أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - أولاد الوزّة














المزيد.....

أولاد الوزّة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5136 - 2016 / 4 / 18 - 14:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أثناء تجوالنا، أصدقائي وأنا، وجدنا إوزةً كندية بريّة واقفة في مرمى الخطر غير عابئة بأقدام المارة وإطارات السيارات التي تريد أن تصطفّ في جراج مفتوح أمام أحد المولات الكبرى في تورونتو الكندية. الإوزة تتلفّت يمينًا ويسارًا في قلق وتوجُّس، كأنما تحمل على مِنقارها رسالة تقول: “خفّفوا الخطوَ، أيها البشرُ، وامشوا الهوينا.”
أخذنا الظنُّ أن تلك الإوزّة قد تخلّفت عن سرب رفاقها أثناء رحلة هجرة الطيور السنوية هربًا من صقيع كندا وثلوجها، نحو دفء الوديان في مناطقَ بعيدةٍ من العالم. وقفنا لا ندري كيف نساعدُ تلك الإوزة التائهة، وبدأ شيءٌ في داخلي يبكي لشعوري بالعجز كوني غريبة عن البلاد؛ ولا أدري بمن عليّ الاتصال. طمأنني أصدقائي الكنديون أن أجهزة حماية البيئة سرعان ما ستتحرك، ولا داعي للقلق، فهي بلاد تحترم الطير والحيوان، مثلما تحترم بني الإنسان. دخلنا المول، والقلقُ لا يبرحني لولا ثقتي في ربٍّ لا ينسى نبتةً في حضن صخرة، فيرسلُ لها القَطرَ لتحيا، وثقتي في بلاد تعرف قيمة الروح، وإن كانت لإوزة، في مقابل بلادنا السعيدة التي نسيت، في خضمّ مشاكلها وعثراتِها، أن تحترم الإنسان والحيوان. لكن عيني ظلّت تطاردُ الإوزة من فوق كتفي وأنا أبرحها وأمضي نحو البعيد. وحيّرني اللغزُ الغامض: لماذا لا تتحرك الإوزة عن مكانها، وتصرّ على الوقوف في نهر الطريق، ولا تتنحّى مكانًا آمنًا جوار حائط أو تحت ظلّ شجرة، بينما نُدَفُ الثلج القارس تنهالُ فوق ريشها المبتلّ!!
خرجنا من المول، وانفضّ اللغزُ المُحيّر وفهمنا القصة كاملة. على بعد خطوات من الإوزة، التي تبيّن أنها ذكرُ إوز، كانت هناك أوزّة ترقد على بيضاتها في جزيرة عُشبية تغطيها الثلوج وسط بارك السيارات. الإوزة الأمُّ فاجئها المخاضُ أثناء رحلة الهجرة، فحطّت في تلك البقعة ووضعت بيضها، ثم رقدت عليه لكي تدفئه من قساوة الجليد. وكان الزوجُ فارسًا نبيلاً كما ينبغي لـ"رجل" يحبُّ أنثاه. كتبتُ: "رجل" لأن كلمة: "ذكر" لا توافق المعنى هنا، وإن كنتُ أتكلم عن فصيل الإوز. فالرجولة معنى واختيار وقيمة، والذكورة صفةٌ اعتباطية محضُ مصادفة بيولوجية لا تحمل معنى ولا قيمة ولا اختيارًا.
ماذا فعلت الدولة الكندية مع أسرة الإوزات المهاجرة المكوّنة من أمٍّ ترقد على بيضاتها، وأبٍ يقف على مرمى خطوات يشخص بعينيه في عيون المارة والسابلة ليحذّرهم من الاقتراب من زوجته وصغاره الذين بعد ما خرجوا للنور من بيضاتهم؟ سارعت الشرطة الكندية بوضع شريط أمان Caution tape أصفر اللون يحيط بالبقعة التي ترقد عليها الإوزة فوق بيضاتها. وهنا أصبحت تلك البقعة محميةً طبيعية بأمر الدولة الكندية، لا يحقُّ لإنسان الاقتراب منها وإزعاج الأم الراقدة على مستقبل أطفالها القادمين للحياة بعد برهة.
أفكّرُ الآن في الصغار الذين يتشكّلون الآن داخل بيضات الإوزة في أمان تامّ. صغارٌ محظوظون دون شكّ؛ لأن الطبيعة اختارت لهم أن ينشأوا في بلاد تُقدّر قيمتهم. أفكّر كذلك في مصير أولاد الوزّة لو قُدّر لهم أن ينشأوا داخل بيضات اختارت لها الطبيعةُ أرضًا عربية من أراضينا السعيدة. ماذا كانت ستفعل بلادنا، ومواطنونا أمام معجزة الخلق التي تتشكّل امام عيوننا؟ أنتم تعرفون الإجابة. أكتبُ هذا المقال وأنا إحدى ضحايا الرحمة بالحيوان الذي لا يقدر أن يعبّر عن أوجاعه ومخاوفه من قسوة بني البشر. أشفقتُ على تعذيب حيوان قبل نحره على مذابح أضاحينا، فما نالني إلا حكم بالحبس سنواتٍ ثلاثًا، وغرامة مالية، وتشريد خارج وطني الطيب. طوبى لكم يا أولاد الوزة.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سامحيني يا سمراء | أم الشهيدة والأرنب المغدور
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!1
- قفص العيب
- مَن هُم خصومُنا؟
- اسمُها زَها حديد
- ثغرة في قانون ازدراء الأديان
- كنتي سيبيه يمسكها يا فوزية!
- توب الفرح يا توب
- لماذا اسمها -آنجيل-؟
- لماذا هرب الجمل؟
- دولة الأوبرا تزدري الطبيعة!
- لابد من الموسيقى
- أمهاتُ الشهداء وأمهات الدواعش
- عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف
- سوطٌ لكل امرأة
- كُن مرآةً ولا تكن عكازًا
- البيض الأرجنتيني
- الست فضة والست ماري
- لقاء الرئيس الذي لم أحضره
- هل نلغي الدستور؟


المزيد.....




- فيديو يظهر لقطات من موقع سقوط الصاروخ في مجدل شمس بالجولان
- في بيان لـCNN.. ماذا قالت أمريكا عن هجوم الجولان؟
- اكتشاف مفاجئ يشير إلى وجود محيط مخفي في أحد أقمار أورانوس
- ترامب حول قصف مجدل شمس: هجوم -مروع- وعلينا استعادة الاحترام ...
- مصر.. النيابة العامة تصدر قرارا جديدا بشأن الزوجة المتهمة بس ...
- إبطاء عمل موقع -يوتيوب- في روسيا
- متى تكون مسكنات الألم الشائعة خطرة على الصحة؟
- شيخ العقل لطائفة الموحدين في لبنان يدين الهجوم على بلدة مجدل ...
- -أكسيوس-: إدارة بايدن تشعر بقلق بالغ من احتمالية اندلاع حرب ...
- المبارز التونسي فارس فرجاني يحرز فضية ويمنح بلاده والعرب أول ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - أولاد الوزّة