|
ما الفرق بين الآداب والأخلاق!؟
سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 5129 - 2016 / 4 / 10 - 15:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما الفرق بين الأداب والأخلاق !؟ (محاولة للفهم !؟) ******************** كانت الأجيال الانجليزية السابقة أجيالا شديدة التهذيب تراعي قواعد التهذيب والسلوك الراقي (الاتكيت) في المخاطبة وارتداء الملابس وطريقة تناول الطعام وفي تقديم المرأة والآخر على الأنا في اسلوب الخطاب (زوجتي وانا ، صديقي وأنا) لا ( أنا وزوجتي ، أنا وصديقي)، فذلك الجيل الانجليزي كان جيلا محافظا على اصول التهذيب ويعتبر ذلك جزءا لا يتجزأ من شخصية الرجل المهذب والسيد المتحضر والراقي (الجنتلمان Gentleman ) و السيدة المحترمة (الليدي Lady ) ، الا أن التزام التهذيب وأداب السلوك الراقي وبشكل شكلاني صارم امر كان خاصا في الغالب بالطبقات الاجتماعية العليا والمتعلمة والمثقفة وليس بطبقات العوام الشعبية والفقيرة (العامة!؟) ، ففي تلك الآوانة كانت الطبقة الوسطى محدودة جدا ولا وجود ظاهر في المجتمعات الغربية او المجتمعات البشرية عموما سوى للطبقة النبيلة والثرية العليا (طبقة النبلاء والاغنياء) والطبقة الفقيرة والكادحة ، بعد ذلك ظهرت واتسعت الطبقة الوسطى (الميسورة/المرفهة/البرجوازية) مع ظهور الرأسمالية وانحسر الاقطاع واصبحت الطبقة الوسطى تقلد الى حد كبير أداب السلوك (الإتكيت) المتبع في محيط الطبقة الراقية ، طبقة النبلاء مع تعديلات طفيفة ولطيفة ، لكن للاسف الشديد تغلبت اليوم حتى في العالم الغربي وحتى في بريطانيا ، أم الاتكيت والتهذيب التقليدي ، ثقافة العوام الشعبية من جهة وثقافة راعي البقر الامريكي Cowboy من جهة اخرى بسبب سطوة افلام هوليود على عقول ومزاج الناس وزحف مظاهر الحضارة والثقافة الامريكية على العالم! ، ولكن وبالرغم من كل هذا الانحسار لثقافة الطبقات الاجتماعية الراقية لصالح ثقافة وأساليب الطبقات الشعبية (العامة) لكن لا يزال مستوى الخطاب بشكل عام في بريطانيا في الحياة العامة يتسم بكثير من التهذيب السلوكي القولي والعملي الى درجة ان الشعب الانجليزي وفق دراسات حديثة هو اكثر شعب يردد عبارة (انا أسف sorry) بشكل مبالغ فيه قد لا يقتضي اصلا الاعتذار او ابداء الأسف ! ، وبالتالي لا يزال السلوك المهذب في الحياة اليومية يعتبر ارقى من مستوى الخطاب والتهذيب عندنا نحن العرب في معاملة بعضنا بعضا ! ، فالتهذيب القولي والسلوكي للناس في الحياة الاجتماعية العامة (السلوك المقبول اجتماعيا) جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمعات وهو يسمو حينا وينحط حينا ، ولله في خلقه شؤون ، مع ضرورة ملاحظة وجود فرق دقيق وعميق بين مفهوم التهذيب السلوكي للمواطنين او (التزام قواعد الأتكيت)(أداب السلوك العام) اي الالتزام بأداب السلوك الاجتماعي والمدني المتحضر وبين مفهوم الأخلاق ، فالحصان المهذب والكلب المهذب في سلوكه نتيجة الترويض التدريبي لا يمكن اعتباره بالضرورة حيوانا اخلاقيا وعلى خلق حسن لمجرد تهذيب سلوكه الخارجي ونقله من حالة التوحش الطبيعية الى السلوك المهذب المكتسب بالترويض القائم على الاستئناس و(الثواب والعقاب) ! ، فالأداب تقوم على العادات السلوكية التي يكتسبها الأفراد بالترويض والتدريب الاجتماعي مع التكرار والتعود بينما الاخلاق تتعلق بيقظة وحياة الضمير الانساني في اعماق النفس البشرية ومدى حساسية ورقي (الحس الاخلاقي النبيل) لدى الانسان ! ، احساسه نحو الظلم واحساسه نحو العدل ، احساسه نحو المظلوم واحساسه نحو الظالم ، احساسه نحو الفقير والضعيف الكسير ! ، احساسه نحو حقوق الغير وحرماتهم ! ، فهذا هو أساس وجوهر الاخلاق الانسانية ! ، فقد تجد شخصا شديد التهذيب في معاملاته العامة ، ذلق اللسان حلو المعشر خفيف الدم لطيف الظل يلتزم بالإتكيت والأداب العامة للسلوك الاجتماعي الراقي المتحضر ، وهو في حقيقته لص او مختلس ومحتال او معتد أثيم في حياته السرية الخاصة على النساء والاطفال !! ، بينما ، في المقابل ، قد نجد شخصا عديم التهذيب لا يلتزم بحدود اللياقة وقواعد الاداب العامة واصول التهذيب في مخاطبة الآخرين كما لو انه انسان متوحش جلف عاش في البراري بعيدا عن العالم المتمدن الحضاري ولكنه في نفسه صاحب صدق و أمانة وطيبة وعدم عدوانية على حقوق الآخرين لانه يمتلك تلك الحساسية الانسانية الأخلاقية في ضميره ولكنه يفتقد الى التهذيب الحضري الراقي المتمدن في مظهره وسلوكه الاجتماعي ! ، وهي قد تبدو مفارقة غريبة وعجيبة جدا ولكنها حقيقة واقعة موجودة ومشهودة في حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، انا شخصيا لمستها في الكثيرين من حولي خلال هذه الرحلة الطويلة من العمر ووسط التجارب العجيبة المتنوعة في عالم البشر في عدة بلدان واقوام ! .. فالشخص المهذب اجتماعيا قد لا يكون انسانا اخلاقيا بالضرورة ! ، والانسان الاخلاقي قد لا يتصف بالتهذيب الاجتماعي ولا يعرف قواعد الاتكيت الراقي المتحضر بالضرورة ! ، وتلك مفارقة عجيبة ولكنها حقيقة واقعة في حياة الناس عبر التاريخ !!. --------------- سليم الرقعي 9 ابريل 2016 (*) اثناء كتابتي لهذه الخاطرة في المقهى كان يجلس في الطاولة الملاصقة لطاولتي رجل انجليزي (بدين) وبرفقته زوجته وعندما اراد المغادرة والمرور بين طاولتي وطاولته فتنحيت قليلا جانبا كي افسح له الطريق أكثر للعبور بسهولة حيث بدا لي الممر الفاصل لا يسعه بسبب بدانته المفرطة فشكرني مبتسما ولكنه قبل ان يغادر التفت نحوي وقال لي مبتسما : ( أنا اظن انني انحف مما ابدو !) فضحكت وقلت له ( حظا سعيدا !) فشكرني ومضى في حال سبيله ! . (**) سؤال بحثي يحتاج الى دراسة عميقة ودقيقة وموضوعية ومتوازنة وشجاعة وهو كالتالي : هل الشخصية العربية شخصية اخلاقية !؟ هل هي شخصية مهذبة بشكل عام !!؟.. أم أن الشخصية العربية شخصية أخلاقية تحتاج الى التهذيب السلوكي الحضاري !؟ أم انها تفتقد للأمرين معا أي التهذيب والأخلاق جميعا !!؟؟.
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو دولة حرة مستقرة في ليبيا!؟
-
حورية المسحور !؟
-
متى سينتهي اعصار الارهاب!؟
-
هل نحن عرب بريطانيا بريطانيون !؟
-
عندما تخونك الذاكرة !؟
-
تطبيق الشريعة وقميص عثمان !!؟
-
توقعاتي بفشل حكومة الوفاق ولماذا !؟
-
الإنسان قبل الأوطان وقبل الأديان!؟
-
الخلافة الاسلامية! ،محاولة لفهم عصري!؟
-
الصراع بين الليبرالية والاصولية في الغرب اليوم!؟
-
هل للغربيين سلطان مطلق علينا !؟؟
-
من لا يستحقون الحرية!؟
-
طبقات ومكونات النفس البشرية !؟
-
هل يولد الناس احرارا بالفعل !؟
-
هل انت فضولي بما يكفي !؟
-
الفلسفة الاسلامية والايمان بالله !؟
-
العلمانية ليست هي الحل !؟
-
الفرق بين المفكر السياسي والمتخصص في العلوم السياسية!؟
-
فتش عن الاقتصاد !؟
-
جدلية الحي والميت !؟
المزيد.....
-
بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن
...
-
مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية
...
-
انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
-
أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ
...
-
الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو
...
-
-يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
-
عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم
...
-
فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ
...
-
لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|