أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عليا محمدعلي - ذاكرة موقوتة














المزيد.....

ذاكرة موقوتة


عليا محمدعلي

الحوار المتمدن-العدد: 5166 - 2016 / 5 / 18 - 19:33
المحور: الادب والفن
    


ذاكرة موقوتة .
......................
حاولت فهم تلك النظرة الجامدة المنطلقة كسهمٍ أخرس أو على الأقل حاولت التواصل معها ،
نظرة من يتوسل شيئاً ،ويستجمع كل رغباته , هكذا فسرتها !
كانت لسيدة جميلة الملامح تنام بهدوء محتضنةً مقود السيارة تنظر إلي بعين واحدة مفتوحة والأخرى شبه مغلقة ، حاولت مغادرة السيارة المفتوحة الأبواب، حاول شاب إعانتي للخروج منها، أما الآخر فقد قرأت في وجهه ويديه ملامح الارتباك وهو يتصنع القوة لمواجهة الموقف ، انتبهت.... إنهما يحاولان إنقاذي من أتون حريق شبٌ بعد انفجار رهيب لسيارةٍ مفخخة قادتني أقداري لأكون في قائمة جرحاها ! وهذا ما فهمته لاحقاً ، مددوني على الرصيف وكتفاي يستندان الى جدار ووجهي تلسعه برودة لاتتفق مع حرارة الموقف ، أتحسس أذني في محاولة عقيمة لفهم الصمت الذي يملأ المكان ، فوجدتني ببساطة ، لا أسمع !
يدي تعود غارقةً بالدم ، فمي وأنفي يسيلان، وبقدمي اليمنى فردة من
حذائي ، كفيلم صامت تدور الأحداث حولي محاولة التذّكر ما الذي أتى بي الى هذا المكان !؟ فلا أتذكّر ..
ربما كان كابوساً من كوابيسي النهارية المعتادة في بلد يحترق كل يوم ، حاولت أن أتذكر من أنا وما كل هذه الدراما الغامضة التي تحيط بي ، لم أتذكّر !
الكون أحمر وأسود ولا ألوان أخرى حين يحلّ الموت ضيفاً ثقيلاّ يتكأ الخراب عليه لتكتمل هيبته .
أغادر لمواجهة أقداري في سيارة أسعاف حديثة ، فأجد نفسي ممددة على طاولة وينمو من ذراعي كغصن ، أنبوب يجري فيه سائل أحمر ، لا أتذكر تماماً كم فقدت وعيي وكم من الوقت مرّ ولا أحدٌ يعرف ما بي وهل هناك في الحقيقة من يهتم لفقداني ، فقدان الذاكرة المؤقت كان رحمة من الله بي ، كنت لأموت لو كنت أمتلك ذاكرتي .
فكرت فوراً بفقدان حقيبتي وهاتفي وبقلق أهلي ومعارفي ، أستعيد شيئاً من قدرتي على السمع بأذن واحدة كانت تكفي لأفهم صوت الممرضة قائلاً :
ــ حمداً لله على سلامتك .
أحاول الأجابة ، فتخرج الكلمات متعسرّة كأنني ألدُ الصوت لا أنطقه !
أخبرتني بأن الطبيب مسرور لعودتي الى الحياة بعد أن توقف قلبي لثلاثين ثانية ، وأن هذه هي عملية نقل الدم الثانية بعد أن تسرب كل الدم الذي منحوني أياه إلى تجويف بطني بسبب النزف الداخلي ، أحاول استيعاب ما تقول في ظل ذاكرة مشوشة أستعيد بعضها بين لحظة وأخرى عندما يترفق ذلك البنج الثقيل بجسدي المُخدّر.
ــ كان الطبيب الذي رتق الجرح في معدتك ماهراً ، من حسن حظك كانت نوبته هذا الصباح ، هذا ما قالته الممرضة .
ــ نصف ابتسامة تعلو شفتي ولا صوت سوى همهمة متوجعة.
وأردفت قائلة :
ــ حين كنت معه في صالة العمليات قال عنكِ : يبدو أن الحياة تحبها بما يكفي لتعيدها إلى أحضانها مرة أخرى ، فالكثيرون ماتوا وباتوا أرقاماً منسّية في سجلات مشفى الطوارىء بإصاباتٍ أقل بكثير من هذه !
لا أدري كيف سيتسنى لي تقديم الشكر لهذا الطبيب الذي ترى عينيه موت البعض وتكون يديه سببا في نجاة البعض الآخر، والذي يقدم دون قصد لكوكب العراق توازناً معقولاً عادلاً لتوزيع الفرح والحزن !!
لاااا قدرة لي على تحسس موضع الألم الذي بدأ يشتد حين عدت إلى وعيي في محاولة فاشلة لمعرفة ما الذي يؤلمني تحديدا !
بين فينةٍ وأخرى أسمع صيحات وجع من الصالة المجاورة المكتظة بالجرحى، ورأسي يحاول استعادة ذهني ، ولا أتذكر إلا نظرة السيدة النائمة على مقود السيارة ذات النظرة المتوسلة ، يمر الوقت... ورويداً رويداً بدأت أشعر بالعطش والجوع، يبدو أنني بقيت دون طعام أو ماء لفترة طويلة .
فجأة سمعت صوتاً يهتف بفرح : هاهي هااااهي وجدناها ، وجدتني أبكي كمأذنةٍ منهارة وأنشجُ كمزاريب السياب ، هي جارتي تذكرتها ، انقضت عليّ الذكريات متدفقة كطوفان ، أنا عاطفة وهذه جارتي بسمة التي شربت معها قهوة الصباح قبل مغادرتي ...
وتعود لتنقض علي ذاكرتي الوليدة نظرة التوسّل في البؤبؤ المتسع ، اااااه ياااا إلهي تذكرت تذكررررت ، كانت النظرة المتوسلة لسيدة الهول ، تتوسلني العناية بأولادها وهي تموت ، يااا إلهي كانت نصف روحي وقلب الذاكرة ، أصرخ وأصرخ ، كانت ... صديقتي !
صديقتي التي كانت تردد دائما كنبوءة :
ــ عاطفة ، لن يفرقني عنك إلاّ الموت ، أعدكِ ، وها هي تبرّ .. بوعدها !
أحاول الانفلات من قيد الزمان والمكان بلا حول ولا قوة ، متمنية عودة فقداني للذاكرة ، ووجوه الصغار الأربعة الذين تركتهم خلفها في متاهات الحياة , تطاردني
مؤكد أنهم لن يتناولوا الغداء هذه الظهيرة !



#عليا_محمدعلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا قلب
- حين أغيب
- هجرة الملائكة
- مسارات رؤى
- سنابل شوق
- حروف ظمئى


المزيد.....




- نافذة جديدة على العالم.. مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة ا ...
- شون بين يتحدث في مراكش عن قناعاته وتجربته في السينما
- تكريم مؤثر للفنانة المغربية الراحلة نعيمة المشرقي في مهرجان ...
- بوتين يتذكر مناسبة مع شرودر ويعلق على رجل أعمال ألماني سأله ...
- على طريقة أفلام الأكشن.. فرار 9 سجناء من مركز اعتقال في نيس ...
- -الجائزة الكبرى للشعر الأجنبي- في فرنسا لنجوان درويش
- الخنجر.. فيلم من إنتاج RT يعرض في مسقط
- ملف -القندورة والملحفة- الجزائري بقائمة اليونسكو للتراث غير ...
- صور| طلبة المدارس يتوافدون على معرض العراق الدولي للكتاب: خط ...
- عيد البربارة: من هي القديسة التي ولدت في بعلبك و-هربت مع بنا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عليا محمدعلي - ذاكرة موقوتة