|
الكيل بمكيالين في قمة المفارقات بتونس
محمد فاضل رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 1387 - 2005 / 11 / 23 - 09:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تستأثر قمة عالمية بعدد من الملاحظات و التعاليق بالقدر الذي سجل في القمة العالمية الثانية لمجتمع المعلومات بتونس إلى درجة جعلت بعد من قدر له تتبع تفاصيلها منذ الإعلان عن تنظيمها إلى نهايتها مرورا بأطوارها يطلق عليها تسمية قمة المفارقات بالنظر لمظاهر التنافر الجلية التي حبلت بها القمة في مختلف لحظاتها و التي يأتي في مستهلها التناقض الكبير بين طبيعة و عمق اشتغال القمة المتمحور حول حرية الحصول على المعلومات و تداولها و طبيعة النظام السائد ببلد التنظيم تونس و الذي يعد من أكثر بلدان العالم تضييقا على مواطنيه ليس فقط على مستوى التعامل مع مجتمع المعلومات بل و على جميع هوامش التعبير و الرأي. و إذا كان من الدارج أن يعتمد المجتمع الدولي معايير صارمة في اختيار البلد الذي سينال شرف احتضان تظاهرات من هذا الحجم نظرا للفائدة الاقتصادية و السياسية التي يجنيها البلد المنظم و الأنظمة الحاكمة به بتحوله قبلة لوفود من شتى أنحاء العالم و احتلاله لواجهة التتبع الإعلامي الدولي طيلة أيام التظاهرة, فإن كثيرا من شرفاء العالم قد أثاروا أكثر من تساؤل حول مدى جدية اعتماد هذه المعايير في حالة تونس ذلك أنه لا مجال للحديث في هذا البلد عن أبسط مؤشرات حرية التعبير و الرأي والانتقال الديمقراطي التي من المفترض أن يكون لها دور في هذا الاختيار مما يجعل التحاليل تسير في اتجاه اعتبار هدية خص تونس بقيادة نظام بنعلي بشرف تنظيم القمة تلميعا له و تجاوزا غير مبرر عن الفظاعات التي ارتكبها و يرتكبها هذا النظام في حق حرية التعبير و المشاركة السياسية بتونس, هكذا لم يكن من المستغرب أن تسبق القمة و تصاحبها حركة احتجاج تمثلت في إضراب عن الطعام خاضه سبعة من المعارضين التونسيين لفترة تجاوزت الأربعة أسابيع غير أن أكثر ردودا الأفعال تعبيرا عن طابع المفارقة هذا كان حدث استقالة مستشار الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان من منطلق أن تنظيم قمة من هذا الحجم في بلد تخرق فيه حقوق الإنسان بشكل سافر لا يعطي لتناول الموضوع الجدية اللازمة و الكافية. و إذا جاز لنا أن ندقق النظر في سياق هذه القمة و مساراتها في زخم المفرقات الكبيرة التي حملتها فإن من شأننا التوقف طويلا أمام الاستراتيجية المنسقة التي اشتغل بها النظام التونسي في تصريف الأزمات المتولدة عن احتضانه للقمة و التي ارتكزت في جملتها على التعامل مع دوره في الإشراف و التنظيم بحربائية ظلت حائرة بين لونين يتعلق الأول بصورة البلد المضيف الذي لا يتجاوز حجم صلاحياته توفير المجال المادي لتنظيم القمة من أمكنة و بنى تحتية و لوجستيكية من منطلق أن الراعي المنظم الأساسي للقمة هو هيأة الأمم المتحدة, أما الثاني فيتجاوز ما تم تداوله في المستوى الأول بحضور تجربة الحكم التونسية في تدبير التفاصيل اليومية لمواطنيها في تدبير مختلف لحظات القمة. هذه الحربائية يمكن تحليلها كالتالي: صاحب إسناد تنظيم القمة لتونس منذ الإعلان عنه احتجاجات واسعة على النظام التونسي من طرف ناشطي حقوق الإنسان على المستوى التونسي و العربي و الدولي على هامش إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون عن نيته في ترؤس الوفد الإسرائيلي في القمة, و هي الاحتجاجات التي وصلت إلى مواجهات عنيفة بين الأجهزة الأمنية و الشباب التونسي الذي نزل للشوارع تلبية لنداء أقطاب المعارضة لرفض كل ما من شأنه أن يعتبر مدخلا للتطبيع مع إسرائيل في أكثر لحظات القضية الفلسطينية سوادا, و للخروج من هذه الأزمة اتشح الموقف الرسمي التونسي بلون البلد المضيف الذي لا تصل صلاحياته إلى حد منع بلد عضو في الأمم المتحدة من حضور القمة التي تعرض على أراضيه, و رغم أن مستوى التمثيل الإسرائيلي في الدورة قد نزل من مستوى رئاسة الوزراء بعدول شارون عن المجيء إلى مستوى وزير الخارجية فإن الحجم الكبير للوفد الإسرائيلي و الحفاوة التي استقبل بها إضافة إلى التعامل الخاص الذي حظي به طيلة أيام القمة و الذي وصل كما أشارت بعض المصادر إلى حضور رئيس الوفد الإسرائيلي حفل عشاء كان حكرا على رؤساء الدول المشاركين في القمة, كل هذا قد حمل إشارات بكون مدى حضور الوفد الإسرائيلي كان يتجاوز مستوى التمثيل في القمة الثانية لمجتمع المعلومات...!! بالمقابل لم يعكس شكل تدبير النظام التونسي ليوميات هذه القمة العالمية بأن الأمر كان يتوقف فعلا عند الاحتضان المادي تحت رعاية الأمم المتحدة ذلك أن مختلف أشكال التنظيم كانت تحمل طابع "صنع في تونس" الشيء الذي يتجاوز أطروحة البلد المضيف المروجة للإفلات من الانتقادات اللاذعة التي تعرض لها النظام التونسي, الشيء الذي أخذ تطبيقه على أرض الواقع في استعارة مختلف أساليب التضييق و البوليسية و العسكرة المعروفة عن نظام بنعلي لتدبير القمة الشيء الذي أمكن رصده كما يلي: طغيان الهاجس الأمني على مختلف مراحل القمة مما حول منطقة الكرم التي احتضنت أكثر من ثلاثة و عشرين ألف مؤتمر إلى منطقة عسكرية محكومة بفوهات البنادق و المدافع قد تحيل إلى حالة الطوارئ و الصدامات السياسية و العسكرية أكثر بكثير من كون الأمر يتعلق بقمة للمعلومات كانت مفاهيم الحرية و الديمقراطية و تكافؤ الفرص من أكثر الاصطلاحات هيمنة على تدخلات المؤتمرين بها. منع إحدى أهم الأعراف الديمقراطية التي أضحت تقليدا يمارس على هامش مختلف الندوات و اللقاءات و القمم الدولية باختلاف التفاصيل و يتعلق الأمر بالسماح لناشطي المجتمع المدني المعارضين لمضمون هذه اللقاءات بالبلدان المنظمة بتنظيم لقاءات موازية و احتجاجات للتعبير الحر عن الموقف و إن كان معارضا و هو أمر لا تشهده البلدان المتحضرة فقط بل تم تسجيله في معظم المناسبات المماثلة من قبيل ملتقى المستقبل الذي نظم بالمغرب السنة الماضية, لكن طبيعة النظام التونسي الذي تعود سجن و ملاحقة كل من سولت له نفسه الإعلان عن موقف معارض و الديقراطية التونسية التي لا ترضى بغير السيد بنعلي مرشحا و رئيسا أزليا كانتا الحاضر الأكبر و شهدت جهود منظمات المجتمع المدني المطالبة بعالم أكثر عدلا و حرية إحدى أكبر انتكاساتها في تونس السيد بنعلي. حضرت أجواء التضييق على الهامش الإعلامي المعهودة في تونس على امتداد فقرات القمة بالحد من حرية الصحفيين و محاصرة كل ما من شانه أن ينتج خطابا إعلاميا بديلا عن خطاب التطبيل و التزمير للتجربة التونسية الفريدة الذي تبنته وسائل الإعلام التونسية الرسمية على هامش القمة و الذي بلغ مداه في الاعتداء البوليسي على الطاقم الصحفي البلجيكي دون مراعاة لطابع القمة و لوضعية تونس البلد المضيف!!! منع رئيس منظمة صحفيون بلا حدود روبير مينار من دخول الأراضي التونسية فيما يشبه تصفية حساب مع مواقف هذا الصحفي و الناشط الحقوقي المعروف بانتقاداته اللاذعة لممارسات نظام بنعلي في التضييق على الحريات و في مقدمتها حرية الرأي و التعبير التي تجد امتدادها الطبيعي في صحافة حرة مستقلة تنتفي في تونس بنعلي, هذا المنع يدفع لإعادة النظر في مدى الحرية التي أتيحت لتونس في التعامل مع شؤون القمة كما يجعل مقارنتها بموقف تونس من استقبال الوفد الإسرائيلي كيلا بمكيالين فهي في الحالة الأولى مجرد بلد مضيف لا يملك إمكانية منع بلد عضو في الأمم المتحدة من حضور قمة تنظمها الأمم المتحدة على أراضيها أما في حالة روبير مينار فلم يجد نظام بنعلي غضاضة في منع صحفي و رئيس لمنظمة حقوقية دولية من دخول تونس لنفس الغاية. استمرار أجواء المنع و التضييق على حقوق الإنسان بتونس دون أدنى اكتراث بالمتابعة الإعلامية الدولية الهائلة لمختلف حيثيات الحياة السياسية التونسية على هامش القمة العالمية للمعلومات و الذي بلغ مداه في التعامل اللامبالي مع حركة الاحتجاج التي كادت تودي بحياة سبعة من قيادات المجتمع المدني و حركة المطالبة بحقوق الإنسان بتونس بعض خوضهم لإضراب عن الطعام تجاوز الأربعة أسابيع بما فيها أيام القمة. وإذا كانت نتائج هذه القمة لم تكن خارج المألوف بتعزيز الهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على عالم المعلومة بما يحول الأنترنيت إلى ضيعة أمريكية خاصة و استمرار اتساع الهوة الرقمية بين الشمال و الجنوب فإن سلبياتها تتجاوز هذا الحد بكثير من خلال كونها هدية غالية من المجتمع الدولي إلى نظام استبدادي يحيل على لحظات مظلمة من تاريخ الحضارة الإنسانية, و تجاوز غير مسؤول من قبل المجتمع الدولي لاختراق الحريات الإنسانية على هامش قمة اتخذت من الحرية شعارا لها و تغاض غير مبرر عن كل مظاهر الكيل بمكيالين التي طبعت التعامل الرسمي التونسي مع المشاركين, غير أن القول بتصنيف المواقف التونسية في خانة المفارقات يبقى أمرا فيه نظر لانسجام هذه المواقف مع أصول الديمقراطية التونسية التي تعتبر كل معارضة أو تشويش على منجزات نظام بنعلي بدعة تستحق البطش بصاحبها. ألم تمنع جريدة القدس العربي يوما ما بتونس لأن كاتبا تونسيا قال في إحدى فقرات استجواب معه على صفحاتها بأن مستوى الأدب قد تراجع في تونس؟
#محمد_فاضل_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المغرب و إسبانيا. حكاية جوار حذر
-
لعبة الكراسي الصدئة,ما أحلى الإمارة و لو على الحجارة
-
صناعة و تسويق أنصاف الآلهة في الإعلام الأميركي
-
في الشأن السياسي القروي, نخب الشواهد الابتدائية المزورة
-
بين دعاوى الدمقرطة وواقع الابتزاز السياسي ,.التصور الأميركي
...
-
. مثقفون ضد الأعراف الديمقراطية.-الهتيفة- في مصر
-
شيزوفرينيا خطاب الشمال تجاه قضايا الجنوب , قراءة في السلوك ا
...
-
الإعلام و التربية بين الحفاظ على الهوية و الانفتاح على النما
...
-
بعض من ملامح اكتساح السياسي للنقابي بالمغرب
-
قراءة في حيثيات مواقف عربية غير اعتيادية, هل الشارع العربي ب
...
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|