امير عزيز
الحوار المتمدن-العدد: 5148 - 2016 / 4 / 30 - 08:27
المحور:
الادب والفن
-1-
في البدايه دعونا نقول ان الرسل لابد و انهم قدر راوا يسوع الحي, القائم من بين الاموات, و الا فان ميلاد مجمع اورشليم الديني و الكنيسه المسيحيه يصبحُ سرا غامضا. لقد مات يسوع علي الصليب بالتناقض مع الامال المسيانيه لليهوديه.
و قد مات بطريقه كانت تُعتبر في العالم القديم "حقيره و خسيسه". و الاكثر من ذلك ان يسوع في الانجيل الاقدم بين الاناجيل الاربعه, و عندما كان يعاني سكرات الموت, بدا و كانه قد ادلي باعتراف عام عن معني حياته, حيث اشار الي لاجدوي لما قدمه " مرقس 15-34"
و مع ذلك , فاننا نري و في وقت قصير, مجموعه من المؤمنين يحتشدون خلف اسم يسوع. و في نفس المدينه التي شهدت موته الفظيع. شئ ما اذن قد حدث بين الصلب و بين هذا الاحياء الذي جدد شجاعه تلاميذه. و هذا الامر يمكن تفسيره فقط بميلاد او بزوغ الاعتقاد بقيامه يسوع.
-2-
عندما يقوم التلاميذ بتسجيل هذه الخبره " خبره القيامه", فانهم يستخدمون صيغا من الخطاب مستخدمه في كل قصص /حواديت القيامه السابقه علي قيامه يسوع. مؤكدين علي ملامح معينه تتحقق دوما في المقدمه من مثل هذه السرديات. و يعكس ذلك بالدرجه الاولي طبيعه عصرهم و التي نادرا ما كانت تشير الي السمات المميزه لكاتب بعينه كما يحدث في ايامنا المعاصره.
-3-
ليست لدينا تقاليد او مساهمات يهوديه في المرويات المتعلقه بسرديه القيامه, التقاليد اليهوديه تُمكّن المتعاطي فقط من انكار القصه و ليس تاكيدها او التعلق بها. و لهذا فهو يبدو مهتما بوقائع خارجيه من نوع " سرقه الرسل لجسد يسوع في المساء متي: 27-64", او ان البستاني قد اخرج الجسد بعيدا ليحميه من زحام الناس الذين كانوا ينتظرون القاء النظره الاخيره عليه. او مثل سيلوس الذي يسال : من من المفترض ان يكون قد راي يسوع الحي؟ و الاجابه هي : امراه قد لسعتها انثي عنكبوت ذهبي " مريم المجدليه" و بكل تاكيد فان مثل هذا الشاهد المخرف يخلو من المصداقيه. و في الحقيقه فان سيلوس عدو المسيحيه هو فقط من يمكنه ان يشير الي الارتباط بين سرديه القيامه و تقاليد مشابهه في ثقافات اخري..يسال مستنكرا : هل قام احد من الموت بنفس الجسد من قبل؟ و لكن رغم ذلك -و الكلام مازال لسيلوس- فان قصه القيامه المسيحيه ليست اقل اثاره من الخرافات المشابهه في تقاليد اخري.
-4-
و عندما نبدأ رحله المقارنه مع تقاليد وثنيه مختلفه, فان الذهن يتجه في البدايه الي حكايات الالهه التي تموت ثم تقوم من الموت مثل اوزوريس, ادونيس, تموز, اتيس, و ديونيسيوس. و نحن نجد هذه الروايات في الشام حيث تعود بداياتها الي بدايات الزمن التاريخي نفسه. و هذا ما يجعل من تصور فكره كائنا اعلي من الانسان قد تعرض للموت لكي يعود للحياه ممكنا. اعتقاد مشابه ايضا كان قد وُجد عند اليونان, لكن الشك اليوناني في استمرار قبول فكره موت اله كان قد بدأ مبكرا, و نتيجه لذلك فان هذه السرديات لابد و انها كانت قد انتقلت الي اليونان بدرجات اقل شيوعا من الشام . و لكن و بعيدا عن ذلك, او علي الرغم من استنتاجنا هذا, فانه ليس من السهل دائما ان تقيم الدليل علي مثل هذه الفرضيات , ذلك ان المصادر المتعلقه كانت قد تشتت بعيدا منذ زمن طويل. بلوتارخ المؤرخ اليوناني , علي سبيل المثال, قدم لنا في مرحله لاحقه لنشأه هذه الاساطير سيره موجزه لحياه اوزوريس, لكن بلوتارخ نفسه يعترف ان سيرته غير مكتمله. و ينبغي ان نعوض هذا النقص بالرجوع الي الاشارات الموجوده في الكتب المصريه الاقدم " البقايا التي اشارت الي ديانات متطوره". ذلك انه حتي نص سحري, يقدم احيانا ماده مهمه . ففي كتاب عن السحر الجنسي يقول راو " ربما تحبني س كما احبت ايزيس اوزوريس" فقد كان حب ايزيس مضربا للامثال.اما المصادر الاخري المتلقه بتموز و الالهه الخري المثيله , فانها اكثر تشتتا علي نطاق اوسع.
-5-
من يفحص مجموعه واسعه من المواد المتوفره و بشكل كلي, يمكنه الوصول الي استنتاجات صلبه , علي الرغم من هذه الصعوبات. اولا و بسرعه نحن نصطدم بالاختلاف بين التقاليد اليونانيه الشرقيه, و التقاليد المسيحيه. حتي في الفتره الرومانيه فان الالهه التي تموت ثم تعود الي الحياه , لا تزال بشكل اولي تجسيدات لموت الطبيعه و تجددها بخلاف التقاليد المسيحيه التاليه. و هذا ليس صحيحا فقط بالنسبه لاوزوريس و لكن ايضا بالنسبه لديونيسيوس. بعض هذه الالهه " تموز و ادونيس تحديدا" لم تصبح ابدا ماهو اكثر من ذلك, اي تجسيدات لموت الطبيعه و تجددها .مع ذلك فان مثل هذا المفهوم له دور في الانجيل. و هو يظهر بين الحين و الاخر و في التقاليد المتاخره. لوقا :31-23 علي سبيل المثال , و حيث يتم التعرف علي عنصر تموزي " لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا، فماذا يكون باليابس". و الجمله في يوحنا 1:15 " انا الكرمه الحقيقيه". التي تحمل بقايا من ديونيسيوس. و الذي تم تصويره علي النقوش البارزه في فتره الامبراطوريه الرومانيه كطفل يخرج من بين الكروم و الشوك. و بعد ذلك فهناك يوحنا 24:12 "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير". الذي يذكّر المرء بالممارسات الطقسيه الاليوسيه, و ربما كانت كور ذات مره احدي الالهه حيث ماتت و عادت للحياه ثانيهً. و لكن كما قلنا باعلي فان هذه المشابهات التي اشرنا اليها تبقي مشابهات جزئيه..لماذا؟
-6-
في البشاره المسيحيه , فان التاكيد هو علي العلاقه بين الله/الاب, و الابن و المؤمن, حيث تنشأ الضروره الاخلاقيه عن هذه العلاقه, علاقه تنعكس فيها صوره الطبيعه بوصفها خاضعه كليا للعنايه و القدره الالهيه الفائقه. اختلاف اخر بين هذا التصور و قصص القيامه في الادب الوثني يرتبط بدور الالهه الانثي. علي سبيل المثال فان اوزوريس و اقاربه محاطون بالهه انثي, و التي تعمل كرفيقه او عشيقه و اخت و احيانا ام بالنسبه للاله الذكر. في حاله اوزوريس فان ايزيس تلعب هذا الدور متعدد الابعاد. و كذلك في حاله ديونيسيوس فيما عدا انه لا يمتلك نفس المراه دائما الي جانبه" سيميل, و ادريان, ديميتر" يظهرون جميعا في الصوره. في بعض الجوانب من الحياه , فان الالهه الانثي تكون اكثر اهميه للمعتقد من الاله الذكر نفسه. سيبيل اقوي من اتيس, و افروديت اكثر تاثيرا من ادونيس. و في سياق نمو الاسطوره فان الالهه الانثي ستتجاوز الاله الذكر احيانا. و نحن لن نجد هذه الافكار منعكسه في العهد الجديد, و ليس حتي وقت متاخر عندما مُنحت ام يسوع دورا مشابها لايزيس.
-7-
فرق اخر هو علاقه عمليه القيامه بالسحر في طقوس الوثنيين .و ليس هذا غريبا بما ان الالهه الوثنيه متجليه و متجسده في الطبيعه بمعني ما. في ذهن الانسان العادي / المعتقد , فان اداره الطبيعه و السيطره عليها ممكنه بواسطه السحر. مثلا في حاله تلاشي اوزوريس, التي يتم التغلب عليها من خلال طقوس سحريه, "الرب يستعيد حياته بالتهام عين حورس", او ايزيس تعيد اليه الحياه من خلال خلق موجات من النسائم القويه, و بمسانده بعض التعاويذ. كتاب يوناني-مصري عن السحر يقول عن احدي التعاويذ: ان ايزيس قراتها و كتبتها عندما استرجعت اوزوريس بشكل سري. و لا يوجد في الكتاب المقدس ما يمكن مقارنته بهذه التقاليد. علي العكس فان النصوص الاقدم تجنبت جميعا تصوير لحظه قيامه يسوع.
-8-
ليس هناك ارتباط مؤكد بين السحر و الاخلاقيه, و كنتيجه لذلك فان الايمان باوزوريس او اتيس او غيرهم من الالهه الوثنيه. غالبا ما يسقط عندما يتعلق الامر بالقرارت الاخلاقيه. فقط خلال التطور فان بعض المكرسين يسعون لملء هذا الفراغ بدرجه ما. علي النقيض من ذلك فان ملامح يسوع تتحدد اخلاقيا منذ البدايه. هو لا يختبر موته و قيامته كقدر اعمي. ليست له علاقه بسماته الشخصيه. بل هو مبشر , يقود الناس الي الله. و يحثهم علي حياه ممتلئه بالمعني و صحيحه. الامه و موته ينتجان عن رفضه الاستستلام لاعدائه من القيادات المرائيه للجموع. و هو يري موته قادما لكنه لا يهتز. حتي هؤلاء الذين يقفون علي مبعده منه. سيعترفون علي الاقل انه كان شهيدا لقناعاته الخاصه.
#امير_عزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟