|
أرق ونحيب مكتوم
صبيحة شبر
الحوار المتمدن-العدد: 1389 - 2005 / 12 / 4 - 13:56
المحور:
الادب والفن
تتكدسين مع رفيقاتك ، ثلاثون امرأة وفتاة ، تتجمعن بغير اختياركن ، في مكان ضيق ، لا يسع الخمس منكن ، تنام واحد تكن ، على جانب واحد ، ولا تتمكن من تغيير الجانب إلى الآخر ، تظل الليل كله ، يغلبها السهاد ، مخافة أن تأتي بحركة غير مقصودة ، تسبب إيقاظ رفيقتها ، المتظاهرة بنوم عميق ، تتخلله الأحلام الباسمات يزعجك نحيب ، يتراءى لك انه منبعث من زميلة تنام قربك ، تجتهد ألا تسمع صوتها للحاضرات ، تسألين نفسك ، باستغراب : لماذا تراها تبكي ؟ وهي القوية الصامدة ، المتمتعة بتلك القدرة العجيبة ، على الصبر والاحتمال ، تتظاهرين انك لم تسمعي ذلك النحيب ، المثير للاستغراب ، في مكانكن ، المزدحم بالأجساد ، المثقل بالأنفاس ، المغلق النوافذ ، المسدود الباب ، لا تستطعن الخروج طيلة نهارا تكن ولياليكن الضائعة المندثرة ، إلا مرتين في النهار ، لا تتجاوز مدة كل منهما ربع الساعة ، وانتن ثلاثون امرأة وفتاة ، يتوزع الزمن المعين ، المحدود عليكن ، تغسلن الوجوه ، وتقضين الحاجات ، تفرشن الأسنان ، تغسل الواحدة منكن شعرها ، والأخرى جسدها ، والثالثة ، تقف حارسة ، بالباب ، لئلا تدخل احد الوحوش المفترسة ، تقمن بكل الأعمال ، بأسرع من البرق ، كما يأمروكن ، وتعدن إلى غرفتكن ، المغلقة الأبواب ، المسدودة النوافذ ، لتقرأ أسماءكن في ورقة بيد الرجل الحارس ، كل منكن تحمل رقما . النحيب يتصاعد ، رغبة قوية تصدر من رفيقتك المضطجعة بجانبك ، في وأد الصوت المنبعث رغما عنها ، ولكن المحاولات العديدة الصادرة لإسكات الصوت الصادرمن داخل النفس المكلومة ، تؤول إلى الفشل ، الصوت لا يلبث أن يعلو قليلا ، وبإصرار رغم المحاولات المبذولة لإيقافه ، يدهشك صوت النحيب المقموع ، صديقتك العزيزة كانت قوية صلبة على الدوام ، ما بالها هذه اللحظة ؟ تظاهرت جميع السيدات والآنسات فيها بأنهن مستغرقات ، بنوم عميق ، تتملكك رغبة عارمة بالاستفسار عن الأمر الفريب ، ذلك ، المجهول العصي على الإدراك ، لعل مكروها حدث ، ولم تحدثك صديقتك العزيزة به ، ولكن رغبتك القوية الا تظهري إطلاعك على لحظة الضعف المهيمنة على الصديقة تلك ، جعلتك تؤجلين السؤال إلى وقت آخر ، وقد تتمكنين من معرفة كنه الأمور او لا تتمكنين ، لكل إنسان شأنه الخاص ، فلا تتعجلي في الاستفسار ، الصباح آت ، وسوف يمكنك أن تطرحي الأسئلة ، تظاهرت جميعهن بالاستغراق بنوم عميق ، في الغد ، وكما في كل صباح ، يعاودك الأمل ، بانبثاق يوم جديد ، تتفاءلين بامكان حدوث أمور جديدة ، قد تغير بعض ما تعانينه من ظلم وظلام ، في لحظتك الراهنة ، كل صباح لا يلبث الحلم بحصول الجديد وبالتغيير في حياتك أن يتلاشى ، يغلقون الباب عليكن ، دون أن تتمكن من الانتهاء من الواجبات العديدة المفروضة عليكن في الوقت المحدد القصير ، تسمعين صرخات متصاعدة من رجل ، يضرب ، بإصرار متواصل ، وبوقاحة لايمكن تفسيرها ، ضربات مبرحة على رأسه ، وأجزاء متفرقة من جسده ، تسمعين الصرخات المتتالية ، والرعب يجتاحك ، تتمنين لو تستطيعين ان تمدي له يد العون ، ذلك الرجل المنكوب ، والباب موصد بإحكام ، والنافذة الوحيدة الموجودة في غرفتكن قد أغلقت إغلاقا محكما بالمسامير ، والأمل يعاودك أن تتمكني من تقديم المساعدة ولكن لا يلبث واقعك الأليم أن يظهر أمامك بوضوح ، أنت تقطنين هنا مع التسع والعشرين سيدة وآنسة ، محصورات مع بعضكن البعض ، لا تتمكن من تغيير وضع الجلسة او هيئة النوم خشية من إيقاظ الأخريات مازال النحيب يتصاعد ، وأنت تقهرين رغبة مشتعلة في أعماقك أن تعرفي علة ذلك ، أو تراهم اساؤوا إليها عندما طلبوا حضورها هذا الصباح ، عادت من رحلتها إليهم ، كما هي العادة دائما ، يطلبون الواحدة منكن ، أنت أو رفيقاتك ، يطلقون الأسئلة المتعددة التي تنهال من كل جانب ، يعصبون العينين ، ويربطون اليدين والقدمين ،يستعملون الدبابيس في الوخز على الكفين والقدمين والكتفين وعلى الأعضاء التي يمكنها ان تسبب ألما مضاعفا ، فإذا أظهرت إحداكن ألما ، تتعالى ضحكاتهم ، يستعملون الأحزمة للضرب المبرح على المناطق التي يكون ألمها بالغا ، يطرحون الأسئلة من كل جانب ، أسئلة متنوعة ، متكاثرة عن أصدقائك ،، هواياتك ،، اهتماماتك ،، قراءاتك ،، لماذا تقرئين بهذه القوة وذلك النهم ؟ من تعرفين من المخربين ؟ هؤلاء الحمقى الذين يطمحون الى تغيير اتجاه الشمس وشكل القمر ؟ تطرح الأسئلة على جميعكن ، تعود الواحدة منكن بعد الرحلة الطويلة والمضنية ، وهي مبتسمة واثقة ، إنهم لم يتمكنوا منها مع استعمالهم الأساليب الدنيئة في انتزاع الكلام ، تزين البسمة وجوهكن، على ثغركن تلوح علامات الارتياح ، إنكن حفظتن أنفسكن من التشتت والضياع على رغم الأساليب الصعبة كل صباح ، يعاودك ذلك الصراخ المؤلم ، يتعمدون ان يثيروا فيك الألم ويجعلوا ساعاتك أصعب من الاحتمال وأقسى من الصبر ، تتساءلين ، من يكون ذلك الرجل المكبل ؟ أخبروك آخر زيارة أنهم قبضوا على من منحك الحب والرعاية والحنان في طفولتك ، وما زال رءوفا بك ، على الدوام ، تمنيت أن تكوني بدلا عنه ، تتعرضين الى أنواع مختلفة من التعذيب ، ولكن كيف يمكن أن تحققي مبتغاك ، وقد سدوا عليك الباب وأغلقوا النوافذ بالمسامير ؟ هل يكون المضروب ذلك الرجل العزيز الأثير الذي ما ان سمع بنبأ إلقاء القبض عليك حتى سارع الى إعلام الأصدقاء والأحباب ، طلب ان يكون بدلا عنك في تحمل الألم ، وأنت هنا لاتقدرين على الإعلان عن موقف المساندة ، وقد سدوا عليك النوافذ والأبواب ،،، قد يكون الرجل المضرب بتلك القسوة من تحبين وتفضلين على نفسك ، يضعونه في غرفة ملاصقة لغرفتكن ، يوصدون الباب ، يبدؤون بالضرب المتواصل ، يمضك شعور انك عاجزة عن تقديم العون ، وكيف يمكنك ان تقومي بإغاثة رجل يصرخ ، بألم يتفاقم من أجزاء جسده الآخذة بالأنين المرعب . مازال النحيب المتقطع ، يثير فيك التساؤلات - رجاء ؟ تصمت رجاء ، متظاهرة أنها تغط في نوم عميق ، تعاودين السؤال - رجاء ؟ - - نعم ؟ - أكنت تبكين ؟ - - لا أبدا ، بل كنت نائمة . أنت كاذبة حتما أيتها الصديقة الحالمة باستمرار ، لا ترغبين أن تظهري ضعفك وبكاءك ، ولكن ما الذي يدعوك ، الى البكاء والنحيب هذه الساعة المتأخرة من الليل وقد هجع الجميع ، أو تظاهرن أنهن في نوم متواصل وعميق تحلمين بصباح جديد ، تشرق فيه الشمس ، وباب مفتوح ، وبنافذة لا يوصدونها بالمسامير ، تسمعين تغريد البلابل ، تغنين مع العنادل ، تأكلين ما يحلو لك ، تعانقين من تحبينهم ، تنامين الى وقت الظهيرة ، أيام عطلتك ، ولا تعودين الى سماع ذلك الصراخ المرعب ، المنطلق من رجل مقيد ، قد ربطوا منه اليدين والقدمين ،وعصبوا العينين ، سمحت لهم شجاعتهم أن يضربوه ، ذلك الضرب المبرح اللعين . وأنت تسمعين ، وكل ما فيك يرتعد ، تتلاشى قواك ، تحسين انك صغيرة ، وتصغرين باستمرار ، كيف تتخلين من وقف دائما قربك ، يشجعك ، يدافع من يحاول ان ينال منك ويشهر بعزيمتك ، لقد المك شعور قوي انك لا تنصرين من ناصرك ، الم تقولي دائما إن الحياة مواقف متكافئة ، ولكن ما بيدك يا عزيزتي ؟ وأنت مثله تماما ، واقل منه قوة واحتمالا تصمت رجاء ، وتنهي النحيب الغريب المنبعث من قلبها المكلوم ، يعاودك التساؤل من جديد ، أيكرر صباحك البائس الغريب ، اذ يمنحونك ربع الساعة ، لتغسل جميعهن وجهها ، واليد ، وكل الأمور الضرورية الأخرى التي تؤدى كل صباح ، ولكن الأمل ينبعث بقوة داخلك ان رجاء عزيزتك هجرت بكاءها ، وعادت الى قوتها المعهودة ،فالصباح لابد أن يكون مشرقا ذات مرة صبيحة شبر
#صبيحة_شبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقوق المرأة الأم
-
حياتكم لاتستحق التنديد
-
ايامنا تزداد سوءا
-
رأي في الارهاب
-
كن بعيدا
-
الزكاة بين الجمود والاجتهاد
-
نظام الجواري
-
ويستمرون في اغتيال فرحتنا
-
حفلة عيد الميلاد
-
أمور تحدث كل يوم
-
الى الكاتبة مها الرحماني
-
شمعة تنطفيء
-
انواع من الارهاب
-
الارهاب والقتلة يكافان
-
المعلم بين النظرية والتطبيق
-
هل يمكننا ان نحب ؟
-
قدوى طوقان : شاعرة الحب والالم
-
اطفالنا واراجيح العيد
-
العنف ضد الاخر
-
محاولة : قصة قصيرة
المزيد.....
-
خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و(
...
-
-من أمن العقوبة أساء الأدب-.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجا
...
-
إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص
...
-
رحال عماني في موسكو
-
الجزائر: مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يستقبل ضيوفه من ج
...
-
أحلام تتفاعل مع تأثر ماجد المهندس بالغناء لعبدالله الرويشد
-
شاهد/رسالة الفنان اللبناني معين شريف من فوق أنقاض منزله بعدم
...
-
عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ
...
-
فنان تشكيلي صيني يبدع في رسم سلسلة من اللوحات الفنية عن روسي
...
-
فيلم - كونت مونت كريستو- في صدارة إيرادات شباك التذاكر الروس
...
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|