أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -52-















المزيد.....

حدث في قطار آخن -52-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5158 - 2016 / 5 / 10 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


عاد أحمد من عمله في نهاية الإسبوع، بعد ظهر يوم الجمعة، إلى غرفته مفعماً بالطاقة والاشتياق لمعانقة صديقته سابينه ذات الرائحة الإلهية ومرافقتها في رحلته الأولى خارج ألمانيا. فتح الباب الرئيسي للبناء الطابقي، نظر إلى صناديق البريد على يمين الباب، انتابه حزن فجائي، مضت أكثر من ثلاثة أيام على وعدها له بالكتابة عن نفسها، ينظر كل مساء إلى صندوق بريده علّه يجد رسالتها الموعودة دون جدوى، وحدها الدعايات التجارية كانت بانتظاره.

هل تتجاهل رغبتي في معرفتها؟ لا بأس فلتفعل لعلها مشغولة بعملها، سأراها في كل الحالات غداً وسأعاتبها. خاطب أحمد نفسه.

هذا المساء، لم يرغب بفتح صندوق بريده تجنباً للصدمة، همّ بالصعود إلى غرفته ثم تراجع خطوتين إلى الوراء، فتح باب الصندوق البني، وجد في داخله ظرف رسالة بلونٍ رمادي، أمسكه بأصابع من شوق، ظرف متوسط الحجم دون طابع، ولما الطابع؟ كي يشتهي ريق سابينه؟ لا حاجة له للإدمان!

في يوم من الأيام،
عاش طابعٌ بريديٌ ذكوريَّ الهوى مغامرة عشقٍ،
سريعة وغير عادلة!
لحستهُ إحدى الأميرات،
لصقته على ظرف رسالة،
أزهرتْ نبتةَ حبٍ داخله.
انتصبَ.
عضّ على شفتيه،
صارَ ابتسامةً بخدين حمراوين.
حين اشتهى لعابها من جديد...
رُميّ في صندوق البريد...
حان موعد السفر.

أخرج الرسالة، شمّها، أغلق صندوق بريده وأغلق باب البناء، خرج للهواء الطلق، لقراءة الرسالة كما أحب وفعل دوماً، جلس على مقعد خشبي بارد تحت شجرة عارية، أشعل سيجارة بولمول، قلّب الظرف بين أصابعه، لم يجد عليه شيئاً مكتوباً ما عدا "فقط لأحمد، سابينتك، مع كل الحب"، كلمات مطبوعة بالكومبيوتر وملصقة على الظرف، رسالة دون عنوان! وضعها على سطح كفه وكأنه يزنها وابتسم...

***** ***** *****
يقولون لك بدءاً من الساعات الأولى بعد ولادتك: يجب أن تبني بيتاً، يجب أن تمتلك أرضاً. ومع هذه الحكم تبدأ رحلة التوفير والحرص ويبدأ الإرهاق. فيما بعد، لكن لحسن الحظ ليس متأخراً، تكتشف مثلاً أنّ أكثر من نصف المواطنين والمواطنات في ألمانيا، صاحبة أقوى اقتصاد في العالم وأعلى معدلات الرواتب في أوروبا، لا يمتلكون بيتاً أو أرضاً رغم قدراتهم الشرائية.

في الأسابيع بل في الأشهر الأولى للحياة في الغربة تنتبه إلى نقودك وتحرص على عدم صرفها إلا بهدف الطعام والشراب إنما بالحدود الدنيا، أما مصطلح التبذير فيُنسى كمفردة ولا يُستخدم، حين الشراء تنشغل في كل ثانية بمقارنة العملة الأجنبية مع عملة الوطن، تخاف من نتائج المقارنة وتتعب.

وجب عليه ذات يوم أن يرسل إلى صديقته في بلده الأم بعض الصور ورسالة خطية مؤلفة من ثلاث صفحات، كُتبت على جهتي الورقة. عندما وصل إلى دائرة البريد، اكتشف أن رسالته قد تخطّت الوزن المسموح به بقليل من الغرامات، وبذلك توجّب عليه أن يدفع مبلغاً أكثر من المألوف للطوابع البريدية اللازمة! فتحَ ظرف الرسالة، أخرج الورقة الثالثة، مزق نصفها غير المكتوب وأعاد لصق ظرف الرسالة، دفع أجور الطوابع المعتادة دون الوزن الزائد وتوجه إلى غرفته مَزْهُوّاً بفكرتهِ.

مضت بضعة أسابيع، وصلته رسالتها الأنيقة كألوان ملابسها الربيعية، أخرجها من صندوق بريده في السكن الجامعي، فتحها بلهفة ودون أن يمزق أناقة ظرفها! انتحى جانباً تحت شجرة لوز خضراء، ليقرأها قبل أن يصعد إلى غرفته، أشعل سيجارته، بدأ يلتهم بعينيه الكلمات المكتوبة وابتسامة تزين شفتيه وتكبر...

عندما أنهى القراءة وجد ورقة بيضاء خالية من أية كلمة! وقصاصة من الورق كُتب عليها: (الورقة البيضاء المرفقة بالرسالة لكَ أيها الوسيم، لتكتب عليها إذا لم يكن لديكم ما يكفي من الورق في ألمانيا! لقد استغربتُ كثيراً أن ترسل لي ورقتين ونصف! هل يعقل أنّك كنتَ بحاجة ماسة جداً لنصف الورقة المتبقي، أكنتَ بحاجة لها فعلاً إلى هذا الحد!؟)

***** ***** *****

فتح ظرف الرسالة، أخرج منه عدة ورقات مطوية مملوءة بالكلمات، أحزنه أن الكلمات لم تُكتب بخط اليد بل بخط لوحة مفاتيح. أتحرمينني حتى من خط يدكِ يا سابينه؟ تمتم أحمد وغاب في قراءة الصفحات التي عنونتها سابينه بجملة "رسالة من إمرأة بسيطة"...
في الأيام الأخيرة طرحتَ عليّ عدة أسئلة خاصة، لم أستطع حتى الآن الإجابة عليها بشكلٍ صحيح. أسئلة تتعلق بالرجل الذي ما يزال بعد زوجي الورقيّ، بوضعي الأسروي الآني معه، وكيف ستتطور الأمور ولماذا قررتُ أن أفعل ما فعلت؟

فاجأتني أسئلتك الكثيرة، أنهكت روحي المتعبة، لكني قلتُ لك ذات مرة: يمكنكَ أن تسألني عن أي شيء وسأجيب على كل شيء، هذا كان وعدي لكَ، ولأن على الإنسان ألا يقدم وعوداً فارغة للآخرين، نعم هذا ما سأفعله الآن. فإذا كان لديكَ الاهتمام الجدي فعلاً بالأجوبة، سيكون لديكَ غداً في صندوق بريدك ما تقرأه في المساء حين تعود من الجامعة، وإذا لم يكن لديكَ الرغبة في القراءة، يمكنك ببساطة أن تمزق رسالتي، أن تحرقها، أو أن تضعها جانباً في درج مكتبك إلى أن يحين موعد قراءتها ذات ملل، في كل الحالات أنا لن أعلم بالقرار الذي ستتخذه!

في البداية وقبل كل شيء يجب أن أوضح لك بعض الأشياء بشكل مقتضب، لن أغسل الملابس القذرة وسأحاول البقاء واقعية إلى حدٍ ما، الشيء الذي من المحتمل ألا أنجح به، لا أرغب تقديم أي إهانة أو إساءة كلامية لأي شخص، فأنا بعد وقبل كل شيء قد قضيت معظم حياتي مع هذا الرجل.

كنا في وقتٍ ما نعيش في ظل علاقة تؤطرها الثقة المتبادلة بيننا، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال، الآن يجب ألا تُستغل هذه الثقة بأي شكل من الأشكال، كل إنسان منا يحتاج في حياته ببساطة إلى شخص يمكن الوثوق به، ويجب ألا يُساء استخدام هذا الولاء...
لكي أتجنب ظهور تساؤلات من نوع جديد أو نشوء صورة مختلفة عما أرغب في الحديث عنه أو أن أُفهم بشكلٍ مغلوط وسلبي... من أجل هذا كله سأبدأ الكتابة عن نفسي قليلاً، عن طفولتي وشبابي، وهذا ما سيكون الجزء الأصعب بالنسبة لي.

***** ***** *****

بدايةً عليكَ أن تعرف أنني لا أكره والديّ، ومن ثم أدركُ أنّ كل ما فعلوه، فعلوه بكامل وعيهم، فعلوه بهدف أن يفعلوا الشيء الصحيح كما يتمنون، كما يتمنى كل الآباء والأمهات، إلا أنّ ما يفعلوه ليس صحيحاً في كل الأحيان! أنا الآن أم! هل تعلم أنني أم يا أحمد؟ نعم أنا أم وأستطيع أن أقول: أنّ الإنسان وللأسف غير قادر على معرفة ذلك إلا في وقت متأخر نسبياً، إنّه أيضاً ببساطة زمن مختلف، إنّه وقت آخر، المهم أنني اليوم تصالحت مع ذاتي، وما حدث قد حدث وصار ينتمي إلى الماضي.

هل ما زلت مهتماً بمعرفة التفاصيل؟
إذا لم يكن لديكَ الرغبة في القراءة، يمكنك ببساطة أن تفعل ما تشاء، في كل الحالات أنا لن أعلم بالقرار الذي ستتخذه!



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -51-
- حدث في قطار آخن -50-
- حدث في قطار آخن -49-
- حدث في قطار آخن -48-
- حدث في قطار آخن -47-
- حدث في قطار آخن -46-
- حدث في قطار آخن -45-
- حدث في قطار آخن -44-
- حدث في قطار آخن -43-
- حدث في قطار آخن -42-
- حدث في قطار آخن -41-
- حدث في قطار آخن -40-
- حدث في قطار آخن -39-
- حدث في قطار آخن -38-
- حدث في قطار آخن -37-
- حدث في قطار آخن -36-
- حدث في قطار آخن -35-
- حدث في قطار آخن -34-
- حدث في قطار آخن -33-
- حدث في قطار آخن -32-


المزيد.....




- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
- -بوشكين-.. كلمة العام 2024
- ممثلة سورية تروي قصة اعتداء عليها في مطار بيروت (فيديو)


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -52-