|
الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : في ذكرى النكبة : مازلنا أحياء ، لنروي ..
عبدالله عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 5161 - 2016 / 5 / 13 - 16:23
المحور:
الادب والفن
الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : في ذكرى النكبة : مازلنا أحياء نروي ونذكر
في الذكرى الثامنة والستين على نكبتنا الكبرى ، نحن الفلسطينيين الذين خصٌنا الله منذ بدء الخليقة بأرض المحبة والسلام الإلهيين ، حيث أقام العابرون ، الخارجون من أسفارهم القديمةِ بشهوة القتلِ المقدّس ، دولتَهم على أجساد قتلانا الذين لاتزال صورهم تروي ما قالت المجازرُ في ذاكرتنا الجمعيّة ، وعلى صرخاتِ الملحِ ، ملحِ الأرضِ المكلومِ ، في دمِ جرحانا المطلّ على باحة الأبدِيّةَ ، وعلى أنّاتًِ مشردينا ، اللذين اصطلح العالم على تسميتهم باللاجئين ، وهي تقضٌ في مخيّمات اللجوء والشتٌات مضاجع العواصم الكبرى بحلم عودتنا . نروي لنذكر . ولهذا كله : مازلنا أحياء . لم نعتب ، منذ آلاف السنين ، نحن الذين كنا نربي الماء في قاماتنا العالية ، على النهر الذي عبر بهم إلى أرضنا ، أرض اللبن والعسل ، ليسطوا على لهجةٍ من لغتنا الكنعانية الأولى يرطنون بها سِفر العهد القديم في الهواء الطازج الذي ما يزال يشبه صلة الرحم بين مدننا ، من السيدة الأولى لمدن العالم - أريحا حتى روح مدن الأرض قاطبة منذ لفظة الخلق الأولى - القدس ، حتى عاد أحفادهم ليرقصوا بأسلحة عمياء على جثث قتلانا في قرانا ، من دير ياسين حتى كفر قاسم ، ويبتروا أصابع جرحانا وأسرانا خشية أن يكتبوا بماء الحياة نشيدنا الأبديٌ في مواجهة صرخة الجندي الإسرائيلي المقنّع بوصايا ربّ جند العهد القديم : إحصدوهم . نروي لنذكر ، ولهذا مازلتا أحياء . ولم نشكُ صحراءنا التي دلّت نجومها علينا ، بعد أن تاهوا فيها أربعين سنة ، إلينا . نحن الذين رفعنا " إيل" درجات على آلهة الخلائق ، ليصارع يعقوب باسمه أحد الملائكة ، فينتصر به عليها ، فيسمّى اسرائيل ، حتى ارتدّ أبناؤه : بنو اسرائيل الذين ما إن دخلوا قرية في أرضنا حتى أفسدوها ، وأعلى كتبتهم وفرّيسيٌوهم المراؤون ، ملكوت السموات علينا ، ليقتنص ، من تاريخنا الموصول بالأبدية من لفظة التكوين ، لهم الرواة ومؤولو الأخبار مملكة قاتلةً للأنبياء وراجمةً للمرسلين منقسمةً على ذاتها ، لم يقم حجرٌ على حجرٍ بها أكثر من سبع عقودٍ ، لم تجد حنكة علماء الآثار أثراً لهم فيها. نروي لنذكر ، ولهذا ما زلنا أحياء. ولم نَلُمْ ،جدّنا الفينيقيّ ، القادم من صلب الكنعاني الأول ، الذي علّم الأجناس ما لم تعلم من فنون صناعة السفن ، حتى أتتْ من شتاتِ الأرضِ كاملة بأحفادهم الخارجين من مراسيم الخِتان في الأسفار القديمة ، بعد سبيين وتدمير هيكلين ِ و مذبحتينِ ، ليحتلوا المكان والزمان ، مكاننا وزماننا نحن شعب هذه الأرض وسكٌانها الأصليّون ، الفلسطيننيَينِ بأجسادهم الثقيلة بأحمالٍ عسِرةَ الحمل من دماء قتلانا وأنّاتِ عذاباتنا ، وخرافتهم الزائفة القائمة على شعب بلا أرض لمحو سيرة جسدنا الأبدِيّةَ في روح الأرض المقدسّة التي لا تدّل على سوانا في روايتها ، التي تشبها ، المفتوحة على السلام والحب الإلهيين . نروي لنذكر ، ولهذا ما زلنا أحياء تماماً . جاؤوا من بحار الأرض جميعاً ، بألوان وألسنة وروائح مختلفة ، متكئين على عين عطف بريطانيا العظمى ، بوعد رئيس وزرائها بلفور المشؤوم عام 1917 بناء وطن قومي لليهود على أرضنا ، بأن حمت قوافل هجراتهم غير الشرعية ، وقمعتْ انتفاضات أهل الأرض التاريخيين بالدم والنار ، ورعت عصابات الهاغانا وشقيقاتها الصهيونيات المدربّات على القتل ، ثم تركت لهم سلاح دولتها العظمى ، لتمتهن معهم قتلنا ، وهي الدولة المنتدبة التي تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية ، ومن والاها من الدول القريبة والبعيدة ، على تراجيديانا الطويلة ، منذ استخدامها الطائرات في المسجد الأقصى ، ثلاثينيات القرن الماضي ، لتصفية الثائرين على حلولها اللاشرعي على أرضنا وسماحها لمكوث اللاجئين اليهود بيننا ، حتى مأساة مخيم اليرموك المحاصر بالجوع والإرهاب والقتل ، وهو الحالم لايزال بالعودة . نروي لنذكر . ولهذا ما زلنا أحياء كما لا يشتهي أعداؤنا . لم تفسح أسلحتهم الطويلة العمياء المؤيّدة ، مثلهم ، بمهنة القتل المقدّس ، الوقت لأحدٍ من سكّان أكثر من خمسمائة قرية دمّروها عن بكرة أبيها أن يشهد مجازرهم فينا .ولم يأذنوا لأحد ، من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف تشرّد منا في شتات الأرض تحت وطأة إرهابهم وتقتيلهم ، أن يودِع أسراره في بئر بيته القديم أو يؤدّع البيوت ذاتها ، وأشجار الزيتون أو التين التي تحرسها ما تزال بعد رحيله . لكنّه ، اللاجئ في مخيمٍ أو المنفيّ في آخر الأرض ، المطارد أو المقتول بعملية اغتيال من الموساد لأنه حامل مشكاة ذاكرتنا الأبدية ، أو مجزرة من جيش الإحتلال ، أو سواه بعد حروب على مخيماته التي احتفظت بزيت الزيتونة حارسة حلمه الأبدي ، ما زال يفرِك بأصابعه مفتاح حالماً معه بالعودة . نذكر ، أيها القاتل العدوّ، أسماءهم واحداً واحداً ، وقد حمل لواءهم العالي درجات على أقرانهم من شعوب الأرض : كمال ناصر ، كمال عدوان، غسان كنفاني ، ماجد أبو شرار ، عز الدين قلق ، ناجي العلي ، وآخرون يروون لنا لنذكر . ونعدّد عليك ، أيها الجنديّ العدوّ ، المجازر الكبرى : مخيم رفح ، خان يونس، مخيم الكرامة ، عين الحلوة ، صبرا وشاتيلا ، جنين ، وأخواتها .. ولهذا نحن أحياء بما يغيظ أعداءنا . نروي لنذكر . من بقي منا هناك على أرضنا ، مثلنا ، أيضاً ينتظر العناق حين نعود . شقا برتقالة نحن ، حزّتها سكينك المثلومة التي جعلت خشب غصن اقتلعته ، أيها المحتلّ، من زيتونة تحرس بيتنا القديم مقبضاً لها .بالدم الأعزل ، كسماء ظلّلت درب آلام السيد المسيح من باب الأسباط إلى كنيسة القيامة ، يتشبّثون بأرضهم المقدّسة ، ويحمون بالميجنا مقتنياتها من صيحتك المهاجرة في المزامير القديمة المتورّطة بمكيدة أنك ، باسم ربٍ اصطفيتَ ليختاركَ علينا جميعاً ، وريث الأمم ومالك الأرض حيث وطأتها قدماك الثقيلتان . قلنا لكَ ، مذ خرجتَ من التلمود بحُلّة ربّ الجندِ وسواطيره التي عمِيت بدماء ضحاياها ، : هذه الأرض كلّها بيضاء من غير سوء . فلا تصدّق وعده بمدننا العظيمة التي لم تبنها ، وآبارنا الطيبة التي لم تحفرها ، وبزيتوننا وكرومنا التي لم تغرسها.لكنكَ رأيتنا موتى كي ترطن أسماء شوارعنا كلّها بلكنتك العابرة مثلك ، وتنال ماء آبارنا كلّها كالأشباح التي سرقته ، مثلك ، بعد رحيلنا ، وتأكل وحدك زيتوننا وعنبنا بأسنانك الكبيرة التي تعضّ على دمنا ، ليس من ندمٍ . وقلنا لك لا تقتلنا ، كي تعيش بسلام على أرضنا ، لكنّ غريزة القتل انتصرتْ على تقنعّكَ ، بحجة أمنكَ الشخصيّ ، بملامح ضحايا الهولوكست العصريٌ . ولهذا نحن أحياء كما نشتهي ، نروي لنذكر ونعد عليكََ خطاياك في دمنا ، نحن الذين نقوم من بين المجازر التي أعددتها مسبقاً لتُدقّ أسماء ضحاياها وأوصافهم أوسمةً على صدر بزٌتكَ العسكرية : مجازر القدس وحيفا ، والعباسية في يافا ، وعرب الخصاص والأرغون ، والرملة ومنصورة الخيط ، والطيرة وسعسع والقيسارية ، ووادي عارة والحسينية وعين الزيتون في صفد ، واللجون في جنين ، وناصر الدين في طبريا ، وبيت دارس في غزة ، وأجزم وبئر السبع والمجدل وأسدود ، وصفصاف ومجد الكروم ودير الأسد ودير أيوب ، والدير والبعثة ، ومجد الكروم وأم الشوف ، وبيت لحم وبيت جالا ، و القوبية وقلقيليا ، والحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى .. ومجازر أخرى تذكرها لأن قتلاها أيضاً يزورنك في الليل ليفسدوا نومكَ . ولهذا نحن أحياء كما يليق بنا ، لنروي ونذكر . قد نسامح أيدينا أنها مدّت سلاماً طيباً عليكََ ، أيها الجنديّ ، ووهبناك أطيب ما في أرضنا لنظل أجمل منك في المرايا ، لكننا لن نغفر لك أنك رددتَ علينا سلامنا بقتلِ أجملنا : ياسر عرفات ، أحمد ياسين ، أبو علي مصطفى ، محمد الدرة ، إيمان حجو ، علي الدوابشة وكثيرون آخرون يشبهونهم. بنا ، ولم تسمح لأطفالنا أن يلعبوا ، أسوة بأطفالك ، في باحة أحلامنا . قلنا لك : قد نحبّ أبناءك ، فلا تربي أعمارهم على كراهية الماء في أصلابنا . قلنا لك : نحن أشبه بالوعل في الغابة مذ جئتَ إلى أرضنا ، لكنك لن تذهب إلى المستقبل وحدك دوننا . يقول التاريخ وتشهد الجغرافيا ، فيما ما تزال تقطن في وصايا العهد القديمة. وقلنا لك : أننا مثل الطير يحبّ حريّته حتى بين سهامك المسددة إلى صدره الذي يعلو ويهبط كموجة في بحر غزة بالهواء الطازج الذي لم تفسده بعد بأنفاسكَ الثقيلة بآهاتَ قتلاكَ في الريح ، فحرّر أسرانا من عتمة سجونكَ وفكرتكَ الغامضة في سفر الخروج ، لنصدٌق أنك مثلنا تحب الشمس . ولأننا أحياءَ ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، نروي لنذكر . كما نحن من قبل ، ومن بعدُ . لم نكن نطفئ نارنا على الجبال ليأنس بها القادمون إلينا بحثاً عن تفاحة المعرفة ، وعابرو السبل المؤدية إلى حجر الرؤيا ، وضيوف السير العابرة ، والشعوب التي أخذت عنا حكمتنا في تعليم ممالك النحل الحراسةَ واللقاح ، ِو البداوى المجاورون لنا فنّ تربية المواشي . لكنّ ممتهني الحروب من الطغاة ِ ، و طرٌاق الليالي من العصاةِ ، وهواة التجول في غرف الموتى من الرواة ، لم يكتشفوا أنتا ، نحن الفلسطينيين ، أشبه بالبحر الميت ، لا يمكن دفننا . نروي لنذكر ، ولهذا ما زلنا أحياء .
#عبدالله_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وسام الثقافة والعلوم والفنون الفلسطيني يمنح لعدد من الكتاب ا
...
-
المركز الروسي - القدس- متضامناً مع الشعب الفلسطيني : الممارس
...
-
الرئيس الفلسطيني محمود عباس : المسجد الأقصى حق إسلامي خالص
-
سفير فلسطين في روسيا عبد الحفيظ نوفل : المجلس الوطني الفلسطي
...
-
سفير فلسطين في روسيا عبد الحفيظ نوفل : نثق بدور روسيا ، وندع
...
-
الشاعرالفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : علي دوابشة ، النبي ابراه
...
-
الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : أنا النهاية أروي لأبقى
-
سفير فلسطين في روسيا عبد الحفيظ نوفل في يوم القدس العالمي :
...
-
المالكي في موسكو : الشعب الفلسطيني فرض شرعيته
-
الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يرثي - نهاية - الكنعانية
-
دفاعاً عن السلطة والمنظمة ، دفاعاً عن فلسطين
-
كمن ينتظر الأبدية خلف السياج
-
الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب تحية للشاعر الفلسطيني الم
...
-
الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب عن معلولا
-
الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب في الذكرى 67 للنكبة
-
في ذكرى النكبة : ولهذا ما زلنا أحياء
-
الساكت عن الإرهابي إرهابي أخرس
-
السيد الرئيس : جل ّشعراء وكتاب فلسطين في الموسوعة الروسية إس
...
-
التحالف الأصولي الإنجيلي - الإسلامي : الغاز أم الدم العربي
-
إذا لم تبك ِ ، حاول فحسب ُ
المزيد.....
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|