|
الشيوعيون ضمير الشعب !
سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1390 - 2005 / 12 / 5 - 11:07
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
هذا الاستنكار الواسع للجريمة الجبانة التي تعرض لها مقر الحزب الشيوعي العراقي في مدينة الكادحين ، الفقراء ، مدينة الثورة من بغداد ، يدل دون أدنى شك على الاعتزاز الشديد الذي استقر في قلوب الناس في العراق للشيوعيين العراقيين ، وذلك بعد أن خبرهم الناس على امتداد تاريخ حزبهم المجيد ، الممتد على السبعين من السنين الماضية ، وذلك بسبب من أن أعضاء الحزب الشيوعي العراقي قد عاشوا قريبا جدا من هؤلاء الناس ، عاشوا معهم في جبال العراق ، وفي أهواره ، مثلما عاشوا في قراه ومدنه ، وفي مصانعه وحقوله ومدارسه ، يشاركون الشعب أفراحه وأتراحه باستمرار ، فما من مناسبة وطنية ، أو دينية إلا وجدت المشاركة الفاعلة للشيوعيين فيها . كتب لي تلميذ عزيز من بين الطلبة الكثر ، الذين أمضيت أياما ليس بالقليلة في تدريسهم ، رسالة ، يخبرني فيها من بين ما يخبرني به أنه تسلم منصب وكيل وزير في وزارة من الوزارات العراقية التي تشكلت بعد سقوط صدام المشهود ثم يكتب نصا فيها : ( وفي كل محرم وفي ليلة العاشر " احج "* مع الشيوعيين في الناصرية حيث يطبخون الهريسة في مقرهم في شارع الحبوبي ومن المفارقات جائني احد جماعتنا الشيوعيين القدماء وطلب مني مساعدته مادياً ، وعندما استفسرت منه لماذا قال لاني صار كم شهر لم ادفع اشتراك الجريدة فأزددت احتراماً له . ) ولكي يكون تلميذي هذا ، الذي ما كان على علاقة حزبية بالشيوعيين ، هو وغيره على بينة من أخلاق الشيوعيين العراقيين ، وتصرفاتهم الحميدة في عملهم ، أو في تعاملهم مع الناس في العراق ، حري بي أن أعود معه الى سيل من الذكريات التي سأقف على بعض منها هنا في هذه الأسطر. كان للشيوعيين ، ومنذ سنوات طويلة خلت ، موكب عزاء في مدينة كربلاء ، يدعى موكب العباسية ، ذلك الموكب الذي طالما كانت الناس في تلك المدينة تظل منتظرة خروجه حتى ساعة متأخرة من الليل ، وذلك لعسف وظلم واضح من السلطات الحكومية التي تمنع خروجه المبكر ، وعلى عكس المواكب الحسينية الأخرى التي كانت تخرج لشوارع المدينة في وقت أبكر من وقت خروج ذلك الموكب ، والسبب في ذلك هو خوف السلطات الحكومية من الأناشيد ( الردات بلغة أهل العراق ) التي سيرددها المتظاهرون في هذا الموكب ، فبعد اعدام الحاكم العسكري ، رشيد مصلح ، جلاد انقلاب عام 1963م الدموي ، وصاحب بيان رقم 13 المذاع بتكرار من إذاعة بغداد في اليوم الأول لذلك الانقلاب ، والقائل : اعدموا الشيوعيين أين ما وجدتموه ! ويبدو أن هذا البيان قد ارتكز على فتوى أصدراها المرجع الديني السيد محسن الحكيم ، تلك الفتوى التي كانت تحمل بالإضافة الى نصها صورة للحكيم نفسه ، والتي قام البعثيون في أرجاء كثيرة من العراق بتعليقها في شوارع المدن العراقية ، ومنها مدينتي كذلك ، وكان ذلك قد جرى أواخر أيام حكم عبد الكريم قاسم . وعلى هذا فقد أصبح كل شيوعي عراقي كافرا بموجب تلك الفتوى التي صفقت لها دائرة المخابرات الأمريكية طويلة وقتها ، وعلى حد تعبير أحد عملاء تلك الدائرة ، وطبقها رشيد مصلح بامتياز ، حيث أبيدت ضاحية الشاكرية الشيعية بأكملها في بغداد مثلا ، مما اضطر سكانها الى التحول الى مدينة الثورة الحالية ، بعد أن داست دبابات الانقلابيين أكواخ فقرائها ، وأزاحتها من الوجود ، حتى عادت قاعا صفصفا . بعيد اعدام مصلح خرج الشيوعيون ومناصروهم من أبناء مدينة كربلاء ، أو أولئك القادمون من مدن العراق البعيدة الأخرى ( وكان كاتب الحروف هذه واحدا من هؤلاء ) وفي الليلة العاشرة من شهر محرم ، وذلك بمناسبة استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وصحبه عليهم السلام ، محذرين مدير الأمن العام ، المجرم ناظم كزار الذي باشر باضطهاد الشيوعيين ساعتها ، ومرددين : وينك ينوري وين العرش وين الطغيان وينك يمصلح هذا مصيره كلمن خان واللي يعادي شعبه صوت النضال يأدبه ما نرضى بالعدوان . لا . لا . لا . ما نرضى بالعدوان . لقد طالب الحزب الشيوعي العراقي ، ومن خلال وصايا سكرتيره الأول ، فهد ، كل رفاقه بضرورة احترام تقاليد الناس في العراق ، وتراثهم التقدمي ، وهذا الوصايا مسجلة على ظهر بطاقة العضوية التي يقرأها العضو الحزبي حين يستلم بطاقة العضوية ، وليس الشيوعيون العراقيون هم وحدهم الذين يمتازون دون سواهم من شيوعيي الأرض بهذه الميزة ، فقد كان القائد الفيتنامي الشيوعي ، هوش منه ، قد طلب من الشيوعيين الفيتناميين في وصاياه العشرة النزول الى المعابد من أجل تنظيفها للمصلين ، كما أن الشيوعيين الإيرانيين لم يبخلوا على الخميني**، بالكتب الماركسية – اللينينية التي طلبها مترجمة الى الفارسية ، حينما كان لاجئا في النجف في مدينة النجف من العراق قبل قيام الثورة الإيرانية ، والتي شهدت بعد قيامها تشكيل الحرس الثوري الإيراني كثمرة من ثمرات قراءة الخميني لتلك الكتب ، ومن بينها كتاب الدولة والثورة للينين ، هذا الحرس الذي يذكر بالحرس الأحمر الذي شكله البلاشفة في روسيا غداة قيام الثورة الشعبية فيها . تلميذي المذكور حين يتحدث عن الجريدة في رسالته لي ، إنما كان يتحدث عن جريدة الحزب الشيوعي ، طريق الشعب ، تلك الجريدة التي كان بعض من رجال الدين في مدينة النجف يضعونها تحت عباءاتهم حين يشترونها من باعة الصحف ، ثم يولون صوب بيوتهم لا يلون على شيء ، وقد شاهدت أنا هذا المنظر بأم أعيني ، أما لماذا ؟ ذلك لأن جريدة الطريق على رغم محاصرتها من قبل حكام العراق ظلت تختلف عن الجرائد الأخرى في المادة والتنوع والشمول . وبعد هذا ، وفي أيام المجرم ناظم كزار ، مدير الأمن العام ، جاءني صديق من أبناء مدينتي ، وكنت أنا وقتها طالبا في جامعة بغداد ، ساكنا في شارع المتنبي منها ، جاء ليخبرني أن موكب مدينتا القادم من جنوب العراق قد حل مدينة الكاظمية ، وهي ضاحية من ضواحي بغداد ، وذلك من أجل تأدية مراسم الزيارة للامامين موسى الكاظم ومحمد الجواد قبل أن ينصرف الى مدينة كربلاء من أجل المشاركة في التظاهرات العظيمة التي ينتظم أصحابها فيها بمواكب عديدة ، تأتي من مدن كثيرة في العراق ، وبمناسبة ذكرى أربعينية استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، وقد كان هذا الصديق مرسل لي من الموكب نفسه ، ومن أجل أن أنظم لهم مقاطعة شعرية ، تسمى ( الردات ) عند العراقيين . طلبت منه أن يعود لي مساء ، كي يحصل على ما طلب مني ، وحين عاد كانت تلك المقاطع الشعرية جاهزة ، سلمتها له مكتوبة ، وطلبت منه أن يتعلم لحن ترديدها معي سوية في غرفتي ، وفي تمرين اتقن فيه اللحن اتقانا جيدا قبل أن يخرج ، وفي جيبه منشور من الحزب الشيوعي صادر لتوه . في اليوم الثاني غادرت أنا الى مدينة كربلاء ، كنت أود أن أرى كيف يردد المشاركون في الموكب تلك المقاطع الشعرية ( الردات ) ، ولكن الحظ لم يكن الى جانبي ، فقد شارك الموكب في تلك التظاهرات ، وعاد الى مقره قبل وصولي . ساعة أن وصلت جاء رفيق فلاح مندهشا ، وضاحكا في وقت واحد ، قائلا لي : ماذا عملت بنا ؟ لقد جعلت أهل كربلاء يتطلعون إلينا باستغراب ، وحيرة متسائلين : أيعقل أن هؤلاء الرجال ( الملحان ) أي الفقراء ، المعدمون ، قد عرفوا فيتنام ، وهوش منه قبل أن نعرفهما نحن ؟ ، لا بل من أين عرفوا هم كاسترو وكوبا ؟ لقد كنت أنا قد أشدت بنضال الشعب الفيتنامي والكوبي المستعر وقتها حين كتبت تلك المقاطع الشعرية ، ولكنني في نفس الوقت لم أنسَ صاحب المناسبة ، الإمام الحسين ، في قفل كل مقطع من تلك المقاطع . بعد سنة من تاريخ هذه الواقعة جاءني مسؤول تنظيم الحزب الشيوعي في مدينتا ، طالبا رأي في طلب انضمام صديقي وابن مدينتي المار الذكر الى صفوف الحزب الشيوعي ، وكان الصديق ذاك يلح في طلبه على مسؤول التنظيم الحاحا كثيرا ، أثار الشك عنده ، مع أن الصديق المذكور كان نزيها على أبعد تقدير ، لكنني قلت له : أرفض طلبه لتصرفاته ، فقد كان بعض من تصرفاته لا تساعده على الانضمام الى صفوف الحزب . هذا التدقيق الحصيف في الغالب هو الذي جلب للحزب خيرة الناس في التصرف والنزاهة ، وعدم إحلال السرقة ، وأكل أموال الناس في الحرام ، وبهذا يكون طلب العون الذي تقدم به أحد الشيوعيين الى تلميذي ، كاتب الرسالة ، ومن أجل أن يسدد ما بذمته من مبلغ يسير يساوي بدل اشتراك جريدة هو الحرص الشديد الذي علم الحزب عليه أعضاءه في ضرورة تنفيذ واجباتهم ، والحفاظ على مالية الحزب ، تلك المالية التي تكلف العضو الحزبي الطرد منه في حالة الإخلال بها ، حتى ولو كان هذا الإخلال قد تمّ بالقليل من الدنانير . رسالة تلميذي العزيز هذه أعادتني كذلك الى ليالي العمل الحزبي ، حيث كانت أغلب اجتماعات خليتنا تتم في الليل ، وفي أحيان كثيرة تنعقد في مكان ما من أرض زراعية موحلة ، ولهذا كنا نصل إليه حفاة دائما ، وكانت تلك الاجتماعات تعقد تحت ضوء القمر إن كان هناك قمر ، وإلا فقد يقوم واحد منا بقدح زناده كي يدون رفيق آخر فقرات محضر الاجتماع ، وتحت سدف ظلام دامس . كنا نفترش أرضا يابسة دوما ، ونرتدي الثياب ( الدشاديش ) بدلا من السراويل ، وأحيانا كانت اجتماعات خليتنا تعقد في كوخ من أكواخ الفلاحين ، وأذكر أنه قد رُحل الى خليتنا الجنوبية مرة طبيب جراح من مدينة الطب في بغداد ، وحين كنت أصطحبه للمرة الأولى الى مكان انعقاد اجتماع الخلية قلت له : هذا هو الاجتماع الأول لك معنا ، ويجوز لك أن تحضره بسروالك هذه المرة ، فرفيقنا الفلاح صاحب الكوخ لا يملك كرسيا تجلس عليه ، لكنني أعرف أنه يمتلك صفيحة نفط معدنية ( تنكة ) ، ستكون هي كرسيك لهذا الاجتماع ، ولهذه الليلة . - - - - - - - - - - 1- ( احج ) هنا بمعنى اسهر الى الصباح ، فقد اعتاد البعض من الشيعة السهر في الليلة العاشرة من شهر المحرم حتى صباحها الذي استشهد به الإمام الحسين . 2- بعض مما ورد في حديثي عن قراءة الخميني لكتاب الدولة والثورة للينين ورد تخمينا في كتاب مدافع أية الله للكاتب المصري المعروف ، أحمد حسنين هيكل ، وتخمين هيكل لا يجانب الحقيقة ، فقد أكد لي ذلك أحد الإيرانيين القريبين من الحزب الشيوعي الإيراني ( توده ) ، حينما كان هذا الأحد لاجئا مع الخميني في العراق وقتها . وقد كان لينين قد كتب كتابه ذاك في شهري آب وأيلول من سنة 1917م ونشره للمرة الأولى سنة 1918م .
#سهر_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عملاء ايران والحزب الشيوعي العراقي !
-
اطلاعات تقتل العراقيين وتعذبهم في عقر دارهم !
-
كوندليزا في الموصل وسترو في البصرة !
-
ما يجمع الجلبي بالطوشي !
-
عملاء إيران والقائمة العراقية الوطنية 731 !
-
أبو نؤاس في مصر 3
-
أبو نؤاس في مصر 2
-
أبو نؤاس في مصر 1
-
محكمة الشعب !
-
عصا علاوي !
-
العشائر العراقية والحوزة الإيرانية !
-
مظاهرة المخابرات الإيرانية في البصرة !
-
فسوة صولاغ !
-
في الجمهورية الخضراء الكشميري يطارد الحلفي !
-
ما وراء الدستور !
-
انتظروا نكبة البرامكة الجدد !
-
دواقنة هذا الزمان !
-
الجريمة والقرن الأفريقي !
-
خطى في الجحيم !
-
الحكمة من تشكيل الائتلاف العراقي الموحد -
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|