في الحراك الاجتماعي والسياسي يمكن أن تكون المعيار أو المقياس عن حالة المجتمع ، لأنه بمقدار ما تكون النظرة المجتمعية للمرأة حضارية ومتطورة – بالمعنى العملي – كلما كان المجتمع حضارياً ومتطوراً ، والعكس صحيح تماماً .. مع ملاحظة أن التطور الاجتماعي لا يرتبط بالثراء والرفاه الاقتصادي فقط بل بالغنى الفكري و الإبداع الفنّي والثقافي، إضافة إلى التطور في التقاليد والموروثات طرداً مع مسير الزمن والتطور في الحياة . وهذا للأسف غير محقق في مجتمعنا كما ينبغي وبخاصة ضمن البيئات المغلقة التي لا تزال تسيطر عليها مفاهيم وموروثات وتقاليد قديمة تعتبر وكأنها لازمة أبدية .
فمع مرور الزمن وما تبعه من تبديل وتغيير في كثير من المفاهيم والمعتقدات والعادات الاجتماعية , بسبب ظروف وعوامل مختلفة مع الفترة الطويلة من حكم المماليك والعثمانيين , فقد تغير في مجتمعنا العديد من المفاهيم والسلوكيات المتعلقة بالمجتمع والمرأة عموما , هبوطا نحو الجهل والتخلف , و أصبحت النظرة الاجتماعية للمرأة منذ حينه , كنظرة المجتمع الذكوري .


اعتقد أنه يمكن وضع المرأة في مجتمعنا ضمن الفئات التالية :

الأولى : وصلت بها الموروثات والمعرفة التي تلقنتها منذ الصغر إلى حد القناعة المطلقة وصولاً إلى ما يشبه حالة الإيمان ، بأن منزلتها في الحياة هي كما تشاء التقاليد والعادات باعتبارها أمراً مسلماً به .
لذلك فإنها ترفض وبصورة لا شعورية ، أي تغيير على حالة السلم الوهمية والقناعة الذاتية التي تعيش فيها ، وتقف مباشرة موقف الدفاع عن العادات بل وعن منزلة الرجل / الذكر وحقه المفروض عليها منذ الصغر.
وللمفارقة ، فإنها تقوم بتربية أبنائها من الجنسين بذات النهج والطريقة التي تربت عليها ، تساعدها في ذلك الثقافة المجتمعية عامة في البيئة التي تعيش ضمنها ، وبالنتيجة فإنها تعيش لا هم لها سوى السترة ولقمة العيش راضية بنفسها اعتبارها تابعاً .
يلاحظ أن هذه الفئة تنتشر بكثرة نسبياً ضمن الأحياء والتجمعات السكانية الفقيرة ، كما في المحيط الاجتماعي المنغلق فكراً وثقافة .
الثانية : تعرف أوجه الخطأ وتملك قدراً من الطموح لتحسين واقعها ، لكنها لا تستطيع القول أو التصرف إلا وفقاً لطبيعة البيئة المجتمعية التي تعيش ضمنها ، تحاول التحرك تبعاً لمستواها المعرفي والثقافي بأن تزرع في أولادها والإناث منهم خاصة ، حب العلم والتعلم أملاً في واقع مستقبلي مختلف جديد ، وبإحدى الطريقتين:
آ – مع زرع عامل الخوف من التقاليد والموروثات وإن بشكل غير مباشر- وذلك من خلال تصرفاتها ضمن المنزل ومجتمعها المحلي الصغير- ، أي دون صقل للشخصية أو تقويتها والاكتفاء بموقع السكون فقط دون اتخاذ المبادرات أو دون الانغماس ضمن أية حركة تطويرية في المجتمع .
ب – مع بث الثقة بالنفس والقدرة على التصرف ، لكن مع بعض المرونة والحذر من ردود الأفعال المجتمعية الناجمة عن التقاليد المنتشرة .
ونتيجة لذلك قد يتغير وضع بناتها إما إلى الفئة الثالثة أو يتراجع إلى الفئة الأولى ، أو أن يبقى كما كانت عليه الأم في حالة سكون وانتظار ( وهو الأغلب ضمن الواقع الحالي ).
ويلاحظ أن هذه الفئة تنتشر ضمن جميع طبقات المجتمع لكنها تظهر ضمن الطبقة المتوسطة بشكل أكثر نسبياً ، و ذات الثراء المادي ، والموجودتان ضمن المحيط الاجتماعي التقليدي ، كما أن أغلب النساء العاملات منها يعملن كموظفات بأعمال إدارية حكومية أكثر منها خاصة أو يعملن في قطاع التربية والتعليم كمدرسات- أي ضمن أسلوب عمل روتيني أو تلقيني - ، وتجدر الملاحظة بأن أغلبهن لم يتوظفن بدافع الرغبة في التفاعل والعطاء أو حب العمل بقدر الدافع المادي .
الثالثة : واعية ومثقفة ذات شخصية متفهمة ، قادرة على التفاعل والتصرف وتعلم أوجه الخطأ ، رافضة للموروثات والتقاليد المغلوطة ضمن المجتمع ، تحاول العمل وفقاً لثقافتها ومحيطها العائلي ومعارفها ، تشارك أحياناً ضمن أوجه الحراك الاجتماعي وتعيش في صراع هادئ تارة وصاخب تارة أخرى ، تدرك أنها غير قادرة على التأثير والتغيير الفوري فتحاول التأقلم مع الوضع وفقاً للبيئة التي تعيش فيها ، وكذلك لمركزها الاجتماعي أو العلمي . ويجعلها المجتمع في كثير من الأحيان كنموذج عن حال الأنثى عامة وبخاصة إن كانت ذات عمل اقتصادي حر ( غير موظفة ) ، فكل حركة أو تصرف أو نتيجة تنعكس على مجموع الإناث المنتجات ذوات الثقافة المنفتحة الواضحة والشخصية الاستقلالية الصريحة ، وإن بشكل غير معلن .
ويلاحظ أن هذه الفئة تنتشر ضمن الطبقة المتوسطة أو ذات الثراء المادي ، والموجودة ضمن البيئة المنفتحة ثقافة ومعرفة وذات الاحتكاك الثقافي المنوع ، ويمكن لها أن توجد ضمن البيئة العادية كاستثناء محدود .

فالموضوع إذن يتعلق بالثقافة الاجتماعية العامة أي بنظرة المجتمع إلى المرأة ونظرتها إلى نفسها ضمن المجتمع أساساً ، مع الأخذ بعين الاعتبار واقعياً بأن هاتين النظرتين في حال وجودهما ضمن محيط اجتماعي متجانس فكراً وثقافة ومعرفة يختلف - وبشكل قد يكون كبيراً أحياناً - ، عنه ضمن محيط اجتماعي منغلق . بل وقد تستطيعان التأثير على الغير من خلال الاحتكاك وإن نسبياً وذلك تبعاً لشخصية المرأة الخاصة .

ويمكن تحديد أهم المعوقات الاجتماعية التي تقف أمام مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية عامة لا السياسية فقط ، حسب ما سيرد ، مع التأكيد على ترابط البنود كافة لعلاقتها المباشرة أو غير المباشرة في موضوع الدراسة وعدم إمكانية تجاوز أحداها :
أولاً : سيطرة العديد من التقاليد الاجتماعية الخاطئة والتي لم تعد توافق الزمان وتطور الحياة ، والناجمة أساساً عن الموروثات والمفاهيم الاجتماعية المغلوطة والتي كانت متوافقة مع الحالة العامة ضمن زمان ٍ ماض ٍ معين ، والتي اعتبرت خطأ ً أنها الأصلح للحياة من خلال تكريسها كأسلوب حياتي يومي ، ومنها على سبيل المثال :
آ – أحقية الرجل بالسيطرة والقيادة. وبعض المفاهيم الدينية بعد فصلها عن سياقها ومسبباتها . ( كتعدد الزوجات مثلاً والمتعلقة والمرتبطة تماماً برعاية وكفالة اليتامى - التي وردت قبل - إضافة إلى الشرط المتعلق بها ألا وهو العدل والذي ليس بالمال والجنس بل بالود والحب أساساً كما لليتامى . وكالتفاسير الواردة حول " نشوز" الزوجات ، وكالمفهوم الخاطئ للقوامة ) .
ب – المفهوم الخاطئ للشرف في المجتمع عامة ، وانسجام القوانين المدنية معه كما الأسباب التخفيفية لما يسمى جرائم الشرف ، مما يعطي الرجل الحق بإحكام السيطرة وفقا لمفهومه الخاص عن الشرف .
ج – المفهوم الخاطئ عن الحجاب وأسبابه ونتائجه وارتباطه زوراً بالأخلاق والشرف ، كما اعتباره من ضمن الفرائض الدينية .
د - تزويج الفتاة قبل انتهائها من دراستها الجامعية وحتى ما قبل ذلك (خلال مراحل الدراسة العادية) .
هـ - التعامل بالمبدأ القائل بأن تكريم المرأة هو عدم إقحامها وإتعابها في شؤون وشجون الحياة اليومية .
و - الاستمرار في التعامل بمبدأ الحلال والحرام ، والتصرف في الكثير من الأمور الحياتية ، بموجب توجيهات رجال الدين لا بالمحاكمة العقلية ( وبالمناسبة لا يزال البعض وحتى الآن يرفض إدخال التلفاز إلى منزل الأسرة ) . إضافة إلى الانتشار الواسع لحلقات التعليم الديني دون النظر إلى المستوى الثقافي والمعرفي لدى من يقوم بالتدريس وبخاصة تجاه ما يتم توجيهه من أسئلة مختلفة اتجاهاً ومستوى .
ز - المفهوم الخاطئ بأن الفتاة الطموحة العاملة ذات الشخصية القوية والمتحررة ، خارجة عن الأخلاق ، كما توصم أحياناً بالسلعة التي تباع وتشترى ، هذا وإن كان عملها وعموم تصرفاتها لا تخرج عن نطاق الأخلاق والآداب العامة .
ح - العمل بمبدأ فصل الذكور عن الإناث في المجتمع ، بل وحتى ضمن بعض الأسر الواحدة خلال المناسبات الاجتماعية العادية ( عقد القران ، الاجتماعات العائلية ....) تحت عنوان وهمي عريض بأن الاختلاط من الموبقات والمحرمات .
ثانياً التمييز ما بين الحضارتين ، الشرقية من جانب باعتبارها مهبطاً للديانات السماوية وأرض الحضارة العالمية وموضع الأخلاق والإنسانية ( مع تضييق مفهومها الجغرافي إلى البلاد العربية فقط ) ، والحضارة الغربية المادية الاستهلاكية اللاأخلاقية الملحدة الهادفة للسيطرة على العالم من الجانب الآخر . الأمر الذي يؤدي إلى ترسيخ الموروثات الاجتماعية الخاطئة (التي وردت ضمن الفقرة أولاً ) بصورة لا شعورية ، وبخاصة أنها تتلاقى وتنسجم مع المفهومين المغلوطين للأخلاق والشرف المنتشرين ضمن غالبية مجتمعنا .
ثالثاً : الهبوط في مستوى الوعي الاجتماعي عامة والابتعاد عن الاهتمام بالشأن العام مقابل الاتجاه نحو التأكيد على دور الانتماء العشائري والطائفي ، والذي نجم عن أسباب متعددة ، منها :
آ - تقليص دور النوادي والجمعيات الأهلية العاملة ضمن المجتمع والاقتصار على الخيرية منها ، الأمر الذي حدّ بشكل كبير من الحراك والتعامل الاجتماعي السليمين وتحول طابع أغلب الجمعيات الخيرية إلى شبه طائفي مع تحكم الأساليب الإدارية المترهلة والمتخلفة في عمل بعض الجمعيات والنوادي الاجتماعية والضعف في انتساب دماء جديدة شابة إليها .
ب - ضعف دور وأداء الكثير من النقابات والتنظيمات الشعبية وخروجها عن الغاية الأساسية منها وصولاً إلى ارتباطها بشكل شبه كامل مع الأجهزة التنفيذية والتوجهات السياسية .
ج - تراجع دور مديريات الثقافة عامة ، واقتصارها في عملها على المحاضرات والندوات السياسية والأدبية وعلى المشاركة في بعض المناسبات الرسمية والعامة ( اليوم العالمي للبيئة – معارض الكتاب – مهرجانات مسرحية ..) ومن دون اتخاذ المبادرات لأية نشاطات ثقافية اجتماعية تفاعلية ، مع اقتصارها في الإعلام والإعلان عن نشاطاتها بطرق روتينية عادية ، كما الضعف الشديد والمعدوم أحياناً حول الاهتمام بالشرائح المجتمعية كافة .
إضافة إلى السكون فيما يتعلق بالنشاط السينمائي وبالتالي تغييب تأثيره المباشر في حركة المجتمع .
د - الضعف والتراجع في الاهتمام بالكتاب والقراءة العامة ( آداب – علوم – ثقافة عامة ..) واقتصاره غالباً على الكتب التاريخية والتراثية الدينية التي تأتي في المرتبة الأولى من الكتب الأكثر مبيعاً .
كما ضعف الاهتمام فيما يسمى أدب الأطفال والكتب الموجهة إلى الطفل عامة ، حيث من الملاحظ أن غالبيتها تحمل الكثير من التوجه الديني والمفاهيم الدينية .
هـ - الضعف في الحراك السياسي الداخلي بشكل عام واقتصاره على حزب وحيد فقط توافقاً مع التراجع في أداء أغلبية الأحزاب الأخرى خلال العقود المنصرمة ، واقتصار أغلبية منتسبيها على الشريحة العمرية المتقدمة ، إضافة إلى اقتصار اهتمام غالبيتها على الشؤون القومية دون العمل أو التركيز جدياً على أسس أو تحقيق النهضة الاجتماعية ،لأسباب كثيرة معروفة .
رابعاً : الضعف في تأثير القطاع التربوي التدريسي على المجتمع :
• مرحلة التعليم ما قبل الجامعي :
1 - لقد تسببت طريقة التوافق المرحلي مع المفاهيم الاجتماعية السائدة ، من تكريسها وتحكمها وفرض هيمنتها وأسلوبها ضمن هذا القطاع المسؤول الأساس عن نشأة الأجيال القادمة نشأة علمية كأساس في تقدم ونهضة المجتمع ، وذلك من خلال :
آ - الفصل بين الجنسين : حيث تم اعتماده خلال مرحلة التعليم الثانوي في المدارس الحكومية الرسمية وصولاً إلى بعض المدارس الخاصة ، كما تم تطبيقه في المستوى الثاني من مرحلة التعليم الأساسي بل وما قبل (الصف السادس) ، استجابة للمناداة بذلك من غالبية الشرائح المجتمعية دون دراسة الأسباب بشكل صريح وواقعي ومعالجتها ، الأمر الذي أدى إلى اشتداد المطالبة بالفصل بدءاً من الصف الخامس ( بل وما قبل إن كان ذلك مستطاعاً ) رغم التراجع والفوضى الناجمة عن ذلك .
وللأسف ، فإن الفصل يتم واقعياً في الكثير من مدارس المرحلة الأساسية من خلال حاجز وهمي نصفي يفصل بين التلاميذ ، وللأسف أيضاً تتم الموافقة على العمل بمبدأ الفصل في بعض المدارس الخاصة وبشكل تام ، إضافة إلى غض النظر عن تطبيقه في الكثير من المعاهد الذي يفترض أن تقوم بتدريس المناهج العلمية .
من المهم التنويه إلى أنه ما من مجال للقبول بحجة وجود مدارس خاصة بالفتيات في الدول الغربية ذلك لاختلافها الجذري فيما يتعلق بالأسباب والغايات والأهداف إضافة إلى المناهج وطرائق التدريس .
ب – التعليم الديني : حيث يتم الفصل بين الطلاب وفقاً للمعيار الديني إضافة للفصل بينهم وفقاً للمعيار الجنسي .
2 - الاعتماد في الكثير من المناهج التعليمية والأساليب التدريسية على التلقين والحفظ كما كانت أساليب وطرائق التعليم القديمة ، دون اعتبار جميع المتغيرات العلمية والاجتماعية سوى في تحديث بعض المناهج مسايرة لبعض متطلبات الواقع ، مع عدم الأخذ بمعايير جديدة علمية محددة يتوجب توافرها بمن يقوم بعملية التحديث ومقارنة المناهج الجديدة مع المتطلبات الواقعية والمستقبلية والمتغيرات العلمية والاجتماعية .
3 - المعايير التي كان يعمل بها ، والتي يفترض أنها تغيرت ، والمتعلقة في اختيار الكوادر الإدارية لمديرية التربية وللمدارس الحكومية الرسمية ، وكيفية عملها ، والتي تسببت بحالة من الشلل في الدراسات الاجتماعية والنفسية في المدارس وصلاً إلى القيام بالأعمال الروتينية فقط دون الاهتمام بمدى التأثير الذي يمكن أن يحمله الواقع – بما هو عليه حينها – تجاه المستقبل ، الأمر الذي تسبب بحالة عامة من الترهل واللامبالاة تجاه أية وقائع أو اقتراحات رغم وجود استثناءات محدودة من بعض الغيورين والمهتمين .
كما أنها قد تسببت في الإهمال نسبياً بمعالجة الحالات الكثيرة من التراخي ، والاعتماد على الروتين والبيروقراطية في الشؤون الإدارية والتنظيمية ، ذلك في معالجة الكثافة الصفية والحالات النفسية للعديد من التلاميذ ( مشاغبة – تسرب ...) .
4 - كان للاقتصار على جهة وحيدة محددة في الحراك السياسي في المدارس رد فعل عكسي من الأغلبية الاجتماعية تجاه منظمتي الطلائع والشبيبة ، واقتصر التفاعل مع الأولى على شرائح مجتمعية محددة والبعض من المثقفين ذوي الاهتمام بمواهب أطفالهم ، كما اقتصر العمل مع الثانية على كمّ محدود نسبياً يشمل ضمنه ما هو مقتنع فعلياً بالأهداف . هذا الاقتصار تسبب بانحياز الأغلبية المجتمعية نحو التقاليد والموروثات الأمر الذي أفقد المنظمتان المذكورتان مقداراً كبيراً من نتائج الغاية من تأسيسهما كحركتان تنظيميتان تسعيان إلى التطوير في المجتمع إضافة إلى غايتهما السياسية .
5 - التركيز على منهاج التربية القومية والاشتراكية بشكل أساس والضعف في التركيز على الأسس المتعلقة بالوطن والمواطنة والتطور في المجتمع بشكل عام .
جميع ما سبق ذكره ، أدى إلى الخروج عن الغرض الأساس الواجب من التعليم الإلزامي ، كما أدى إلى تغلب وترسيخ الكثير من التقاليد والمفاهيم الاجتماعية الخاطئة ، وإلى تكريس حالة من الفصل والتمييز بين الأنثى والذكر / المرأة والرجل ، وإلى حالة من تكريس الفصل والاختلاف بين الثقافات ضمن المجتمع الواحد ، كطريقة حياتية عامة يمكن زيادتها أو نقصانها تبعاً للبيئة المحلية و المحيط الاجتماعي وللمستوى الثقافي ولدرجة الوعي عند الأهل .
كما تسبب بحصول فجوة كبيرة ما بين الحياة المدرسية والحياة الجامعية .
• مرحلة التعليم الجامعي :
يصطدم الطلاب عموماً بواقع جديد مختلف عما كانوا يعيشونه سابقاً ، وبشكل نسبي وفقاً للبيئة المحلية والمحيط الاجتماعي لكل منهم ، وتتفاوت بذلك ردود الفعل من كلا الطرفين بحيث تأخذ الطالبة عموماً موقف الدفاع بطريقة تتناسب مع شخصيتها وتأثرها بنوعية علاقتها مع أهلها ومحيطها الاجتماعي ، ذلك نظراً لتغلب المفاهيم الخاطئة عن النظرة للمرأة /الأنثى عموماً .
يظهر ذلك بوضوح تام في السنة الأولى من الدراسة الجامعية من خلال الاصطفاف في المدرجات إلى التردد أو الإحجام عن المشاركة في النشاطات ، وما بينهما ، ثم تتعمق هذه الحالة خلال سني الدراسة بحيث تتغلب النظرة الجنسية من قبل الطلبة الذكور القادمين من المحيط الاجتماعي المنغلق وإن نسبياً، وبخاصة ضمن الكليات النظرية ، مما يؤثر على مفهوم علاقة الزمالة والصداقة بين الطلبة وإلى تعميق حالة الدفاع من قبل الطالبات إلا من البعض منهن وفقاً للشخصية ولمستوى الوعي الثقافي ، كما أن الضعف في تأثير المنظمات الطلابية – للأسباب المذكورة سابقاً – يساعد سلباً في هذا الموضوع .
وبالنتيجة ، فإن مرحلة التعليم الجامعي لم تؤثر واقعياً كما هو مطلوب منها بشكل عام ، نظراً للتراكمات النفسية والاجتماعية الموجودة مسبقاً لدى المجموع ، واقتصر بعض تأثيرها ضمن الكليات العلمية المتخصصة.
يبقى العامل الأساس في تكوين الشخصية وصقلها والتخلص من المفاهيم والرواسب الخاطئة لدى الطلاب في المرحلة الجامعية عموماً ، رهناً بالتربية المنزلية والمدرسية ، أي بدرجة الوعي لدى الأهل ومدى التأثر بالبيئة المحلية والمحيط الاجتماعي .
يجدر التنويه إلى أن ما ذكر يتعلق بالجامعات الحكومية فقط دون التطرق إلى الجامعات الخاصة .
خامساً : الضعف في تأثير وسائل الإعلام والإعلان :
لأسباب كثيرة ، لا وجود لتأثير يذكر لوسائل الإعلام الرسمية الحكومية من مكتوبة ومسموعة ومرئية وبخاصة فيما يتعلق بموضوع الدراسة إلا من قبل البعض من المهتمين .
كما لم يكن هناك من اهتمام بذات الموضوع ضمن وسائل الإعلان ولم يتم الإعداد لحملات إعلانية مركزة تتعلق بالأمر .
وما أثر سلباً هو التركيز على الناحية الجمالية في المرأة عامة للتأثير في عمليات التسويق الإعلانية الدعائية ، بحيث ازداد النظر إلى المرأة وبصورة لا شعورية ومن قبل الأغلبية الذكورية ، باعتبارها كأداة للإغراء والمتعة من جانب ، وأن استقلاليتها ضارة بالمجتمع من جانب آخر. مهملين بذلك تماماً جميع الأصوات النسائية التي ترفض هذه الأنواع من الأساليب الدعائية ، ومنسجمين مع رغباتهم الدفينة ومتعتهم النظرية .
سادساً : الغزو الثقافي التلفازي :
من الملاحظ درجة الازدياد في الأقنية التلفازية الفضائية المتخصصة بالشؤون الدينية من جانب ، وبما يطلق عليه تعبير "الأغاني الشبابية" من الجانب الآخر ، وفيما يتعلق بموضوع الدراسة فإن كلاهما تحملان كماً كبيراً من التجهيل الثقافي والفكري رغم وقوعهما في طرفين متقابلين ( قد لا يكونا متعاكسا الاتجاه) ، ما يلفت النظر أن كلا الاتجاهان مرغوبان نسبياً من الأجيال الشابة لكن الدينية منها مرغوبة بشكل أكبر من الشرائح العمرية المتقدمة.
وتشير الدراسات الاجتماعية المنشورة وإن ضمن دول أخرى ، وبوضوح تام ، إلى حجم التأثير السلبي الكبير لهذه الأقنية – الدينية والشبابية - على المجموع العام وعلى الأجيال الشابة بشكل خاص .
سابعاً : الاحتكاك الخارجي :
يلاحظ أن الاحتكاك مع الثقافات الخارجية ضئيل جداً ويمكن إطلاق صفة المفقود عليه نظراً للنظرة العامة نحو الغرب كما سبق ذكره ، لكن ما يتعلق منه بالعربية فهو على ازدياد وبخاصة مع دول الخليج العربي بما يحمله مواطنوها من معارف وعادات ومفاهيم ، والتي يلاحظ تماماً مدى تغلغلها ضمن مجتمعنا .
ثامناً : الارتفاع في مؤشرات الكمون الاجتماعي :
يلاحظ تزايد معدلات الفقر والبطالة ، ونسبة الأمية ، ترافقا ً مع الازدياد في معدلات التكاثر السنوي في أعداد السكان ، إضافة إلى التكاثر في الهجرة نحو المدن . مما يؤدي بالنتيجة إلى الازدياد هبوطاً في معدلات التنمية عامة والازدياد في تحكم الموروثات من المفاهيم المغلوطة .
تاسعاً : ردود الأفعال عن الأوضاع والمستجدات ، والازدياد في نسب الفقر والبطالة والفساد والهوة المتصاعدة في المجتمع بين الغنى والفقر مع الاضمحلال التدريجي في الطبقة الوسطى ، أدى ولا يزال إلى حالة من الإحباط والهروب من الواقع نحو الغيبيات مما يزيد من سيطرة المفاهيم الاجتماعية الخاطئة .
عاشراً : قد يكون لهجرة الأدمغة والعقول أو بقائها في الخارج ، أثر سلبي كبير في البلاد عامة فيما يتعلق بموضوع الدراسة . كما قد يكون لضعف الاستثمارات الخارجية ( الأجنبية و السوريين المغتربين ) ذات التأثير .
يتبين مما سبق بأن القوانين الحالية وحدها لا تكفي , ولا يمكن اتخاذها أساساً لتغيير وتطوير العديد من المعتقدات والمفاهيم والممارسات الخاطئة المتوارثة منذ أجيال , ما ينبغي الوصول إليه وتحقيقه في الدرجة الأولى , هو المعرفة ونشر الوعي على نطاق واسع وضمن جميع الشرائح المجتمعية .
ومن المعروف أن المجتمعات المتخلفة تزداد تخلفاً مع مرور الزمن بشكل عام , ذلك لأن التخلف والجهل يتوارث عملياً .... وكذلك تتوارث الرغبة في التغيير والتطوير وبخاصة من قبل المرأة/الأم ،قبل أن يتم اكتسابهما معرفياً, ولذلك فإن الكثير من الجهود العملية والنفقات المالية تبذل من قبل العديد من المنظمات والمؤسسات الأهلية أو الحكومية على مستوى العالم , وتتركز مباشرة على المرأة الأم لتثقيفها وتعليمها وتطوير قدراتها العلمية والعملية نسبياً نحو الأفضل, ذلك توافقا مع رغبتها بالنهوض بمستوى أبنائها , ودفعهم للحصول على حياة أفضل .

كما يتضح تماماً أن رفع كفاءة المرأة وتعزيز دورها يعتبر خطوة جادة في الحراك والنهوض الاجتماعي والسياسي السليم ، ولا يمكن له أن يتحقق دون مشاركة الجهات الحكومية والجهات غير الحكومية في عملية التخطيط والتنفيذ للوصول إلى نشر الوعي الاجتماعي ، وفي السياسات الداعمة لمشاركة المرأة..... وبمعنى آخر فأنه لا يمكن النجاح في الأمر دون حرية للعمل ضمن المجتمع لجميع القوى سواء للأحزاب أم للجمعيات الأهلية الاجتماعية عامة ولمنظمات المجتمع وللنقابات من غير أي تمييز لأحد على آخر ، تنفيذاً لخطة وطنية متكاملة مدروسة ومعدة من قبل الجميع... ترافقاً مع تحديث مناهج وأساليب التعليم بشكل جذري والتركيز على تعميق ثقافة الانتماء الوطني بمعناه الصحيح ، ومع إيلاء الإعلام اهتماماً كبيراً متواصلاً ، والعمل بشكل جاد في الحد من التزايد السكاني والهجرة من الريف إلى المدينة وصولاً إلى حالة من الاستقرار المتوازن بينهما ، مع الازدياد في السياسات الاقتصادية الهادفة إلى التشغيل وزيادة الاستثمارات وصولاً إلى توقف الازدياد في ارتفاع نسب الفقر والبطالة ، كمرحلة أولى مبدئية تتبعها مرحلة الإنقاص منها توافقاً مع الإنقاص من نسب التكاثر .
إن ما سبق ذكره في هذه الدراسة من معوقات وواقع اجتماعي ، لا يتعلق بالمرأة وحدها فقط بقدر ما يتعلق ويرتبط بحالة المجتمع عامة ، لذلك لا يمكن الفصل في هذا الأمر إلى موضوعين مستقلين ، كما لا يمكن الوصول للأهداف إلا بإحداث التأثير الضروري اللازم في المجتمع الأمر الذي يمكن تحقيقه من خلال العمل المشترك . مع الأخذ بعين الاعتبار إلى أن الزمن عامل مهم جداً يتوجب استغلاله بصورة سريعة من خلال البدء بالاشتراك في الإعداد لخطة وطنية شاملة متكاملة تأخذ في حسبانها جميع النواحي من مادية ونفسية وزمنية .

أود التنويه نهاية إلى أن ما ورد آنفا كان بمثابة دراسة مختصرة ومركزة استناداً إلى الواقع بكل ما فيه .


نـــزار صبـــاغ



#نزار_صباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول ...
- اتهامات بغسيل رياضي وتمييز ضد النساء تطارد طموحات السعودية
- جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر … ...
- دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
- السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و ...
- دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف ...
- كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نزار صباغ - دراسة عن واقع المرأة في مجتمعنا