|
رواية ( الغرق )
محمد مزيد
الحوار المتمدن-العدد: 5131 - 2016 / 4 / 12 - 02:55
المحور:
الادب والفن
– بابا .. محاسن هربت مع طفليّها وتركت زوجها. قال ذلك ولدي علي ، ثم صمت ، منتظرا رد فعلي ، كل يوم يأتيني بالأخبار ، عن اوضاع عوائل لاجئة ، لكنها لاتثير إهتمامي ، الا أن خبر محاسن صعقني ، المرأة الفاتنة ، ذات القوام الممشوق والوجه الابيض المدور والتي ترتدي ملابسها على طريقة المراهقات التركيات إذ تلتصق بناطيل الجنيز الضيقة بمؤخراتهن فلا تقوى على التنفس حين يخطفن من جانبك . سألته : - الى أين هربت ؟ - الى اليونان بقارب مطاطي . وجف قلبي وقبل أن أستوعب النبأ ، عاجلني ولدي بخبر أشد وقعا : - يقولون ابو المحابس معها . تعرّق جبيني ، وجف ريقي .. هبطت صورته التي أمقتها امامي ، شاب أربعيني يعلك على الدوام ، يرتدي ملابس أنيقة ، وجهه مريب ، كنت أخشى الاقتراب منه ، بعد أن سمعته يقول كلاما عن النساء العراقيات يخدش الحياء .. قلت : - أبو المحابس .. هذا النافخ صدره دائما ؟ قال : - اي بابا .. طلع صاحبها ! نهرته : - اخرس. قبل بضعة أشهر ألتقيت بزوج محاسن ، وأعتذرت منه وهو سكران عن عبارة أطلقتها بحق زوجته كان قد حرفها الواشون ، وفي اليوم التالي نسي السبب الذي من أجله قدمت اعتذاري كما علمت فيما بعد ، زوجها يعمل في أكبر مصنع لنجارة الخشب في المدينة الصناعية شرقي المحافظة ، يذهب صباحا ويعود ليلا ، قيل إنه أسطه ممتاز في صناعة الأبواب الخشبية ، وقيل أيضا إنه لا يعرف شيئا عن الحياة الا من خلال طبيعة عمله الشاق ، وكثيرا ما سمعناه ينتقد تشكيل الابواب والنوافذ ، حين نمشي مع مجموعة من زملاء اللجوء ، باتجاه المول او المقهى الذي يطل على محطة المترو في ساحة اتاتورك وسط الميدان ، يتمعن في الابواب ، كأي خبير ، ويعطي رأيه فيها من دون ان نفهم ما يقول ، فيما كان العديد من الزملاء يخشون محادثته ويعبرون عن سخطهم بسبب غموضه ، لايقوى على ابداء اي رأي حين يتحول الكلام عن النساء ، يفسره البعض ، نتيجة زواجه من امرأة فاتنة ، قيل انه يكرع كؤوس الخمرة الى ما بعد نهايات الليل ، كأنه يبكي حظه العاثر لزواجه من امرأة مثلها ،وذات يوم نقل لنا محيوس انه شاهدها تآوي الى البيت قبل انتصاف الليل ، لا نثق بما يقوله محيوس ، ولكن قد يفوتك من الكذاب صدق كثير ، سألناه اين يمكن قد أمضت الوقت ، لم يجب ، كان يبدو إنه يريد الانفراد بإحدنا حتى يروي عنها أخباراً ملفقة ، قال إنه شاهدها تذهب للتوقيع في الإمنيات مع إبي المحابس . كنا نتلهف لمعرفة إية معلومة عنها ، إذ غالبا ما كانت تثيرنا ، تجعل خيال الواحد منا يشطح ، هذه الأقاويل غالبا ما تجعلني صامتا بينهم ، لا يمكنني مجاراتهم في تأكيد او نفي ما يقولونه عن الناس في هذه المدينة . ولدي علي أخذ يرمقني بطريقة لم تعجبني ، مع أبتسامة كان يريد من خلالها القول إنه على علم باعجابي بمحاسن ، خزرته ، فنكس رأسه ، وهو يكتم ضحكة ، نظرت الى زوجتي فوجدتها تتابع الخبر ، لم تبد رأياً بشأن محاسن ، فهي طالما عبرت عن تذمر من سلوكها.. كنا قد تعرفنا عليها في سوق الخميس أيام الصيف الفائت ، ترتدي بنطلوناً لاصقاً ، وبلوزة بنفسجي تُظهر أعلى صدرها ، حين سمعت حديثنا قالت لنا : أنتم عراقيين .. ؟ خفق قلبي لها بسبب طريقة كلامها ، توقعت زوجتي إنني سأجيبها فبادرت بسرعة بدون أبتسامة : - تفضلي .. وجهت المرأة الفاتنة كلامها لي : - حبيت أساعدكم ، إذا كنتم بحاجة الى الترجمة أو غيرها . مددت بصري الى إزدحام السوق بالنساء ، لم أجد أي واحدة أجمل من هذه المرأة ، ثمة أحمر شفاه صارخ ، وخيط من الكحلة على رمشيها ورأيت عينين سوداويتين يتطاير منهما الشغف ، أنبسطت روحي تهيم فوق رمال البحر ، في تلك اللحظة تصورت الأجساد المفروشة تحت الشمس تشبه وجه هذه المرأة . زوجتي راقبت تغنجها وفهمت معنى حك سبابتي أسفل فكي وقالت : - شكرا لك ! أبتسمت المرأة وهي تغادرنا بتلك المشية المثيرة ، ولكن نظرتها وحركة شفتيها كشفت كل شيء. قلت لإبني علي ، وأنا أراقب نظرات زوجتي الحازمة : - متى عبروا ؟ - فجر الامس وصلوا أزمير . - وأبو المحابس معهم ؟ ردت زوجتي بشيء من العصبية : - مو كال الولد انه معها بعد شطولتها ؟ أنا أحترم الحزم في أراء زوجتي حين يتعلق الأمر بنساء آخريات ، نظرت إليها بمودة مفتعلة ، وأبتسمت ، ثم قلت لها : - خطية محاسن ، هذا قشمرها . مازالت غاضبة وهي تعقد حاجبيها : - خطية أنت ، قلبك إنكسر عليها ، إسليِمة تطمها . من الطبيعي لواحدة مثل محاسن أن تهاجر الى أرض الله الواسعة ، لكن ما أحزنني إنها ذهبت برفقة إبي المحابس ، وهذا الإنسان ألتقيته مرة فكرهته كرها شديداً ، كان ذلك في مكتب دلالية الارملة التركية بهار ، جالسا على يمين المنضدة ، نافخاً أوداجه ، يضع ساقا فوق الآخرى ويتحدث باقتضاب شديد ، جملته نافرة ، مع ضحكة يزفر فيها الهواء فلا تبدو طبيعية ، كان سبب زيارتي مكتب الدلالية لتجديد عقد إيجار شقتي التي لم يبق سوى شهر واحد حتى ينتهي ، كان صديقنا المترجم حازم يجلس الى جانب بهار ، لا أعرف لم غمزني حازم وأشار إلي أن أجلس بجانبه ، فلم أفكر كثيراً في طبيعة الغمزة ، ومغزاها ، لإنني أعرف أن تصرفات من هذا النوع قد لا تحمل إي فحوى ، فاذعنت الى إشارته وجلست مقابل إبي المحابس الذي كان يضع محبسا من الذهب ببنصره الأيمن وآخر ببنصره الأيسر ، كانت المرأة التركية تتحدث مع حازم وكنا نحن الجالسون لا نفقه مايقولان ، أنبرى حازم الى إبي المحابس قائلا: - ميخالف وافقت المدام . في الاثناء ، تركنا ابو المحابس حين شاهد امرأة عراقية مقبلة الى المكتب ، نهض بسرعة كأي خفيف ، التقى بها قبل وصولها الى مسافة قريبة من المكتب ، لبثا يتحدثان على رصيف الشارع ، ظهره لنا ، والمرأة وجهها أمام أنظارنا ، ترتدي تنورة قصيرة وتحتها جوارب سوداء ، سرح خيالي للتمتع بمشاهدة اصابع المرأة بسبب لون اظفارها ، واحالتني الى تذكر امرأة شاهدتها في الباص الذاهب من ساحة الاندلس الى باب المعظم ابان ثمانينات الحرب الطاحنة ، ، أرى هذه المرأة اول مرة ، ولا اظنها من مهجري الموصل او الانبار ، أوحت حركاتها وهي تتحدث بصوت ناعم إنها على علاقة مع عدنان ، تحججت بمنع التدخين في المكتب .. فنهضت لأدخن سيجارة خارجه حتى أشبع فضولي ، متطلعا الى جسدها عن كثب ، إضافة لشغفي بسماع أصوات النساء لاعتقادي إنها تكشف عن طريقة وضع رأسها على الوسادة جهة خدها الايسر ام الايمن او على بطنها ، واحب تخيل منام اي امرأة فاتنة على بطنها ، لانها تكشف عن نوع الحرية التي تمارسها في خيالها ، ، اشعلت سيجارتي وشنفت اسماعي لمعرفة طريقة حديث المرأة الذي كان ناعما، كان يظهر أن حرف الشين يتسيد الفاظها ، ولم اتوقع افتعالها نعومة صوتها ، لمحت حبات عرق كنمنم شفاف على رقبتها الملساء ، وهي تنظر بقلق الى ابي المحابس طويل القامة ، كانت تتحدث ، وهو صامت كاي أخرق ، يهز رأسه ، لا أدري لم تصورت إنه أخرق ، دوافعي غامضة في تحديد نوعيته من الرجال ، إذ كلما شاهدت رجلا طارئا يتحدث مع امرأة جميلة ، أتوقعه شهوانيا وتافها ، صوت المرأة أحالني الى دوش الحمام ، وتصورت المرأة القصيرة التي تقف امامنا ، كيف سيكون شكلها وهي عارية ، ثمة شجرة عملاقة يقفان تحتها ما فتئت تنثر أوراق الخريف عليهما، وعندما أجلس في مكتب بهار تغيضني أغصانها التي تتطاول الى السماء بسبب خلو بلدنا منها ، وتبدو هذه الشجرة مدللة اكثر من اللازم لأن عمال النظافة يتفقدونها كل صباح ومساء يجمعون ما تساقط من اوراقها الميته ، سرت بخطوات بطيئة لاقف خلفها على مبعدة ثلاثة امتار ، ولم أبال بظنون البعض وما سيقولونه عن حركتي للوقوف خلفها، وبعد أن حفظت تفاصيلها أطفأت سيجارتي ودخلت الى المكتب وكان ابو المحابس أنتهى من حديثه الملغز مع المرأة ، التي غادرت وهي تزيل ورقة سقطت من الشجرة التصقت بمؤخرة صاخبة سيضطرب لها القارب المطاطي إذا صعدت فيه باتجاه اليونان .. جلس ابو المحابس بجانبي فرشقني بعطر آخاذ ، وقال عبارة مع كتم ضحكته لم اتبين معناها .. فالتفت إليه في الوقت الذي أصدر حازم ومحروس وسنان ضحكاتهم المجاملة له .. كانت نظرتي ، أستفهامية ، فلم أضحك معهم تحت ظل عدوى الضحكات المتقطع ، قال لي ، بدون أن يمهد الكشف عن نيته لمحادثتي " صدكني حجي .. كلهن خرط " .. أشمئزت نفسي منه ، واحتقرته . قلت لابني : - كيف عرفت إنهم ذهبوا الى أزمير ؟ صاحبة الحاجبين المعقودين ، زوجتي منذ ثلاثين عاما ، مازالت تواصل نضالها في سبيل الخروج من عنق هذا الموضوع ، الذي يثير حكة في فروة رأسها.. وأنا أبتسم لها أبتسامة تعرف معناها ، ومفادها إنني لن أغير الموضوع مهما بلغ تذمرها الزبى ، وجدتها كانت تهم بقول عبارة ، ولكنها حين أكتشفت أصراري لمعرفة أدق التفاصيل ، قالت بانشراح مفتعل : – أجلب لك شايا ، حتى تهدأ . من أين يأتيني الهدوء إذا كانت محاسن " فاتنة قيصري " قد هربت الى اليونان عبر البحر ، أنا أقهقه الآن على التعبير الذي أطلقته عليها ونال شهرته بجدارة بين الإعداء والإصدقاء ، كما إنه ترك أثر في نفسها حين سمعته من مهند ، الذي اسميته فيما بعد " محيوس " ، وهذا محيوس يتمتع بامكانيات وقدرات هائلة لقلب الحقائق ونقل أقوال الناس من الناس الى الناس بتحريف وتدليس وتخريف وتضخيم حسب ما يتطلبه الموقف ، وعندما أسميته بهذا الاسم شاع في الوسط العراقي مثل النار في الهشيم ، محيوس نقل إليها عبارة " فاتنة قيصري " فألقى في نفسها بذرة محبة لشخصي المتواضع ، لا تأتيني بسهولة ، في هذا العمر ، محبة تنتشل الانسان من الضياع والجنون وهلس ما تبقى من شعر الرأس ، فاخبرها أن الاصلع المثقف قال عنك هذه الجملة ، وقيل انه لاول مرة في حياة محيوس ينقل جملة بكل صدقها ودقتها ، ودلالاتها الميتافيزيقية مع وصف كامل لطريقة القول ، والمكان والزمان الذي قيلت فيه ، ، اذكر إنني قلتها وقت الغروب ، حيث الحسناوات تزدحم بها الشوارع والارصفة والاماكن العامة ، خروجا من البيوت أو إيواء إليها ، بحيث يصعب إحصاء ومتابعة كل أنواع الجمال الذي يهفهف ويتطاير على هذه الارصفة ، حتى لكأني أرى الاشجار تنحني لمتابعة رقصة المؤخرات وهي تتمايل ذات اليمين وذات الشمال على إيقاع مشي الفاتنات ، وعبارتي " فاتنة قيصري " أختلط فيها المزاح بالحسرة والتمني ، كنا نجلس في الحديقة مقابل " الفروم " او المول الكبير ، ندخن السجائر ونتابع تدفق حركة الجميلات ..ولما سمعت أحدهم قال أسم محاسن ، شعرت بنتله كهربائية ، كأنه صفعني على قفاي ، على أثرها اطلقت العبارة الشهيرة " محاسن فاتنة قيصري " .. بعد يومين ، نقل أحد الوشاة عبارتي فورا الى زوجها ،لا أعرف الاثر الذي تركته في نفسه ، ولكنني توقعت إنها لن تتسبب بتوتر علاقتنا الطيبة وانجرافها الى الخطر ، لن اخبركم ماذا جري بيني وبين زوجها ، وكيف ذهبت اليه ليلا وقد تعتعتىه الخمرة فاقنعته بتحريف العبارة ، بقيت مشكلتي قائمة مستعصية مع الناقل المنافق الذي يقول العرف الديني انه اخطر من القتل ، عرفت أسمه بعد جهد ، ولم يكن ليخطر على بالي ان ينقلها احمق لا يشغل اهتمامي قط ، الناقل ليس محيوس طبعا ، لان الاخير على خصام مع زوج محاسن ، واذا ما حاول نقل هذه العبارة فانه سيشك بدوافعه المريضة ، وهي دوافع لها علاقة بالوضع النفسي العام لدى اللاجئين العراقيين حيث هناك التباس لا يمكن تقديره ، في ايجاد معنى نوع العلاقات بين بعضهم البعض وهم بانتظار ما تسفر عنه نتائج مقابلاتهم في مكاتب الامم المتحدة ، الكثير منهم لا يشعر بتأنيب الضمير عن الاغلاط والاخطاء والهفوات الشفاهية التي تجرى خلال الاحاديث الكثيرة بينهم، ولا احد يمكنه ان يصفح عن الاخر اذا ارتكبت تلك الاغلاط ، علاقات غير متوازنة بين انواع شتى من البشر بينهم الفقير والغني والمثقف والسطحي والاصيل والساذج والطيب والغبي والبعض ممن لا يعرف من الحياة سوى الاكل والجنس ، هناك تشوهات في الاخلاق وعدم معرفة عميقة بفن الحياة ، المهم ان سبب الخلاف بين محيوس ورائد زوج محاسن يعود الى سوء الفهم وقد جرى نقاشا بين الاثنين تطور الى لطم رائد محيوس صفعة مباغتة لم يتمكن من ردها ، . لم تنته قصة العبارة التي اطلقتها على محاسن عند هذا الحد ، فقد تطورت الى مستويات اخرى ، اذ سألت محاسن امرأة عراقية تعمل في محل كوافير ، هذه المرأة طفحت في نفسها كل مجاري النفاق والاكاذيب وتلفيق الحكايات ، وتبللت روحها بمكائد الوشاية فلم تكذب نفسها حين تركت زبونة كانت تحت يديها وهرعت الى التلفون لتخبر زوجتي بسؤال محاسن عني ، ( تعرفين محاسن ام الدروب مو خيتي ) لكن الحكمة التي تتمتع بها الزوجة قطعت الطريق امام تأويلات تخوض فيها المرأة الناقلة . في الليل تحول كلام الناقلة الى عبوات صوتية وانفلاقات ناقمة لدى زوجتي وهي تحاول ان تعرف ما الذي قلته بحق ( ام الدروب ) !!، انتهينا الى مراضاتها بطريقتي الخاصة . لكن في وقت آخر فتح زوج المرأة الناقلة كل التقرحات العاطفية في قلبي حين أخبرني كيف وقعت عبارتي بقلب محاسن وقعا مؤثرا ، اضطررت على اثرها ان اعزمه في مطعم متخصص بالباجة ، ومن ثم ذهبنا الى المقهى ، حيث استمر يمتص سيجارة بعد اخرى من علبتي ، وبين دقيقة واخرى يبعث على النادل ليجلب شراب القره توت ، اخذنا زاوية بعيدة عن عيون العراقيين ونحن نطل على موقف للمترو يزدحم بالفاتنات في شارع تتقاطع فيه ثلاثة فروع متقاربة ، زوج الناقلة واسمه رعد قال لي ان محاسن اخبرت زوجته التي تعمل كوافيره في محل امرأة تركية أن عبارتي وقعت في نفسها وقعا على اثرها لم تنم ليلتها ، كانت تنظر الى وجهها في المرآة وتتحسس خدها الايمن التي تشوهه لطخة جرح قديم ، وكل حين ، تخلع ملابسها ، ثم ترتديها ، ثم تخلعها لتدس جسدها لصق زوجها حتى يستيقظ عصفوره ، لكن زوجها المثقل بيوم شديد التعب كان من النادر ان يستجيب للاثارة " ماذا اقول لك يا ام رعودي ، لم استطع النوم ، تمنيت في تلك الساعة أن اكون بجانبه كي يسمعني مثل هذا الكلام ، صحيح هو اكبر من زوجي بعشر سنوات ، لكن كلماته تحفر بالضلع ، لما سمعتها احببت مشاهدته كيف ينطقها ، بعض الرجال يعرفون كيف يخدرون النسوان بالكلام الحلو ، هنيالها زوجته ، يمكن ما شبعت منه ، ثم التفت محاسن الى باب المحل تراقب دخول زبونة تركية سريعة الحركة ، رطنت بكلمات لصاحبة المحل وهي تنظر الى محاسن باشمئزاز ونفور ولم تقابلها الاخيرة بنفس المشاعر ، بل ابتسمت حين سمعت رطانة التركية ، فاخذت تصغي اليها وهي تتدفق بكلامها السريع ، شاعرة بمتعة المتابعة ، ذلك لان محاسن في مثل هذه المواقف ، تفهم مايقوله الاتراك ، وهم يشتمون العراقيين والسوريين والايرانيين لوجودهم بكثافة في مدينة صغيرة مثل قيصري ، كانت السنتان التي امضتهما محاسن كافية لمعرفة لغتهم ، فتحدثت سريعة الحركة عن الرجال الاتراك الذين تعتبرهم مخصيين لانهم لا يجدون المتعة الا في الاجنبيات مثل العراقيات والايرانيات ولا يتفرغون للزواج من بنات بلدهم ، وقالت لها ان نسبة العونسة بين التركيات اصبحت لا تطاق وعلى اللجان الحكومية ان تجد حلا لذلك ، فليس من المعقول ان نصف الشابات فقدن الامل بالزواج بسبب عزوف الشبان الاتراك عنهن ورغبتهم المنحطة بالجنس فقط ، في اثناء تلك الرطانة المستمرة توقفت محاسن عن التحدث مع أم رعد مما اثار انتباه صاحبة المحل ، فنصحت المتحدثة سريعة الحركة ان تتوقف لانها ترى ان هذه العراقية قد تكون على معرفة بلغتهم ، لكن سريعة الحركة استمرت غير آبهة ، فهمست محاسن لام رعد الاستمرار في الحديث لتعطي انطباعا انها لا تفهم رطانتهم ، فطلبت ام رعد منها ترجمة ما تقولانه ، ولم يكن صعبا على محاسن تلفيق اقوالا لم تقلها التركية فقد اتقنت هذه الصنعة ، أخبرت سريعة الحركة صاحبة المحل بأن ابنتها اقلقت حياتها وسوف يطلقها زوجها لضعف في مراقبتها وهي تذهب كل يوم مع صديقها تاركة مدرستها الثانوية لتنام معه في شقته كل الليل ، أخذت محاسن تتحدث ببطء لان عقلها بقي مشغولا في تفاصيل قصة التركية مع إبنتها ، لديها أمكانية لا تتمتع بها اي امرأة آخرى في الاصغاء الى اثنين وتتكلم بالوقت نفسه الى ثالثة ، أسلوب اعتراضات أم رعد لا ترتاح إليه محاسن ، لأنه يمنعها من الإصغاء الى حديث التركية ذات الوجه المضحك ، فداعبت محاسن فخذ ام رعد مع إشارة التوقف عن الكلام لافهامها بأنها تريد الاستماع الى تفاصيل حياة التركية ، وهذه بدورها مازالت تروي بعض تفاصيل حياتها مع زوجها وكيف إنه بات يشك بفقدان كمية من الليرات متهما اياها ، وعندما يصحو من السكر في اليوم التالي يخبرها بوجود المبلغ ويأسف لاتهامها بالسرقة ، لم تستطع محاسن كتم ضحكتها تحت مراقبة صاحبة المحل ، فنهرت زميلتها التركية بالتوقف لان هذه العراقية تفهم كلامها ، عادت محاسن الى المراوغة ، وطلبت من ام رعد الصمت لانها تريد الاطلاع على غرابة حياة هذه التركية سريعة الحركة ، عرفت محاسن ، وهي تصغي الى صاحبة الوجه المضحك ، انها تعمل في محال ملابس رجالية ، وفي نهاية عملها يبوخها المدير لفقدانها التركيز في اجتذاب الزبائن ، فتقول له ان السوق كاسد والعملة تتردى والناس لا تتمكن من الشراء ، أصبح حديث التركية مملا ، فالتفت محاسن الى صديقتها وقالت لها " لو تعلمين شكد احب استمع الى كلمات هذا المثقف الاصلع " .
#محمد_مزيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بحر ايجه
-
ليست قصيدة
-
قصة قصيرة جدا
-
الجارة
-
قراءة في رواية شاكر نوري ..- جحيم الراهب - .. التجديف خارج ا
...
-
اعتراف بالحب
-
المفوهون العرب
-
دولة الاحزاب ام دولة المؤسسات
-
قصة قصيرة
-
الثقافة العراقية والتسييس المهمش
-
رد على نقد
-
الناشر والبوكر وحارس التبغ لعلي بدر
-
صحراء نيسابور
-
نجيب محفوظ .. الصانع الامهر
-
كيف ينبغي قراءة نجيب محفوظ
المزيد.....
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|