|
سيرَة أُخرى 28
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5140 - 2016 / 4 / 22 - 03:46
المحور:
الادب والفن
1 في جنينة منزلنا، الدمشقي، ثمة شجرة زيتون هرمة. إنها تنهض في الزاوية المحاذية لأرض الديار، والأكثر تعرضاً لأشعة الشمس. ولكن، بدأ نَفَسُ الزيتونة يضيق بعدما قام الوالدُ بتعمير حجرة جديدة في الحديقة لكي يحفظ فيها عدّته وبذوره. على ذلك، فإنّ ثمارها أضحت تتضاءل عاماً بأثر الآخر. زيتون المونة، المختلف الألوان، كان يصلنا من بستان العم. إذاك، كانت والدتي وجدتي تنهمكان في تجريح الثمار بغية تخليلها مع زيت الزيتون وقطع الليمون والثوم والفليفلة الحارة. فيما نحن الصغار، كالعادة، نحوم حول طشت الغلّة بطيشنا وصخبنا. ذاتَ موسم، تمّ قطف ثمار زيتونة المنزل. عندئذٍ، قررت الأم أن تهدي هذه القطفة إلى أسرة شقيق صهرنا ( وهم من الحسكة )، المقيمين بالإيجار في منزل العم. ربة هذه الأسرة، كانت امرأة قروية ساذجة. ولذلك حرصت الوالدة على افهامها طريقة تخليل الزيتون، الموصوفة. بعد حوالي أسبوعين، تذكّرت الأمُ موضوعَ الزيتون حينما كانت تلك الجارة تزورنا. هذه الأخيرة، عقّفت فمها وهيَ تجيب أمي بالكردية: " والله رميناه كله، ولم نأكله! ". استغربت الوالدة، فعادت تسألها عن السبب. فقالت المرأة: " في ذلك اليوم، الذي أعطيتني فيه الزيتون، وضعت كمية منه على العشاء. ولكنّ طعمه كان مراً للغاية!! ".
2 قلّما تخلو منازل دمشق من أشجار الحمضيات، لدرجة أن نوعين منها، النارنج والكبّاد، صارا مرتبطين بإسم هذه المدينة العريقة. في جنينة منزلنا، كان ثمّة شجيرة ليمون حلو. وهوَ نوعٌ نادر من الحمضيات، تستعمل أوراقه في تخفيف أوجاع الرأس كالصداع والشقيقة. شجيرة أخرى، هيَ الكرمنتينا، كانت تأتلق بثمارها الجميلة والكبيرة. وعلى الرغم من أنّ الوالد قد زرع الكرمنتينا في وقتٍ متأخر نسبياً، إلا أنها نمت وازدهرت بشكل رائع. أما الليمونة، فإننا كبرنا وبقيت هيَ على قصرها وهزالها. مرتع طفولتي الآخر، بيت بديع ( صديق والدي وكان آنذاك مقيماً في أوروبا )، كانت حديقته الكبيرة تضمّ عدداً من الأشجار المثمرة؛ مثل التفاح والكرز والتين والكبّاد والبرتقال. هذه الأخيرة، كانت ذات ثمار كبيرة ومن نوع " أبي صرّة ". أولاد الجيران، من آل نجمي، كان بعضهم يظهر على شرفة منزله ليشير إليّ أن اقذفه بحبّة برتقال. وقد فعلت ذلك أكثر من مرة. أحياناً، كانت تطلّ زوجة أحدهم فتحييني بودّ. وعلى الرغم من أنها كانت صديقة شقيقتي الكبرى، وزميلتها في دار المعلمات، إلا أنني كنتُ أخفض رأسي خجلاً. إنها ابنة بائع الخضار، المعروف بالسمعوني ( أي من مدينة السلمية ). الإبنة، في المقابل، كانت مُعَرَّفة بجمالها. بسبب المذهب، وربما أمور أخرى، كان أبوها قد رفض جارنا الشابّ لما تقدّم لخطبتها. فما كان من هذا، إلا أن خطف الفتاة. فيما بعد، سوّيَ الموضوع وتصالح الأب مع صهره الكردي العنيد..
3 والدي، كان صديق الورود. من وجهة نظره، كانت الأشجار المثمرة في الحديقة هيَ نوعٌ من ديكور. لم يكن غريباً، إذاً، أن يعمدَ إلى التضحية بهذه الشجرة وتلك لكي تتمتع أزهاره بأكبر قدر ممكن من الضوء وأشعة الشمس. شجرة التفاح، قام باجتثاثها بحجّة أنّ ثمارها تجلب النمل. وكذلك كان مصيرها، شجرة التوت الأبيض، والتي سبقَ أن طعّمها بفرعٍ من التوت الشقيق، الشامي. ولكن، حينما أظهرَ الأب عزمه على قطع شجرة الأكيدنيا، كادت والدتي أن تقيم عليه الدنيا. في المغترب السويدي، الذي قدما إليه قبل عشرين عاماً بالتمام، وجدَ كلا الأبوين نفسه في شقة ببناية حديثة. كانا ولا شك يفتقدان منزلهما في الشام، بحديقته وأرض دياره ودهليزه. فالشقة هذه، لم يكن يتسع بلكونها سوى لبضع فخاريات للأزهار. ثمة، خلال السهرات المعتادة مع الأولاد والأحفاد، كان والدنا يستعيد أحداثَ أيام زمان. ذات مرة، راحت الأم تذكّره مُعاتبةً كيف كان يستبدّ برأيه فيما يتعلق بأشجار الحديقة. فتدخّلنا نحن للرد عليها ضاحكين، بأنه لم يكن يجرؤ على قطع أي شجرة إلا في أوقات غيابها عن المنزل. فانتقلت الأمّ إلى نغمة أخرى: " كان يتصرّف كآغا. كان يراني مشغولة في المطبخ، وإذا به يناديني طالباً قدَحَ ماء! ". عندئذٍ، التفتَ إليها الأب قائلاً وهوَ يتبسّم: " لأنّ الماء من يدكِ، طعمُهُ أكثر عذوبة!! ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرَة أُخرى 27
-
سيرَة أُخرى 26
-
نافخ البوق
-
أجنحة
-
أقوال غير مأثورة 4
-
سيرَة أُخرى 25
-
سيرَة أُخرى 24
-
سيرَة أُخرى 23
-
سيرَة أُخرى 22
-
القيدُ الحديديّ
-
خنجرٌ نحاسيّ
-
طبيب
-
حافظةُ الحظ
-
معلّم
-
أعمى
-
فنانة
-
قصة صداقة
-
في المتحف
-
سيرَة أُخرى 21
-
أمثولة وحكاية
المزيد.....
-
العراق ينعى المخرج محمـد شكــري جميــل
-
لماذا قد يتطلب فيلم السيرة الذاتية لمايكل جاكسون إعادة التصو
...
-
مهرجان -سورفا- في بلغاريا: احتفالات تقليدية تجمع بين الثقافة
...
-
الأردن.. عرض فيلم -ضخم- عن الجزائر أثار ضجة كبيرة ومنعت السل
...
-
محمد شكري جميل.. أيقونة السينما العراقية يرحل تاركا إرثا خال
...
-
إخلاء سبيل المخرج المصري عمر زهران في قضية خيانة
-
صيحات استهجان ضد وزيرة الثقافة في مهرجان يوتيبوري السينمائي
...
-
جائزة الكتاب العربي تحكّم الأعمال المشاركة بدورتها الثانية
-
للكلاب فقط.. عرض سينمائي يستضيف عشرات الحيوانات على مقاعد حم
...
-
أغنية روسية تدفع البرلمان الأوروبي للتحرك!
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|