أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - فى عمق الأزمة: فارق كبير بين التسويق والتسوئ















المزيد.....

فى عمق الأزمة: فارق كبير بين التسويق والتسوئ


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 5146 - 2016 / 4 / 28 - 02:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقول القصة أن عجوزاً ضعيف البصر معتل الصحة لايجد قوت يومه، ولما أعيته الحيل ليجد عملاً يقتات منه فاستعان بأحدهم صنع له لوحة كبيرة مكتوب عليها: "أنا أعمى لا أستطيع العمل فساعدونى"، وضع اللوحة وبجانبها قبعته وجلس فى طريق يعمره المارة ويلفه الزحام، ولم يحالفه الحظ يوماً بعد يوم، أياماً طويلة، إلى أن مر فى طريقه رجل وقف ليرى أن القبعة خالية إلا من قروش قليلة فوضع المزيد فيها، وامتدت يده إلى اللوحة، قلبها على الوجه الآخر وكتب عليها بخط واضح عبارة أخرى، ثم وضعها فى مكانها ومضى لحال سبيله، لاحظ صاحبنا بعدها أن كثيرين من المارة قد توقفوا عنده وأن قبعته قد امتلأت بالعملات والأوراق النقدية، فعرف أن شيئاً قد تغير، وأدرك أن الذى مر به ربما فعل شيئاً جديداً جذب الناس لمساعدته، ولما سأل أحدهم أن يقرأ له اللوحة فإذا بها مكتوب عليها: "نحن في فصل الربيع لكنني لا أستطيع رؤية جماله". فأيقن أن العبارة الجديدة هى سبب إقبال الناس عليه والتعاطف معه، لكنه ربما لايزال حتى يومنا هذا لايعرف أن من كتب هذه العبارة البليغة كان متخصصاً فى التسويق فى إحدى الشركات الكبرى. ونسأل: ماهى العبرة التى نخرج بها من قصة صاحبنا الذى تغيرت أحواله حين أعانه القدر بصاحب قلب رحيم متخصص فى علوم الدعاية والإعلان والتسويق؟ ونجيب: العبرة ببساطة : غير وسائلك عندما لاتسير معك الأمور كما يجب وكما ينبغى أو كما تأمل أن تكون. ولعلى هنا قد لخصت لك واحدة من أعقد أمور الإدارة الحديثة التى أدخلتها مفاهيم إقتصاد المعرفة على السياسات العامة فى عالمنا الجديد ودوله المتقدمة بما يموج بالمستجدات والإبتكار والإبداع، وهى إعادة الهندسة .Re- Engineering
ولقد كتبت لك هنا فى فبراير 2009 تحت عنوان "البحث العلمى وإدارة المعرفة" مامعناه: سادت على مدار العقدين الماضيين ثلاثة أفكار جوهرية، سرعان ما تحولت إلى نظريات وبرامج وتطبيقات أثرت بشكل كبير على مفاهيم السياسات العامة والإدارة والصناعة والإقتصاد وحددت معاييراً جديدة للتقدم يصعب تجاوزها فى عالم اليوم، هذه الافكار الثلاثة هى: إدارة الجودة الشاملة، إعادة الهندسة، و رأس المال الفكرى. وأحسب أنه لامجال لمشروع علمى للنهضة يقوم على أسس منهجية وينشد التقدم والحداثة دون أن يضع هذه الأفكار الثلاثة موضع التنفيذ، وأن يتم على أساسها إدارة وحوكمة مؤسساتنا العامة ووزاراتنا وحكوماتنا وحتى أجهزة الدولة العميقة وأفكارها التى تؤثر دون شك فى تبنى الناس لسياسات الدولة وتوجهاتها ومشروعاتها القومية.
أما مفهوم إعادة الهندسة re-engineering فكان أول من تصور خطوطه الأساسية هو الأمريكى "توماس ديفنبورت" فى 1990 وقام كل من "هامر" و"تشامبى" بنشر أول كتاب بهذا الاسم فى 1997، متواكبا مع ثورة الإتصالات والمعلوماتية وتكنولوجياتها الحديثة، وتقوم الركائز الأساسية لإعادة الهندسة على أربعة محاورهى: إعادة التفكير بصورة أساسية فى ماهية السياسات العامة المراد الترويج لها "الإعلان والتسويق"، لتجيب عن أسئلة مثل: لماذا نفعل مانقوم به الآن؟ ولماذا نؤديه بالطريقة الحالية؟ وما الذى ينبغى عمله لتطوير الأداء، أى أن تقوم كل مؤسسة أو هيئة أو حكومة بعدم التقيد بالأساليب والممارسات التقليدية المتبعة وتبحث عن أساليب جديدة وعصرية. ثم إعادة التصميم الجذرى لأساليب العمل باعتماد منهج التجديد والإبداع والإبتكار. وبعدها إجراء تحسينات درامية وثورية فى معدلات الأداء، وسرعة انجاز العمل وعوامل ومبررات إقناع الجماهير بأهمية العمل وضروراته. يتبع ذلك إعادة النظر فى كل العمليات التى تقوم بها لتؤدى إلى قيمة مضافة أعلى. وهى فى مجملها مفاهيم تحث على الابتكار وإعادة الهيكله لتحقيق إنسيابية العمل وتحقيق تحسينات جوهرية فى الأداء، وتدفع الناس لتبنى الفكرة والإقتناع بها والترويج لها "التسويق الجيد" والعمل على استكمالها وتحقيقها عن قناعة فى إطار مشاركة إجتماعية وحماس جماهيرى "إعادة الهندسة". ولعل النجاح الأمريكى والغربى فى الترويج لسياساته وأفكاره واجتياح العالم بها يكمن فى تبنيه لما شرحناه مسبقاً، حيث يقوموا بالترويج للفكرة كما يقوموا بالترويج للسلعة بذكاء وعلمية ووسائل إبداعية مبتكرة غير تقليدية تشرك الناس فى الحماس للفكرة وتبنيها والعمل على إنجاحها.
هذا عينه هو مانفتقده فى نظامنا السياسى وأدائنا العام سواء قبل ثورتى يناير ويونيو أو بعدهما، حيث تصر حكوماتنا المتعاقبة ضعيفة البصر والبصيرة أن تتصرف مثل أخينا بطل قصتنا التى أوردناها فى صدر المقال، الذى عالج واقعه وسوء حالته بما يراه وما يقتنعه ومايعرفه، فجاءت النتائج على غير مايأمل ويبتغى، وزادت معاناته وساء حاله ونفد صبره، ولم يتغير واقعه وتروج أحواله ويحقق مكسباً سعى إليه وتاقت نفسه لتحقيقه إلا عندما تعهده بالرعاية واحد تصادف أنه من أهل الإختصاص "التسويق" مسلح بالعلم والخبرة والمعرفة، هنا فقط حدث الفارق وحقق صاحبنا مبتغاه. إنها إعادة الهندسة.
الحكومات لاتقف للشحاتة على قارعة الطريق كما صاحبنا قى القصة السابقة، ولاينبغى إلا أن تكون مبصرة وعارفة وواعيه ومسيسة، ومن أسف فلدى نظامنا السياسى الكثير مما تحقق ولاتستطيع حكومتنا التسويق له وحشد الناس حوله، اللهم إلا بطرق تقليدية عقيمة تعتمد فيها على فريق من الإعلاميين والتابعين من أصحاب المصالح غير مؤهلين ولايحظون بقبول الشارع ولا يعرفون عن أسس ونظريات التسويق السياسى الحديث شيئاً، فتحولوا بسوءات ممارساتهم وأدائهم لعوامل طرد أكثر منها عوامل جذب وحشد وتعبئة، فتسببوا فى تطفيش الناس وتيئيس الشعب وحشدهم ضد الحكومة والنظام الذى تحولوا عبئاً عليه لاداعم له، وصاروا هم وحكومتنا السنية كمن قال فيهم بشار بن برد: أعمى يقود بصيراً لا أبا لكم قد ضل من كانت العميان تهديه. آية ذلك تجلى فى معظم أزماتنا مع الشباب وحالة الإحباط العام رغم مايتحقق كل يوم من إيجابيات حولنا، ورغم مايبذل من جهد كبير، وجاءت ثالثة الأثافى فى معالجتنا البليدة لجزيرتى تيران وصنافير وغباء التبنى الإعلامى والدولتى للأزمة حتى وصلنا إلى التظاهر الذى رفع شعارات ضد الرئيس وضد النظام وركب الموجة تنظيم الإخوان محلياً ودولياً، بل سمحت بدائية التسويق للفكرة بشكلها الباهت وتوقيتها الغريب لشق صف الجماهير ووضع السلطة فى خانة المفرط والمتساهل، وانتشرت بفضل غباء الإعلام عبارات التخوين والتآمر، وبدت فضائياتنا فى عداء سافر مع المعارضة والشباب المتحمس، تمارس معهم فعل المكايدة والتخوين، ولكأنهم يقومون بالتسوئ لا التسويق، والإرتجال لا إعادة الهندسة.
ياسادة مصر تحتاج منا أفضل من هذه الممارسات العبثية غير المسئولة، تحتاج رجالاً يخافون الله ويحبون الوطن، كثير منهم فى السلطة ومجالنا العام لكن تنقصهم حاسة السياسة وفنون مخاطبة الجماهير وحشدها لقضايانا، ويتوجب علينا إعداد المتخصصين والكفاءات لتولى مسئوليات دولة فى مرحلة حرجة يأخذون بمنهج العلم ومستجدات السياسة ورشد الإدارة، وألا ننتظر عابر السبيل الذى يتصادف أن يكون متخصصاً مؤهلاً ليغير من أحوالنا ويعيد كتابة اللوحة.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى تحلق الصقور فى سمائنا ياسيادة الرئيس؟
- تيران وصنافير: توقيت خاطئ وممارسات مخجلة
- كلاب الحراسة الجدد
- بشأن قواعد اللعبة: كلام للرئيس
- العم سيد حجاب: إلّاك
- مصر بين مراهقة الداخل وترصد الخارج
- لاهوت القوة وصناعة الفوضى
- مصر وإفريقيا: الصورة والإطار
- مهام الرئيس وتوجهاته لايحددها الفاشيون
- الشباب والدولة: الفيل والعميان
- د. حسين مؤنس وإدارة عموم الزير
- مجلس النواب وبيان الحكومة
- مصر فى حرب وجود فانتبهوا: كلام للشعب ونوابه
- السعودية - إيران: فخ أمريكى
- هؤلاء الإعلاميون الجهلة: أولى بهم أن يكملوا تعليمهم
- شيزوفرينيا الحرب على داعش: لعل السيسى لا يستجيب لعبدالمنعم س ...
- كارثة إختيار الأقل كفاءة
- أزمة حقيقية أم تمثيلية محكمة؟ من يلعب بالنواب والحكومة؟
- مصر والسعودية والمشهد الدولى المرتبك
- من أنشودة مالك بن نبى إلى حملة أولاند : ياجنرال لست فى الميد ...


المزيد.....




- واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
- انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
- العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل ...
- 300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال ...
- زاخاروفا ترد على تصريحات بودولياك حول صاروخ -أوريشنيك-
- خلافات داخل فريق ترامب الانتقالي تصل إلى الشتائم والاعتداء ا ...
- الخارجية الإماراتية: نتابع عن كثب قضية اختفاء المواطن المولد ...
- ظهور بحيرة حمم بركانية إثر ثوران بركان جريندافيك في إيسلندا ...
- وزارة الصحة اللبنانية تكشف حصيلة القتلى والجرحى منذ بدء -ا ...
- -فايننشال تايمز-: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا و ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - فى عمق الأزمة: فارق كبير بين التسويق والتسوئ