|
فخ سلمان في صنافير وتيران
جوزيف بشارة
الحوار المتمدن-العدد: 5137 - 2016 / 4 / 19 - 02:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تيران وصنافير مصريتان أم سعوديتان؟ لم يعد هذا السؤال يشغل بال أحد، فالجميع اتخذ موقفاً من القضية بناءً على موقفه من الرئيس عبد الفتاح السيسي. من يقبلون بالسيسي رئيساً يجدون دوماً الأسباب الكافية لتبرير أية أفعال يقوم بها، حتى ولو كانت خاطئة أو ساذجة أو غير مقبولة، بينما من لا يقبلون بالرجل، أو قبلوه في الماضي على مضض بغرض إبعاد الإخوان عن الحكم، يجدون أيضاً من الأسباب ما يكفي لتبرير كراهيتهم له ولكل أفعاله حتى وإن كانت جيدة أو تفيد البلاد والمواطنين. قليلون هم من يعرفون ويفهمون حقيقة وطبيعة الجزيرتين، وكثيرون هم من لا يعرفون ولا يفهمون ولكنهم ينجرفون وراء مشاعرهم الشخصية وولاءاتهم الحزبية والجماعية.
تقول الجغرافيا أن مصر والسعودية تمتلكان الحق في المطالبة بالجزيرتين، فالجزيرتان تقعان تقريباً في منتصف الممر الملاحي الضيق الذي يقود إلى خليج العقبة والذي يفصل بين مصر والسعودية. جغرافياً إذن يمكن القول أن الجزيرتين متنازع عليهما. أما التاريخ فيؤكد على أن مصر كانت دائماً اللاعب الأساسي في الجزيرتين، ويضاف إلى ذلك أن مصر هي التي وقعت اتفاقات دولية نصّت على وجود الجزيرتين ضمن حدود أراضيها، وهي التي دافعت عنهما عندما تعرضتا للعدوان، وهي التي قدمت شهداءً في الدفاع عنهما، وهي التي أعادتهما مرة أخرى للسيادة المصرية بعد سنوات الاحتلال الإسرائيلي لهما.
لكن يبدو أن النظامين الحاكمين في مصر والسعودية آثرا الاحتكام للسياسة والاقتصاد ومصالح النظامين، والأمور الداخلية والإقليمية دوناً عن الجغرافيا والتاريخ. كان من الطبيعي أن يزعج هذا الأمر الوطنيين من المصريين. (ملحوظة: عن الوطنيين أتحدث وليس عن المزايدين والمنتفعين والحقودين والمُشَوَشْين.)
جاءت ردود أفعال المصريين متفاوتة، مريدو السيسي قبلوا بالأمر وبرروه، وظهر الإعلام الرسمي وشبه الرسمي كعادته بوجهه المنافق المؤيد للسلطة. في المقابل أظهرت المعارضة الاتفاق المصري السعودي على أنه خيانة عظمى وبيع لأرض الوطن. واستغلت جماعة الإخوان الموقف وزاحمت المعارضين بهدف تحقيق مكاسب على حساب النظام. بين القلة المؤيدة والقلة المعارضة وقفت الأغلبية حائرة تائهة تتسائل من المحق ومن المخطيء، وإن كان الإحساس بالمرارة بدا واضحاً على الكثيرين بسبب الاسلوب السري الذي تعاطى به النظام مع الأمر. ومن المؤكد أنه لو كان النظام تعامل مع الأمر بشفافية ووضوح لاختلفت ردود الأفعال ولِما أثار الاتفاق الشبهات ولِما جاء الإعلان عن التخلي عن الجزيرتين مفاجئاً وصادماً.
المثير في الأمر أن النظام المصري لم يكن واثقاً من رد فعل المصريين على قرار التخلي عن الجزيرتين، بل أنه توقع حدوث ردود أفعال غاضبة، حتى أن عبد الفتاح السيسي ذكر في حوار له بعد الزوبعة أنه لم يشأ الإعلان عن المسألة حتى لا يتدخل ’الأشرار‘ فيعكّرون العلاقات مع السعوديين. لكن حجة السيسي الهزيلة لا يمكن قبولها أو تبريرها لأن رئيس الدولة يستمد شرعيته من شعب بلاده وليس من حكام الدول الأخرى، وهو مطالب بمراعاة شعبه قبل مراعاة الدول الأخرى. لكن قد يكون السيسي محقاً بعض الشيء في حذره من استغلال عناصر إخوانية تخريبية للموقف، غير أن هذه المخاوف لم تكن أبداً لتعطيه الحق في اتخاذ قرارات وطنية مصيرية من دون استشارة المصريين.
تعكس الأزمة التي أوجدها النظام بشأن مستقبل جزيرتي تيران وصنافير ضعف الخبرة وغياب الرؤية عن القيادة السياسية. بدا أيضاً أن ملك السعودية استغل سذاجة النظام فنصب له فخاً وضعه في صفوف المتهاونين في حقوق الوطن، وهي الصفوف التي تضم قادة جماعة الإخوان المسلمين التي عزلها النظام الحالي بعد ثورة الثلاثين من يونيو. ربما لا يخفى على الكثيرين هنا أن الملك السعودي يرتبط أيديولوجياً بالفكر الإخواني، وعمل منذ اعتلائه عرش المملكة على تقارب الفصائل الإسلامية السنية المحافظة ومنها جماعة الإخوان لمواجهة المد الإيراني الشيعي في المنطقة. وفي هذا الصدد ذكرت دراسة أعدتها مبادرة الإصلاح العربي أن العاهل السعودي يتبنى استراتيجية جديدة لا تقوم على الصدام مع جماعات الإسلام السياسي ومنها جماعة الإخوان، وإنما تقوم على استخدام هذه الجماعات لتحقيق مصالح مشتركة.
لعل التوقيت السيء للاتفاق المصري السعودي بشأن الجزيرتين، والذي لا يصب في مصلحة النظام المصري يؤكد على أن سعي الملك سلمان لفك ارتباط الجزيرتين بمصر ليس إلا فخاً لعبد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية التي تقف وراءه وتسانده، وفخاً لمصر حتى تنزلق من جديد في مستنقع جماعة الإخوان. كان بإمكان سلمان الانتظار حتى يتخطى السيسي بعضأ من العقبات الاقتصادية القاسية والتحديات الداخلية الجمّة التي تواجهه في الوقت الحالي، ذلك لو كان سلمان يسعى لدعم النظام المصري ويرغب في تخفيف الأعباء عنه ويخشى استغلال معارضيه، بخاصة جماعة الإخوان، المسألة ضده. لكن سلمان أراد، على ما يبدو، أن يحرج السيسي ويدعم حجج المعارضة المشروعة وغير المشروعة ضده. والخلاصة هي أن سلمان وضع السيسي في موقف الخائن الذي يتخلى عن حقوق وطنه ويفرّط في أراضيه، وهي نفس التهمة الي يوجهها النظام لقادة جماعة الإخوان ويحاكمهم بسببها.
السؤال الذي يفرض نفسه الأن هو هل كان بإمكان النظام المصري عدم التخلي عن الجزيرتين؟ الإجابة السهلة للسؤال التي يتداولها المعارضون للنظام الحاكم هي نعم، لكن إجابة المقربين من النظام تختلف تماماً، وبين الإجابتين تكمن حقائق كثيرة.
يتعرض النظام المصري لضغوط رهيبة داخلياً وخارجياً ويواجه تحديات جمة لا يبدو قادراً على حلها، وربما دفعته رغبته في تخفيف هذه الضغوط والتحديات إلى الرهان الخاطيء؛ صفقة التخلي عن جزيرتين ظن أنهما فقدتا أهميتهما الاستراتيجية بتوقيع مصر اتفاق السلام مع إسرائيل طمعاً في دعم سياسي واقتصادي غير محدود من المملكة السعودية.
بالنسبة للدعم السياسي، يدرك النظام المصري أن دعم السعودية لجماعات الإسلام السياسي جعلها تتحكم بشكل كبير في خيوط اللعبة في المنطقة وبخاصة في الدول المشتعلة بصراعات داخلية، ومن ثم فربما كان التخلي عن الجزيرتين محاولة من السيسي لتحييد السعوديين في الصراع المصري الداخلي الدائر بين النظام وجماعة الإخوان. وعلى جانب أخر، فقد اراد النظام المصري التودد للسعوديين بغرض اختراق التحالف السعودي التركي الذي يمكن أن يهدد استقرار مصر لو استمر في عملية زرع أنظمة إسلامية في المنطقة. أما بالنسبة للدعم الاقتصادي، فالقاهرة لازالت تطمع في الحصول على المزيد من المعونات المالية التي تحتاجها بصورة ماسة لمواجهة الأزمات التي تكاد تحكم قبضتها على رقبة النظام.
#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إخوان اليوم وإخوان الماضي
-
هجوم الأقصر الإرهابي وما أشبه الليلة بالبارحة
-
ما بين تركيا وإسرائيل
-
حقوق المرأة في منطقتنا بين الموروثات والتطرف
-
قصتي مع الشهداء الأقباط المذبوحين في ليبيا
-
ثلاثة تحديات تواجه السيسي (1)
-
الإرهاب الأعمى والحكم العبثي بإعدام 528 إسلاميا في مصر
-
باسم يوسف يسقط أمام السيسي بالضربة القاضية الفنية
-
حجارة حمدين صبّاحي وبيته الزجاجي
-
دور سياسي لفيروس -سي- في مصر!
-
حمدين صباحي والبلالية وانتخابات الرئاسة المصرية
-
المثقفون والسيسي بين الرفض المنطقي والأيديولوجيات الجوفاء
-
ترشيح السيسي: يوم حداد على المجتمع المدني في مصر
-
لماذا لا يجب أن نعبأ بغياب الشباب عن الاستفتاء في مصر؟
-
مرسي -يتابع- مجازر الأقباط
-
عمر البشير وموعد مهم مع العدالة
-
محاكمة اليوم الواحد تخذل مباديء ثورة الياسمين
-
رفيق حيبيب وتجميل وجه حزب الإخوان
-
وهم دولة الإسلاميين المدنية
-
أزمة إمبابة بين عجز وفشل المجلس العسكري وإرهاب وكذب السلفيين
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|