عبدالرزاق عبدالوهاب حسين
الحوار المتمدن-العدد: 5148 - 2016 / 4 / 30 - 11:35
المحور:
الادب والفن
الجزء الثاني من رواية اخر ملوك سومر
انا حسن او اي من الاسماء التي ترونها مناسبة وطأت قدماي الارض , معابدها ومقابرها لمست جبهتي التيجان والتراب , ليس لأحد وجود تواريخي العتيقة ,رأسي من فضة وجسدي انصهار الابدية وخراب الزمان , ليدي سحر الكتابة وظلالها على الكتب المقدسة , لم يك لي سوى وجعي ولم يتبقى سوى ظلي الاخير معمدا بالتبر والاسفار, فما عساني ان افعل وأنا اقود رحلتي للمجهول و الديان الاعلى , الرب الذي سميته وعددت اسماءه وتعددت في خزائن الكتب الصفراء, انا حسن , حسن الصعلوك والنبي والامير الضال عشت هناك قبل ان اكون هنا او هنا قبل ان اعود لهناك, أنا رجل السماء الذي استفاق بجوف الارض , متزيناً بحلم العودة , ولكن لايشبه ذلك الى حد ما ما أنا فاعل ,كتبت طوبى للمساكين والمجانين , وبكيت على جثث قتلى الطرق النكداء. هزمت وهُزمت ولم يعد لدي سوى ذاكرة العودة , ختنت وانا في بطن امي , ادركت انهيار المدن واحدة تلو الاخرى... هتفت في الساحات العامة واعدمت فيها ليخضر دمي شعباً ... انا حسن انا الله ودمعة المساكين واخر ملوك سومر معفر بلوعة الجنون وصراخ قتلاي اعي مايمتهن حزني ويومي الطويل والابدي ليس لسري سوى سرة الذكريات الغائبة انا حسن اكتفيت بك واحتفيت لم اك قرين الرؤيا انا هي فيك تستوي حين احبك وتهجرني حين لااراك ..انا حسن الصعلوك والنبي لم يرني الا الله وانت عيونكما على جسدي تحفر ماضي الذكريات وتعيدني الى تراب المقابر والنشيج ...
ايام من فوضى الالم تشبه عزلتي كنت اعيد قراءة مااكتب منتظراً لحظة ما لفك اسر شوقي . انتظاري لها يكبر ويتسع شاسعا مع روح الخوف التي تتلبسني الورقة ذاتها امامي لم احذف كلمة منها او ازيد كأن كل الوجود يتوقف فوق بياضها يداي تتيبسان تتحجران الصمت يلف اصابعي بانعدام انسياب الحركة . اتحجر انا لاشيء الا قلق من يبس الزمان اختنق بثقله .تحت نيره انا كتلة من الوهم , استرق السمع من خلل ايام لاتقوى على البوح, استعبدني ما انا عليه ,الخوف والقلق ربان , يخلقان نزعة القهر التي اعيش , ربما بعد حين من الان انهض بألهي الذي اقوم بحمله متحررا من ابدية الفناء لأجوب من جديد اطراف روؤاي واكتب لك تعاليم الالهة التي تنكر لها جسدي وانسكبت خارج زنازين الذاكرة...شيء ما جديد اضيفه للكم الهائل من ابجديات عزلتي , التأمل تأملا من نوع خاص يغلفه الالم استعين به على ذلك الفراغ المفضي الى حدب المسافات القصية من نواح التذكر. افترضت ان يدي تتحرك محاولة المسك بأي شيء من خيالي .. تجوس ثناياه فلا تجد الا فراغا ابيض يتسع ويدي تواصل البحث عن ما تريد امساكه, ربما كلمة واحدة تكفي , فالأفكار مخيفة وشحيحة في مثل هذه الحالات ,وانا في اشد حالات الحياد ارقب مايحدث من لعبة البحث تلك, .
الايام تتوالى وكل شيء يبدو مملا ثقيلا مستبدا, رتابة الاوراق ,مشهد يومي يدق عنقي يربك استعارتي لأحلام الاخرين, السنين تفرض احتمال يأسها من التوالي , تقف كحيرتي من المضي لنهاياتها , فلم يعد لدي مايكفي من الصبر والعقل والنسيان, فاطمة , علي ابو الهور , ابو الحسن, وفي الجانب الاخر من الذاكرة ينتصب شامخا ابو عبدالله وابن الناجي والقذارات كلها وشكي انا من الحلم الذي يغزو فراغ الذاكرة...صباح اخر ملبد بالوهم والاصوات ..الحروف تتقافز امامي لاتجد مناصا من القفز الى داخل عقلي من خلال عيوني المنهكة لاشك ان ذلك يحدث بفعل تأثير عقاقير الهلوسة والمهدئة, دهر من التيه المسافة الزمنية التي تفصلني عن الذات , ذات حسن الاعرج او الاله الضال والعشبة التي تحولت الى اقراص صغيرة وبيضاء... بعيد ادراكي لما اصابني خارج البيت العتيق على مشارف الطريق العام لم يعد هنالك مااتذكر فقد تلاشى كل شيء انتهى, فكل مااتذكره كتبته للمرة الالف فاطمة ,علي, وغرفة صماء لاتوحي الا بالصمت والخوف والقلق ووجوه ممزقة تملأ صفحة الجدارلم استطع تبين ما أنا عليه لاصوت الا ذلك الذي يتردد مشيرا الى الاوراق الصفراء المهلهلة المليئة بروائح فضلات الاطعمة وبقع الشاي
- اكتب حسن تذكر مابعد خروجك من البيت ومن كان معك؟ يمكنك ذلك ,تخلص من هذه القاذورات انها ليست حياتك..
كيف لي ان اعرف او ان اتذكر وجع التذكر يؤلمني , اليد تنغرز في دماغي تهرش باظفارها كل شيء تقلبه رأسا على عقب لاشيء سوى الصراخ بل صدى صراخ ما يتردد للان يصم اذاني , لم اتبين الصوت الذي ورائه اكتفيت ان يكون كل ذلك الصوت طريقي الذي احالني الى هذا المكان الذي تحكمه قوانين الحزن والتيه, اعوام تغور بي تنهش لحمي تأكلني والاوراق تتحجر تنتن تفوح منها روائح الموت والجنون اعوام من التيه والجنون تتواكب على وجودي في محتبسي سجين لااقوى على شيء سوى الابتسام والبكاء والتأمل بفعل تلك الاقراص البيضاء والصدمات الكهربائية تحولت فعلا الى كائن خرف لايقوى على شيء ربما غزاني الجنون على حين غرة وفقدان الذاكرة فقد تجمهر في رأسي فراغ الكون كله لاشيء لاشيء يطيعني وضوحه انا مائت مائت حد الضحك الذي يغزوني والبكاء الذي تسيطر على نوباته , لااحد يطيل النظر بي ولاسواي تمزقه اظافره اللعينة كيف لهدوئي ان يحدث وما انا سوى قلق المبهم من حولي, لعنة ما انا , ربما قاتل ربما انا كما يقال من قتل اباه او امه او ممجموعة من محبيه كيف لي ان ادرك ان اعرف وعتمة الفراغ تملأ حكايا الاخرين فقد قيل انا حسن اذن انا حسن ومنذ عشر سنوات اقبع هاهنا قطعة لحم عرجاء يلوكها القمل والوسخ والحديد , مصنف مجرم غوغائي قاتل وحالما انظر يدي ارتبك تلك اليد الصغيرة الناعمة الشديدة الهزال بكل دقتها تنمو في اطراف اصابعها اظافر لاتستقر الا بلحمي ليسل مع كل التحام بينها وبين وجهي دم اسود محتقن , لمرات عديدة حاولت ان امزق ذلك الوجه لأطرحه امامي ان انتزعه فأراه امامي فأتيقن هل انه فعلا القاتل الذي يتلبس وجع الاقاويل وفراغ الذاكرة؟ هكذا عرفت ان الفراغ لوثة وعلي ان اخرج منه بكل الاساليب المتاحة كنت اصغي لكل صراخ الذين اتعبهم الجنون وارهقهم العقل اصيخ السمع بين هؤلاء واولئك فلا اجد سواي جديرا بسماع انينه ومحاولة فهم ما يحدث له , هكذا كان مشهدي اليومي لأعوام عدة يختصر العمر ويتناوب عليه الموت وعنف الريبة من ان اكون قاتلا لمن احب فقد قيل ان امرأة تدعى فاطمة وجدت ممزقة تملأها دموع حمراء ممزقة بعنف تحيط جسدها الكلاب وثمة رجل توسد الجسد مغيبا عن الوعي او هكذا وجد متلبسا بجرمه وحين سألت عن ذلك القاتل قيل لي وبطرييقة ساخره انه حسن؟؟؟ وقد يكون كل ذلك لاصحة له ربما ثرثرة جنون قاس وربما حقيقة غائبة لم اعد ادركها فلسنين عدة وانا انتظر اكتمال صورة فاطمة في رأسي لأعرف من تكون فاطمة فاطمة فاطمة توسلت صحوة جنوني وعنف المي ان ارى ملمحا بسيطا من تلك المرأة المسجاة في اقاصي الغياب والتوجع والنزف المستمر ولكن دون جدوى, فمن اتوسل وممن استجدي وضوح الرؤيا , فما ان تذكر حتى اصاب بالهلع , اصبح البعض يتلذذ بذكرها امامي لما ينتابني من نوبات صرع اذ ابدو كديك مذبوح يغطي شدقي الزباد وفمي الدم بفعل قضم لساني لمرات عديدة اتلوى متقافزا على الارض وثمة ضحكات تملأ فضاء الباحة الرئيسية للمشفى وهكذا تطور الوضع واصبحت املك زمام المبادرة للهجوم على كل من تسول له نفسه بالنطق بأسمها امامي( فاطمة )الاسم الغريب الذي نال مني , اسقطني ارضا اذل كبريائي واضحك جنون المخاتلين وسراق العقل , من هي؟ من تلك المراة التي تطفو فوق مساحات دمي من هي؟ ليت تلك الحكاية تؤكدها لي وتجعلني قاتلا او عاشقا مخذولا , فقد سرد الحكاية لأكثر من عشرات المرات الدكتور سعدون بحذر شديد وكأنه يهمس همسا يتواصل معها وهو ينفث دخان سجارته ويداه ترتعشان , وفي احيان كثيرة ارى دمعة في طرف عينه وحين يغص باسى روحه التي ينزف مع كل حرف يقول يطفق هاربا شاتما ولكنه يعود ليكمل حكايته والتلذذ بما يراه حادثا امامه
- اللعنة عليك حسن انت ملعون ليوم يبعثون (نافثا دخان سيجارته متابعا)
الكل يعلم ياحسن مااصاب بغداد بعيد هيجان الجنوب فلم يعد احدا يأمن على نفسه ممايحدث من اعتقال او مداهمة لاقتياده حيث المجهول, فالكل متهم بتلك الاحداث ومطاردة ابناء المحافظات الوافدين الى بغداد والقبض عليهم اصبح الشغل الشاغل لأزلام النظام, لاسيما ان اغلب قبائل الهاربين من ابناء الجنوب وعمومتهم سكنوا واستوطنوا مناطق محددة ومعلومة ومحاصرة من قبل النظام مما سهل ذلك عملية المطاردة ووقوع الوافدين بيسر وسهولة بايدي السلطات, فلا يدخل احد لبيت الا وكان اسم مضيفه لدى السلطات , فكل مختار مرشد امن وابن كلب, اما المناطق الاخرى فكانت تعج بالحذر والريبة من الغرباء حتى وان كانوا زوارا لبيوت معروفة اذ لايخلو الامر من الشك بالقادم الغريب والريبة, يضيف دكتور سعدون متنهدا , في تلك الليلة السوداء النكداء والكل يرقب الكل ,في منطقة قريبة من اطراف بغداد كان الصمت يعم والناس هجع يطرقهم الصمت والخوف ,وثمة بيت تعوده اهل المنطقة خاليا مهجورا مظلم كتلك الليلة السوداء المشوهة المعالم والاحداث فالبيت كما اكد البعض لمسؤول كبير في الدولة كان مهملا الا في تلك الليلة فقد كان يبدو ان البعض دخل البيت لسبب ما ربما لسرقته او للاحتماء به من اعين السلطة فقد اثار صوت فتح الباب ريبة جيران البيت لذلك كان في تلك الظرف الاجدى الاتصال بالسلطات للاخبار عما يحصل والا ستكون النتائج وخيمة على الكل ان حدث ماكان يهدد امن البلد مثلما يقال باقتحام ابناء الملحة (الجنوبيين) لذلك البيت والاختباء به او ان عاث به اللصوص فكلتا الحالتين يوردان التهلكة
... انا المجنون, على اعتاب رؤاي تقف الحياة والذكريات , ثمة امر ما لاافهمه , تلك القضبان والصداري البيضاء كيف اجتمعتا معا , السجن المشفى او المشفى السجن أي عته هذا , سقطة اودت بي لهذا المكان الذي لايرسم في ذهن من يراه سوى السجن, خاصة بأسواره المحكمة وسيارة الشرطة التي تقف امام المستشفى باستمرار، وربما ذلك لحماية النزلاء . ففي جانب قصي من المستشفى يوجد قسم خاص بالحالات الخطرة، ونزلاء هذا القسم هم ممن ارتكبوا جرائم قتل او من الممكن ان يرتكبوا مثل هذه الجرائم لذلك هم يحجزون خلف قضبان حديدية متينة وبعضهم مقيد بالسلاسل وهم في حالة يرثى لها من حيث اهمال العناية بنظافتهم، وهم معزولون عن الاخرين تماما. كنت كما يشير وضعي اخطرهم او هكذا اوحي لي في احيان كثيرة , مجنزر بسلسلة حديدية على شباك الغرفة الصغيرة التي تشبه الى حد ما قن دجاج, اشبه بخروف معد بشكل واضح كأضحية , غير ان مايميزني عن تلك الاضاحي هزالي الشديد ولربما ذلك مااجل ذبحي لسنوات عديدة لاادري كم من السنوات ولكن قطعا انها كسنين مصر العجاف بالرغم لم اشعر في لحظة ما اني عزيزمن أي نوع , دون معرفة سابقة وجدتني انا حسن مع صدى لصوت يزلزلني كل لحظة تهجدت بأسم الحياة في هذا المكان الذي يدعى مستشفى المجانين, الذي اختير موقع بناء ه قبل ما يقرب من اربعة عقود تقرر ان يقام في منطقة هادئة ومنعزلة عن الاحياء السكنية، لكنها اصبحت اليوم ومع التضخم العمراني وسط الاحياء السكنية في نهاية حدود مدينة الثورة في العاصمة بغداد. صدقاً لاادري البتة كل التواريخ ضائعة ومهمشة ولااعلم كذلك لماذا انا هنا ومنذ متى كل شيء غائب الا هذه القطعان البشرية المتصارخة والمتضاحكة أحيانا تسقط بعض طلقات المدفعية في البهو لتضيف الى متاعب المرضى غير المستقرين متاعب جديدة يدب الذعر والتصفيق والتهليل والرقص والانبطاح ويتكردس مجموعة هنا او هناك استعدادا لهجوم وهمي لايفض الا بتدخل ازلام المشفى القساة وربما يتطور الوضع بصدمة كهربائية لبعض المرضى المتحمسين , هكذا بدأت اسمع الصوت يدوي من جديد محاولا الوصول له قبل كل قذيفة ساقطة على النزل الكبير الرمادي الغائم بالقبح والفساد , قبيل ايام دخل الدكتور سعدون مشيراً لي كعادته بالكتابة على الورق المتراكم امامي قائلا....
- هذه المرة سأسرد عليك حكاية ربما تسعفك في كتابة شيء للتذكر, منذ ايام والاخبار تتواصل ان ثمة غول يتقدم غول كبير وقبيح ياحسن نتن يتقدم نحو البلاد , اتسمع الازيز؟ ذلك اثر صوت اجنحته وتلك الحمم التي تتساقط هنا او هناك حممه القادمة ياحسن , اما سنينك امام الاوراق فقد ضاعت لم تعد ذات جدوى ولكني سأعمل بك معروفاًًسأفك قيدك وعليك ان تكون هاديء وتتعود ان تكون بلا قيود رغم معرفتي انك ستعود لقيد الذكريات والالم والتشرد, بلا مأوى والجوع سيلسعك ولن يسعك ابدا ان ترى طريقك الى الديان ياحسن , تعلم ان تبكي ربما سيرى الله دموعك وتبصره من خلال عينيك الدامعتين. حسن انتبه ما هي الا ساعات وتدب الفوضى في بغداد بعد ان تصل القوات الامريكية الى قلب العاصمة ...
بعد فترة صمت قصيرة واصل الدكتور سعدون
- اوتعلم بالرغم انني اعي انك تنصت جيداً ولكن قد تكون لست معي هههههه ربما ولكن افهم حسن, كل شيء يتداعى لم يعد هنالك في هذا المكان سوى القلة من العقلاء امثالك والمجانين امثالي , اسمع حسن انتبه جيدا ,قرأت شيئا يشبه السحر , صدقا لااعرف ماهو ولكنه اعتراف بما سيحدث ,ايام وانا اعيد قراءته بحرص شديد, حتى عجزت تماما من شدة الذهول ,حسن ربما انت لاتعلم او انك لاتعي مايعني قطعا ب(فدرالية الاخوة العالمية) ,لاعليك وانا كذلك ولكني قرأت هذه المقالة حسن سأقرأها لك الان على لسان تلك الفدرالية اللعينة اسمع حسن,
واخرج من جيب سترته الداخلي ورقة لفت بعناية فائقة وبدأ بقراءتها ....
(أن الحضارة المصرية لا تخيفنا لانها طيلة التاريخ ظلت حضارة مسالمة، لم تنبثق فيها دولة توسعية ولم تمارس الغزو الخارجي. انها حضارة روحانية أخروية جوهرها تقديس الحياة الاخرى، لهذا فأن اعظم رموزها هي (الاهرام)، التي هي اساسا قبورا للملوك، وكتابها المقدس هو(كتاب الموتى) الذي فحواه كيفية تجاوز يوم الحساب وبلوغ الآخرة!
بينما الحضارة النهرينية هي النقيض تماما، انها مادية دنيوية لا تؤمن بالحياة الاخرى ولا بجنة موعودة، بل غايتها الدنيا والمتعة، لهذا فأن اعظم رموزها هو (برج بابل والجنائن المعلقة) وهي رموز دنيوية غايتها العظمة والمتعة، اما كتابها المقدس فهو(ملحمةكلكامش) الذي اعلن صراحة استحالة بلوغ الخلود وان غاية الانسان هو التمتع بالدنيا. نعم أن الروح العراقية نقيض الروح المصرية، لأنها نارية استحواذية توسعية، فكان العراق مقرا لامبراطوريات كبرى توسعية منذ البابلين والآشوريين، وصولا لأخطرها امبراطورية العباسيين التي حكمت نصف آسيا وشمال افريقيا طيلة قرون. بل ان هذا البلد كان كذلك مقرا وعاصمة لامبراطوريات اجنبية كبرى، مثل امبراطوريتا الاسكندر المقدوني ثم الساسانيين الذين اختاروا المدائن عاصمة لهم.
لهذا فأننا في (فيدرالية الاخوة العالمية) قد آمنا بأن الحضارة المصرية لا يمكنها ان تنافسنا، فبقينا دائما في علاقة ايجابية معها بل جعلناها ركنا مقدسا في عقيدتنا الباطنية وتبنينا الكثير من رموزها الدينية. ونجهد دائما لتسليط الاضواء عليها في وسائل الاعلام والمؤتمرات والجامعات والمتاحف والمكتبات.
اما الحضارة العراقية فهي منافسنا الاكبر لأنها الاقرب الينا، فحضارتنا الغربية هي صورة محدثة عنها، أي ذرورة الحضارة المادية الدنيوية. أننا نعرف ونعترف بأن جذور حضارة الغربية ترجع الى بابل، ونحن لا نتنكر لها، بل نخشى ان نعلن عن ذلك صراحة لألا تسرقنا هذه الحضارة وتستولي علينا، فتصبح (بغداد) هي (باريس ولندن ونيويورك). انها الروح التي نحتاجها ونقدسها في اعماقنا، لكننا لا نريد ان نعترف بها، الا بعد التيقن من قدرتنا على السيطرة عليها. نحن مثل الابناء اليافعين، نحتاج الى الكثير من النضج والاستعداد لكي نتصالح مع معلمنا الاول ونتمكن من التفاهم الايجابي معه والاستفادة من خبراته وثرواته. ان العراق حضارة خطيرة بقدرما هي جبارة وغنية وعظيمة. انه اشبه بالحيوان الحيال المفترس الذي يحتاج الى الكثير من القوة والسيطرة والمراوغة والتركيع والتجويع من اجل تدجينه وترويضه. ان أي ضعف من قبلنا ازاء هذه الروح العراقية النارية المتحفزة سوف يمنحها الفرصة التاريخية المنتظرة لكي تثب علينا وتلتهمنا مثلما التهمت غيرنا من قبلنا).
لم اك اعلم قبل الان اني حاولت قتل احد ما ولكني كم احب قتله الان وكم اشتهي الهروب بعيدا ابعد من تيهي العالق في امكنة تصحر الذاكرة ونسيان الغادين لعناوين جنوني العتيق
... فأنا لاارتدي ما يستر عورة خلقي يبدو لي انا واضح كل الوضوح امام هذا السعدون التفت صوب الاوراق وسعدون يعمل جهده لفك قيودي واصوات الانفجارات تملأ المكان وثمة اقدام بحجم العقل تتسلل خارج المكان,وهو يؤكد بقوله
- سترى سترى ايها السومري الذي نسى رأسه معلقا على جدار المعابد القديمة لايحق لك ان تهرب بعيدا عن مايحدث .
هكذا وبأصرار عجيب كل البدايات ترافقني . ففي بداية دخول القوات الاميركية الى بغداد، حيث لا دولة ولا حكومة، فتحت ابواب المستشفى بالقوة من قبل الغوغاء وخرج غالبية النزلاء الى الشوارع واختفوا تماما.
( 2)
لم افقد صلتي بالقراءة كنت واثقاً ان الاوراق المليئة بالحبر الاسود غالبا ماتبعث بخيط من الحقيقة بالرغم من كل مايحيطني من غموض فهي محاولتي الاولى مذ خروجي مع الاف المجانين من المصحة الى الشوارع العامة حفاة جياع شبه عراة , كان دأبنا البحث عما نسد به رمق الحياة هكذا تسللت بهدوء شديد الى مكب نفايات الفندق ابحث عما تبقى من ارغفة الغزاة لاادري لماذا يتراءى لي انني ارى جثة ما ومانحن سوى مجموعة من الكلاب تحاول نهش تلك الجثة الملقاة في المكب ذعرت انذاك اصابني الهلع لولا ان قطعة الجريدة تلك التي نقلت خبر الصحفي اعادت فضولي لمنطقة ما من الذاكرة , جنود اهااااا تعمدت الاستغراق فيها واعادت قراءتها لمرات عديدة مبتعدا عن تقافز وتدافع رفقاء جنوني لداخل المكب , لم يستمر الوضع على ماهو عليه طويلا فالمكب الذي يقع خلف بناية الفندق مراقب بالكامرات وكان التدافع على مخلفات الجند يمثل مشهدا تعوده المراقب على مدى الايام القليلة المنصرمة الا انطوائي متخذا وضعا خاصا بمتابعة ماكتب في الجريدة انذاك فقد جلب الانتباه فما هي الا لحظات واحاط المكب عدد غير قليل من الامريكان يرافقهم المترجم الذي كان مبتسما ربما لجنوني او لما يراه من عدم مبالاة رفقاء المصح وبقاءهم داخل المكب , كان صوته خفيضا اراد ان يعبر دفعة واحدة عن سوء الوضع العام وعن مايحدث والمأزق الذي يمر به الكل فلا فرق بين مجنون وعاقل الكل سواسية , كان ينظرني بدقة متناهية يدقق في كل حركة اقوم بها بالرغم ان يدي على الصحيفة وعيوني تتنقل بين حروفها وبينه هو, تقدم قليلا نحوي متسائلا
- اتجيد الانكليزية؟
لاادري حقا هل اجيد الانكليزية ولكني اقرأ بسهولة ويسر ماهو مكتوب في الصحيفة واعلم ان في رأسي اصوات للغات اخرى تضج بي , كنت اريد ان اجيب الرجل ان اقول له شيئا ما او استوضح وجودي وغيابي في عالم البؤس والمنفى ,دون وعي مني حاولت وكأن محاولتي تلك تكررت في مكان اخر لم اعد اتذكره ولم يكن الا الصمت حليفي....
كرر المترجم بلغة لاتخلو من المغالاة هذه المرة ولكن بالانكليزية قائلاً
- هل قرأت الاخبار في هذه الصحيفة؟؟ طيب من انت او لنقل ماتفعل هنا ؟ لم انت شبه عار ومن هؤلاء؟
استبد بي الذهول احسست ان قدمي ويدي مقيدتان والاغلال تمسك بحركتي وكأني لم اغادر البته المشفى برغم مايحدث امامي وتغير الامكنة والشخوص المتحولقين حولي , ليس هنالك مايجدي سوى الانتظار الذي يعتقلني بوهم القادم فكل محاولاتي باءت بالفشل , ان اقول شيئا او ان اتحرك , كان رهان المصادفة لقاء اولئك القادمين من وراء الشمس , فها انا غائر بالجوع وتيه الذاكرة وثمة من يسأل والصحيفة لاتنبيء سوى بالخراب والموت , استنفذ الرجل صبره ادركت ان شيئا ما سيحدث او ان الحدث ما انا فيه لم تمض سوى لحظات الا وكانت كفه تلطمني بقوة وثمة ايد تحملني او الاصح تسحل ماتبقى من عظام جسدي الناحل.
لاشيء اقطره معي سوى الجنون ليتحاوروا مع مجانين أخرجتهم الحكومة العراقيّة من المستشفيات إلى الشوارع.اعتقد من غير المعقول ان يكون ذلك السبب او دافعا لما يجري اذ لو كان ذلك السبب الوحيد لكان معي امثال منى عسال الفاتنة التي ماان تراك تهز خصرها وتتلوى بحزن على انغام اغان من تأليفها والحانها لن تسمع بها قط ولن تتكرر فاتنة مجنونة تلك المرأة التي اشيع ما اشيع عن ليلتها الحمراء في مزارع ابن الطاغية عدي صدام وكيف انتهت باقتيادها الى مشفى المجانين , حيث لم يتبق من تلك الليلة سوى بدلة السهرة التي رافقت منى لسنوات طوال وعادة القاءالأوراق النقدية التي كانت تحمل صورة صدام حسين في المرافق الصحية، او( جمال)الذي يكشف عن عجيزته كان يذرع الشوارع جيئة وذهاباً يوجّه جملة شتائميّة إلى شيء مؤنث مجهول ، قيل إنه يُدين السلطة بتلك الجملة وقيل إنه يُدين امرأة أحبّها. وفي ظهيرة يوم قائظ في بغداد وقف أمام سيارة همر أميركية ليعطِّل مرورها، وما كان من الجندي داخلها إلا أن قضى عليه برصاصة استقرّت في قلبه ليتوفى فوراً. ولم يعرف أحدّاً سرّ جملته إلا أن سبب جنونه سرعان ما تبدّى بموته، فقد كان أحد المشاركين بانتفاضة عام 1991 ضدّ نظام صدّام حسين، إلا أن فشل الانتفاضة وما رافقها من إعدامات وتعذيب أدى إلى جنونه الذي دفع بجمال، الذي عايش عنف مرحلتين سياسيتين دمويتين، إلى حتفه. .
استبد بي القنوط والهدوء وانا اسحل لداخل المبنى الكبير المثير والمخيف بكل مايحيط به من دبابات وسيارات عسكرية مصفحة, فلا خيال لتوصيف مااراه امامي فالذعر يرافق حواسي يشلها لم اعد ارى شيئا بل تعطل ماتبقى لدي من قوة العقل التي كنت اراهن عليها للوصول الى من انا ؟او من اكون ؟دلفت مع المترجم لداخل المبنى وهو يقودني عبر ممر طويل لغرفة ما ماان فتح باب الغرفة استقبلتنا امرأة في مقتبل العمر بأبتسامة شفيفة ناعمة , ماان دخلت حتى استدار الرجل راجعا لخارج الغرفة , كأني لم ار من قبل امرأة سوى منى عسال وهذه الصهباء التي تقف امامي كانت عيناي تغوران بها تتفحصانها تشربان برودة دمها تعلقان بفتحة القميص العسكري الذي ترتديه تنزلقان ببطأ شديد تحته احاول فك اسار خيالي مبتعدا عن تراكمات قلقي من المجهول لأرى بوضوح شبق المرأة التي تقف.. وكركرات منى العسال تصفعني هههههه فمن انا لأحتوي كل ذلك الجمال واي جنون يقودني لذلك الخيال , ماهي الا لحظات حتى استفقت على صوتها , صوت من موسيقى متغنجا وحادا في ان واحد كان امرا يبدو ان نبره تعود على صيغة الامر منذ امد ليس بالقليل, شعرت بسخونة السائل المنوي تملأ ماتبقى من ملابسي الداخلية مع انسياب الصوت , كان الدبق ممتعا لذيذا والصوت ينساب ضاحكا مع اتساع رقعة السائل
- هل تعرف الديقراطية هههههه ؟ انت حر افعل ماتشاء فقط استحم تعال الى هنا و(اشارت ناحية الحمام ), استحم تخلص من السائل اللزج هههه والماضي وسنتحدث بعدها مطولا ولكن تذكر يقال انك تعرف الكثير ....لاتنسى سخونة الماء تعطيك طعما اخرا للحياة وربما دافعا للحديث...
احسست مع اندلاق الماء واليد الناعمة التي تتحسس وجعي هنا وهناك اني ثمة اماكن بعيدة تتقافز لرأسي تنساب بهدوء في عتمة الذاكرة توقظها تلك الهمسات والهمهمات تحت الماء .
فالماء يرشنا معا بوفرة اللذة والتوحش والتذكر, الصهباء تموء والماء ينسكب وانا اهرش روح التذكر واستغيث بدبق اللذة والوجع .
لأيام عدة وانا في تجويف اللذة الذي يؤدي الى مرش الماء والدبق والتأؤه والمرأة كعادتها تسحبني بود عارم لايخلو من الترجي ان اصحب جنوني معي الى حيث اشتهائها ان يكون منفعلا بحدة اظافري وهي تنغرز بمساحات اوسع في جسد تملأه اللوعة والتصحر والاشتهاء الايام تمر وانا جليس الغرفة لم يعد لي من سبيل للترويح عن نفسي سوى النافذة المطلة على ساحة الفردوس وبعض المجلات والصحف الملقاة على طاولة الغرفة ههه كانت اغلبها باللغة الانكليزية كان يكفيني ان اكون فكرة ما من خلال اخبار الصحف والمشهد اليومي لساحة الفردوس لما يحدث ... ولكن الغريب في الامر فمنذ يومين وانا يصحبني مشهدا من نوع اخر ربما في رأسي او انه يحدث فعلا فأنا وكما تقول تلك الصهباء رجل من جنون ...معبأ باسرار لاتسمع, تغلب على رأسي رؤية الموتى والمشردين , كنت احاول ان اخبر الصهباء بما يحدث لي ولكن خوفي يدفعني دائما الى الصمت ربما هي ايام تنقضي وسترميني تلك المرأة للشارع او في مكب النفايات او ربما لكلابهم الكبيرة فمن يدري ماستؤول له الامور لذلك كان يتوجب على ان اكون مجنونها التي تشتهي لحين ان اعرف شيئا ما عني او عن مايحدث بالكامل . فقد قرأت في احد الصحف وبخط احمر عريض( احتلال العراق وستراتيجية النفاذ الى الشرق الادنى) اعتبرت ذلك مزحة او رؤية هلوسة ولكن مايؤكد ذلك كله موجود منذ المصح وليومنا هذا برغم عطب الذاكرة ولكني اراه في المرأة والشارع وصرخات المتجمهرين حول تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ومشاهد سقوطه .
( 3)
كان صباح العاشر من نيسان حزينا وكئيبا ومختلفا عن بقية الايام فالدبابات الامريكية تطوق ساحة الفردوس واتخذت من باحة فندقي المريديان والشيراتون مكانا لانتشار قوات المارينز, كان يوما دؤوبا بالفوضى , فساحة الفردوس والميريديان شاخصان متقابلان وكأنهما امتداد واحد , جسد مسكون بفضاء واحد ماعليك سوى ان تنظر من احد غرف الفندق لتصطدم عيونك برؤية ساحة الفردوس اما الجانب الخلفي من الفندق فكان يطل على دجلة بكل عنف تأريخه ومساحات وجوده وهكذا كانت له أي للميريديان اطلالتان تشرفان على تأريخ من هلع الشوارع وتدفق من تواريخ الماء وفي صباح ذلك اليوم تأكدت ان الحياة عبارة عن جسد هزيل وعينان ضامرتان وايد من جليد تتدافع فوقه تاركة اثر من نوع ما ,
#عبدالرزاق_عبدالوهاب_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟