صباح راهي العبود
الحوار المتمدن-العدد: 5148 - 2016 / 4 / 29 - 18:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قبل الخوض في موضوع نشأة الكون والإنفجار العظيم لابد لنا من فهم إصطلاح المادة والمادة المضادة . فالمادة وضدها (على وفق فيزياء الجسيمات) ,هما تشكيلتان من الجزيئات نفسها لكنهما مختلفتان بالشحنة .فالإلكترون يكون له مضاد هو البوزترون (وهو إلكترون شحنته موجبة) .وإذا دمج الإثنان فإن أحدهما سيلغي الآخر وينفيه.والبروتون المضاد هو بروتون شحنته سالبة ينفي البروتون الإعتيادي الذي شحنته موجبة .ولما كان الإلكترون والبروتون يشكلان ذرة الهيدروجين.وفي جميع الحالات المذكورة وغيرها من أزواج الجسيمات ومضاداتها ,فإن طاقة هائلة ستنطلق على هيئة فوتونات أشعة كاما عالية التردد وبكم هائل عند دمجهما (وبالعكس).هذه الحقيقة إكتشفهاعالم الفيزياء (بول ديراك) عام 1928 بعد أن تنبأ بوجود جسيم مضاد كتلته تساوي كتلة ذلك الجسيم لكنه يحمل شحنة كهربائية مغايرة, وذلك بالإستناد على أفكارالميكانيك الكمي,وهذان الجسيمان سيلغي أحدهما الآخر عند الإلتقاء. وينسحب هذا الأمر على الطاقة الموجبة و الطاقة السالبة,وعلى المجرات والمجرات السالبة والتي تكون على بعد شاسع عنها يُقدر ببلايين السنين الضوئية ( السنة الضوئية هي وحدة لقياس المسافات الكونية وتعادل المسافة التي يقطعها الضوء في الفراغ بمدة سنة واحدة وتساوي تقريباً 9.49 ترليون كيلومتر)... الخ. وعلى وفق المعادلة التي وضعها (ديراك) فقد تمكن العالم ( أندرسون ) عام 1932 من توليد أول جسيم مضاد وهو البوزترون المضاد للألكترون وذلك في أثناء دراسته للأشعة الكونية. وفي العام ذاته تم تركيب أول ذرة مضادة وهي ذرة الهيدروجين المضادة لذرة الهيدروجين الإعتيادية بعد دمج بوزترون (الكترون مضاد) مع بروتون مضاد بإستعمال معجل للجسيمات, ثم تصاعدت الإنجازات في هذا الإتجاه فتمكنت اللجنة الأوربية للأبحاث في مركز الأبحاث الواقع في (سيرن) بجنوب سويسرا من إنتاج بضعة ذرات هيدروجين مضاد. ولوصف الطاقة التي تنبعث عند دمج المادة مع مضادها نذكر بأن الغرام الواحد من المادة إذا دمج مع مثيله من نقيضها ينتج عنه طاقة تكافئ ماينتج عن تفجير (40000)طن من مادة التفجير (تي أن تي) شديدة الإنفجار وذلك بعد أن تنفي المادة نقيضها. وهذا الأمر يفتح الباب للتفكير بالحصول على طاقة وفيرة سهلة للعالم في حال الحصول على كمية وفيرة من المادة المضادة ودمجها مع مادتها الإعتيادية. لكن كيف يتسنى لنا ذلك إذا علمنا بان مايمكن إنتاجه من مادة مضادة في مركز (سيرن) للأبحاث وبمدة عام كامل لن يكفي لتوفير طاقة لإضاءة مصباح عادي لمدة (3) ثواني. إذن علينا الإنتظار حتى نتمكن من إنتاج كم هائل من المادة المضادة لتحقيق حلمنا في الحصول على طاقة وفيرة سهلة.إن هذه المواد المضادة يمكن أن نجدها في قلب المجرات وفي الإنفجارات الشمسية التي يستحيل علينا الوصول لها.
لفهم كنه الكون ووصف بداية التكوين وضعت العديد من النظريات لعل أكثرها قبولاً من لدن علماء الفلك هي نظرية الإنفجار الأعظم , إذ لم يكن هناك لا ذرات ولا جسيمات أولية قبل هذا الحدث,بل كانت مكوناته عبارة عن نقطة مضيئة كثيفة جداً وساخنة جداً تحت ضغط عال وشديد. وعند الإنفجارالذي حدث قبل حوالي (13.8) مليار سنة وهو عمر الكون, إنطلقت كميات متساوية تقريباً من المادة ونقيضها والتي ألغى بعضها البعض الآخر في بداية نشأة الكون .ولقد أدى هذا الإنفجارالى تمدد الكون تمدداً فجائياً رافقه إنخفاض شديد في درجة الحرارة قاد الى حصول متغيرات في المكونات منها ظهور القوى النووية الكبرى والضعيفة,والقوى المغناطيسية الى جانب قوى الجذب التي إتحدت مع بعضها مكونة الطاقة ,ثم ظهرت أول الكواركات بعد 10 مرفوعة للأس (-12) ثانية من تشكيل الكون. كما ظهرت الجسيمات المضادة للكواركات . والكواركات هي جسيمات أولية لبعضها شحنته موجبة تعادل 2/3 شحنة الألكترون ,ولبعضها الآخر شحنة سالبة تعادل 1/3 شحنة الكترون. وعلى الرغم من إمتلاك الكوارك كتلة لكن أبعاده صفرية, ويمكن مشاهدته عند حدوث تصادم شديد بين بروتون وألكترون .وهذه الكواركات هي الجسيمات الوحيدة التي تتأثر مع بعضها باستخدام القوى الأربع الرئيسة في الطبيعة والتي ذكرناها سابقاً. وهي لاتوجد منفردة بل ثنائية (2كوارك) ,أو ثلاثية (3كوارك) .
لقد كان عدد الجسيمات لدى الإنفجار العظيم تزيد على عدد الجسيمات المضادة لها زيادة طفيفة ,وهذه الزيادة هي التي نتج عنها المجرات والمجاميع الشمسية بعد حصول النفي.وبعد جزء من مليون من الثانية إتحدت الكواركات مع بعضها بفعل القوى النووية الكبرى بهيئة مجموعات من جسيمات غير ذرية (الكواركات) مكونة ( البروتونات والنيوترونات والألكترونات ) ومضاداتها .أما العناصر الأخرى ( التكوينات الذرية المتعادلة ) فإنها إحتاجت الى مئات آلاف من السنين لتتشكل بدءاً من أيونات العناصر الخفيفة الهيدروجين الخفيف (بروتون واحد)الذي تكون بعد ( 300000) سنة من الإنفجار, ثم الديتروم وهوأحد نظائر الهيدروجين (بروتون واحد ونيوترون واحد) ثم التريتيوم هو النظير الأثقل للهيدروجين (بروتون واحد ونيوترونين) وبعدها التريتيوم (بروتونين ونيوترونين) وقليل من الليثيوم الذي عدده الذري (3). ومع إستمرار إنخفاض درجة الحرارة وإزدياد إتساع الكون تكونت بقية العناصر,من الأخف (الأقل عدد ذري) الى أكبرها عدد ذرى وهو الأثقل , والتي ترابطت وكونت سحابات آلت بعد إخفاض درجات الحرارة والإنفصال التدريجي وبفعل قوة الجاذبية الى المجرات والتشكيلات النجميمة والثقوب السوداء ليصبح الكون شفافاً ...............ألخ.
هناك نظريات وأفكار وسيناريوهات أخرى في وصف نشأة الكون لعل أبرزها تذكر أن الكون لم يكن يحتوي على النقطة الذرية التي تم وصفها سابقاً,إنما تعزو نشأة الكون الى جسيمات تولدت من الفراغ لتترك مكانها جسيمات مضادة لها ,ويمكن لتلك الجسيمات المضادة أن تندمج لتنفي الجسيمات مجدداً ولينتهي الكون.وهذا يعني عدم وجود أي شيء قبل الإنفجار العظيم ,في حين لم يؤيد علماء آخرون فكرة الإنفجار العظيم على الإطلاق وهم قلة.
أما مؤيدوا نظرية الإنفجار العظيم فحجتهم في ذلك هو الإتساع المستمر وإبتعاد المكونات المتولدة عن مركز الإنفجار ,الى جانب الخلفية الإشعاعية التي أكدها العلماء .وكذلك في نسب ( الهيدروجين 74% ,و الهيليوم 24% ,وبقية العناصر2 % ) التي تمثل مادة الكون في الجزء المدرك منه,وهو دليلهم على بداية الكون كما تم وصفه آنفاً في نظرية الإنفجار العظيم. فلو كان الكون بدون بداية لكان الهيدروجين قد إحترق بدءاً وتحول بالكامل الى هيليوم . وهذا الأمر لم يحصل.
يعتقد بعض علماء الفلك أن الكون سيبقى يتسع ثم يعود لينغلق ,أي أنه يتمدد بعد الإنفجار ثم ينكمش وينسحب( يتمدد ويتقلص) متذبذباً في دورات متتابعة ( غير متشابهة ) والى مالانهاية. ومن وجهة نظرالفلسفة المادية الديالكتيكية والتي نهجها وإسلوبها وفهمها قائم على أساس مادي في دراسة وتفسير الظواهر الطبيعية ,فإنها تعد الظواهر في حركة دائمة , وتطورها هو نتاج لتطور الظروف وللتفاعل المتبادل بين قواها المتضادة. وإن التناقضات الداخلية تكون ملازمة لجميع الكائنات والظواهر الطبيعية لأنها تحتوي على جانبها السلبي والإيجابي ( الشيء وضده ) . ومن جهة أخرى فإن القوانين الرئيسة للديالكتيك (تحولات الكم الى كيف ونفي النفي وتصارع الأضداد) التي تحكم حركة المادة, تنطبق على ما قيل حول قيام الكون ونشوئه , فالمادية الديالكتيكية تؤكد على أن العمليات التراكمية (تراكمات الكم) التي تحدث عبر الزمن تخضع لنوع وطبيعة ذلك التراكم ومساراته وإتجاهاته والتي ينتج عنه تحولات في النوع ( الكيف ) عندما يتجاوز حداً معيناً ( الحد الحرج أي المعياري ) , لذا فإن تراكم الحرارة والضغط لحظة ولادة الكون عندما تجاوز حداً معيناً وهو الحد الحرج نتجت عنه تغيرات نوعية تجلت بالإنفجار.
من ناحية أخرى فإن النظرية الديالكتيكية تعد أن في داخل كل مادة توجد بذور وشروط فنائها,إذ أن كل شيء في الكون يشتمل على طرفي التضاد , وكل ظاهرة تشتمل على طرفين متناقضين يتصارعان فيما بينهما (تصارع الأضداد) , فالمادة تحوي في داخلها على متناقضات سلباً أو إيجاباً , أي أن هناك الشيء وضده. كما أن الكون في حالة نمو وتلاش أي أنه ينمو ويتضاءل ويعود الى نقطة صغيرة يحتدم فيها صراع المتناقضات ليعود ينفجر من جديد. كما أن الظاهرة الجديدة تقوم بنفي الظاهرة القديمة, فظهور العناصرفي الكون بالتتابع يعني أن كل عنصر(بعدد ذري معين) ينفي ما قبله الأقل عدداً ذرياً وبشكل متطور ومتصاعد كما أسلفنا. إذن التطور سلسلة لا متناهية من نفي النفي ,وهذا أيضاً يسند نظرية الإتساع والإنسحاب أي التذبذب والتي تلازم كوننا وعدد هائل من الأكوان الأخرى المتوقع وجودها .
يقول أنجلز في ( ديالكتيك الطبيعة ) كل شيء في الكون في حالة دائمة من النشوء والزوال وفي حالة تغير متواصل,وحركة دائمة بدون توقف.
#صباح_راهي_العبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟