|
الاحتفال بعيد (اكيتو) 6766 أ، السنة الأشورية الجديدة تمسك بثوابت الانتماء لوادي الرافدين - العراق
فواد الكنجي
الحوار المتمدن-العدد: 5118 - 2016 / 3 / 30 - 08:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يطل علينا عيد (اكيتو) في الأول من نيسان من كل عام، عيد رأس السنة الآشورية (6766 - أ) ، ليبعث فينا الأمل المتجدد، والتطلع نحو مستقبل أفضل لشعبنا ووطننا العراق، هذا الأمل الذي نرى شرطا تحقيقه يكمن في قيام مجتمع ديمقراطي علماني حقيقي، قائم على أسس العدل والمساواة وحقوق الإنسان يرفل فيه المواطن بالعز والأمن والأمان، وان يسود السلام وتآخي في كل ربوع الوطن. ان الاحتفال وإقامة الكرنفالات والمهرجانات الثقافية في الأول من نيسان من كل عام، ما هو الا تأكيدا لتمسك الأمة الأشورية بثوابت التاريخ والحضارة الأشورية في وادي الرافدين (العراق)، وتخليدا لحضارة امة عريقة، وعلى استمرار مسيرة العطاء والإبداع المتواصل بين الأجيال لشعبنا الآشوري (سريانا وكلدانا) عبر آلاف السنين، لنضيف لموروثة الحضاري معان وقيم إنسانية جديدة ومتجددة مع تجدد الطبيعة وانبعاثها مع كل إطلالة عام أشوري جديد . ومن وحي هذه المناسبة التي هي جزء من الموروث الحضاري للأمة الأشورية العظيمة، فإننا نتقدم لجميع أبناء شعبنا الأشوري في الوطن والمهجر، ولكل شركائنا في الوطن بأسمى التهاني وكلنا أمل أن يكون العام الأشوري الجديد (6766- أ) عام سلام واستقرار وحب وتآخي لمنطقتنا ووطننا وشعبنا الأشوري . وبهذه المناسبة يسرنا هنا إن نقدم الى شعبنا الآشوري بجميع مذاهبه الدينية، ومنظماته السياسية، ومؤسساته الاجتماعية بأسمى آيات التهاني متمنين للجميع عاما حافلا بالانجازات في سبيل تحقيق تطلعات وأهداف شعبنا القومية على أرض الآباء والأجداد (العراق) على أمل أن تكون امتنا الأشورية امة واحدة تجمع على ارض أجدادنا الأشوريين كل أبنائها المشردين في أصقاع الأرض لينهضوا مجددا من تحت هذا الركام الهائل من الهموم والويلات التي تتكالب على مسيرة امتنا ونهضتها وحضارتنا وتاريخنا وأثارنا الخالدة . وعلى رغم ان واقع الأمة الأشورية اليوم ليس على أفضل حال ولكنه ليس الأسوأ في تاريخها، لان هناك محطات وإرهاصات مرت على الأمة الأشورية أريد لها إن تجهض وتنزف حد الموت للقضاء عليها وانمحاء وإزالة اسمها وحضارتها من على هذا الوجود، ولكن بصمود أبناء الأمة وبعزيمتهم صمدوا وقاوموا مقاومة شرسة وضمدوا جراحاتهم ونزيفهم وظلوا صامدين متمسكين بأرضهم وتراثهم وتاريخهم واسمهم الأشوري الخالد وسعوا السير والمضي قدما نحو الإمام دون إن تطأ رؤوسهم بأصعب مراحل التاريخ التي مروا بها . فان كنت وقائع الحاضر تشهد إرهاصات بحجم القوى المعادية لأمة الأشورية واستهدافهم المباشر على الهوة القومية والدينية من قبل قوى الإرهاب والتطرف، والذين اخذوا من الدين ستارا لاستهداف الأشوريين وتهجيرهم واحتلال أراضيهم وقراهم وممتلكاتهم في العراق وسوريا وتركيا، ما افرز بنتائج قد يحسبها البعض مرعبة بسبب الهجرة المتزايدة والنزوح من أوطانهم ...! ورغم ان موجة ضلت متواصلة لأكثر من مائة عام أي منذ مذابح الأشوريين في تركيا عام 1915 التي نفذها حكم العثماني في تركيا بحق امتنا بكونهم مسيحيين ومن غير القومية التركية وما عقب بعد ذلك من مذابح عام 1933 في العراق، ورغم الماسي التي عصفت بهم في الشتات وهم يرزحون تحت قسوة الظروف المعيشية والهجرة والنزوح ألقسري و بمصادرة ممتلكاتهم وما الى ذلك من مظاهر المعانات والماسي، إلا إن المهاجر والنازح الأشوري الذي تشتت في كل إرجاء المعمورة منذ ذلك العهد الفاشي والى يومنا هذا برهنوا للعالم اجمع حجم صمودهم ومقاومتهم وعدم الاستسلام رغم العوز والجوع والذل والمعانات بل واصلوا بجهودهم الذاتية الاستثنائية ليبرهنوا بأنهم اقوي من من أي ظرف ...! فعملوا بكل ما في وسعهم من جهد وجد لبناء مستقبل أفضل لأبنائهم فعملوا ليل نهار وبجهود ذاتية وفردية ومن لدن كنيسة (المشرق الأشورية) فتحوا مدارس لتعليم أبنائهم لغة الإباء والأجداد اللغة الأشورية وواصلو في بناء مؤسسات إعلامية بجهود ذاتيه لنشر تراث وثقافة أمتهم لكي يحافظوا على مقومات وجودهم القومي إضافة إلى إلحاق أطفالهم وأبنائهم بمدارس بلدان التي نزحوا إليها ليواصلوا في تلقي علوم والمعرفة بلغة ذلك البلد وهذا ما أدى ويودي إلى رفد ثقافة الأشورية بمزيد من ثقافة وعلوم شعوب والأمم الأخرى . فاليوم نفتخر كل الافتخار بكون لامتنا الأشورية لها أبناء وبنات يتكلمون بكل لغات العالم ومزودين بشهادات عليا ومعارف وعلوم وحرف وصناعات هي بكل تأكيد سترد لثقافة الأشورية مردودا ثقافيا وعلميا زاهرا . فالأشوريين الذين اليوم نشئوا في بيئة وثقافات الغرب في أوربا واستراليا وأمريكا لم ينسلخوا من وريد وشريان أمتهم الأشورية، بل ان ذويهم استطاعوا تلقين أبنائهم ثقافة وتراث وعادات وتقاليد أمتهم الأشورية - وكما قلنا قد جاء ذلك بجهود فردية وبجهود كنيسة المشرق الأشورية – ونقول تأكيدا، نعم أنهم اليوم منخرطين في شؤون الحياة اليومية لمواصلة مسيرة معيشتهم، ولكن مشاعرهم وهمومهم هي في صميم مع واقع أمتهم الأشورية، في محنها ومتطلباتها ، وهذا الأمر نلتمسه منهم من خلال ما يقومون به من فعاليات وأنشطة اجتماعية للوقوف بجانب أبناء أمتهم في إي محنة يواجهونها هنا وهناك، فنراهم يخرجون بتظاهرات وتحشدات جماهيرية اثر أي استهداف وعمل عدواني يرتكب ضد أبناء امتنا او أي اعتداء على حقوقنا في تقرير المصير ، فنراهم يتحشدون ويجتمعون ويتجمهرون إمام هيئات والمنظمات الدولية للمطالبة لحماية أبناء امتنا من أي عدوان يرتكب ضدهم في الوطن الأم، وهذا مؤشر و معطي ثقافي وقومي يرفد امتنا بكثير من قيم الوطنية العالية المسؤولية، لأننا نفهم العمل القومي المبني على مؤسسات هي من واجباتها التنظير والتحليل للخروج بسبل الكفيلة للحصول على مستحقات ومطالب الأمة القومية في حق تقرير المصير على ارض الإباء والأجداد في وادي الرافدين، موطن الأشوريين الأصلي في العراق . فهذه المؤوسسات يقع عليها واجب وطني وقومي ونضالي لكل ما هو يؤدي للحصول على مطالب الأمة الأشورية في إقامة إقليم يعترف به ويحض بحماية دولية وبناء مؤسساته ليتم عودة النازحين والمهجرين وليتم جمع ولم شمل الأمة في الوطن، ليكون لأبناء هذه الأمة الحرية في بناء مؤوسساتهم الأمنية والعسكرية لحماية وجودهم وحدودهم ومؤوسساتهم الثقافية والقومية والمدنية والدينية والاقتصادية ليباشروا بالبناء والاستثمار فيها بجهود الأمة والقوى الصديقة . فهذا الكلام ليس كلام تنظيري وإنشائي وأمنيات فحسب بل هو كلام واقعي، وفي صميم العمل النضالي يعزز يوميا بجهود الأبناء ومناضليه والذين استشهدوا في سبيل ألاف المؤلفة، إن لم نقل الملاين من الشهداء استشهدوا من اجل رفع راية أشور ومن اجل حق تقرير المصير . وما الاحتفالية التي تقام سنويا بمناسبة الأول من نيسان رأس السنة الأشورية الا مناسبة لتأكيد ولإثبات الوجود وحق تقرير المصير والتزام بإحياء تراث الإباء والأجداد بشكل حضاري ليعرف الأخر هوية هذا الأمة وقيمة انتمائهم الى وادي الرافدين ( العراق ) الذي يتجلى بفعاليات وأنشطة ثقافية ومهرجانات كرنفالية والتي جلها محبة وسلام وتآخي تنطلق مع بداية انطلاق موسم الربيع وانفتاح الزهور ونمو الحياة . ومن هنا فان الأول من نيسان من كل عام، يحتفل الشعب الآشوري في العراق وباقي مناطق وجوده في مدن العالم اجمع، بعيد (أكيتو) – رأس السنة الآشورية – وفقا لتقويم (الأشوري) . حيث يعتبر الأشوريين أول الأقوام البشرية على الأرض بالمطلق نضموا أنشطتهم وفق تقويم سنوي معتمدين على متابعة الظواهر الطبيعية والطقوس اجتماعية لضبط أنشطتهم الزراعية ومواسمها وفق تقويم حددوا بدايته في (الأول من نيسان) حيث بداية الربيع واعتدال النهار والليل وقد ساعدهم في فهم هذه الظواهر من خلال معرفتهم واشتغالهم بعلوم الفلك والحساب وبتعاقب فصول السنة بشكل دائري ثابت ومن هنا شكل تأليفهم وابتكارهم فكرة (التقويم) لضبط حوادث وإحداث تاريخ وحدوث الظواهر الطبيعية، نقطة مفصلية في وعي الفطري الذي مهد لهم تطويره وبناء معرفتهم بتدوين الظواهر والوقائع وعلى كل مستويات ونواحي الحياة لذا كان تصورهم (خلاقا) في تفسير الظواهر المحيطة بهم وتحديد أطرها وفق تصورات أسطورية، وبغية تنظيم حياتهم وفق ضوابط غيبية ألاهية تتحكم فيها وتمثلها على الأرض فهم أول شعوب العالم امنوا بوجود (اله) في سماء وسموه ( أشور) وأصبح فيما بعد إلههم الحاكم في السماء والملك على الأرض فسموا تيمنا به بلادهم باسمه (بلاد أشور) . وهكذا شكلت الأسطورة نقطة هامة في حياتهم و أعطوها بعدا وظيفيا من خلال طبع كل ما كان يشاهدونه من الظواهر بغايات ومقاصد ويربطونها بالمناسبات وبالممارسات اجتماعية فحددوا طقوسها بشعائر رسمية ليحتفلوا بها في مناسبات حددوا لكل ظاهرة وقت خاص بها لتشكل بمجملها إبداعات فكرية وفلسفية مهمة في تاريخ البشرية والتي استفاد منها في تطوير قدراتهم في تحليل الظواهر ووضع تفاسير علمية لها . ومن هنا فإننا ان نحتفل برأس السنة الأشورية اليوم تسترجعنا الذاكرة لسرد طقوس التي بنو فيها تصوراتهم في كيفية التي نظموا شعائرهم لاحتفال بقدوم الربيع ليتخذوا منه بداية لبدا عامهم الأشوري والذي أطلقوا علية اسم احتفالات (اكيتو) ومن هنا سنسرد طقوس الأسطورية بعيد (اكيدو) بشكل موجز. ((...إن عيد اكيتو في الميثولوجيا الآشورية القديمة، يمثل أكبر احتفال درامي في بلاد اشور حيث كان راسخاً في حياة العراقيين القدامى وقد جرت ممارسته لأكثر من ألفين سنة وكان علامة مهمة من علامات وادي الرافدين وتراثها، إذ يبدأ تقويم الأشوري في الأول من نيسان كبداية عيد رأس السنة الأشورية والذي يسمى بـ (آكيتو). وكلمة (آكيتو) ذات جذور سومرية لأن أقدم صيغة لها جاءتنا بحدود 2400 ق.م وعلى شكل (آ- كي- تي)، العلامة (آ) تعني الماء ومجازاً المطر و(كي) تعني الأرض و (تي) فعل بمعنى يقرب ، فيكون بذلك معنى الكلمة كاملا (تقريب الماء إلى الأرض) أي الاستسقاء ونرى أن طقوس الاستسقاء تعود إلى فترة حضارة سامراء في الألف السادس قبل الميلاد حيث شكلت هذه الطقوس بذرة العيد الأكبر آنذاك. ... وكانت مدة العيد أثني عشر يوما (أي بعدد أشهر السنة) تبدأ من الأول من نيسان وتنتهي في الثاني عشر منه. ففي بداية هذه الأعياد من كل سنـة جديدة يأتي الإله( نابو) من معبده ، البيت الحصين في بورسيبّا (برس نمرود) لزيارة والده الإله (مردوخ) وهو يمثل عند الأشوريين اله (اشور)، في مدينة (بابل) وهي إحدى مدن الأشورية إضافة الى مدينة (نينوى)، والاشتراك في هذه الاحتفالات التي تقام فيها. فمن اليوم الأول وحتى اليوم الثالث يقوم الكاهن بالتوجه إلى معبد (بيت) الإله (مردوخ) ليقوم بصلاته مع الكهنة والناس، لقد كان خشوع المصلين دليل على خوف من الغيبيات، وكل تلك الصلوات كانت لاستغفار (مردوخ) ولحماية بابل المدينة المقدسة، وكانت الصلاة السرّ على الشكل الآتي: ((.. يا ربّ نجّنا من غضب خاصتك يا ربّ ملك كريم أنتَ ربّ الأراضي الذي جعل خلاصاً عظيماً للآلهة يا ربّ الملوك ويا مقسّم الأقدار يا ربّ بابل منزل خاصتك.... )) وخلال الأيام الأربعة الأولى تجري الطقوس الخاصة بالتطهير استعدادا لما سيحدث في معبد الإله مردوخ ( أي - ساكيلا ) اسمه في بلاد أشور، فيحضر الكاهن الأكبر للمعبد في اليوم الثاني من الاحتفال فينهض قبل شروق الشمس بساعتين وبعد أن يغتسل بماء النهر يدخل إلى المعبد وحده ويؤدي الصلاة أمام تمثال الإله (مردوخ) كونه الإله القومي لبلاد, وبعد ذلك يتوافد الكهنة الآخرون للقيام بمهماتهم الدينية اليومية وتقديم الصلوات للآلهة . وفي اليوم الثالث يؤتى بأصحاب الحرف من حدادين ونجارين وصاغه، ويدخلون المعبد الذي تهيأ فيه مواد مختلفة ومنها الحجارة والخشب والذهب كي يعملوا منها تماثيل على شكل أشخاص وهي خاصة بالطقوس الدينية حيث يقوم الحرفيون بصناعة الدمى من الخشب والذهب والأحجار الكريمة، واللباس لهم باللون الأحمر، ثمّ توضع هذه الدمى جانبا لاستخدامها في اليوم السادس. أما في اليوم الرابع فستتبع نفس الطقوس كما الأيام الثلاثة السابقة قبل شروق الشمس يراقب الكهنة النجوم المقدّسة، وفي النهار تتلى ملحمة الإينوما إيليشيا (حينما في العلى)، وهي القصة الأقدم لولادة الآلهة وخلق الكون والبشر ثم يشرح كيف تتحد الآلهة مع الإله (مردوخ) بعد انتصاره على (تيامات) واعتبرت تلاوة هذه الملحمة بداية الاستعدادات لتقديم ملك بابل أمام (مردوخ) في اليوم الخامس من (الأكيتو)، وفي الليل أيضا يتم التوجه بطواعية لاسترضاء الإله (مردوخ)، وبعد تقديم وجبة العشاء تتم تلاوة ملحمة الخليقة الأشورية من قبل كبير كهنة معبد أي - ساكيلا أمام الإله (مردوخ) وتاج الإله آنو ( اله السماء ( وهي تذكرة في بداية السنة الجديدة لأول يوم في خلق الكون وعندها تبدأ دورة الفصول . وفي اليوم الخامس من الإحتفال فيدخل الملك برفقة الكهنة إلى معبد الإله مردوخ، ويبدأ الكاهن الأعلى بنزع حليه وصولجانه، وتاجه ويضعها جانبا، ويتقدم الملك من المذبح فيركع ويبدأ بالدعاء والاستغفار قائلاً : (( أنا لم أخطئ يا سيد الكون أنا لم أحمل جبروتك السماوي ثم يقول الكاهن وهو يأخذ دور مردوخ لا تخف إنّ الإله مردوخ يعظم سلطانك ويزيد عظمة ملكك ..)) ثم يذرف الملك الدموع كدليلٍ على خضوعه لـ(مردوخ)، وإجلالا لسلطانه، وعندما يقوم الكاهن بإعادة التاج إلى الملك فمعنى ذلك أن (مردوخ) قام بتجديد سلطانه، وبذلك يكون شهر( نيسان) ليس إحياء للطبيعة والحياة فقط، ولكنه إحياء للدولة، ما حدا بكل الملوك لتقديم الطاعة للإله والتعايش مع الناس بمختلف طبقاتهم خلال لحظات التعبد والاحتفال، والإله (مردوخ) وهو الاله اشور يعيش في (الزقورة) المكونة من سبع طبقات، وخلال ذلك اليوم ووفقا لتقليد (أكيتو) يقع الإله (مردوخ) أسيرا لدى (تيامات)، ثم يأتي ابنه (نابو) لينقذه من العدم وإعادة المجد له. وهذا اليوم يسمى بيوم التكفير فيتم فيه نهوض كبير كهنة معبد (أي – ساكيلا) قبل شروق الشمس ويتطهر بماء من دجلة والفرات ويقوم بتأدية الصلاة أمام تمثال (صربنيتم) زوجة (مردوخ ). وبعد أن يتم الكاهن صلواته يسمح لبقية الكهنة بدخول المعبد ويقومون بتأدية الصلاة وبعد شروق الشمس بساعتين يقدم الفطور الصباحي للإله (مردوخ) وزوجته , ومن ثم تجري طقوس التطهير برشات من ماء دجلة والفرات وبعدها تقرع الطبول وتوقد المباخر وينار المعبد ويجري مسح أبواب الحرم المقدس بزيت السدر ، وفي هذا اليوم يحمل تمثال الإله (نابو) من (بورسيبا) إلى بابل في سفينة مذهبة وفي هذا اليوم أيضاً يقوم الكاهن الأعلى لمعبد الإله (مردوخ) بتهيئة محراب الإله نابو ( إبن مردوخ ) وهو إله الكتابة في وادي الرافدين والذي سيأتي من بورسيبا لحضور الاحتفالية بعد أن يتوجه الملك اليه في اليوم الرابع لمرافقته عند قدومه إلى بابل . وفي اليوم السادس تجرى محاكمة الملك ونزع شاراته الملكية في معبد (الإيساجيل) في بابل ويسحب من أذنيه حتى يركع أمام الإله ويؤدي صلاة الغفران، و يتم حرق الدمى التي صنعت وخلال اليوم الثالث تجري معركة وهمية ويثار الضجيج في المدينة، ويستمر ذلك حتى وصول الإله نابو في قوارب برفقة مساعديه من الآلهة الشجعان القادمين من نيبور وأوروك وكيش وأريدو مدن بابل القديمة والآلهة المرافقة للإله( نابو) ومرافقته تحمل على قوارب خصصت لتلك المناسبة وهكذا تسير الناس خلف تمثال الإله (نابو) ويدخل معبد (بيت) الإله (مردوخ) ويرددون قائلين: ((هو ذا القادممن بعيد ليعيد المجد لأبينا الأسير..)) . حيث يشهد اليوم السادس بداية الطقوس الخاصة بالإله( نابو) حيث يتم دخوله معبد أي - ساكيلا بطقس ديني معين وكان من بين مراسيم اليوم السادس تقديم الملابس الجديدة الى الإله والخاصة بالاحتفال وهي عبارة عن جلباب مصنوع من كتان وغالبا ما يكون أبيض اللون, وكذلك يرتدي كل من الملك والكهنة ملابس جديدة بهذه المناسبة . أمّا في اليوم السابع فيقوم (نابو) بتحرير (مردوخ)، بعد أن يكسر البوابة الكبيرة التي أغلقتها الإلهة (تيامات). تمثل دراما محزنة لموت الإله (مردوخ) وصعوده إلى السماء وتسود الفوضى المدينة حيث تجري عربة هائجة في شوارع بابل وتخربها بسبب غياب (مردوخ) وينصب ملك مزيف للحكم في هذا اليوم، حيث يقوم الإله (نابو) بطقس ديني يتمثل بتخليص الإله (مردوخ) من أسره في العالم الأسفل وهذا الطقس يعتبر جزءا أساسيا في طقوس السنة الجديدة . وفي اليوم الثامن تجمع تماثيل الآلهة في قاعة الأقدار، وفي هذا اليوم تنضم كل الآلهة للإله (مردوخ)، حيث يعود (مردوخ) إلى الحياة وتنتظم بعودته الأشياء وتجتمع الآلهة في مخدع المصائر ويقررون مصائر البشر للسنة الجديدة، وتعاد شارات الملك إلى الملك الحقيقي ويسير الكهنة في موكب نحو بيت (الأكيتو) خارج المدينة ليمكثوا ثلاثة أيام لتمثيل دراما رمزية للخليفة وفي مساء بعد تحرير (مردوخ) من العالم الأسفل تجري مراسيم جلب تماثيل الآلهة الى معبد الإله (مردوخ) حيث يتم فيه اجتماع الآلهة إذ يقوم الملك هنا بوظيفة رئيس الحجاب في هذه المراسيم وهو يحمل صولجانه ثم تقوم الآلهة بتقديم التبريكات الى (مردوخ) . أما في اليوم التاسع فيتم التحرك بموكب النصر إلى بيت (أكيتو) حيث يحتفل بانتصار (مردوخ) على (تيامات) آلهة الماء السفلى ورمزها التنين، وقد كان بيت (أكيتو) لدى الآشوريين يسمى بيت الصلاة في اللغة الأشورية القديمة، وكان ذلك البيت خارج المدينة بحوالي 200 متر تقريبا، حيث الأشجار الرائعة والتي تسقى بعناية احتراماً للإله، والذي يعد واهبا للحياة في الطبيعة، وكان موكب النصر طريقة للسكان في التعبير عن الفرح بتدمير قوى الشر التي كادت تتحكم بالحياة. أما مراسيم هذا اليوم فتتعلق بإكمال الاستعدادات الخاصة لإعداد الموكب الذي يبدأ في اليوم العاشر من نيسان وعند الوصول إلى بيت (أكيتو) يبدأ الإله (مردوخ) بالاحتفال مع آلهة العالمين العلوي والسفلى، حيث توضع تماثيل الآلهة حول طاولة كبيرة، ومن ثم يعود (مردوخ) إلى المدينة ليلا للاحتفال بزواجه من الإلهة ((عشتار)) وهم (دموزي) و (إنانا )عند السومريين، ويتم ذلك من خلال تمثيل الملك للإله (مردوخ) ، وتمثيل أعلى كاهنة في معبد (مردوخ) للإلهة عشتار، وهذا الحب هو ما سيولد الحياة في الربيع. حيث يبدأ الموكب المقدس المنطلق من أي - ساكيلا ويقوم الملك بأخذ يد الإله (مردوخ) وهو طقس ديني مهم إذ إنها تعبر عن الدور الذي تمنحه الآلهة لقوة الملك في الحكم, وعند وصول الموكب الى بيت (آكيتو) تقدم الصلوات والقرابين للآلهة وتكون بصورة رمزية من خلال سكب الماء على يد الآلهة ومن الطقوس الطريفة التي تجري أيضا هي إعادة تمثيل قصة الخليقة بشكل رمزي لاستذكار انتصار( قوى الخير) على ( قوى الشر ) كما جاء في قصة الخليقة. وفي مساء اليوم الحادي عشر حيث يعود الكهنة إلى المدينة ويدخلون المعبد ويقضي الإله مردوخ ممثلاً بالملك ليلة مع الكاهنة العليا في معبد الإله . وحيث في اليوم ، تعود برفقة سيدها (مردوخ) للاجتماع في قاعة الأقدار، حيث التقوا في اليوم الثامن، وهنا يتقرر مصير المؤمنين بـ(مردوخ)، وهو أن يحظى ذلك الشعب بالسعادة، وذلك لأنّ سعادة الآلهة في السماء لا تكتمل إلا بسعادة البشر على الأرض، ولذلك تعطى السعادة للبشر شرط أن يقدموا خدماتهم للآلهة، وبعدها يعود (مردوخ ) للسماء مرة أخرى. وبعد أن تكون الطقوس الخاصة بـ(الأكيتو) قد تمت في المكان المخصص لها يعود الموكب مساء على أضواء المشاعل وعند وصول الموكب الى معبد أي - ساكيلا يجتمع الآلهة مرة ثانية كما حدث في اليوم الثامن ومن ثم ينتهي الاحتفال . أما اليوم الثاني عشر وهو اليوم الأخير من (الأكيتو) تعود الآلهة إلى معبد مردوخ (تعود التماثيل) وتعود الحياة اليومية إلى( بابل ) و (نينوى) وبقية المدن الآشورية، ويبدأ الناس بالحرث والتحضير لدورة أخرى من الفصول، فهو يوم يخصص لعودة الآلهة ممثلة بتماثيلها الى مدنها بدءاً بـ(نابو) الذي يعود الى بورسيبا وبهذا تكون طقوس عيد (الآكيتو) قد أنجزت بمشاركة الآلهة والملك وسكان المدينة , ولهذا فإن (الآكيتو) هو احتفال ديني وشعبي تطور من احتفال فصلي إلى طقس أكثر أهمية من الناحية الاجتماعية والدينية في التقويم الديني لبلاد الرافدين.. )) . ان احتفال الأشوريين بعيد (اكيدوا) يأتي أهمية بإضافة كونه المحافظة على التراث وإحيائها فانه يحمله دلالات دينية و فلسفية و علمية، بما ينطوي عليه من قيم إنسانية ودلالات حضارية وبما له من خصوصية تاريخية واجتماعية، فهو يمثل في تاريخ الأشورية القديم والمعاصر عيدا قوميا، يحتفل به الشعب الآشوري في العراق والعالم بين أحضان الطبيعة بعيدا عن معابد الأوثان، ليجعل من هذا الاحتفال مناسبةً قومية ووطنية حقيقية، يؤكد من خلالها اعتزاز الأشوريين بانتماء تاريخهم إلى عمق التاريخ في وادي الرافدين ( العراق ) وإنهم هم الأبناء الأصليين و الأصلاء لهذا الوطن .
#فواد_الكنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المنطقة الخضراء ستفجر ثورة المتظاهرين في بغداد
-
المرأة الأشورية ودورها في النضال .. نماذج من هذا العصر
-
أهمية السينما في المجتمع
-
المرأة والتطرف الديني في العالم العربي، ولا سبيل لحريتها الا
...
-
تحت المطر .. انا والمطر
-
سنوات ومسافات
-
مستقبل العرب في الشرق الأوسط واشتراكية جمال عبد الناصر نموذج
...
-
خطأ في عنوان القلب
-
هل استيقظ وعي الغرب بقضية اضطهاد مسيحيي الشرق ...؟
-
التحرش .. وجنوح الشباب .. وأزمة الأخلاق في المجتمع
-
لا لتكميم الأفواه .. الحرية لفاطمة ناعوت
-
ستبقى رؤوسنا فوق مشانقكم حتى تسقط رؤوسكم تحت أقدامنا
-
العراق معادلة لا يقبل التقسيم
-
داعش وملف أسرى أشوريي سوريا وجهود كنيسة المشرق الأشورية لإنق
...
-
حر التفكير كالعصفور والبحر
-
سنقرع أجراسنا في هذا الشرق
-
استهدف مسيحيي سوريا ليلة العام الجديد
-
وقفة لاستقبال العام الجديد
-
الإرادة العراقية لتحرير الانبار وباقي المدن من الإرهاب
-
ليواجه العراق العدوان التركي بقطع وتحويل مسار النفط إلى سوري
...
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|