|
أديب في الجنة (61) * حُب وقُبل ما بعد الموت !!
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 5134 - 2016 / 4 / 16 - 04:23
المحور:
الادب والفن
أديب في الجنة (61) * حُب وقُبل ما بعد الموت !! وهو يسترخي على أريكة في حديقة قصره منتظرا قدوم الملك لقمان إليه بعد بضعة أيام من الحفل السماوي الخارق للطبيعة ، راح الإمبراطور الشنوتي يفكر في قدرات هذا الملك الإعجازية وكيف تنفتح له أبواب السماء وتستجيب لرغباته . مسألة أكبر من قدرة العقل على استيعابها ، بغض النظر إن كانت حقيقة أم خيالا أو سحراً . فهل هذا الرجل مجرد ملك أم ملاك أو نبي أو حتى إله ، طالما اعتقد ( الإمبراطور ) بوجود آلهة متعددة تستمد قدسيتها من المبدأ الكلي الشمولي المتخلل في الكون . ثمة تقارب ما في فهم المعتقدين ، رغم إصرار الملك على أن فهمه اجتهادي ، وهذه مسألة تحير أيضاً ، فهل تستجيب السماء لفهم اجتهادي وتحقق المعجزات ، ليلتبس الواقع بالخيال والممكن بالمستحيل والمحدود بالمطلق وكل شيء بكل شيء . أقبل الملك لقمان محلقا وحده في الفضاء ،ومسألة التحليق هذه معجزة أخرى تضاف إلى معجزات الملك ، فكيف يتمكن من التحليق بقامته في الفضاء دون أجنحة ودون أي شيء يساعده على الأمر ؟ حط الملك على مقربة من الإمبراطور الذي نهض لاستقباله . تصافحا بحرارة وقد رفعت الكلفة بينهما بحدود. - أراك وحيدا ؟! هتف الملك وهو يجلس إلى جانب الإمبراطور على الأريكة . - أحببت أن أخلد إلى نفسي لأفكر في ما تقوله وما تفعله جلالتكم ! - وهل توصلتم إلى نتيجة ؟ - ثمة تقارب ما بين مفهومينا إذا استثنينا مسألة ما بعد الموت كمرحلة ضرورية في تجدد دورة الحياة الكونية . - وهل لجلالتكم اعتراض على هذه الفكرة ؟ - بالعكس لقد أراحتني وأجابت لي عن الكثير من الأسئلة المقلقة . فمسألة انتهاء أمر الإنسان بالموت كانت وما تزال مسألة مقلقة للبشرية . أنتم زرعتم الأمل في النفس البشرية . - لقد كنت لبضعة أعوام خلت أظن أن حياة الإنسان تنتهي بالموت ، لم أكن مرتاحا لهذه الفكرة إلى أن عثرت على الحل في ليلة أمضيتها في التأمل . ربما أسعفني التوحد بالذات الإلهية في الفكر الصوفي والإنطفاء في المبدأ الكلي القائم بالكون حسب بعض المعتقدات . - وهل حسمتم الأمر في أن الإنسان يدرك وجوده المادي الطاقوي في الذات الكونية الخالقة ؟ - أجل حسمتها أيضا . ففكرة أن الطاقة لا تدرك وجودها وضربت مثلا بالطاقة الكهربائية التي لا تدرك وجودها رغم أن الضوء مثلا لا يمكن أن يتم دونها ، لم تكن مقنعة لي ، إلى أن اهتديت إلى اعتبارالطاقة الخالقة طاقة الطاقات كلها وليست مجرد طاقة كهربائية ، حتى لو كانت الطاقة الكهربائية تدرك وجودها كطاقة . فلا يعقل أن لا يدرك خالق الكون وجوده . فنحن كبشر ندرك وجودنا والكائنات وخاصة الحية منها تدرك وجودها فكيف لا يدرك الخالق وجوده ؟! مسألة لم تكن مريحة ومقنعة لي فحللتها بالإدراك . - وهل يدرك الإنسان وجوده المادي الطاقوي في الخالق أو الألوهة أو المبدأ الكلي حسب معتقدنا ؟ - يفترض أنه اتحد مع الذات الخالقة كمادة وطاقة وأصبح جزءا منها ،أي من مادتها وطاقتها ، ففي هذه الحال لا يشعر بوجود إنساني بل بوجود كوني شامل وغير محدود . - وهل يتمتع بذلك ؟ - يفترض ذلك . - كيف ؟ ضحك الملك لقمان وهو يقول : - حين أصبح خالقا أو إلها سأخبر جلالتكم ! ضحك الإمبراطور بدوره . تابع الملك قائلا : - أطن أنني لن أتمتع بعملية الخلق فقط بل وبالقبل التي يتبادلها البشروربما ما هو أكثر من ذلك كأن أتمتع بممارستهم للحب والعمل..ألخ ! ضحك الإمبراطور وتابع بدوره و كم الأسئلة يتوارد في مخيلته : - إنطلاقا من رؤية جلالتكم الإجتهادية واعتقادكم بالنشوء والإرتقاء ، ألا يمكن أن تكون هذه الأفكار ما تزال قيد التحقق لدى الخالق . أقصد ما يتعلق منها بإدراك الإنسان لوجوده في الذات الخالقة ؟ أطرق الملك للحظات . - هذا أمر ممكن ، لكن إذا اعتبرنا أن الذات الخالقة مدركة لوجودها فلا يعقل لمن يتحد معها أن لا يدرك وجوده كونه أصبح جزءا منها . وافق الإمبراطور الملك على وجهة نظره . وأطرق يفكر في أي الأسئلة التالية سيطرح على الملك. وما لبث أن هتف : - هل في مقدور جلالتكم أن ترتب لي أطوار بدء عملية الخلق حسب تسلسلها . أدرك الملك صعوبة السؤال . أجاب بعد برهة تفكير : - المادة الأولية . أو الهيولى البدئية التي أوجدت نفسها بنفسها لنفسها وهي ما تزال تحقق نفسها بنفسها لنفسها دون أن تبلغ كمالا ما . فنحن نفسها وهي نفسنا والوجود نفسها وهي نفسه ،وكل ما نقوم به ويقوم به الوجود وتقوم به هي هو تحقيق لنفسها بنفسها ، أو لذاتها بذاتها. الهيولى البدئية مادة وطاقة . كانت تحمل عقلا بدائيا ، وغاية بدائية غير مدركة بوضوح . نتج عن العقل خيال . الخيال طور الغاية ، إلى أن أصبحت تصورا بدائيا . نتج عن ذلك ظهور بدائي ، فسره العلم بأنه الإنفجار الكوني . وبغض النظر عن صحة نظرية الإنفجار أو عدمها ، فإن الحاجة إلى الظهور والتجلي للمادة الأولية كان ضروريا ولا بد منه . لا أحد يستطيع تحديد فترة الكمون . ربما دامت مليار عام . وهذه الفترة تسبق الإنفجار الكوني المفترض ، وإذا كان العلم قد حدد فترة الإنفجار الكوني قبل قرابة أربعة عشر مليار عام ، فإن الهيولى حسب فرضيتنا كانت موجودة من خمسة عشر مليار عام . لا أحد يستطيع معرفة ماهية العقل البدائي الذي كانت تحمله الهيولى . لكن في الإمكان القول أنه لا يشبه العقل البشري الناتج عن دماغ . ما يمكننا قوله هو أنه نتج عن طاقة نتجت عن مادة عبر تفاعلات مديدة . وإذا ما أردنا أن نسلسل مكونات هذه المادة الهيولية فليس في مقدورنا إلا القول : مادة . طاقة . عقل . خيال . تصور . تحقق بدءا بالإنفجار أو غيره ، ليس بالضرورة أن تكون بداية التحقق أو التجلي والظهور انفجارا . لن ندخل في تفاصيل ما بعد ذلك لأن العلم اكتشفها أو اكتشف معظمها . لكن في الإمكان القول أن تشكل الكون قبل ما عرف بالكائنات الحية أو تشكل الخلية الحية قد دام ما لا يقل عن ثلاثة عشر مليارا من الأعوام . وفي الإمكان القول ثلاثة عشر مليارا من التفاعل والإنقسام . لكن ثمة مسألة لا بد من وضعها قيد الإحتمال . إذا كانت مادة الكون قد جاءت من المادة الأولية فإننا لا نستبعد أن تكون كل مادة في الكون تحمل العناصر الأولية نفسها أو بعضها على الأقل . وأظن أن أول من أشار إلى ذلك تاريخيا هو الفيلسوف اليوناني أناكسيماندرفي القرن الرابع قبل الميلاد . وأشار أيضا إلى عودة الأشياء الميتة إلى العنصر الأولي ( اللانهائي ) الذي جاءت منه . ظل الإمبراطور صامتا للحظات يفكر في ما قاله الملك لقمان ، دون أن يصل إلى قناعة يقينية في ذلك ، خاصة وهو يدرك أن الملك يرى في فكره اجتهادا وليس يقينا مطلقا . - أشكر جلالتكم . سنتابع فيما بعد . **** يتبع .
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أديب في الجنة (60) * سحر الألوهة المؤنثة لربة الجمال يتجلى ر
...
-
بين الحالمين بحور العين والحالمين بالإنسان السوبر !
-
أديب في الجنة (59) * النهود الجامحات العابثات الدانيات !
-
أديب في الجنة 58 * تجليات إعجازية للخالق والخلق !
-
أديب في الجنة . الجزء الأول.
-
أديب في الجنة (57) * في الخلق والخالق والبعث والنشور !
-
أديب في الجنة 56 * في الحقيقة والغاية !
-
أديب في الجنة (55) * في العقل ونشأة الكون!
-
أديب في الجنة (54) * الرقص في الزمن المتوقف في المكان الكوني
...
-
أديب في الجنة 53 * الدخول في الأسئلة الصعبة !
-
أديب في الجنة 52 في رحاب الخالق العظيم !!
-
أديب في الجنة 51 * ألخالق العظيم !
-
أحلام مادية طاقوية ! (1) شاهينيات 1178
-
مفهوم الألوهة الملتبس بين وجود إله أو عدمه ! شاهينيات ( 1177
...
-
في الألوهة وشرط وجودها ! شاهينيات (1176)
-
لماذا لم يبن الله مدينة واحدة على الأرض ؟ شاهينيات 1175
-
في العقل الكوني. شاهينيات 1174
-
( القصيدة الكاملة المعدلة انطلاقا من مذهب وحدة الوجود حسب فه
...
-
إلى المرأة الحبيببة والأم والأخت في عيدها
-
أديب في الجنة (50) * الملك لقمان في ضيافة الإمبراطور الإله !
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|