أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مروح جبير - تحليق حالم إلى رحيق زهرة مجفّفة / رواية الكاتب محمود يعقوب















المزيد.....

تحليق حالم إلى رحيق زهرة مجفّفة / رواية الكاتب محمود يعقوب


حسن مروح جبير

الحوار المتمدن-العدد: 5142 - 2016 / 4 / 24 - 13:09
المحور: الادب والفن
    


تحليق حالم إلى رحيق زهرة مجفّفة
روايـــة الكاتب محمود يعقوب

حسن مروح جبير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بانعطافة متحدية اقتحم الكاتب محمود يعقوب كيان روايته ( مثل زهرة مجفّفة ) ، الصادرة حديثاً عن دار أزمنة ، فصارت البداية هي النهاية ، والنهاية هي البداية سواء فجاءت في بناء رصين ، محكم ، يشي مع امتداد الرواية بما يمتلك الكاتب من قدرة على القبض على فنية الصنعة المحتشدة بالإدهاش ، والغنية بالمتعة . وعلى امتداد صفحات الرواية التي نافت على الثلاثمائة صفحة ، والتي جاءت مسبوكة في حبكة متماسكة ، وفي بناء رصين معتمداً في ذلك البناء على الجملة الحسّية التي تنقل المتلقي إلى أعماق المعنى . وعبر وقفات تأملية عنيفة عنف أمواج
( نهر الكارون ) التي حملت بطل الرواية ستار الأهوازي إلى مرافئ العذاب ظلماً . .

ومنذ بداية الرواية ، أو من الصفحة الأولى ، بالأحرى ، تواشجت مشاعر اللطف مع لغة السرد ، من دون أن يخلّ ذلك بسياق الكابوس الذي عصف بجوارح زوجة بطله أفراح أو أن يحبط من إصرارها ، وهي تشد بقبضتين قاسيتين على الفأس نفسها ، الفأس التي صنعت عذابها ، ووأدت حنانها الأمومي ، وكأنها ستشفى مما تعانيه من عذاب مسخَ كل شيء من حولها . من دون أن تعبأ بما سيحدث من تبعات . إنها تشعر بالثأر إلى نفسها ، ثأر أم ثكلت بأقرب الناس إليها وأعزهم إلى قلبها ، وكأني بها أسمعها ، عن كثب ، وهي لم تزل تهتف بإصرار :
" عليك أن تموت " .
وإن صدى هتافها يتردّد في سكينة الوادي المقدس ، وفي غور بحر النجف الموحش ، حتى ليبدو أشبه بعواء أنثى الذئب الثائرة ، التي خطف الفلاحون جراءها * . بدت ستنتقم ، وهذا قلبها الرقيق يقرع مدوياً .
وتحت تأثير وضغط دوافع الشعور بالقتل والانتقام ، يتماشى ، في السر ، ذلك الخيط الدقيق من اللطف ويشي كهمس مسموع ، داعياً ، وكأن عطر " المخمرية " لا زال يملأ أرجاء المكان ، لا إن شيئاً من هذا لن يحدث أبداً ، وقد تجلى كنسمة هواء لطيفة في ليلة قائضة ، بينما ذراعيها لازالتا معلقتين في فضاء الغرفة استعداداً لتنفيذ الانتقام ، ولكن استيحاء دفين لضوء الغرفة الفخاري المحمر ، الذي يرسم ظلها على الجدار الأبيض المغبر ، ستشعر بأن ( شيء مالَ في قلبها يختلج ، أحست به كوخزة لينة ) ، إنها إشارة رقيقة إلى ذلك اللطف .. إلى الحكمة .. إلى الحب الذي همى فوقه رماد الفجيعة ، وظلال وادي الأموات . وهذا الإحساس لاح كتصريح جهوري ، فقد شعرت بآثار الحب الزوجي ، والعشرة الحميمة الطويلة . وتحقّق اللطف وفاض أمام عينيها ، وهي تتأمل بفزع ظل ساعديها على الجدار يرفعان الفأس . كان ظلاً شرساً ، جارحاً ( يشمخ عالياً مثل طائر كاسر ، يحملق بمنقاره من الأعالي ) ، إلا أن نظراتها في نهاية المطاف ( انزلقت إلى وجه زوجها النائم ) معلناً ذلك الإدراك المتجسد عن اللطف ؛ لينتصر الحب بمؤازرة صوت الحكمة .. وها هي تملأ ناظريها منه حتى ترقرقت دموعها ، واشتهت تطويقه بذراعيها واحتواءه إلى صدرها . لقد أدركت جوهر المحنة ومبرّراتها .. محنتهما معاً ، وليست محنتها وحدها . وهنا يفيض اللطف على الرغم من السدود ..
يمضي السرد بلا كلفة ، أو تصنع ، يمضي بيسر ، ممزوجا ً بسرية أولاً ، ذلك اللطف القديم ، مع تلك الصور المرعبة ، المهيمنة على الجو السائد ، والتي تجسدت فوق الجدار الأبيض المعفر بالغبار ، وتحت ضوء المصباح الفخاري المحمر ، هذا اللون الرائع ، الحالم ، والشاعري أيضاً ، الذي لا أدري كيف خطر في بال الكاتب ، والذي أتاح المزيد من ملامح الرقة ، والهدوء والتفكر ، والرزانة . ثم هذا المزج المكثف بين أضداد المشاعر والعواطف عبر جُمل صورية رائعة ، تتجسد من خلل الأسلوب الحسّي ، الإنساني الذي يتعاطاه الكاتب ، ويتميز به دون سواه ، والذي تجلّت مظاهره ، قبل ذلك ، في كتابه : " تحت جسر الهولندي " ، ثم في عمق ، في روايته الإنسانية هذه ، التي غادر موضوعها الأطر المحلية بجرأة فاقت فيها الروايات العربية الأخرى المماثلة . وربما وقفت هذه الرواية بموازاة رواية الطيب صالح " موسم الهجرة إلى الشمال " ، ومتخطية روايتي " عصفور من الشرق " للكاتب توفيق الحكيم ، ورواية " الحي اللاتيني " ليوسف إدريس ، تلك الروايات التي تناولت ذات الموضوع ، وذلك بما امتازت به رواية " مثل زهرة مجفّفة " من عمق النظر في معالجة الموضوع وبيان رواسب الماضي ، ورسوخها ، والتقاليد المتأصلة في عقلية الرجل الشرقي ، هذا الرجل الذي تعرض للتشرد والضياع تحت تهديد نفس التقاليد وما تلحقه من أذى ، هذا ما أشارت إليه أفراح في قولها :
" إن ما تسميه المنطق والعقل ، هو الذي يحتم اليوم أن يموت أحدنا " ..

قلت : اقتحم الكاتب أحداث روايته من زاوية حادّة ، الرواية أتاحت له أولاً إثراء الموضوع أو النص ببداية غنية بالسحر ، والجاذبية ، استجمع فيها عصارة الفكرة وخلاصتها الرائعة ، وقد فعل ذلك وكأنه كان راغباً في الإطباق على الحدث الرئيس . وثانياً : لينفتح بيسر ، متخلٍ عن البداية التراجيدية ، منصرفاً إلى خضم أحداث الرواية وهو يقل في ذات المركب الذي أقلّ ستار الأهوازي والذي انحدر به حاملاً همومه الجديدة ، وكأنها هموم الكاتب نفسه ، يحملها معه إلى المجهول مغامراً فوق مياه نهر الكارون بينما قلبه يبدو كعصفور فزع ، وكأن قبضة قاسية تشد عليه ، وبدا يشعر بهول ما ينتظره في طيّات المجهول حتى نسمعه يردّد محتجّاً رغم ضعفه ، والحسرة تملأ قلبه :
" كارون قلْ لي ما الخبر ؟ " ..
كأن الكاتب عبر هذا الاقتحام الصادم ، أطبق بجرأة على مجريات الرواية ، وكل ما احتوته ، بدائرة سوداء محكمة ، ليتركنا فيها أسرى زمانها ومكانها ، متيحاً لنا رؤية ما ترويه " شهرزاد " أفراح من رؤية رائقة وجلية تحت الضوء الفخاري المحمر ، ذلك الضوء المهادن ، والهادئ ، الذي أتاح جوّاً منطقياً لتمالك الذات ، كما وفر لنا فرصة رائعة للتمتع بلغة سردية ، صورية ، رائعة ، مفعمة بالمشاعر الحسّية ، الإنسانية ، والتي قد يدركها القارئ المتمعن من أولى صفحات الرواية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جنكيز اتماتوف ، رواية النطع .



#حسن_مروح_جبير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي ...
- الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
- من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم ...
- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مروح جبير - تحليق حالم إلى رحيق زهرة مجفّفة / رواية الكاتب محمود يعقوب