منعم زيدان صويص
الحوار المتمدن-العدد: 5129 - 2016 / 4 / 10 - 13:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تكاد تفجيرات بروكسل في 22 مارس آذار الماضي أن تكون نقطة تحول في تاريخ الإرهاب الحديث وفي رد فعل الغرب على هذا الإرهاب، ليس فقط لسقوط عدد كبير نسبيا من الضحايا، فعدد القتلى اقترب من 35 شخصا، رغم أن أضعاف هذا العدد، 130، سقطوا في باريس في 13 نوفمبر تشرين ثاني الماضي و70 في لاهور/باكستان في 28 آذار/مارس، ولكن لأن ما يسمى بالدولة الإسلامية نجحت بالثأر من باريس وبروكسل بعد تعاونهما على قتل، أو القبض على، منفذي ومخططي تفجيرات باريس، ولأن بروكسل هي عاصمة الإتحاد الأوروبي ورمز الوحدة الأوروبية والثقافة الغربية.
لقد خلقت هذه التفجيرات شعورا عدائيا واضحا ضد العرب والمسلمين في الغرب، لا بل فجرت الشعور الذي كان مستترا في صدور الكثيرين. فلطالما مارس هؤلاء الناس، المتمدنون والمتطورون، النقد الذاتي قبل أن يلوموا منفذي هذه المذابح، والعديد منهم، حتى بعد التفجيرات، بادروا للوم أنفسهم، قائلين بأنهم يتحملون جزءا من المسؤولية لأن المسلمين عندهم "مهمشون" وفقراء، وأنهم "مُهملون" ويعانون من التمييز في المجتمعات الأوروبية. ورغم أن الكثيرين منهم استمر في تقديم هذه التفسيرات حتى بعد تفجيرات بروكسل، إلا أن الآخرين ممن يسمون باليمينيين والعنصريين والذين يكرهون الأجانب، لم يتحملوا ما حصل وخرجوا في مظاهرات غاضبة بعد بضعة أيام يصرخون: "هذا وطننا." ووحدت تفجيرات بروكسل الحلفاء الغربيين وزادت من تصميمهم على مقاومة ما يسمى بالدولة الإسلامية الذي بدأ بالتراجع في سوريا والعراق وليبيا وأماكن أخرى.
القول بأن تهميش المهاجرين المسلمين في دول الغرب هو سبب الإرهاب غير صحيح، فليس هناك أكثر تهميشا من الهنود الحمر في الولايات المتحدة أو السكان الأمريكان من أصول إفريقية أو سكان استراليا الأصليين أو الفقراء والمحرومين من سكان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. فالفقر والتمييز لا يجبر شاب في مقتبل العمر على قتل نفسه وقتل العشرات معه، فلا بد أن هناك معتقدا أو فكرة في رأسه يعتبرها سببا معقولا ومبررا مقبولا.
وما أسرع ما يتلقف بعض الكتّاب وأهل الرأي في منطقتنا هذا الكلام ويستخدمونه، مع الأسف، لتبرير الأعمال الإرهابية ويعبرون عن انتصارهم في الجدل القائم حول أسباب وجذور الإرهاب، فيقولون: " ألم أقل لك ذلك؟" هبْ أن عددا من المسيحيين المتعصبين كونوا منظمات كهذه، معادية للعرب والمسلمين، وهبْ أن أتباع هذه المنظمات فجروا أنفسهم أو قنابلهم في مدن عربية أو إسلامية، ماذا ستفعل الشعوب بهم؟ هل ستخضع للقانون وتنتظر حتى يمثلوا أمام المحاكم؟ أعتقد أن هذه الشعوب ستخرج بالآلاف أو الملايين لقتل وتمزيق كل مسيحي يعثرون عليه حيا. ثم إن معظم العرب والمسلمين في الدول المضيفة لا يمكن تبرئتهم من المسئولية عن هذا التهميش لأنهم يرفضون الإنخراط في المجتمع أو التكامل مع السكان المحليين ويبذلون جهودا كبيرة لتمييز أنفسهم عنهم والتجمع في مناطق تتطور فيما بعد إلى غيتوهات.
البوسعيدي، التونسى الذي يقال إنه فجر ما سمي لاحقا بأحداث الربيع العربي، كان يشكو من التهميش والحرمان والبطالة، ولكنه لم يخطط أن يقتل أحدا غير نفسه. لم يلبس حزاما ناسفا ويفجره في جمهرة من الشرطة أو من الأغنياء أو مؤيدي زين العابدين بن علي، ولم يحقد على من حوله من الناس، وإنما قرر أن ينتحر بحرق نفسه، لأنه كان غاضبا ويائسا وأراد أن يجلب انتباه العالم إلى قضيته. صحيح، كان فقيرا ومهمشا ولكنه لم يقتل أحدا كرها لفرد أو مجموعة ولا طمعا في الجنة بل كان يبحث عن الرزق له ولعائلته المعدمة.
في البداية، لم يخرج الشباب في مصر وليبيا وتونس وسوريا إلى الشوارع مطالبين بالحرية والتغيير وبسقوط قادتهم لأنهم كانوا مهمشين وفقراء بل لأنهم كانوا مثقفين يتبنون قضية شعوبهم المهمشة، واعتقدوا أن الحرية والتغيير وسقوط القادة سيحقق لهذه الشعوب ما تصبو إليه. لم يدّعوا بأن قضيتهم متعلقة بدين أو معتقد وإنما بأهداف مادية ومعنوية. ولكن الانتهازيين من معتنقي مبادئ الإسلام السياسي والذين ما زالوا يستعملون الدين كأداة لتحقيق مآربهم منذ العشرينات من القرن الماضي، كانوا ينتظرون الفرصة للانقضاض على هذه الثورات والاستيلاء على الحكم. في البداية لم يصدقوا أن هؤلاء الشباب سينجحون، لأنهم، هم أنفسهم، لم ينجوا أبدا في ترجمة نظرياتهم الثيوقراطية إلى حقائق وكيانات سياسية ناجحة، وإنما أسقط في يدهم هذه المرة عندما رأوا نجاح هؤلاء الشباب المستنيرين، وهرع منظّرهم الأكبر يوسف القرضاوي من منفاه الاختياري في قطر إلى القاهرة ليحثهم على الاستيلاء على الثورة و"ضرب الحديد وهو حامي"، لأن ثمار الثورة المتمثلة بسقوط نظام مبارك كانت على وشك النضج والسقوط بيدهم. وهكذا رفعوا شعاراتهم الدينية البراقة واخترقوا الثورة وسرعان ما أزاحوا الشباب جانبا بالقوة. ولكنهم في النهاية فشلوا كما هو متوقع، فضاعت أهداف الشباب وحلت الفوضى في البلاد واغتمت المنظمات الإرهابية هذه الفرصة لتنفذ أهدافها.
لقد تمت عملية غسل أدمغة الأطفال وإعادة تشكيلها في معظم مدارس العالم الإسلامي منذ منتصف الستينات، وأنتجت هذه العملية جيلين أو ثلاثة من الشباب المسلمين. لقد استوعبوا تماما ما تعلموه من المناهج التي وضعها لهم نشطا الإسلام السياسي الذين تتلمذوا على يد سيد قطب وحفظوا "معالمه على الطريق" عن ظهر قلب وفتاوى ابن تيمية. فعندما يولد الإنسان يكون صفحة بيضا، كما يقال، ويكون بالإمكان في مرحلة الطفولة والشباب أن يقتنع بأمور عديدة لأن ضميره وعقله نظيفان جدا وقابلان للتشكل، ومن الصعب عكس عملية التشكل هذه. لقد أطاح هؤلاء بعقول الأجيال الجديدة بعد أن فشلوا في الإطاحة بالأنظمة الحاكمة، التي كان بينها وبينهم شعرة -- كما قال معاوية -- إذا شدتها أرخوها وإذا أرختها شدوها، وبهذا استطاعوا أن يبقوا على قيد الحياة إلى الآن.
من الواضح إن المساجد والمراكز الإسلامية في دول أوروبا يتم تمويلها من قبل أغنياء السلفيين في بعض دول الخليج وهي التي تربي وتعلم هؤلاء الانتحاريين وتدفع بهم إلى عواصم أوروبا والشرق الأوسط. وتستغل هذه المراكز والمساجد والدعاة الحرية الدينية المطلقة التي يتمتعون بها هناك لاستغلال الشباب وحشو عقولهم بالأفكار التكفيرية وحثهم على تنفيذ عمليات انتحارية وإرهابية في أوروبا. وإذا أراد المسلمون عندنا تصحيح صورة الإسلام المشوّهة في أوروبا فعليهم مساعدة الحكومات هناك ومراقبة هذه المراكز الإسلامية. وإذا كان المسلمون في أوروبا يرغبون في القضاء على الإرهاب فعليهم أن يمنعوا هؤلاء الذين يسمون أنفسهم دعاة من تعليم أطفالهم التعصب والكره، لأن هذا ليس في صالحهم، وأن يساعدوا الأجهزة الأمنية عن طريق مراقبة شبابهم وحمايتهم من التطرف ومنعهم من التفكير في تنفيذ أو التخطيط لتنفيذ عمليات ضد الناس الذين يعيشون بينهم. إذا كان أولادك، وليس أنت، من يهدد أمن البلدان التي تعيش فيها فهذا لا يعفيك من المسئولية.
العرب الذين تتلمذوا على أيدي الوهابيين والإخوان نشروا الإرهاب في العالم. ذهبوا إلى افغانستان وباكستان وغيرها ورفعوا من وتيرة الإرهاب. لقد صرفت السعودية 19 بليون دولار لمساعدة الثوار الأفغان ضد الإتحاد السوفيتي والذين كانت الإدارة الأمريكية تدعمهم، وخاصة في عهد رونالد ريغان. المسلمون في أسيا وغيرها الذين لم يتتلمذوا على أيدي دعاة الإسلام السياسي العرب، معتدلون ولم يتأثروا كثيرا بأفكار التطرف. والغريب هذه الأيام أن البعض يدّعون أن الغرب خلق داعش والقاعدة وبوكو حرام وأمثالها لتدمير العالم الإسلامي، فإذا كان ذلك صحيحا فلماذا يتردد المسلمون عموما في محاربة هذه المنظمات والقضاء على أفكارها؟
#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟