|
«غوانتانامو» وتسييس العدالة
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 5133 - 2016 / 4 / 14 - 17:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
«غوانتانامو» وتسييس العدالة عبد الحسين شعبان عاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى موضوع معتقل غوانتانامو، الذي وعد بإغلاقه منذ الترشّح لولايته الأولى، في العام 2008. العودة التي تأتي قبل بضعة أشهر من انتهاء ولايته الثانية (أواخر العام الجاري) تضمّنت خطة لإغلاق المعتقل الذي ظلّ مثيراً لجدل صاخب في أوساط مختلفة داخل الإدارة الأمريكية وخارجها، وخصوصاً في العديد من البلدان العربية والإسلامية التي يتحدّر منها الغالبية الساحقة من المعتقلين، وأكّد أوباما أن الوقت قد حان لإغلاق منشأة تهدّد المصالح والقيم الأمريكية. تقضي الخطة بنقل المعتقلين الذين لا يشكّلون خطراً كبيراً إلى دولهم وعدد منهم إلى الولايات المتحدة كما اقترح البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية)، علماً بأن العدد المتبقي هو 91 معتقلاً، وذلك لإفراغ المعتقل من نزلائه وإغلاق أبوابه المفتوحة منذ 14 عاماً لطيّ هذه الصفحة من تاريخ السياسة الأمريكية. وقال أوباما في كلمته في البيت الأبيض 23 فبراير (شباط) 2016: إن مركز الاعتقال في خليج غوانتانامو لا يعزّز أمننا القومي، بل يهدّده، داعياً إلى الاستفادة من دروس ما بعد 11 سبتمبر (أيلول)2011 للتقدّم بالأمة الأمريكية قُدماً إلى الأمام. هناك خشية حقيقية من أن هذا النظام الشديد الاستثنائية الذي تبرّر الولايات المتحدة استخدامه، بحق معتقلي غوانتانامو، قد يؤدي إلى إطالة فترات الاعتقال إلى مالا نهاية، دون محاكمة بما يتعارض مع المبادئ القانونية والقواعد الدستورية الداخلية والدولية، فالاعتقال يتطلّب فترة محدّدة وقصيرة، حيث يتم التحقيق، وبعد الانتهاء منه ضمن الفترة القانونية، لابدّ من تقديم المتهمين إلى القضاء، ليصدر الحكم بحقهم، أما وأن استمرار الاعتقال وأحياناً حتى دون تُهم محدّدة، فإنه سيعني قيام نظام جديد مواز من الاعتقال مدى الحياة، وذلك بحد ذاته يشكّل سابقة خطيرةً، في دولة يجري الحديث عن ديمقراطيتها العريقة، وإذا بها تتراجع أمام أول منعطف باستخدام وسائل لا تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وبهذا المعنى فإن مثل هذا السلوك «اللّاقانوني» واللاشرعي، يعني إصدار حكم بالاعتقال مدى الحياة ضد المعتقلين، وهو حكم لم يصدر عن محكمة، تتمتع بالحد الأدنى من مستلزمات المحاكمة العادلة المعروفة قواعدها دولياً. إن استمرار مثل هذه الإجراءات الاحترازية الطويلة الأمد وغير المحدّدة بزمن يشكّل انتهاكاً لنظام محكمة روما (المحكمة الجنائية الدولية) الذي أبرم في العام 1998 ودخل حيّز التنفيذ في العام 2002، ولقواعد القانون الدولي المعاصر والقانون الإنساني الدولي، ولاسيّما للشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
ومن الناحية العملية يعتبر معتقل غوانتانامو النائي مكاناً معزولاً ومهملاً وغير خاضع للرقابة، ولم يدخله أي سجين بعد دخول محمد رحيم الأفغاني في مارس/آذار 2008، وذلك بعد أسابيع من إعلان الرئيس جورج دبليو بوش رغبته في إغلاق المعتقل، ونقل عدد من السجناء إلى السجون الأمريكية الفيدرالية، فضلاً عن تصفية قضايا آخرين وإعادتهم إلى بلدانهم. وبقدر ما كان المعتقل مغلقاً وبعيداً عن الأضواء والإعلام، فقد كان الاعتقال فيه مفتوحاً بلا مدّة زمنية، وحتى بلا نهاية معلومة.
جدير بالذكر أن بعض الإجراءات غير الشرعية وغير القانونية التي كانت تتبعها إدارة المعتقل، قد أضعفت «شرعية» اللجان العسكرية للمحاكمة، التي كان هدفها الأول والأخير هو الحصول على إدانة للمهتمين وليس معرفة الحقيقة، بما يعبّر عن روح الكراهية والحقد والكيدية، سواء بنصب أجهزة تنصّت في غرف المحامين وكلاء الدفاع عن المعتقلين، لتسجيل ورصد ما يدور بينهم، والتجسّس على البريد الإلكتروني، حيث قامت الحكومة بالاطلاع على نحو 540 ألف رسالة للسجناء ومحاميهم، الأمر يشكّك، بل ويطعن بعدالة وشرعية وقانونية مثل هذه اللجان، فضلاً عن الاستهداف السياسي الواضح الذي يلحق ضرراً بليغاً بالعدالة وقيمها. لقد ألحق سجن غوانتانامو ضرراً كبيراً بسمعة الولايات المتحدة المتدهورة أصلاً، ليس هذا فحسب، بل كان أداة لتجنيد إرهابيين، خصوصاً بعد التلكؤ في تنفيذ الرئيس أوباما لوعده بإغلاق المعتقل، وكان يُفترض أن يتم ذلك نظراً للأوضاع اللّاإنسانية التي يعيشها المعتقلون وظروف حياتهم القاسية والعزلة المميتة، خصوصاً في ظل سياسة الاعتقال المفتوح، وهو ما جاء على لسان كارين غرينبيرغ مديرة مركز فوردهام للأمن القومي ومؤلفة كتاب «أول 100 يوم في غوانتانامو». وكان مفوّض حقوق الإنسان السامي في الأمم المتحدة، زيد رعد الحسين قد دعا واشنطن إلى العمل على جلب جميع المسؤولين عن التعذيب داخل معتقل غوانتانامو في كوبا، إلى القضاء. جاء ذلك في كلمة ألقاها في اجتماع المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف في 10 مارس/آذار 2016، حيث قال: «إن معتقل غوانتانامو أصبح خلال ال14 عاماً الماضية في رأي المجتمع الدولي رمزاً للتجاوزات والرفض...» وذلك بسبب اتباع سياسة تخالف القواعد الدولية للقضاء العادل والمستقل ولاحترام شرعة حقوق الإنسان الدولية. وأعرب الحسين عن ثقته بأن إدارة أوباما تريد إنجاز إغلاق المعتقل لوضع نهاية للممارسات الصادمة بحق المعتقلين، واعتبر المفوض السامي أن انتهاكات حقوق الإنسان التي كشف عنها تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الأمريكي (2015) لا يمكن أن تبقى دون عقاب بموجب القانون الدولي، مشدّداً على مسؤولية الحكومة الأمريكية في جلب المتورطين والمشاركين في التعذيب (في غوانتانامو) إلى العدالة. يُذكر أن واشنطن تستأجر قاعدة غوانتانامو من هافانا منذ العام 1903 وكان مبلغ الإيجار قد تم التعاقد عليه مقابل 2000 دولار أمريكي في عهد الرئيس روزفيلت، وما زالت واشنطن ترسل شيكاً بالمبلغ السنوي 2000 دولار أمريكي، ولكن هافانا ترفض سحبه، وما زال عقد الإيجار سارياً، ولا يمكن إلغاؤه إلّا بموافقة الطرفين، ومع أن كوبا تطالب الأمريكيين الرحيل عن القاعدة، إلاّ أن واشنطن استخدمتها منذ العام 2002، أي بعد هجمات سبتمبر/أيلول الإرهابية العام 2001 معتقلاً لجمع مئات من المتهمين بالإرهاب والمتورطين أو المشتبه بتورطهم بأعمال عنف ومن مختلف البلدان والجنسيات. المعتقل الذي هو في خليج غوانتانامو ويبعد نحو 90 ميل عن فلوريدا، يمثل الوحشية التي يشهدها عصرنا، فلا ينطبق عليه أي من قواعد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان أو قواعد القانون الإنساني الدولي، ولا حتى المبادئ القانونية والدستورية العامة، وكان أول معتقل وصل إليه يوم 11 يناير/كانون الثاني العام 2002 وبلغ عدد المعتقلين 775 معتقلاً، تم إطلاق سراح 520 منهم ولم توجّه لهم أية تهم محدّدة.
صحيفة الخليج الاماراتية ، ملحق الاسبوع السياسي، الخميس 14/4/2016
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وليد جمعة : كان يشرب من دمه كأنه النبيذ!
-
«وثائق بنما» وتبييض الأموال
-
ثلاثة سيناريوهات محتملة في العراق - حوار مع جريدة الزوراء
-
اللاجئون السوريون وهواجس التوطين
-
الدولة العراقية معطّلة ومشلولة بسبب الطائفية السياسية وألغام
...
-
تمنيت على الحزب الشيوعي إدانة المحتل أو مقاومته أو الدعوة لس
...
-
مشروع التفكيك الجديد
-
جورج جبّور : بين كتابين !
-
إسرائيل عنصرية مقننة
-
تحيّة وداع إلى زها حديد من جامعة أونور
-
تمنيت أن يتّبع الحزب الشيوعي المقاومة المدنية السلمية اللاّع
...
-
عن تفجيرات بروكسل
-
حوار الحضارات أم صدامها؟
-
.. وماذا عن سد الموصل؟
-
الجامعة ومستقبل العمل العربي المشترك
-
الحق في الأمل
-
العراق.. الأزمة تعيد إنتاج نفسها
-
كيف نقرأ لوحة الانتخابات الإيرانية؟
-
اللاجئون واتفاقية شينغن
-
العقد العربي للمجتمع المدني
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|