أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - انس الشعرة - من تدريس الفلسفة بالمدرسة الفرنسية الى نقد النسق التعليمي















المزيد.....



من تدريس الفلسفة بالمدرسة الفرنسية الى نقد النسق التعليمي


انس الشعرة

الحوار المتمدن-العدد: 5165 - 2016 / 5 / 17 - 22:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مدخل
يعالج هذا العرض، مسالة تدريس الفلسفة بفرنسا،ومدى تأثير توجيهات اناطول دو مونزيAnatole / de Monzie ، على جملة هذا  المسار، باعتباره احد الفاعلين والمساهمين في تطوير الدرس الفلسفي بفرنسا، عن طريق التوجيهات الرسمية، التي قذفت بالدرس الفلسفي بفرنسا إلى عمق القضايا الراهنة والوطنية، اذ يمكن تلخيص المسالة في أن هذه التوجيهات : كانت ترمي إلى تعزيز الشعور بقضايا الوطن، والقيم الإنسانية ذات المصدر الأنواري كالحرية، وعبر هذه التوجيهات انفتحنا على نقد بورديو،  للنسق التعليمي بفرنسا، حيث كشف عن اليات الهيمنة في المجتمع الفرنسي والتي تعد المدرسة احد قنواتها، ويهدف هذا الانفتاح إلى التعرف على المسار الذي ألت إليه المدرسة الفرنسية ،في الفترة التي شرع بورديو بنقدها.
تقديم  :
شهدت فرنسا إبان ثورتها سنة [1]1789،مجموعة من التغيرات، الجذرية مست اغلب أجهزة وقطاعات الدولة، وأبنية المجتمع، اذ من المعروف عن سيكولوجية الجماهير، بأن الثورة على الأنظمة، تعزز مجموع انفعالات النفس وتذكيها، ماقد يحول الأفراد والمجتمعات من كينونات مفعول بها، إلى كينونات فاعلة منجزة عمليا، تخرج عن طور الاستلاب، إلى حالة الفعل والانفعال الوجودي، أي من حالة الكمون إلى حالة الظهور، هكذا تلبست الإنسان الفرنسي حالة وجدانية، أشعرته بمزيد من الفخر والافتخار، لكن هل ظلت هذه الحال وهل خرجت فرنسا من اصار الاستبداد؟ إن تاريخ فرنسا غداة ثورتها يؤكد المأثور الشهير" أن الثورة تأكل ابناها"، وقعت مجموعة من الأحداث ظلت الذاكرة الجمعية للفرنسيين، تئن على وقعها، انه الحدث الجلل كما وصفه كنط، كيف ذلك؟ إن احد مباشري الأنوار كوندرسيه Condorcet/ (1794-1741)، سيحكم عليه بالإعدام شنقا،  لكن في حقيقة الأمر لم يتم الحكم الثوري في حق كوندرسيه، بل أصدره في حق نفسه ، بتجرعه السم داخل الزنزانة التي تواجد فيها أثناء القبض عليه، كان كوندرسيه على رأس لجنة التعليم العمومي، مدافعا عن شمولية التعليم ومجانيته، مرتكزا على مبادئ الأنوار والروح الموسوعية للكتاب الموسوعيينles universalistes/، من هناك يبدأ مسلسل ومسار التعليم الفرنسي في المرحلة الحديثة، وصولا إلى المرحلة المعاصرة، وبالضبط عند بداية القرن التاسع عشر، رفقة جيل فيري وبويسون.
فما هو مسار التعليم بفرنسا؟ وماهي السياقات التاريخية والسياسية التي تجمعه بالفلسفة؟
وما طبيعة الدرس الفلسفي بفرنسا؟
 
 
1_مسار التعليم الفرنسي مسار من اجل تكريس اللائكية :
مرت المدرسة الفرنسية أثناء بنائها لمجتمع المواطنة وحقوق الإنسان، بمخاض عسير إزاء جهات متعددة، كان من أهمها : الصراعات تجاه الكنيسة، من اجل الابتعاد تدريجيا عن سلطة الاكليرج، واستقلال التعليم ووضعه بين يدي رجال الثقافة والبيداغوجيين،[2] إنها معركة كان لها عظيم الأثر والتأثير، على الأجيال المتعاقبة في تاريخ فرنسا .أتى "جيل فيري" متشبعا بروح الوضعانية الفرنسية، التي مثلها آنذاك اوغست كومت، حيث أعلن عن إجبارية التعليم العمومي ومجانيته ولائكيته. مما أسفر عن بداية فعلية، لاستقلال التعليم الفرنسي، فقد كان بيان فيري في16  يونيو سنة 1881،عن المدرسة العمومية وإجبارية التعليم الابتدائي، خطوة مهمة نحو ترسيخ المبادئ اللائيكية لدى الناشئة ."كان موقف فيري واضحا  فيما يخص الدين حيث أعلن في خطاب له أن الصراع كان  ضد الاكليروس أما الصراع ضد الدين، فلا نريده ولا نخوضه ابد أبدا. بل تقرر عقوبات ضد المعلمين الذين يقدمون تعليما ضد الدين. إن وظيفة المعلم هي أولا وأخيرا، تقديم صورة ونموذج الأخلاق الجمهورية .La morale républicaine"[3] . هكذا غدا المسار التعليمي بفرنسا، يشق خطاه بثبات وتدرج وعن استقلال من كل سلطة تشوش مساره اللائيكي، "فافي سنة 1882 صدر المعجم التعليمي والبيداغوجي للتدريس الابتدائي في حدود أربع أجزاء بإشراف مدير التعليم العمومي فردينند بويسونFerdinand Buisson "[4] وهو احد مساعدي جيل فيري الرئيسين، حيث تولى" منصب وزير التعليم الخصوصي لكنه لم يكتف بمنصبه هذا بل تجاوز بكثير منصبه كادري،إلى المساهمة الرائدة والحاسمة في بناء صرح التعليم الجمهوري الجديد".[5]احتل هذا العمل مبادئ اللائيكية، ودورها في المجتمع وإرساء المدرسة الديمقراطية الشعبية والتربية على الحرية، وقيم المواطنة والتفكير الحر، بالإضافة إلى مجموعة من القوانين والبيانات التي تم تفعيلها تدريجيا، "كقانون غشت سنة 1879 الذي ثم التصويت عليه بالأغلبية، والذي ينص على المحافظة على التوجيهات التي أصدرت في شان المدرسة العمومية كما ثم إصدار قانون أخر تنص مضامينه على تقليص عدد ساعات التدريس الديني، وكذا إضافته إلى المواد الاختيارية لفائدة تلاميذ المرحلة الثانوية" .[6]باجرءت هذه القوانين والتعليمات، تابع التعليم الفرنسي مساره فقد انعكست هذه القرارات إيجابا على جميع الشعب المدرسة آنذاك، وخلق نقاش حول نجاعة هذه المواد اجتماعيا ومدى مساهمتها في الدفع بعجلة الاقتصاد إلى التطور، خصوصا المواد الأدبية،وفي هذا السياق سيأتي دور  "دوركايمDurkheim/، كي يدافع عن تعليم ذي طابع علمي، يسمح بانفتاح اكبر على المستجدات المعرفية، وسيرا على نهج سلفه أوجست كومت سيقر بان الدراسة العلمية للواقع الاجتماعي هي التي تسمح بوضع مقاربة عقلانية للظواهر الإنسانية داخل المجتمع."[7] عمل دوركايم كمدرس لمادة التربية للمعلمين والطلبة، ما جعله يدرك أهمية التعليم ودوره في المجتمع، " فالمجتمعات البشرية لاتتكون وتنبني كمجرد حصيلة حسابية لتجمعات عناصر، ينضاف بعضها إلى بعض، فالمجتمع هو غير المجموع الحسابي لعناصره المكونة الأصلية"[8]، من هنا تنبثق ضرورة التعليم وأهميته باعتباره مصدرا لقيم المواطنة، والحرية والمسؤولية، وبالتالي وجود تلاحم وانضباط اجتماعي عوض المجتمع المختل كما يعبر عنه دوركايم نفسه،ومنه سيأتي دور الفلسفة، ضمن هذا المسار الذي خطط له سلفا، فماهو مسار تدريس الفلسفة بفرنسا وماهو البرنامج التربوي لهذه المادة؟
2_ مسار الدرس الفلسفي بفرنسا:
صار الدرس الفلسفي بفرنسا بخطى بطيئة، لكنها كانت حاسمة على مجمل مساره، فمنذ دخول الفلسفة إلى  التعليم الثانوي سنة 1809، "وهي السنة التي يمكن اعتبارها لحظة ميلاد التدريس الفلسفي في الثانويات الفرنسية. وقد صاحب ذلك، العمل على تنويع قنوات نشر الفكر الفلسفي وتعميمه في كل الشعب والمعاهد. لتبدأ بعد ذلك، مرحلة أساسية تتميز بتأثير فيكتور.كوزانV. Cousin / وجماعته على التعليم الفلسفي الفرنسي."[9]  حقيقة لايمكن إنكار دور كوزانCousin/ على جملة مسار الدرس الفلسفي بفرنسا، اذ سيعمل هذا الأخير على "إنشاء قسم الفلسفة من منطلق أن الخطاب الفلسفي هو الذي سيضفي الشرعية على مشروع الوحدة الوطنية، وقد واجهته مشكلة إدراج القضايا الفلسفية ضمن برنامج دراسي، لذلك دعا إلى تحديد هذا البرنامج وفق رؤية تاريخانية، مستمدة من هيجل، هكذا ستنطلق البرمجة من قضايا سيكولوجية، وتحديدا القضايا ذات الارتباط بمعطيات الوعي،مما سيمكن من الانفتاح على تاريخ الفلسفة، بوصفه تجليا لأفعال الوعي الإنساني، وسيتدرج درس الفلسفة، بهذا المقتضى من فحص الوعي الفردي (السيكولوجيا والمنطق)، إلى الوعي الجماعي المتمثل في قضايا الأخلاق والميتافيزيقا، ومن هنا يبرز التزام كوزان بالتحديدات التي وضعها هيجل في رسائله البيداغوجية"[10]، إذن؛ أتى دور الفلسفة ضمن سياقات اجتماعية؛ وتدعيما لسياسة وطنية،ما مكن بان يقذف بالخطاب الفلسفي، داخل حجرات الدرس الفلسفي إلى معترك الصراعات الإيديولوجية، وانخراط التلاميذ والأساتذة أنا، في القضايا الراهنة لمجتمعهم، وهو ما ينسجم مع مشروع كوزان البيداغوجي، الذي اخذ "منحى أدبيا*،"حيث اعتبرت الدارسات الفلسفية تتويجا للإنسانيات الكلاسيكية، بفضل ميلها إلى التعميم والتجريد،ومن خلال تناولها للمشاكل الكبرى للفكر الإنساني"[11]، وقد تعزز دور الفلسفة ومسالة تعليمها، من خلال التوجيهات الرسمية،لاناطول دومنزيAnatole de Monzie/ سنة 1925، ويعتبر هذا التوجيه الرسمي، بمثابة الحجر الأساس، الذي قام عليه الدرس الفلسفي بفرنسا، اذ أعلى قيمة يتضمنها هذا التوجيه : قيمة الحرية كقيمة إنسانية،[12] ملازمة لماهية الإنسان، وبالتالي ملزمة للأستاذ رفقة تلاميذه وللتلاميذ تجاه أستاذهم،"وعبر هذه القيمة يتم التفكير، في كل ما يرتبط بالدرس الفلسفي من: الكتاب المدرسي، وطرق الإنجاز، والموقف من إملاء الدروس، وقيمة ووظيفة الفروض والامتحانات وعروض التلاميذ،"[13] إذن؛يتكلل درس الفلسفة بالنجاح، اذ ارتبط بوعي حر وقيم الفردانية،  والتدريب على الفكر النقدي المتحرر،من بادئ الرأي le sens commun/، من هنا أمكننا الانتقال، إلى أهم مضامين توجيهات اناطول دومنزي، فماهي أهم مضامين هذه التوجيهات؟
سنجد في البداية أن التوجيه يستهل القول : ب" إن حرية الرأي ومنذ القديم، قد تم ضمانها للأستاذ، إلا أنها تبدو الآن متعارضة مع طبيعة التعليم الفلسفي ذاته. لا شك أن هذه الحرية، تضم في ذاتها مجموع التحفظات التي تفرض على الأستاذ فطنتها وحذرها البيداغوجي. أي، بشكل عام، الاحترام الواجب على الأستاذ اتجاه الحرية والشخصية الناشئة للتلميذ. إن الأستاذ عليه ألا يتجاهل بأنه بصدد التعامل مع عقول فتية ولينة، وغير قادرة بشكل تام على مقاومة تأثير سلطته، ولهم القابلية للانجذاب نحو الأشكال الطموحة والأفكار المتطرفة. إن الشباب غير مزود بعد، بالعلم والتجربة الذاتية، وينكب إراديا على المذاهب التي تبهره بحداثتها أو بخصائصها الحادة.[14]"يقترن الحديث هنا بالدور الذي يضطلع به أستاذ الفلسفة، وتؤكد عليه التوجيهات، انه حتما في إكساب التلاميذ أراء مستقلة _ ولو نسبيا_ وقولا فلسفيا انطلاقا من قدراته الذهنية واستعداداته السيكولوجية، ومراعاة لظروفه السوسيولوجية، وبناءا على ذلك فان التوجيهات، تؤكد على أستاذ الفلسفة _أكثر من غيره_ بأن يتمتع بخبرات بيداغوجية، وثقة في ذكاءات تلاميذه والعمل على تنمية هذا الذكاء، حتى بالنسبة لأولك المتوسطي الذكاء، عليه تنمية قدراتهم بواسطة طرق متفردة وواضحة[15]. حيث يسلك معهم طريقا سهلا دون الوقوع في المجادلات السكولئية، والانجرار وراء صراعات المذاهب وأزماتها، فليس اضر على الناشئة من إدخالهم في غياهب الآراء المتناقضة، بل على أستاذ الفلسفة أن يساعد تلاميذه، ويربط وعيهم بالحاضر ومشاكله الاقتصادية الاجتماعية[16]وبالتالي فان هذه التوجيهات التي أسندت لأستاذ الفلسفة تحتم عليه أن،" لا يهمل تلك الفرص الجديدة، التي يمنحها له المقرر، لوضع الثقافة الفلسفية في علاقة مع المشاكل الواقعية التي تفرضها الحياة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، المرتبطة بالمحيط الذي على الشاب العيش فيه. إذا كان الشاب، ليس لديه إحساس بأن التأمل الفلسفي يتحرك في عالم آخر، بدون علاقة مع العلم والحياة، فلماذا نخشى من إثارة مشاكل"الراهن" أمامه؟ أليس من الأفضل توضيحها على ضوء الفكر المشرق النزيه، عوض انتظار اللحظة التي ستحل فيها المشاكل، بالنسبة إليه، داخل الانجذاب إلى الانفعالات، وتحت تأثير الأحكام-القبلية الاجتماعية-، وتحت ضغط المصالح، وكل أسباب الزيغ، التي لا زال كل الوقت أمام تلميذنا للنجاة منها. لا يتعلق الأمر بإدخال السياسة في أقسامنا، بقدر ما هو حديث عن الشروط الاقتصادية للحياة المعاصرة، وعن أعمال التآزر والحماية الاجتماعية. أية لحظة تكون صالحة لشبابنا لبداية اكتساب الإحساس، والإحساس المتأمل لكل مهامه المستقبلية، سوى في هذا السن حيث الروح، بالطبيعة، أكثر عطاء، لكن وفي نفس الوقت، هو في حاجة ماسة إلى الحماية ضد الطيش والطوباوية."[17]بعد ذلك تتجه التوجيهات، صوب المنهج المتبع من قبل الأستاذ اذ تعلن (التوجيهات)، على مبدأ  حرية الأستاذ في درسه وكذا شرحه والمنهج الأمثل، لتبليغ درسه فتارة تقترح التوجيهات المنهج السقراطي كآلية منهجية للتواصل، وضبط الفكر كما أن، التوجيهات، تعد اقتصار الأستاذ على الكتاب المدرسي وحده، هو قصور في منهجية الأستاذ واختباء فيه، فالكتاب المدرسي لايمثل أية سلطة مرجعية بالنسبة للأستاذ، كما حضت التوجيهات الأستاذ، على القراءة وضرورتها، تقول: التوجيهات عن القراءة وضرورتها،"إن القراءة هنا، وربما أكثر مما هي في جانب آخر، التكملة الضرورية للتعليم. فالأستاذ مطالب بتكوين مكتبة فلسفية في فصله مطعمة بإسهامات التلاميذ، مع تشجيع هذا التضامن بين الأجيال المتعاقبة. كما عليه العمل على تطوير ذوق الدراسة والبحث الشخصي، وأن يوجه منهجيا اختيار القراءات. إن حب الاكتشاف عند الشباب، على الرغم من أنه قد يؤدي به إلى نوع من الإضافات، فلن يكون دائما متجها نحو ما هو أكثر فائدة واستيعابا. واعتمادا على المحتويات، يجب دائما تكييف القراءات مع المواد المدرسية وربط صعوباتها مع الذكاء ودرجة تهيئ الفرد."[18] تستمر التوجيهات في سرد تعليمتها، ولنقل على جهة الاعتراف أن هذه التوجيهات، الصادرة بخصوص الدرس الفلسفي بفرنسا، إنها لمن الكفاءة والتكاملية–نسبيا مع البرامج المقدمة آنذاك، ومتفوقة على الدرس الفلسفي بالمغرب المقيد بعديد من الأمور التي لم يحرز أي تقدم فيها، بل تأزمت الأوضاع كثيرا مقارنة بجيل الأستاذ الجابري والسطاتي وغيرهم، رغم ما يخصص من ميزانيات على التعليم بصفة عامة،مايدعونا للتساؤل كل وقت وحين، أين الخلل؟ !-  وجديرة بالتنويه والاستنبات داخل سياقات عربية، تعطي للدرس الفلسفي مكانة مميزة ومتميزة، إلى هنا أمكننا أن نستجمع أهم عناصر التوجيهات في النقاط التالية :


 
·        لايروم تدريس الفلسفة بالقسم النهائي، تلقين المعارف بل تعلم نمط من التفكير الذاتي.
·        إن أستاذ الفلسفة فيلسوف داخل قسمه، (فهو مؤلف درسه) والتلميذ هو فيلسوف متعلم apprenti-.philosophe
·        تعتبر الفلسفة تتويجا للدراسات الأدبية والعلمية، وتشكل خلاصة لها، مما يؤهلها لتكوين المواطن القادر على إصدار أحكام واضحة ومستقلة"[19].
 
-3الفلسفة مقاومة للبلاهة والحمق:
الفلسفة خلاصة عصرها هكذا يضع ماركس للفلسفة تعريفا يتجاوز مقولات الزمان والمكان السميكة، انه يحدها دون جدران ودون قيود، ذلك أن اخص خاصية للفلسفة هي الحرية، كقيمة عليا تنأى بها عن الوقوع في شراك الدوغمائيات، واستلاب الخطابات الشمولية،[20]المهيمنة باليتها المتسلطة عبر امتدادات وقنوات معقدة ومتشابكة، تأخذ في النهاية وضعية إستراتيجية من الصعب الكشف عن صورتها الواضحة.إن أشكال القوة والتسلط، تصرف عبر مجموع الأجهزة التي تحتكرها الدولة وتعمل على تسريبها بنعومة وليونة، بحيث تقهر الدولة مواطنيها وفق معيار السوق واغراءت العرض والطلب والرغبة اللامتوازية، مع تحقيق الرهان الذي يقوم عليه السوق : إشباع اللذة واستثارة الرغبة،إن منطقا كهذا كفيل بان يقذف بالإنسان غياهب (الاستلاب) ثلاث :الأول اختزال الإنسان في موضوع واحد هو الاستهلاك، والثاني : تقليص خصوصيات المجتمعات البشرية حد انعدامها، وصهرها في مجموع قيم يمكن أن نسميها في إطار النظام العالمي الأحادي، بأحادية القيم والثقافة/ only culture and mores، أما الثالث : والأخير استنزاف الإنسان انطولوجيا والقضاء على امتداداته الوجودية، يكفي فقط أن نرصد الأوضاع داخل المدينة حتى نرى هشاشة الوضع الإنساني وما صار عليه، إن الاستلاب في هذه المستويات هو التجلي الحقيق بإنسان العصور الرقمية (إنسان العدد)، فلا عاصم اليوم للإنسان من الاستلاب الذي يمزقه كل ممزق، ويورده مأزق شتى منها : غياب السبب الذي يدفع بالإنسان إلى الاستمرار في الحياة، انه فقدان الثقة بالغايات التي وضع لأجلها الإنسان، وربما يكمن احد اسبب هذا الاستلاب الذي بات يتعرض إليه الإنسان، في غياب النظريات(الإيديولوجيات)، فمن المعلوم أن القرن العشرين والواحد والعشرين، أضحى يقتات على مائدة القرن الثامن عشر والتاسع عشر، على اعتبار أن هذين القرنين من أخصب القرون معرفة وإنتاجا للنظريات والمذاهب الفلسفية والعلمية، التي أثرت في مفاصل التفكير الإنساني وحملته على ابتداع رؤيته للعالم والكون والأشياء، فالعلم هو نظريات في الأصل قبل أن يكون تطبيقا،أي أن العلم في صورته المعاصرة (التقنية) هو نتيجة للنظريات التي أنتجها الفلاسفة والعلماء في مجالات متخصصة، ولكن في القرن العشرين وبعده الواحد والعشرين، ساد فيه منطق التقنية بل والتكنولوجيا التي أرقت تفكير هيدقر /  Heideggerباعتبارها ميتافيزيقا الإنسان المعاصر، ليس الحديث هنا عن الفكر والعلم حديثا اعتباطيا سقناه لنملاء بياض الصفحات، بل لعلة أتت على أركان الفكر وعلاقته بالعلم، ذيوعا أن الفكر ومايرتبط به (الفن والآداب والمسرح والسينما واللغة والنظريات السياسية الخ)، عبارة عن وسائل لإلهاء الشعوب والأمم عن التقدم الحضاري، ويسوء الطالع كلما امتد الزمان بالإنسان وهو يحصد نتائج هذا الفراغ المهول في إنتاج النظريات، وربما ما تبقى من الإرث الماركسي كنظرية مفسرة للعالم، تلك الآليات والمفاهيم المضيئة التي أبدع من خلالها عديد من الفلاسفة والسوسيولوجيون، ومن بين هؤلاء بيير يورديوPierre Bourdieu /، الذي كان له الدور المهم في نقد الأوضاع التعليمية للمدرسة الفرنسية وفق رؤية فلسفية _ سوسيولوجية، تبرز نجاعات الفكر النظري في تقدم المجتمعات، ونقدها من براثن الاستلاب، فما هو النقد الذي أسهم به بورديو للنسق التعليمي بفرنسا؟ وكيف كشف عن اليات إعادة الإنتاج في المجتمع من خلال المدرسة؟
4- المدرسة وإعادة الأدوار الاجتماعية :
يظل الرهان الأساس في بناء مجتمعات مستوعبة لتغيرات المستقبل ومنفتحة على نوازله وطوارئه، إقامة مجتمع مبني على أس عقلاني وحر واع بشروط مدنيته، وبوضع الإنسان كمواطن في سياق مكتسبات العقد الاجتماعي والدولة المعاصرة، لذلك اعتبرت المدرسة يوم أسست بمعناه الحديث، وسيلة لتمرير مجموعة من الخطابات الرسمية والغير الرسمية، بل يمكن اعتبارها هي النظام الأبرز لتمرير خطابات ذات إستراتيجية معقدة، يترتب عن هذا إنتاج نمط معين للعيش وسلوك موجه في الحياة تتضافر في تكوينه أجهزة[21] عدة، يصعب تفسير أسباب أهدافها بدقة، ومن الواضح كما نعاين في كتابات بورديو*، أن المدرسة و الأسر ذات الحظوة الاجتماعية وذات الإرث العلمي، لها دور في إعادة نفس الأوضاع الاجتماعية للمحافظة على امتيازاتها وامتياز أبنائها من بعدها، إن المدرسة _ حسب بورديو_ عوض أن تقوم بتقليص التفاوت الاجتماعي والإرث الطبقي في المجتمع، إلا أنها تعيد تكريس نفس الأوضاع في المجتمع،* وتسهم بأشكال ضمنية خفية على موضعة /objectivation، الاعتباط البيداغوجي الذي تنتظم أساساته وفق صورة شرعية[22] لنمط ثقافي مدخول، تشرف عليه دوائر السلط وذوي الرأسمال الثقافي، إن الإدانة التي يوجهها بورديو هنا إلى المدرسة باعتبارها أداة خفية للهيمنة والسلطة، إدانة لكل أشكال القهر الاعتباطي الذي تمارسه أجهزة الدولة على الأفراد، والطبقات الشعبية والمتوسطة خصوصا، إنها عملية جدلة بين الفرد والثقافة، لها دور وظيفي ورمزي(الثقافة)، تدفع بالأفراد إلى التطبيع الثقافي والاجتماعيNaturalisation de la culture et  sociale/ وبالتالي : تمرير كل مايمر عبر هذه القناة، كثقافة شرعية وحيدة وممكنة،إن اقتفاء بورديو لأثر تغلغل السلطان الثقافي والبيداغوجي الاعتباطي، على مجمل علاقات الطلبة ببعضهم البعض  ومدى قدراتهم واستعداداتهم، يكشف عن تمايز يزداد وضوحه، كلما امتد الزمن وتدرج الطلبة في الأسلاك المدرسية، حيث يتفوق الطلبة الأغنياء،لابسبب ملكاتهم الطبيعية وفقط، بل بفضل موروثهم الثقافي أي بالهابتوسHabitus/[23]، الذي لاتدرك أبعاده إلا في لحظات الانتقاء والاختبار، ومثلما يكون هذا التقليد على مستوى الامتحان وظروف اجتيازه، يكون مستوى الحكم والنتائج على نفس الخط مسايرا له، فالمقدمات الموضوعة بعناية من طرف الأعوان،[24] تسفر عن نتائج متضمنة في نفس تلك المقدمات، إنها شروط ذي نسق اعتباطي مطبوع بسلطان متجانس ومتوالف، تتحكم فيه رغبات وإرادات سلطات الجماعة المسيطرة وأعوانهم، لذلك فلا ضير أن تتشابه الأمور حد التطابق، وان يكون النسق القديم هو نفسه الجديد، فالتلميذ الذي سيصير أستاذا في المستقبل يقتات على ملكاته العملية، التي تلقاها بطريقة اعتباطية دون أن يفهمها حتى[25]،هذا التشابه ينتج لنا بطريقة مباشرة، نجاحا على المستويين المدرسي والعملي كلما تشابهات الهبتوسات/ الملكات، أي مستويات التواصل الرمزية (الخفية) بين الأساتذة والطلبة، لهذا أمكننا القول إن إيديولوجيا الموهبة والنبوغ والتفوق، هي مقاييس نجاح السلطان الثقافي والبيداغوجي، وبعبارة أخرى فان مقاييس النجاح :  خميرة اجتماعية وحشو جمعي ذو معيار غير موضوعي، قاعدته مبنية على الذوق الملائم للطبقات المهيمنة في المجتمع، والتي تؤمن ظروف المحافظة على المواقع الاجتماعية، عن طريق بيداغوجية (إيديولوجية) الموهبة،فيخرج عن مجمل تحليلنا هذا، مجموعة من النقاط المهمة :
·        المدرسة تكرس نفس الأوضاع الاجتماعية.
·        المدرسة تعمل بشكل ضمني على إقصاء الطلبة عبر هابتوس الطبقة المهيمنة.
·        الموهبة والتفوق ايدولوجية يعملان على تكريس التفاوت المدرسي بين الطلبة.
·        البيداغوجية المدرسية والمقرر الدراسي غير محايدان بل يعززان هابتوس الطبقة المهيمنة.
وبما أن الأمر يؤول إلى نتيجة محتملة الوقوع، أي المحافظة على الرأسمال الاجتماعي والثقافي، فان استراتيجيات الاستثمار المدرسي، يكون له دور اكبر ورهان ناجح في ضمان نفس السيطرة ونفس النسق المهيمن اجتماعيا بل وجوديا [26].
مبيان يوضح تطور الحظوظ المدرسية بحسب الأصل الاجتماعي بين سنتي (1961- 1962) وسنتي (1965- 1966) احتمالات بلوغ التعليم العالي بفرنسا :
 

 
من هنا نلج مسالة الفلسفة كفن تجد ماهيتها في نقد سياسات التسلط والعنف والكره،ويكمن رهانها في تغيير الذهنيات الفردية وخلق وعي انطولوجي متحرر من ارتهانات الواقع، والبرامج الإيديولوجية الجزئية، بلمن اجل هذا أتينا على مساهمة بورديو في نقد نسق التعليم بفرنسا، فمن الواضح أن الوضع التعليمي حاد عن رهاناته الأولى والغاية التي جعلت لها المدرسة الفرنسية، لذا ما علاقة توجيهات أنطول دو مونزي بنقد بورديو للمدرسة الفرنسية؟
إن العلاقة هنا ليست اعتباطية أبدا أو مجرد تأويل ينأى بنفسه عن مبرارته الموضوعية، بل إن الأمر عكس ذلك فالعلاقة هنا من طبيعة واحدة، فتوجيهات أنطول دو مونزي رغم صيغتها القانونية، أمكننا الكشف عن قيمتها الانطولوجيا ومراميها القيمية المؤسسة على الحرية وقيم الأنوار، وفق هذا الخط يلتقي نقد بورديو لنسق التعليم بفرنسا، بوصف النقد سلطة تنويرية ومن قواعده الانتصار لقيم الحرية بدل الخضوع الفردي والاجتماعي، إن نقد بورديو أو ممارسة النقد على شاكلة بورديو، مواجهة للوعي السعيد وإفساد لحفلاته التنكرية، المتقمط كل أسباب التحصين البرانى والجواني، إيذانا بعودة سدنة المعبد وحراسه، وكم من حراس وسدنة اصبغوا على أنفسهم ماء الطهارة المقدس ؟!
خاتمة :
شهدت فرنسا إبان ثورتها سنة 1789،مجموعة من التغيرات، الجذرية مست اغلب أجهزة وقطاعات الدولة، وأبنية المجتمع، اذ من المعروف عن سيكولوجية الجماهير،بأن الثورة على الأنظمة، تعزز مجموع انفعالات النفس وتذكيها،ماقد يحول الأفراد والمجتمعات من كينونات مفعول بها، إلى كينونات فاعلة منجزة عمليا، تخرج عن طور الاستلاب، إلى حالة الفعل والانفعال الوجودي، أي من حالة الكمون إلى حالة الظهور، هكذا تلبست الإنسان الفرنسي حالة وجدانية، أشعرته بمزيد من الفخر والافتخار .


[1]  Pour savoir plus voir cette livre, "La Révolution Française", chapitre 3  – L’esprit de Quatre –vingt – neuf et la Déclaration des droits de l’homme et du citoyen, et chapitre 4,  Finir de la Révolution?, Que Sais-Je ? par Frédéric Bluche, Stéphane Rials, et Jean Tulard, Sixième édition.  
[2]Les débats dans les chambres s’avèrent de grande qualité. Evêque –député Charles Freppel critique la neutralité de l’école : « Ne pas parler de dieu à  l’enfant pendant sept ans )…(c’est lui faire accroire     positivisemant que dieu n’existe pas ou que l’on n’a nul besoin de s’occuper de lui. » Certains républicains ne sont pas éloignés de cette préoccupation)…(,Histoire de la laïcité en France, Jean Baubérot,p 52 , puf .
[3]  انظر عثمان أشقرا، ضمن مسارات التنوير التربوي، الفصل الأول،ضمن سلسلة محاضرات لطلبة المدرسة العليا بتطاوين، ص .11
[4]jean Baubérot , histoire de la laïcité en France , p 48.
[5] عثمان أشقرا ،مسارات التنوير التربوي، مرجع سابق ص .11
[6]Ibid. ., pp 48 50.
[7]عزالدين الخطابي، رهانات تدريس الفلسفة بالثانوي (التجربتان الفرنسية والمغربية)، ضمن ملف  في تدريس الفلسفة، عن مؤمنون بلا حدود،تقديم وتنسيق الطيب بوعزة و يوسف بن عدي، ص .7
[8]عثمان أشقرا،مسارات التنوير الأوربي مرجع سابق ص 13.
[9] عبد الغني التازي،الترسيخ الوجودي للدرس الفلسفي، " تعليمات 2 شتنبر 1925لاناطولدومونزي، مجلة فكر ونقد، العدد48، السنة الخامسة.
[10] عزالدين الخطابي، مرجع سابق، ص .6
* جدير بالذكر أن دوركايم، انتقد في تقرير شهير له، طبيعة الدرس الفلسفي ومسالة التبريز، ضمن مؤلفه تدريس الفلسفة والتبريز الفلسفي.
[11] عزالدين الخطابي، نفس المرجع، ص.7
[12]C’est pourquoi nous voulons que le mot liberté soit inscrit au début même de ces instructions. La liberté d’opinion est dès longtemps assurée au professeur et il paraîtrait aujourd’hui contradictoire avec la nature même de l’enseignement philosophique qu’il en fût autrement. Cette liberté, sans doute, comporte les réserves qu’imposent au professeur son tact et sa prudence pédagogique, c’est-à-dire en somme le respect qu’il doit à la liberté et à la personnalité naissante de l’élève Anatole de Monzie - Instructions du 2 septembre 19245. P 2 .
[13] عبد الغني التازي، الترسيخ الوجودي للدرس الفلسفي،مرجع سابق،ص.  3
[14] عبد الغني التازي،الترسيخ الوجودي للدرس الفلسفي، مرجع سابق صص3 و .4
[15]Anatole de Monzie - Instructions du 2 septembre 1925. P 3 .
[16]Ibd , p 4.
[17] عبد الغني التازي، مرجع سابق، صص7 و 8،بتصرف شديد.
[18] عبد الغني التازي ،نفس المرجع، صص9 و .10
[19] عبد الغني التازي، نفس المرجع، ص.7
 
[20]حتى الفلاسفة أنفسهم لم يسلمو من السقوط في الدوغمائية، وحبائل الخطابات المهيمنة ولربما أن الدوغمائية قدر الإنسان وطبيعته، حتى وان بلغ المرء مستويات عالية من الحرية والتحرر.
[21] يرى "لوي التوسير" السلطة السياسية لاتنحصر فقط في جهازها القمعي، بل عملت الدولة على تصريف خطابها، عبر أجهزة غير قمعية يصفها بالإيديولوجية، كالإعلام والمدرسة والأحزاب والجمعيات الحقوقية والثقافية، وانظر أيضا كتاب "ميشيل فوكو حول السلطة ومدى تغلغلها وتعقدها"، "نظام الخطاب" ترجمة عبد السلام بنعبد العالي.
*** ألا يمكن أن نعتبر أن المطالب الاجتماعية، التي صاغ ذهنيتها الفكر الماركسي، وباتت جل المجتمعات تردد شعاراته دون وعي منه (المجتمع) ، كلما هب للصراخ في مظاهرة أو محفل دولي، تعبير عن طوبوية دفينة في الإنسان، رغم انه يعلم أن الأوضاع الاجتماعية لاتزيد إلا استمرارا على نفس الوضع على الأقل في العالم العربي والدول المشابهة له، ألا يمكن أن نعتبر التنديد بالانعدام الطبقي هو من صلب تكريس نفس الوضعية مادمنا في عالم لايعترف إلا بالقوة والاقتصاد وهل وجدت مجتمعات بشرية دون تفاوت طبقي بل حتى في أزهى الحقب التي تتغنى الأمم بأمجدها وعدلها الم تكرس هذا الواقع.
**** اقتصرنا هنا في هذا العرض على كتاب واحد لبورديو وهو" إعادة الإنتاج"، هذا للإشارة فقط، ربما قد تأتي سياقات تحليلنا واستعرضنا لمفاهيم بورديو، خارجة عن نسق الكتاب، لسبب هو : أننا بتنا ننكب على مجمل دراسات الرجل،وقرأته في نسقيته  وفي لغته.
[22] حاشية.إن احتكار الشرعية الثقافية المهيمنة هو دوما رهان تنافس بين سلط وأعوان. يستتبع ذلك أن فرض أرثوذكسية ثقافية يتناسب مع شكل مخصوص لبنية حقل التنافس، الذي هو حقل لا تظهر فرادته كليا إلا إن نحن عزونها إلى أشكال أخرى ممكنة مثل الانتقائية والتلفيقية كحل مدرسي للمعضلات التي يطرحها التنافس ابتغاء الشرعية في الحقل الفكري أو الفني والتي يطرحها التنافس بين قيم مختلف شرائح الطبقات المهيمنة وأيديولوجيتها.
 
2.2 على اعتبار أن الفعل البيداغوجي ولي سلطانا بيداغوجيا، فانه ينزع إلى إنتاج الجهل بالحقيقة الموضوعية للاعتباط الثقافي بفعل انه كلما كان معترفا به سلطة فرض شرعية ينزع إلى إنتاج الاعتراف الثقافي، وهو اعتباط يلقنه على انه ثقافة شرعية . بيير بورديو وجان -كلود باسرون، إعادة الإنتاج، في سبيل نظرية عامة لنسق التعليم، ترجمة ماهر تريمش،المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى2007 ، ص .124
 
[23] إن أبناء الطبقات العليا لهم رأسمال موروث من عائلتهم ويتكون من رصيد ثقافي مستبطن في شكل أدوات فكرية وبفضل التفاعلات التي تتم داخل أسرهم، فان أبناء الفئات الميسورة يبرهنون على مستوى من النمو العملي المبكر وكذلك الشأن بالنسبة لنمط لغوي أكثر تلاؤما مع متطلبات المدرسة، وهذا الرأسمال يوجد في شكل متموضع داخل بيئة هؤلاء الأطفال : كتب وأعمال فنية وسفريات ووسائل إعلام … كل هذه العناصر تشكل محيطا ملائما للتمرن والتدريب وتفسر النجاح المدرسي للأطفال المنحدرين من هذه الطبقة. عبد الكريم بزاز، المدرسة وإعادة الإنتاج الاجتماعي، حسب بيار بورديو، مجلة ثقافات، ص .99
[24]تعليق على الحاشية 2 القضية 4.1.1، من الكتاب الأول : "أسس نظرية في العنف الرمزي"،  "في نسق التعليم" بالنظر إلى أن على نسق التعليم إنتاج الشروط المؤسسية التي تتيح لأعوان يعوض بعضهم بعضا ممارسة باستمرار،أي يوميا وفي نطاق دائرة إقليمية شاسعة قدر الإمكان، عملا مدرسيا يعيد إنتاج الاعتباط الثقافي الذي له تفويض إعادة إنتاجه، فانه ينزع إلى ضمان لهيئة الأعوان الذين جندوا وكونوا حتى يؤمنوا التلقين، شروطا مؤسسية قادرة معا على إعفائهم من ممارسة أعمال مدرسية متنافرة وهرطقية والحيلولة دونهم ودون ذلك،أي إنتاج الشروط الأفضل صنعا لأجل إقصاء دونما منع جهري كل ممارسة لاتتوافق مع وظيفتها أن تعيد إنتاج الاندماج الفكري والأخلاقي للمرسل إليهم الشرعيين. بيير بورديو، مرجع سابق،  صص.167/166
[25]حاشية .2 لاينجز التوجه نحو التوجه نحو إعادة الإنتاج الذاتي أبدا انجازا تاما إلا في نسق تعليم فيه تظل البيداغوجيا مضمرة (على معنى القضية 3.3.1)،أي في نسق تعليم فيه الأعوان الذين ولوا التلقين لا يملكون لهم مبادئ بيداغوحية إلا في الحال العملي، ذلك أنهم اكتسبوها دونما وعي منهم عبر المعاشرة المطولة لأساتذة ما كانوا هم أنفسهم لها حاذقون إلا في الحال العملي :" يقال أن الأستاذ الشاب يقتدي بذكريات حياته في المعهد وحياته الطلابية == أفلا نرى أن في ذلك قضاء بتأبيد الرتابة ذلك انه لن يستطيع أستاذ الغد إلا تكرار حركات أستاذه المخص به، فإننا لا نرى أنى في تلك المسلسلة المسترسلة من منوالات، بعضها يعيد إنتاج بعض، يستطيع بعض التجديد إليها" (دوركايم).بيير بورديو، نفس المرجع، ص .171
 
[26]بل في الحقيقة يتعدى الأمر في  مجرد الحفاظ على الأوضاع الاجتماعية حينما نعلم أن المسالة تصل إلى الحفاظ حتى على الأوضاع الأسرية عبر الزيجات البينة التي تتم بين عائلات الطبقة العليا وبالتالي تكون الأوضاع الاجتماعية مؤمنة أكثر وأكثرالشئ الذي يعضض تفسيرات التي وضعها بورديو .
 **** انظر بورديو ونسقه العام باعتبار السوسيولوجيا علم يناضل من اجل الصراع الاجتماعي وكشف تناقضاتهعبر الشريط الوثائقي بعنوان : 
La sociologieest un sport de combat en 2002.
 
 
 



#انس_الشعرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار ...
- دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن ...
- لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
- لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
- قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا ...
- التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو ...
- Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
- اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
- طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح ...
- إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - انس الشعرة - من تدريس الفلسفة بالمدرسة الفرنسية الى نقد النسق التعليمي