|
التصوف فى الاسلام
هشام حتاته
الحوار المتمدن-العدد: 5166 - 2016 / 5 / 18 - 09:05
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
احد قرائى على هذا الموقع ومن اصدقاء صفحتى على الفيسبوك طلب منى بعد ان كتبت عن اسماء الله الحسنى والاسم الخفى بان اكتب عن التصوف وتاريخه فى الاسلام وفى الحقيقة ان التصوف بمعناه العميق هو الاغراق فى الحالة الروحانية للوصول الى حالة من الشفافيه تسمح له بعمق الرؤية فى الحاضر واستشراف المستقبل ـ ولهذا نجد انه لايقتصر على الاسلام وحده بل انه موجود ايضا فى المسيحية تحت اسم الرهبنة وان كان وجوده فى اليهودية نادر ، بالاضافة الى ان الروحانيات موجودة فى الكثير العقائد الاخرى كالبوذية والهندوسية والزراداشتيه .... الخ تتعدد الاقوال فى معنى كلمة التصوف او كلمة صوفى ـ ولكن الاقرب الى الصحة هو ( الصفاء ) او ( لبس الصوف الخشن ) او ( الصف الاول ) الا ان كبار المتصوفة ينكرون اشتقاق هذا الاسم (لانه لايصح من مقتضى اللغة في أي معنى، لأن هذا الاسم أعظم من أن يكون له جنس ليشتق منه)
ذكرت فى بداية المقال المعنى العميق للتصوف فى كافة الاديان والعقائد ـ اما من حيث الاصطلاح الاسلامى - يقول محيى الدين بن عربى : التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية . - قول الشيخ أحمد زروق: التصوف علم قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله تعالى عما سواه. والفقه لإصلاح العمل وحفظ النظام وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول "علم التوحيد" لتحقيق المقدمات بالبراهين وتحلية الإيمان بالإيقان.وقال أيضا: وقد حُدَّ التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين، مرجع كلها لصدق التوجه إلى الله، وإنما هي وجوه فيه - قول الإمام الجنيد: التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دنئ - قول الإمام أبو الحسن الشاذلي: التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية ينسب علماء المسلمين ان بداية التصوف كانت مع النبى محمد لأنه أول من دخل الخلوة في غار حراء وان التصوف يستمد اصولة من القرآن والسنه ، ولكن العديد من الباحثين المحدثين ينسبوا جذورة الى الرهبنة البوذية ، والكهانة النصرانية، والشعوذة الهندية، وأصول الديانة الفارسية التي ظهرت بخراسان ، وانا شخصيا اتفق مع الطرح الثانى بعد تدوين النحو في الصدر الأول ـ ثم علم الفقه، وعلم التوحيد، وعلوم الحديث، وأصول الدين، والتفسير، والمنطق، ومصطلح الحديث، وعلم الأصول، والفرائض ، وغيرها.راى كبار المتصوفة انشغال المسلمين بامور الدنيا وتركهم امور الله والميراث الروحى فعمدوا الى تدوين علم التصوف، وإثبات شرفه وجلاله وفضله على سائر العلوم، من باب سد النقص، واستكمال حاجات الدين في جميع نواحي النشاط فى الحياة وكان من أوائل من كتب في التصوف من العلماء: الحارث المحاسبي، المتوفى سنة 243 هـ، ومن كتبه: بدء من أناب إلى الله، وآداب النفوس، ورسالة التوهم. أبو سعيد الخراز، المتوفى سنة 277 هـ، ومن كتبه: الطريق إلى الله. أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسي، المتوفي سنة 378 هـ، وله كتاب: اللمع في التصوف. أبو بكر الكلاباذي، المتوفي سنة 380 هـ، وله كتاب: التعرف على مذهب أهل التصوف. أبو طالب المكي، المتوفى سنة 386 هـ، وله كتاب: قوت القلوب في معاملة المحبوب. أبو قاسم القشيري، المتوفى سنة 465 هـ، وله الرسالة القشيرية، وهي من أهم الكتب في التصوف. أبو حامد الغزالي، المتوفى سنة 505 هـ، ومن كتبه: إحياء علوم الدين، الأربعين في أصول الدين، منهاج العابدين إلى جنة رب العالمين، بداية الهداية، وغيرها الكثير. ويعد كتاب إحياء علوم الدين من أشهر -إن لم يكن الأشهر- كتب التصوف ومن أجمعها. الا ان البداية الحقيقة للتصوف هى للاقطاب الاربعه أحمد بن علي الرفاعي عبد القادر الجيلاني أحمد البدوي إبراهيم الدسوقي فشيّدوا طرقهم الرئيسية الأربعة وأضافوا إليها أورادهم وأدعيتهم. وتوجد اليوم طرق عديدة جدًا في أنحاء العالم ولكنها كلها مستمدة من هذه الطرق الأربعة. إضافة إلى أوراد أبي الحسن الشاذلي صاحب الطريقة الشاذلية والتي تعتبر أوراده جزءًا من أوراد أى طريقة صوفية موجودة اليوم. معتبرين التصوف علم من العلوم الشرعية وأصله أن طريقة هولاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريق الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله والإعراض عن زخرف الحياة وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة
الا ان محيى الدين بن عربى فاقهم جميعا شهرة لانه انتقل بالتصوف الى آفاق اوسع وارحب واصبح للتصوف فلسفه تقوم على تطور الوعي الذاتي التي يمكن الوصول إليها عن طريق ممارسة شعائر معينة لتقربهم من الذات الإهية. وبهذا، يترقى الصوفي عندما يبدأ سلك طريقة صوفية من مرتبة إلى أخرى حتى يصل إلى درجة الفناء بالله. ويعتبر بن عربى رئيس مدرسة وحدة الوجود ، ويعتبر نفسه خاتم الأولياء ، ويلقبونه الشيخ الأكبر ، رئيس المكاشفين ، البحر الزاخر ، بحر الحقائق ، إمام المحققين ، سلطان العارفين طرح ابن عربى نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على أن الإنسان وحده من بين المخلوقات يمكن أن تتجلى فيه الصفات الإلهية إذا تيسر له الاستغراق في وحدانية الله وكانت نشاة بن عربى فى الاندلس اثرها فى تكوين شخصيته وابراز الناحية الروحية عنده في سن مبكرة فلم يكد يختم الحلقة الثانية من عمره حتى كان قد انغمس في أنوار الكشف والإلهام ولم يشارف العشرين حتى أعلن أنه جعل يسير في الطريق الروحاني، وأنه بدأ يطلع على أسرار الحياة الصوفية. وأن عدداً من الخفايا الكونية قد تكشفت أمامه وأن حياته سلسلة من البحث المتواصل عما يحقق الكمال لتلك الاستعدادات الفطرية. ولم يزل عاكفاً حتى ظفر بأكبر قدر ممكن من الأسرار. وأكثر من ذلك أنه حين كان لا يزال في قرطبة قد تكشف له من أقطاب العصور البائدة من حكماء فارس والإغريق كفيثاغورس وأمبيذوقليس وأفلاطون وهذا هو سبب شغفه بالاطلاع على جميع الدرجات التنسكية في كل الأديان والمذاهب عن طريق أرواح رجالها الحقيقين بهئية مباشرة. ومن اهم كتبه فى التصوف ( الفتوحات المكية ) وتحتوي على أكثر من 4000 صفحة قال فيها هذا : ( كنت نويت الحج والعمرة فلما وصلت أم القرى أقام الله في خاطرى ان اعرف الولي يفنون من المعارف حصلتها في غيبتى وكان الاغلب هذه منها ما فتح الله على ثم طوافى بيته المكرم ). وقال في الباب الثامن والأربعين: « واعلم أن ترتيب أبواب الفتوحات لم يكن عن اختيار ولا عن نظر المذوق وإنما الحق الله يملي لنا على لسان ملك الإلهام جميع ما نسطره وقد نذكر كلاماً بين كلامين لا تعلق له بما قبله ولا بما بعده وذلك شبيه بقول الله "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" بين آيات طلاق ونكاح وعدة ووفاة ». وقال: « واعلم أن جميع ما أتكلم فيه في مجالسي وتصانيفي إنما هو من حضرة القرآن وخزائنه فإني أعطيت مفاتيح الفهم فيه والإمداد منه ». وفي أوله مقدمة في فهرسة ذكر فيه خمسمائة وستين باباً والباب التاسع والخمسون وخمسمائة منه باب عظيم جمع فيه أسرار الفتوحات كلها ومن هنا انتقل التصوف من التقرب الا الله بالاعمال الصالحات والصلاة والتقشف التى عرفتها القرون الاربعه الاولى بعد الاسلام الى مصطلحات : الوحدة ، والفناء ، والاتحاد ، والحلول ، والسكر ، والصحو ، والكشف ، والبقاء ، والمريد ، والعارف ، والأحوال ، والمقامات . وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن ، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم وموافقا لابن عربى ومن تلاميذه ابو الحسن الشاذلى ، وبعده جلال الدين الرومى لينتهى الامر بعدهما ولم يظهر اى نظريات جديدة فى التصوف الا تفريغ وشرح لكتب بن عربى وابن الفارض وغيرهم
مصادر التلقي عند الصوفية - الكشف : ويعتمد الصوفية الكشف مصدراً وثيقاً للعلوم والمعارف ، بل تحقيق غاية عبادتهم ، ويدخل تحت الكشف الصوفي جملة من الأمور منها : 1- النبي: ويقصدون به الأخذ عنه يقظةً أو مناماً . 2- الخضر: قد كثرت حكايتهم عن لقياه ، والأخذ عنه أحكاماً شرعية وعلوماً دينية ، وكذلك الأوراد ، والأذكار والمناقب . 3- الإلهام : سواء كان من الله مباشرة ، وبه جعلوا مقام الصوفي فوق مقام النبي حيث يعتقدون أن الولي يأخذ العلم مباشرة عن الله تعالى. 4- الفراسة : والتي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها . 5- الهواتف : من سماع الخطاب من الله ، أو من الملائكة ، أو الجن الصالح ، أو من أحد الأولياء ، أو الخضر ، أو إبليس ، سواء كان مناماً أو يقظةً أو في حالة بينهما بواسطة الأذن . 6- الإسراءات والمعاريج : ويقصدون بها عروج روح الولي إلى العالم العلوي ، وجولاتها هناك ، والاتيان منها بشتى العلوم والأسرار . 7- الكشف الحسي : بالكشف عن حقائق الوجود بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر . 8- الرؤى والمنامات : وتعتبر من أكثر المصادر اعتماداً عليها حيث يتلقون فيها عن الله ، أو عن النبي ، أو عن أحد شيوخهم لمعرفة الأحكام الشرعية .
اما اعمق مايقولون به هو الحلول والاتحاد والتى تعنى حلول ذات الله بالقطب الصوفى او اتحاده بالذات الالهية والتى يعتبرها علماء الاسلام هرطقات تخرجهم عن الاسلام بالكلية
والقطب أو الغوث هو أعلى مرتبة يصل إليها الصوفي وهو من ملك الطلسم الذي يشرح الكون ويعتقدون ان هناك قطبا في كل زمان وعد ابن عربي خمسة وعشرون قطبا من أدم وحتى النبي ، ومن خصائص القطب أنه اكتشف الذات الإلاهية وله علم بصفات الله ولا حدود لعلمه وهو أكمل المسلمين ولا حدود لمرتبته ويمكنه الانتقال حيث شاء. ومن وظائفه التصرف والتأثير في الكون ووقاية المريد.
وفى النهاية التصوف اضاف الى الاسلام البعد الروحى كما اضافت الرهبنه الى المسحية بعدها الروحى ، وان لم يسعفة الظاهر من القرآن فلجا الى الباطن والتاويل المتعسف لبعض الايات ولابن عربى العديد من القصائد تلخص فلسفته فى التصوف ، ولكن من اجمل ابياته : لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني
والى اللقاء فى مقال آخر
#هشام_حتاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسماء الله الحسنى والاسم الخفى
-
الحرية والفوضى وتداعيات الثورتين
-
اللوجوس الاسلامى
-
هبلة ومسكوها طبلة
-
مبارك ... ثالثة الأثافى
-
السادات .. آخر الفراعنه العظام
-
رسالة الى الرئيس السيسى
-
عبد الناصر : الحقيقة والاسطورة ( 2- اخير )
-
عبدالناصر : الحقيقة والاسطورة (1)
-
اللاوعى محرك التاريخ 2/2
-
ثلاثية : الحاكم - الكاهن - الشاعر
-
اللاوعى محرك التاريخ
-
اكذوبة الاصل الآرامى للقرآن
-
اشكاليات فى الفكر الدينى
-
هل كان ابراهيم التوراتى ديوثا ؟
-
من هشام حتاته الى القمص زكريا بطرس
-
رؤية تحليلية لسقوط طائرة شرم الشيخ
-
العلاقة العكسية بين القهر والابداع
-
السيسى وشباب البنطلون الساقط ... !!
-
فى حضرة الفرعون العظيم رمسيس الثانى
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|