أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نارين رياض - أجمل بقعة في العالم














المزيد.....


أجمل بقعة في العالم


نارين رياض

الحوار المتمدن-العدد: 5124 - 2016 / 4 / 5 - 01:35
المحور: الادب والفن
    


السيدة الثلاثينية الممتلئة, الشاب الذي يبدو كعود ثقاب, مجموعة الاطفال متوجهة للمدرسة صباحاً وغيرهم كانوا يمرون كل صباح بجانب أجمل بقعة في العالم. يتأملون جمالها احياناً لعدة ثوانٍ ويمرون بسرعة في احيان أخرى ولذلك فلم يلاحظوا يوماً أنها تلك هي اجمل بقعة في العالم كله. كان الهواء يدرك هذا وهو يمر ويقف ويتلاعب مع كل الاغصان والاعشاب وبقايا سيقان الشجيرات الصغيرة, وكانت أشعة الشمس تسترخي كل صباح وكل نهار هنا وتخصص جزءاً مهماً من أشعتها بدفئها وضوئها لتكون حصة تلك الحديقة الصغيرة لوحدها.
هنا كنت أعيش وأستلقي ككل يوم, أتجدد بأستمرار مع تغير كل حالة, بجانب حبيبتي الوحيدة التي كانت أجمل ألكائنات على الأطلاق. كنت أستلقي وأمتد بخجل تحت أحضانها في ذلك الظل الجميل وأستنشق عبير أوراقها بكل أحترام. أحياناً كان يمر بقربنا حبيبين مثلنا, يستلقيان بيننا لأكون لهم فراشاً وتكون هي لهم السماء بذاتها فتحرسهم من كل شيء آخر. كانت حبيبتي أعظم شيء يمكن أن يوجد في الكون كله, كانت جميلة , صغيرة ولكنها كافية لتحتضن العديد من الكائنات الصغيرة جداً والمتوسطة وحتى الكبيرة نوعاً ما, خشبها كان يعبق برائحة عتيقة وأوراقها التي قلما تتساقط كانت بلون ألحياة الزاهي, عندما تمتليء ثماراً أو أزهاراً تصبح أسعد حتى مني عندما أقترب ببعض أمتداداتي الصفراء تحت أقدامها. حبيبتي هي كل شيء وأجمل شيء في أجمل بقعة في العالم, بل أن أجمل بقعة هي كذلك لأنها تضم حبيبتي أو لان حبيبتي كانت تسكن على أرضها. وكنت أنا عاشقاً نضراً وفياً ولذلك فقد كنت أمنح كل ما أنا قادر على منحه لما هو حولي من أحياء. أما الشجيرات الصغيرة فقد كانت عوامل مؤقتة في عالمنا, تعيش أحياناً وتذبل غالباً ليعاد أحياؤها بألوان جديدة. كانت إضافة جميلة للبقعة ولكن لسبب ما أستاءت حبيبتي من وجود تلك الشجيرات. بعد أن تم أضافة الشجيرات بفترة وجيزة تم إجراء بعض التعديلات لبحيرتنا الصغيرة لتصبح أكبر ولتصبح حوافها مغطاة بمادة مملة جداً. شيئاً فشيئاً أخذت معالم أجمل بقعة في العالم تتغير ولكنها مع هذا حافظت على أغلب خواصها الجميلة حتى ذلك اليوم المشؤوم. كانت وجوههم مزعجة ومتعبة أو أنني اليوم اتذكرها بهذا الشكل فقط لأنني أعلم ما حدث بعد ذلك, هؤلاء الذين ظهروا من خلف الأبنية المجاورة لنا هم ذاتهم من أبدلوا بعضاً مني بتلك الشجيرات ولم أمانع في السابق, وأخذوا جزءاً آخر وغلفوه بالاحجار الغريبة عن بقعتنا ولم أمانع أيضاً لطالما كان الجزء الاهم مني هو ذلك الجزء الاصفر في ظل حبيبتي. كانت حبيبتي تعاني من بعض التغييرات بسبب تغير الاشياء من حولنا فما عادت تعشق أصوات العصافير التي تحط عليها كالسابق ولا أصبحت أغصانها تأوي أعشاشهم الظريفة بنفس الحب. حتى أنا ما عادت تلاحظ أمتداداتي وتثني عليها وتميل بخفة مع حركة الهواء لتقترب مني بجسدها المقدس وتحاول تقبيلي بحب لم يعرف العالم له مثيلاً. تغيرت حبيبتي ولكنني لازلت أعشقها بكل تفاصيلها حتة عندما أخذت ألوانها تتغير للمرة الاولى وأذا بامتداداتي نحوها تصبح خضاء اللون, كم تمنيت لو انني قادر على قطع تلك الامتدادات القاسية التي جعلت حبيبتي ربما تشعر بأنها لم تعد كالسابق. ومع هذا ومنذ اول لحظات اليوم وحتى آخر لحظاته كنا عاشقين, مهوسين ببعضنا, يرانا العالم ككيان واحد وكقطعة واحدة. حتى جاء ذلك اليوم وأقترب مني عملاق حقير, داس على أطرافي بشكل موجع لا ازال اتذكر حتى الان وبعد مرور العديد من السنوات أحساسي بثقل حذائه البشع. أقترب من حبيبتي وحاولت منعه أقسم بأنني حاولت بكل وسيلة أنا قادر عليها ولكن ما هي قدراتي؟ تم أغتيال حبيبتي أمامي ولم أحرك ساكناً فكيف يحرك الساكن شيئاً؟ بصمت رحلت عني وبصمت قبلت كل أجزائي المتبقية وقبلت جذعها كله وقبلت جميع أغصانها لأول مرة في ذلك اليوم ليتم إبدالها بشجيرة بشعة تحمل ألواناً مبهرجة غير حقيقية تغيرت تلك الالوان وتلك الشجيرة بشجيرات أخرى طوال مائة عام, وحبيبتي التي لم تكن قد بلغت عامها العشرون تم أغتيالها بكل قسوة وأصبحت أجمل بقعة في العالم هي البقعة الابشع فيه.



#نارين_رياض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجهة الاخرى
- صعلوك
- وطن
- يوماً ما
- رسالة
- إنسحاب
- علبة الاقلام
- يوم مدرسي


المزيد.....




- توجه حكومي لإطلاق مشروع المدينة الثقافية في عكركوف التاريخية ...
- السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
- ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
- مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
- الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته ...
- موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل ...
- -أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل ...
- -يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم ...
- تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نارين رياض - أجمل بقعة في العالم