فاطمة الزهراء فكار
الحوار المتمدن-العدد: 5148 - 2016 / 4 / 29 - 22:34
المحور:
الادب والفن
قولوا لأولئك المجانين, أولائك المشاكسين, أولائك المحبوبين المرحين أصدقائي...
أخبروهم أني أحبهم, أعشق كل تفصيل مفصل عنهم... أحبهم بمحاسنهم و مساوئهم.
يريحني صخبهم و قهقهاتهم, تفرحني صبيانيتهم الغبية... أخبروهم أنهم سر إبتسامتي وأنهم طلاء حياتي الوردي...
و قولوا لتك المجنونة "سالمة" ألا تتأمل في فراقنا شيئا و أن تمحي إحتمال إبتعادي عنها, فأنا على إستعداد لبناء منزل قرب قبرها... و قولوا لتك الأخرى الحنونة "زهرة" أني لا أحبها بل أدمنها, أخبروها أني أحزن حين تقول لي : " لا تخاطبيني مجددا لقد إنتهى الأمر" رغم أني أعرف أنها تمازحني فقط إلا أني أشعر بنوبة بكاء كلما تخيل لي أننا سنتخاصم.
أخبروا صديقتي تلك التي لا أتذكر إسمها أني أنا من سرقت علبة أقلامها الملونة الجديدة في الصف الثاني إبتدائي و أنكرت الأمر ورحت أبحث معها عنها, قولوا لها أني كسرت تلك الأقلام و ألقيتها في القمامة عمدا.
أخبروا أولائك الباعة المتجولين الدين كانوا يفترشون الأرض عارضين سلعهم أني كنت أسرق من هدا مقبط شعر و من الآخر عقدا أو خاتما و كنت أتخلص منهم فور أن أتجاوزهم...
أخبروا صديقة أمي تلك السمينة التي ترتدي الأسود أني أنا من سرقت مجوهراتها الثمينة و كنت على وشك رميها لولا أنهم ضبطوني متلبسة.
أخبروا جارتنا "حليمة" أني كنت أكرهها بشدة و لازلت لحد الآن كلما مررت بجانب منزلها ألعنها... و أخبروا جارتنا الأخرى الطيبة "فاطمة" أم أمين و زياد آني أنا من كنت أسرق الجبن من ثلاجتها و آكله مستغلة إنشغالها بالحديث لأتسلل إلى منزلها خلسة.
أخبروا عائلة "أحضيح" أني كنت أستأنس بمشاهدة خرفانهم في الحوش و أخاطبهم همسا من النافدة, و قولوا لإبنتهم مريم أني لازلت أستطعم مذاق الموز في الخبز الذي تحايلت عليها مرارا لتذوقني منه.
أخبروا صديقة طفولتي "هند" أني لازلت أتذكر يوم عثرنا على خنفساء ميتة فدفناها و قمنا بقراءة الفاتحة عليها و حين أزلنا التراب عنها وجدناها قد عادت للحياة, ربما لم تكن ميتة أصلا.
قولوا لمدرس الروض "علي" أني كنت أركز على حركاته الشاذة مع مربية الحضانة تلك بدل أن أركز على تعلم كتابة الحروف.
قولوا لخالتي "سكينة" أني أنا من كنت أفتش حقيبتها و أبعثر كل مساحيق تجميلها و كنت أفرغ طلاء الأظافر الأحمر عمدا ليتوسخ كل ما بداخلها لأنكر الأمر نهائيا.
أخبروا أبي أني لطالما سرقت سجائره و رميتها بغضب في القمامة و أقسمت له أني لم ألمسها زورا.
قولوا لعمة أمي "حجيبة" انه بسبب منزلها المشؤوم صارت لدي فوبيا من الصراصير.
أخبروا جميع الناس الدين زرناهم و زارونا أن هدوئي و سكينتي لم تكن دليل على براءة طفولتي و إنما كنت أتفنن الصمت خارجيا و ألعنهم داخليا منتقدة كل واحد فيهم كارهة لكل نفر منهم دون سبب... و لا تنسوا إخبار صديقات امي المتعجرفات أني كنت أرتدي احديتهم ذات الكعب العالي و الدوق الرخيص لأقلد حركاتهم و إبتساماتهم الصفراء بكل تمرد و إستهزاء.
قولوا لجميع أولاد الجيران أني أنا من كنت أسرق ألعابهم الجديدة و اخبروا زملائي في الإبتدائية أني أنا السارقة الوحيدة لأدواتهم المدرسية , لكني كنت أتخلص من المسروقات فورا لم أحتفظ بها يوما و لم أنتفع منها أبدا ربما كنت أعاني من مرض "الكليبتومانيا" و إعتدروا منهم نيابة عني.
قولوا لمعلمة الصف الثالث "عائشة" أني لازلت احقد على إستهزائها بقامتي الطويلة مقارنة مع قصرها و أني كنت أتعمد حفظ و تكرار كل شيء تقوله بسرعة بداهة لكي أغيظها عمدا.
اخبروا مدرس الصف الرابع أستاذ "جلال" أن تنبؤه لي كوني سأصبح كاتبة في المستقبل نظرا لجمالية خطي بالفرنسية قد تحقق لكني صرت كاتبة باللغة العربية.
قولوا لجميع اساتدة الإبتدائي اني لم أسعد يوما بالرتبة الثانية رغم كل ما حصدته من جوائز و شهادات تنويه و تشجيع إلا أني كنت مقتنعة تماما أني أذكى بكثير من هده الرتبة.
أخبروا "سناء" إبنة صديق أبي أني أنا من خبأت فردة حدائها تحت الشجرة و تركتها تبحث كالحمقاء.
قولوا لزوجة خال أمي أني أنا من تلاعبت بدماغ إبنتها "مريم" و أرغمتها على إفراغ الدولاب الذي كانت الملابس فيه مطوية بإنتظام إستفزني لأبعثر ترتيبه, لأهرع هاربة بعد نجاح فعلتي تاركة "مريم" تتلقى العقاب دون أن تشي بي و لا يصلني سوى صوت صراخها... حقا أنا آسفة.
أخبروا أستاذ الرياضيات "الطاهيري" بالإعدادية انه بسبب سطحية شرحه صرت لا أفقه شيئا في هده المادة و لازلت ليومنا هدا أعاني من هدا الكسل الشنيع.
أخبروا جميع اساتدة الفلسفة أنه لا احد منهم منحني النقطة التي أستحق, لطالما تواطؤوا في تصحيح ورقتي, و لن أنسى إقصائهم لي في "أولمبيات مادة الفلسفة" تحت دريعة خروجي عن الموضوع دون أن يبالي أحد بإلقاء نظرة عن كيفية تحليلي للأطروحة التي لازلت على يقين أن لا أحد من المتسابقين إتبع مثل منهجيتي.
قولوا لهدا المعتوه الذي يدرسني الإعلاميات حاليا أني أراه يعاني من خطب عقلي أو مرض نفسي ناتج عن عقدة قديمة و عليه بزيارة طبيب نفسي , فلقد ضقت ضرعا من تعامله معنا.
أخبروا أبي أني لن أخذله أبدا, قسما لن أفعل, ذكروه انه مهما طال الزمن أو قصر سأشرفه و سأعترف بجميله أمام الملء بكل إجلال, لن أستسلم حتى أجعله فخورا بي و سأفعل.... إعتدروا له عن شيء ظن أني فعلته و لم أفعله.
قولوا لأمي و أخي الكبير أني لست بداك السوء إطلاقا, شكوكهم هي السيئة لكن صمتي هو من يساعد على تأكيدها, أخبروهم أني لا أخاف مما يظنون بي لكني أخاف عليهم إن ظهر العكس.
أخبروا إخوتي الصغار أنه رغم قسوتي عليهم إلا أني لا أتمنى سوى أن أراهم أحسن مني بكثير , و ليعلموا أني سأكون حاضرة حين سيحتاجونني.
أخبروا العالم أجمع أني لست كما يظهر علي, فكل ما في الأمر أني أمقت إشهار ماهيتي للعلن كوني أؤمن أن لا أحد يستطيع فهمك سوى أنت فقط, لدلك لا أجهد نفسي في الرد عن الظنون... مهما غابت الشمس مصيرها الشروق.
و أخيرا أخبروا تلك... نعم تلك...
أخبروا نفسي أني أعرف ما أريد... سأكون يوما ما أريد, سيان عندي إن فشلت الآن أو عجزت, المهم أني لن أرفع الراية البيضاء أبدا...
رجاءا أخبروهم....
#فاطمة_الزهراء_فكار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟