أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - وفاء البوعيسي - كلام في الذكورية (2)















المزيد.....

كلام في الذكورية (2)


وفاء البوعيسي

الحوار المتمدن-العدد: 5129 - 2016 / 4 / 10 - 13:23
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


3 / التدخل في تشكيل الأنوثة
تأخرت المرأة عن موعدها بقرون، للتعبير عن نفسها بكل المجالات، لأسباب تاريخية سبق شرحها بالجزء الأول، وقد كان الرجال طوال فترة غيابها، يفكرون كيف يجب أن يبدو حضورها، كانوا يمارسون تحزيراتهم الخاصة حول طبيعتها، وهل هي ذات عاقلة لها كيان مستقل، أم مجرد كائن بيولوجي جميل للتلذذ به، حتى ترسخت صورتها في المخيال الجمعي، على أنها مجرد جسد جميل، ويجب أن يظل جميلاً وشاباً دائماً، لإمتاع عيني الرجل طوال الوقت.
هذه الأفكار الأولية حول المرأة، تحوّلت إلى عقد اجتماعي غير مكتوب، تَوَافق عليه زعماء المجاميع الذكورية، من زعماء القبائل، وكهنة المعابد، وأباء الفتيات، وأرباب المهن، ومُلاّك الأموال، وعبر التاريخ خضع العقد لتعديلات متعاقبة من طرف واحد، لتنقية الأنوثة مما يُعتقد أنها شوائب تُشينها، ولو كانت مضادة للطبيعة وضارة بصحتها،ففي الصين ولأ زيد من ألف سنة على الأقل، كانت تُشد كواحل البنات إلى حبال في عامود البيت لسنوات، لثني عظام الساقين قليلاً حتى تمنح مشيتهن تمايلاً يعجب الرجال، وفي اليابان ولقرون طويلة متواصلة، جرى حشر أقدام الطفلات في أحذية ضيقة طوال الوقت،حتى تنبعج القدم وتلتوي أصابع الرجلين، وذلك لمنعها من النمو الطبيعي، ليحتفظن بقياس طفلة مهما تقدمن بالعمر، وبأوربا العصور الوسطى حتى وقتٍ متأخر، أُجبرت الفتيات على ارتداء مِشد حول الخصر بخيوط قاسية مفتولة، لسنوات متتالية ليل نهار، لنحت منطقة الحوض وجعل الخصر شديد النحول، وليأخذ الجسد شكل ثمرة الكمثرى، وقد كانت النساء يتعرضن للإختناق وأحياناً الإغماء إذا ما امتطين عربةً أو تسلقن درجاً لشدة الضغط على الصدر، علاوةً على الموت أحياناً بسبب الضغط المتواصل على الأعضاء الداخلية، وحتى الآن في بعض قبائل بورما وتايلاند وأفريقيا، يجري إجبار الطفلات منذ نعومة أظفارهن، على وضع حلقات نحاسية ثقيلة حول العنق، وتُزاد الحلقات وتُستبدل بأكبر منها مع التقدم بالعمر، بهدف الضغط على عظم الترقوة، حتى تغور للأسفل ويستطيل العنق أكثر من المعتاد، فتصير الحلقات هي دعامته الوحيدة، والعنق ينمو باستمرار للأعلى مرتكزاً على الحلقات، فإذا ما نُزِعت عنها بهدف العقاب على أفعال تعد مرفوضةً من المجتمع، فإنها تموت بعد تجرع الكثير من الآلام، وفي موريتانيا حتى اللحظة، تُجبر النساء على تناول الكثير من الطعام المشبّع بالدهون، بغرض تسمينهن للعريس قسراً، دون أي اهتمام بمخاطر الدهون على القلب والصحة العامة، وكل هذه الإجراءات الوحشية، هي لإرضاء تبدلات مزاج الرجال في الجمال الأنثوي، ولا يهم بعد ذلك إصابة النساء بتشوهات داخلية أو خارجية قد تؤدي لوفاتهن مبكراً، أو معاناتهن من الآلام المبرحة طوال حياتهن.
واليوم تحديداً، وبأي مكانٍ تقودك إليه قدماك، الباحثتان بشغفٍ عن الغريب والمشوق، ستلحظ ولا شك أن الدُمى المتشابهة في المحال التجارية، قد خرجت من الفيترينا إلى الشوارع، وهي تجول أوربا وأميركا ولبنان وإيران والخليج وأسيا والشرق الأوسط، تستعمل مواداً جمالية مستعارة، كالرموش، والأظافر، وخصلات شعر صناعي، وتاتو بدل الحاجبين، وعدسات ملونة، وسيليكون في مناطق الصدر والأرداف، وعقاقير لتكبير الشفاه وطرد التجاعيد، ومستحضرات تسمير وتشقير البشرة، ورغم تورد خديها الدائم، إلا أنها شاحبة هزيلة وكأنها مصابة بأنيميا، لكنها تجد الطاقة لتلهث خلف ما تتطلبه صرعات الموضة، لإرضاء المستهلك (الرجل) للمرأة ومشتقاتها.
إن الهوس بالمكياج وعمليات التجميل التي نراها اليوم، لم يعد منذ مدة سلوكاً فردياً لبعض المترفات، لقد تحوّل إلى ظاهرة سلوكية وثيقة الصلة، بالمتغيرات الثقافية التي رافقت تنامي القيم الرأسمالية، وصناعات الجمال التي تتحكم في الإنتاج الثقافي وتوجّه مساراته وقضاياه، وتكرّس جهودها لإنتاج امرأة نحيفة، مثيرة، عصرية المظهر، فقانون العرض والطلب على المرأة في الزواج والتوظيف والإعلان، يعتمد على الظفر بالمرأة الجميلة والمطواعة، حتى تسطّحت شخصيتها فأهملت قضاياها الإنسانية، وركزت على مظهرها، فتخطت هذه الظاهرة مشاهير الممثلات والإعلاميات وعارضات الأزياء، إلى طالبات الجامعة، والعاملات، وحتى ربات البيوت.
لقد انزاحت الأنوثة عن كونها طبيعة إلى كونها قيمةً ثقافية، حين تدخّل الرجال في جسد المرأة عبر التاريخ، لصالح تصوراتهم المثالية عنها، فاستبعدوا منه كل ما يُعتقد أن يخص الرجل، كالعضلات والعقل والقوة، واللسان (الاعتراض)، وأفرطوا في تعميق ما قرروا أنه جذاب فيها، للحصول على أنوثة خالصة النقاوة، ودائمة الجاذبية.
لقد واصل ذلك العقد الخفي رحلته، حتى حط في كتب الأدب والمسرح والشعر والفن والنحت بالقرن الحادي والعشرين، وفي خطوط الأزياء وجراحات التجميل الشائعة اليوم، فتماثيل معرض جورج بومبيدو في باريس على سبيل المثال، تظهر منحوتات النساء برؤوس صغيرة وأعضاء تناسلية ضخمة، وسيناريوهات أفلام هوليود باتت ضحلة ومكررة، لكنها تحقق أرباحاً فلكية، بسبب عُري الممثلات ورشاقتهن المبالغ فيها، ومازالت أساليب القرون الغابرة تُستعاد بطرق كثيرة اليوم، ففي عروض الأزياء العالمية، تنتعل العارضات حذاءً شاهقاً وضيقاً، أصغر من قياسهن برقم أو إثنين، تنحشر فيه أقدامهن وتتسلخ أصابعهن، بسبب تفصيله على مقاس شهوة الرجل المستهلك، ويجري إخضاعهن لتمارين قاسية وطويلة ليمشين بطريقة متمايلة، تلوي إليهن أعناق المصورين ومنتجي الإعلانات الهابطة، أما الملابس الداخلية عموماً للنساء فغير مريحة، حمّالات الصدر تُطبق على النَفس وتُضايق الصدر وتحز في جلد الكتفين، لأنها صُممت لرفع وتكوير الثديين أكثر مما ينبغي، والفساتين معظمها غير عملي بسبب ضيقها، والبنطلونات ضيقة غالباً ومنخفضة الخصر ، مهمتها تكوير المؤخرة وإظهار اللباس الداخلي لا غير، كما تنشغل معظم النساء ساعات طويلة بكل مرة لسلخ جلدهن، وإزالة كل الشعر منه حتى لتبدو الواحدة كدجاجة منتوفة وملونة، عدا عن الترويج للنحافة والهُزال المفرطين، للحصول على سيقان مستدقة وقامة ممشوقة، واستغلال أجسادهن لعرض المجوهرات والماس، وللإفصاح عن ثراء ووجاهة أزواجهن وأبائهن، الذين يدفعون غالباً ثمن كل ذلك، فهي واجهة مثالية لهم في المجتمع، وفي سوق الأسهم والأعمال التجارية.
خلاصة الجزء الثاني
إن بعض نساء اليوم مستعدات لتغيير هويتهن، إلى شقراوات أو سمراوات أو نحيفات أو بدينات، والعبث بملامحهن وتغيير أذواقهن طوال الوقت، وفق متطلبات سوق الاستهلاك الذكوري المتغيرة كالطقس، أو الإذعان للتدخلات اللا إنسانية والوحشية، التي تُتخذ بحق أجسادهن، حتى يرضى عنهن الرجال فيحظين بفرصة اهتمام أو زواج أو وظيفة، لأنهن يوافقن على النظر إليهن كجسد للمتعة، وليس كياناً إنسانياً ذكياً ومستقلاً، لهذا يقمن بالكثير من عمليات التحول في الشكل، حتى يحصلن على علامة تفوق بمجتمع تحكمه عيون ذكورية، ولأنهن مازلن يستمعن لهمس المرآة التي تأتيهن بطقوس السحر الأسود الذكورية، التي عبدت جسدهن وقلّصت من عقلهن وإنسانيتهن، لكنهن لم يجرّبن بعد، الخروج من فيترينات المحال التجارية، ليمشين على طريق الثورة النسوية بحذاءٍ مريح، وملابس عملية تراعي اعتبارات المناخ لا خاطر الرجل، لأجل تمزيق ذلك العقد الظالم، ولاستعادة الثقة بأنفسهن، والتوجه لمواقع العمل والابتكار والصناعة والكتابة، وكتابة عقد جديد يقوم على اعتبارهن شريكات حياة، لسن في حاجة لمحسّنات شكلية دائبة، لأنهن لسن مجرد دُمى جنسية لإمتاع أحد.

يتبع ....



#وفاء_البوعيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلام في الذكورية (1)
- إلى مدينة نرجسية اسمها بنغازي
- ما أُخذ بالقوة يُسترد أسرع بالسلام
- الهولوكوست الفلسطيني
- لماذا يعارض الليبيون حقي في التعبير؟!
- كيف نُنهي الإرتزاق بالإسلام؟!
- نظرة في الشذوذ الجنسي
- الإقطاع الإلهي في أورشليم
- خديجة تكشف أزمة الإسلام
- محمد ينقلب على خديجة
- مفاهيم سيئة السمعة (6) الإسلام صالح لكل زمان ومكان الجزء الث ...
- مفاهيم سيئة السمعة (6) الإسلام صالح لكل زمان ومكان الجزء الث ...
- مفاهيم سيئة السُمعة (5) الإسلام صالح لكل زمان ومكان
- مفاهيم سيئة السُمعة (6) الإسلام صالح لكل زمان ومكان
- مفاهيم سيئة السمعة (5) الإسلام هو الحل
- مفاهيم سيئة السمعة (4) الإسلام السياسي
- مفاهيم سيئة السمعة (3) ثوابت الإسلام
- مفاهيم سيئة السمعة (2)
- المرأة والدين
- مفاهيم سيئة السمعة


المزيد.....




- وزيرة الخارجية الألمانية: روسيا جزء من الأسرة الأوروبية لكنه ...
- الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن ...
- ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
- مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
- بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية ...
- استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا ...
- الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
- ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية ...
- الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي ...
- تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - وفاء البوعيسي - كلام في الذكورية (2)