|
وردةٌ من دخان(مجموعة قصائد جديدة)
نمر سعدي
الحوار المتمدن-العدد: 5117 - 2016 / 3 / 29 - 20:57
المحور:
الادب والفن
وردةٌ من دخان
(مجموعة قصائد جديدة)
نمر سعدي/ فلسطين
غُصَّة
لي أخوةٌ في شمالِ القلبِ.. جنَّتُهم مفقودةٌ.. سقطوا من أجلها صرعى يستنبتونُ من النارنجِ غصَّتهم ويشربونَ من الفَسقيَّةِ الدَمعا يستحلبونَ وصايا صخرةٍ هَزلتْ كانت بسفرِ المراثي مرَّةً ضرعا قالَ المسيحُ: سماواتٌ ستحضنهم وتنحني بحنانٍ تُطعمُ الجوعى هل يسألُ الطفلُ فيكم أمَّهُ سمَكاً يوماً.. فتعطيهِ من أسطورةٍ أفعى؟ *
شجَرُ الظلام
لكِ موجتانِ صغيرتانِ وشعلتانِ امتدَّتْ الصحراءُ دونهما ولي جسدٌ يحنُّ لضلعهِ ولما اشتهتْ تفَّاحةُ الفردوسِ منكِ.. كأنهُ بذئابهِ يعدو أمامي كوني لهُ بريَّةً أولى ليسعى فيكِ أو ليُعيدَ ماءَكِ للينابيعِ القصيَّةِ واشتهاءَكِ للظلالِ وموجتيكِ إلى مصبِّ دمي وصوتَكِ للمَحارةِ والأنينِ وشُعلتيكِ إلى الضرامِ سيجيءُ بعدَكِ شاعرٌ يسقي خطاكِ كأنهُ يسقي النباتاتِ الصغيرةَ والزهورَ على النوافذِ شاعرٌ لنْ يقصصْ الرؤيا على أحدٍ سوى شجَرِ الظلامِ *
رسالة
مُذ كنتُ أفسدَني جمالُكِ فانجرَرْتُ وراءَ قلبي وانحدَرتُ من الفراديسِ المضاءةِ بالجمانِ وهِمتُ في وادٍ بغيرِ بصيرةٍ أو نمتُ كالضلِّيلِ يوماً فوقَ دربِ الرومِ أو أُدرجتُ في الصندوقِ لمْ أتركْ سوى شبحِ القصيدةِ في قرارِ البئرِ وانسلَّتْ يدا قلبي هناكَ من التماعاتِ السيوفِ ومن دبيبِ الجندِ.. وانهمرتْ خطايَ على النوافذِ والبيوتِ لكيْ تفكَّ وحيدةٌ ما حولَ أقدامِ الحمامِ رسالةَ امرأةٍ لشاعرها الغريبِ: عليَّ نذرٌ يا حبيبي إذا استعدتُ غداً لغاتي الأمَّ من كحلِ البنفسجِ أو بياضِ الياسمينةِ وانتهتْ مثلَ الكوابيسِ المريعةِ هذهِ الحربُ اللقيطةُ لن أراكَ ولن تراني ربَّما أُلقي قصائدَكَ الكثيرةَ في وُجاقِ النارِ أو أبكي وأرقصُ في رواياتِ الحروبِ كأيِّ عاشقةٍ.. وأطعمُ ألفَ عصفورٍ بقلبينا فتاتَ الماءِ والخبزِ الأخيرِ *
وحَمُ القلب
أُحدِّقُ في بؤبؤِ العينِ أو في يدي مثلَ عرَّافةٍ فأرى وجهَها أحدِّقُ في خرزِ الليلِ أو في نجومِ النهارِ وفي وَحمِ القلبِ أو سدرةِ المنتهى أُحدِّقُ في الشِعرِ أو في فواتيرِ هذي الحياةِ وفي قلقي الهشِّ من كلِّ شيءٍ وفي أوجهِ الناسِ أو في سرابِ المها أُحدِّقُ في النقدِ حينَ يقولُ: أما آنَ أن تتحرَّرَ منها.. أما آنَ أن... سوفَ تهرمُ كلُّ المرايا وتصدأُ كلُّ القلوبِ وأنتَ تحدِّقُ في كلِّ شيءٍ تلمِّعهُ بنحيبِ الندى فترى وجهَها *
عطرٌ سماويٌّ
لا بدَّ من ماءٍ لآخرِ نجمةٍ نبتتْ كزهرِ الملحِ في ندَمِ الثرى لا بدَّ من عطرٍ سماويٍّ لكي يرمي على وجهي القميصَ لكي أرى لا بدَّ من نثرٍ تربَّى في يدٍ كحفيفِ أغنيةٍ وعاشَ على السُرى لا بدَّ للعنقاءِ في عينيَّ أن تخضرَّ ثانيةً وتُشعلَ مرمرا لا بُدَّ من صلصالِ (وردٍ) صُبَّ في كأسٍ ل (ديكِ الجنِّ) حتى يسكرا لا بدَّ للضلِّيلِ أن يبكي على من كانَ ضيَّعهُ.. ويلحقَ قيصرا *
مطرٌ خصوصيٌّ
ثمَّةَ مطرٌ خصوصيٌّ في قلبي لا يشبهُ هذا المطرَ وقصةٌ لن تُروى إلاَّ على ضوءِ دمعةٍ من رخامٍ ثمَّةَ شاعرٌ ينظرُ في صندوقِ قلبهِ فلا يرى سوى وردةٍ من دخانٍ ثمَّةَ عاشقانِ يجلسانِ في مقهى على البحرِ ولا يتبادلانِ سوى الابتساماتِ الغامضةِ ثمَّةَ بحرٌ يهدرُ في صورةٍ على الجدارِ لا يعرفُ كيفَ يخرجُ منها *
اشتهاءاتٌ ناحلةٌ
لو تأمَّلتَ دمعَ الغيومِ الخفيفَ لعشرِ دقائقَ قبلَ الخروجِ من البيتِ كنتَ وجدتَ القصيدةَ أو أختَها صُدفةً في الطريقِ.. فراءُ الثلوجِ على كتفيها وضحكتُها في الحقولِ وفي قلبكَ الجمرةُ الناصلةْ لو لمستَ فراشةَ هذا النهارِ لفاضَ الصدى من يدِ امرأةٍ ولضاقتْ بنفسجةٌ في سياجِ القرى باشتهاءاتها الناحلةْ *
تأنيثٌ
أقولُ لناقدِ الايقاعِ: خمسُ نوارسٍ أو خمسةٌ عندي سواءٌ.. إنَّ حارسةَ السنابلِ والندى أنثى فأنِّثْ ما تشاءُ البحرَ قوسَ الليلِ لبلابَ البحيرةِ كاحلَ الوردِ أقولُ لمن تقولُ: أكتبْ قصائدكَ القصيرةَ فيَّ... كيفَ بمعزلٍ عن كلِّ ما في القلبِ منكِ قصيدةً لقصيدةٍ أُهدي؟ *
قصيدةُ الشتاء
يقولُ الشتاءُ لسيِّدةِ الأربعينَ وشاعرِها: ناولا حبَّةَ القمحِ عصفورةً جائعةْ واقطفا كرزَ الحُبِّ من جنَّتي واحملا سلَّةَ الليلكِ الأنثويِّ وطوفا على الأرضِ.. لُمَّا غبارَ السنينِ بعينيكما واتركا في العظامِ مساميرَ بردِ الصباحِ وقولا: نحبُّ الشتاءَ ونكرهُ بردَ كوانينهِ فيهِ نكتبُ أحلى القصائدِ عن ولَدٍ سوفَ يأتي لنا ذاتَ يومٍ وعن خدَرِ القطِّ وقتَ الضحى عن نداءِ الدماءِ الذي يشبهُ الزمهريرَ وعن لعنةِ الاشتهاءْ *
غبارُ الحبق
هل التنصُّلُ من خطوي ومن خطأي يكفي لأنسى؟ وهل لو فيكِ من حَبَقي شيءٌ.. يطيرُ دمي مثلَ الغبارِ..؟ وهل لو صخرةٌ بفمي تصيرُ وردةُ هذا القلبِ منفضةً لما يخطُّ النهاريُّونَ في الحدَقِ؟ كم شاعرٍ جاءَ من قبلي.. كم امرأةٍ يمشي بها القمرُ المجنونُ للغرقِ تنسلُّ من وشمها كي تقتفي أثَري فراشةٌ.. في غيومِ التبغِ والعبَقِ؟ *
مادونا
في يفاعتي كنتُ أعلِّقُ صورةً لمادونا على بابِ خزانةِ ملابسي.. امرأةٌ تشعُّ على كواكبَ قلبي الليليِّةِ.. يجلِّلها حزنٌ ناصعٌ وجمالٌ ورديٌّ وأشياءُ أخرى.. كانَ ثمَّة رجلٌ بلحيةٍ شقراءَ يستندُ إلى يدها وتحتَ الصورةِ قلبٌ أحمرُ بسهمٍ أبيضَ على طرفٍ منهُ حرفُ الألفِ.. كنتُ قبلَ الذهابِ إلى المدرسةِ أنظرُ إلى الصورةِ الأيقونةِ بولهٍ طفوليٍّ.. وتحديداً إلى عينَيْ فاتنتي ذاتِ السحرِ الغامضِ.. كانتْ صورةُ مادونا هذه تسكنُ عينيَّ وتربِّي قلقي وحزني على مهلها.. مثلَ نبتةِ ياسمين على نافذةٍ دمشقيَّةٍ. قبلَ مغادتي لبيت عائلتي بقليلٍ اختفتْ بشكلٍ مفاجئ هذه الصورةُ التي هيَ في نظري أجملُ صوَرِ هذهِ المرأةِ الغامضةِ على الاطلاق. واستمرَّتْ على اختفائها بتربيةِ القصيدةِ في القلبِ. آهٍ.. مادونا.. مادونا.. يا سيِّدةَ الحنين. *
ظلُّ أركاديا
إبتعدْ لأراكَ وأشتاقَ لكْ وانطفئْ لتشعَّ على ساحلي واقتربْ من نهاري الوحيدِ لأصبحَ ظلَّاً لأركاديا في الجدارِ أو امرأةً في المجازِ المفخَّخِ أو شجَرَاً فائضاً عن يدَيكَ كما فاضَ عن جسدي قمرٌ بابليٌّ وعنكَ الفلَكْ *
صدى نفسي
كالماءِ كنْ كالماءِ لستُ بشاعرٍ يهذي ولكن هكذا شخصٌ يقولُ لآخرٍ في الفيلمِ: كنْ كالماءِ يا هذا أخفَّ من النسيمِ ومن حبيباتِ الهواءِ.. لعلَّهُ بوذا أو بروسلي... أقولُ لطائرٍ قربي: أنا لا شيءَ يعنيني سوى حَدْسي.. كالماءِ كنْ كالماءِ يا جسدَ العبارةِ كنْ أنينَ قصيدتي الحسِّي لأكونَ صوتَكِ في المحَارةِ أو صدى نفسي *
قصيدةٌ مشغولةٌ
القصيدةُ في شُغُلٍ عنكَ إمَّا تنامُ الضحى كلَّهُ وإمَّا تقومُ مبكِّرةً لحقولِ الندى كيْ تشرِّعَ شبَّاكَ غرفتها وتلوِّحَ للطيرِ أو لتناولَها القمحَ من فمها أو لتسقي الزهورَ الصغيرةَ في أُصصِ النافذةْ وتمشي على ساحلِ البحرِ أو تعتني بالحديقةِ أو بالبحيرةِ أو لتعدَّ الفطورَ لأولادها أو تثرثرَ مع جارتيها عن المشهدِ العاطفيِّ المثيرِ وعن رغبةٍ مثلَ نقرِ الفراشةِ أو مثلَ لذعتها الجارحةْ أو تفكِّرَ في عاشقٍ لن يعودَ فتشربَ قهوتَها وحدَها في الزمانِ المطلِّ على عمرِها كلِّهِ والمكانِ المُطلِّ على مشهدِ البارحةْ * لا ماءَ في الوقت
لا شيءَ أكتبُهُ هذا المساءَ ولا خصرٌ لأُسندَ ديواني عليهِ غدا لا ماءَ في الوقتِ لا وردٌ على قمَرٍ قطفتُ لامرأةٍ حتى تمُدَّ يدا لنا اصطفاقُ الأيادي خلفَ واجهةٍ من الزجاجِ.. بنا جرحانِ واتَّحدا لنا حزيرانُ.. نجماتُ البحارِ لنا والأغنياتُ.. أنا صوتٌ لها وصدى نزعتُ أنهارَ هذي الأرضِ عن جسدي يومَ ارتدتْ مثلَ خلخالينِ لي برَدى *
حُب
تلتقطُ الحَبَّ عصفورةٌ من يدي مثلما التقطتْ كاميرا صورتي بغتةً لأرى رجلاً قلقاً لستُ أعرفهُ وامرأةْ ينظرانِ بحزنٍ عميقٍ إلى لوحةٍ في الجدارِ يقولانِ من غيرِ أن ينبسا: يا لهذا المساءِ الذي نحنُ فيهِ قطارانِ من دونما وُجهةٍ وصدى غامضٌ لنداءِ الشرايينِ... يا حبُّ.. يا سرَّ شهوتنا المطفأةْ يا صليباً يسمِّرنا عندَ مفترقِ الزمهريرِ ويا قبرَنا المشترَكْ إنَّ نصفَ غواياتنا من ترابٍ ونصفَ تآويلنا من سرابٍ وأسماكَنا بينَ بحرٍ بعيدِ وبينَ الشرَكْ هاتِ ماءً لوردةِ نوستالجيا في أصابعنا ثمَّ خُذ دفترَ الشِعرِ للمدفأةْ *
شُرود
في مكانٍ بعيدٍ وفي غرفةٍ باردةْ تعتني بتفاصيلِ زينتها بالكتابةِ أو بالبيانو القديمِ.. بفستانها الأزرقِ اللونِ بالأكاليبتوسِ أو بزهورِ الزجاجِ بيأسِ شوبنهاورٍ وبأشعارِ هايني وبالذكرياتِ بألبومها وهيَ ناحلةٌ كالفراشةِ في شهرِ نيسانَ بالزعفرانِ المجفَّفِ فوقَ الرسالةِ والوجعِ الافتراضيِّ.. كلَّ مساءٍ تلوِّحُ من خلفِ شُبَّاكها لملاكٍ صغيرٍ وتبكي ليحملَها كالنسيمِ إلى بيتها زورقٌ من حبَقْ منذُ خمسِ سنينَ تحاولُ تفسيرَ أحزانها بالكتابةِ والرسمِ لكن بلا فائدةْ فتغسلُ أحداقها بالحنينِ وتشعلُ في قلبها المتوهجِّ ليلَ النفَقْ منذُ خمسِ سنينَ تربِّي عصافيرَ غربتها امرأةٌ شاردةْ *
فم
فمُكِ الأرقُّ من القصائدِ كلِّها ومن انبلاجِ الماءِ في الماوردِ والأحلى من النثرِ الحزينِ أو المدوَّرِ والأشفُّ من الأنينِ ومن زهورِ الشايِ والليمونِ والأعلى سماءً في مدارِ القلبِ والمنحوتُ من ماءِ النحيبِ الصلبِ والمقدودُ من وترِ الغوايةْ من أيِّ بحرٍ جاءَ كالعصفورِ لي يا نونُ؟ بل من أيِّ فردوسٍ جنتهُ يدايَ عن شجرِ الأنوثةِ كي يعيدَ الى مصبِّ النهرِ روحي مثلما أسرتْ بمعشوقٍ وشايةْ؟ *
باب شرقي*
سندريللا التي عبرَتْ بابَ قلبي بغيرِ حذاءْ أقصدُ امرأةً في الثلاثينَ من عمرها عبرَتْ بابَ شرقي وجرَّتْ وراءَ فراشاتها كوكباً حافياً كالغزالِ وعشرينَ بحراً وسبعَ عواصفَ.. أقصدُ سيِّدةً أنجبتْ وردتينِ على حدةٍ كلَّما مسَّتْ الماءَ أصبحَ خمراً وإن مسَّتْ الآثماتِ توضَّأنَ بالملحِ من دمعهنَّ وصلَّينَ فيها صلاةَ العشاءْ أقصدُ امرأةً عبرَتْ بابَ شرقي إلى ما تشاءْ
باب شرقي هو أحدُ أبوابِ مدينةِ دمشق القديمة ويُطلقُ اسمُهُ على أحدِ أشهرِ أحيائها التاريخيَّةِ العريقة. *
هذيان
كلَّما قالَ لها: أحبُّكِ.. تقول لهُ: كيفَ تحبُّني يا رجل..؟ والأخرياتُ ما هو محلهنَّ من الإعرابِ؟ يقولُ لها: كلُّ امرأةٍ سواكِ مجرورةٌ وأنتِ مضمومةٌ هذا الرجلُ يهذي مثلَ نرفال وكلابُ كافكا تركضُ خلفهُ والعواصفُ تسكنُ رأسهُ *
زعرنةٌ شعريَّةٌ
كانَ الروائيُّ الفرنسيُّ مارسيل بروست يهتمُّ بالتفاصيلِ الدقيقةِ جداً وبالجزئيات الصغيرةِ وهو في غمرةِ كتابةِ روايته الخالدةِ (البحث عن الزمن الضائع) حتى أنَّ بعضَ نقَّادِ الأدبِ الغربييِّنَ قالَ ما معناهُ أن بروستْ يستطيعُ أن يكتبَ صفحاتٍ كاملةً في وصفِ غرفةٍ أو حتى في وصفِ جزءٍ منها.. كذلكَ يستطيعُ الشاعرُ( ليسَ أي شاعرٍ طبعاً) أن يحدِّث امرأةً لساعاتٍ عن (تبويزتها المتعمَّدةِ في صورةِ سيلفي) أو عن (صفنتها في أمسيَّةٍ شعريَّةٍ).. أو عن (طريقتها العفويَّةِ في وضعِ يدِها على فمها) بحماسٍ غريبٍ ومن دونِ أيَّ مَللٍ أو شعورٍ بالعبثِ.. هل هذا ما نُسمِّيهِ في أدبيَّاتنا زعرنةً شعريَّةً..؟! *
سيدوري
أُلملمُ ما تساقطَ منكِ فيَّ من القصائدِ والحصى المهتاجِ غربَ دمي وشرقَ ربيعكِ المحكي وأذهبُ في سرابكِ عبرَ بوَّاباتِ سيدوري وقلبي مثلُ أجراسِ البنفسجِ يجمعُ النمشَ المُنوِّرَ أو دموعَ يمامةٍ سوداءَ لا مرئيَّةٍ تبكي وراءَ نحيبِ شَعرِكِ في يديَّ.. تفتِّحُ النارُ زنابقَ مقلتيكِ على عيوني.. يا صدى صوتي ويا وجعاً يضيءُ الدربَ في رؤيايَ أو قمرَ العبارةِ في القميصِ الأخضرِ الزيتي وحولَ فمٍ يرمِّمُ لوعةَ الليمونِ أو أسطورةِ الجوري وأغنيةً تقولُ: خذي سنابلَ سهلِ قلبي كي نشيخَ معا وهاتي أرضَ روحِكِ كي يكونَ البحرُ مُتَّسعا لأسرابِ الطيورِ وللبنفسجةِ الفقيرةِ... آهِ سيدوري عبيرُ سجائرِ الغلوازِ بي في الأرضِ دوَّارُ على نمشِ الندى المبتلِّ بالنيرانِ والنورِ (رأيتُ شبيهةً لكِ شَعرُها ظُلَمٌ وأنهارُ وعيناها كينبوعينِ في غابٍ من الحورِ)
الشطران الأخيران للسيَّاب * غموضُ آذار
في النصفِ الأوَّلِ من آذارَ تدبُّ الروحُ الحلوةُ في كلِّ الأشياءِ وينبتُ لي قلبٌ آخرُ يتململُ في القفصِ الصدريِّ يحرِّضني أن أتركَ عملي اليوميَّ لكيْ أتسكَّعَ مثلَ السائحِ قربَ حدائقَ تغسلُها الشمسُ العُريانةُ أو قربَ البحرِ المتمدِّدِ كالعاشقِ في لوحاتِ رباعيَّاتِ الخيَّامِ وأن أغلقَ هاتفيَ الجوَّالَ لساعاتٍ من أجلِ التفكيرِ بسرِّ غموضِ امرأةٍ واحدةٍ لم ترَها عيني أبداً لكن كالطيفِ اللامرئيِّ يراها غيري تجلسُ في الركنِ الضوئيِّ من الأشعارِ وأن أذهبَ في إثرِ إمرأةٍ أخرى لا أعرفُها تتوهَّجُ في قلبي المائيِّ وفي عينيَّ كنوَّارِ اللوزِ الثلجيِّ وفي شفتيَّ كعطرِ النارْ جسدي كعصافيرٍ جوعى تبحثُ عن بيدرَ قمحٍ أو عن أثَرِ الوردةِ في الصخرةِ أو في كاحلِ عشتارْ يركضُ قمرُ نباحِ كلابكِ خلفي يا دافني* فلنتحوَّلْ ملحاً أو فلندخُلْ في أشجارِ الغارْ بحسب الميثولوجيا الإغريقية القديمة، هي إحدى حوريات المياه العذبة، عشق أبولو دافني وكان يطاردها باستمرار، بينما كانت تعزف عنه وتبحث عن شتى الوسائل للهرب منه، في النهاية، توسَّلت دافني للآلهة كي تخرجها من المأزق الذي كانت توجد فيه، فحوَّلتها غايا إلى شجرة غار. *
من أجلِ تفَّاحتين
أنتِ زهرةُ قلبي وقلبي إناءٌ من الوجدِ أو ساعةٌ شبهُ رمليَّةٍ تدورُ عقاربها للوراءْ أنتِ دمعةُ قلبي التي تقطرُ الآنَ خلفَ القصيدةِ أو ما وراءَ حدودِ البكاءْ وقلبي إناءٌ إناءٌ إناءْ * تنقصني لغةٌ كيْ أقولَكِ ينقصني ألفُ فمْ لأشربَ صلصالَكِ العذبَ أو لأقبِّلَ ثغرَ الألمْ * خذي شغفَ الشِعرِ من جسدي وانظري ما سيبقى إذنْ من شعوري الذي فاضَ عن حاجتهْ * يشطرُ النايُ روحيَ كالبرتقالةِ أو مثلما قد شطرتِ القمرْ ما الذي سوفَ يبقى من الأغنياتِ سوى ما يقولُ الهواءُ لأرواحِ من عبروا متعبينَ ولاذوا مليَّاً بصمتِ الشجَرْ؟ * الغزالةُ توجعني لا لأنَّ الغزالةَ أجملُ من رسمةٍ ماكرةْ بل لأني بلا أيِّ شوقٍ ولا شاغلٍ كلَّما حمحمتْ فرسٌ في المعلَّقةِ الجاهليَّةِ أو في كتابِ الغيابْ كنتُ حوذيَّها وتفقَّدتُ نقشَ الحبيبةِ في أسفلِ الخاصرةْ * كيفَ ضلَّلتني مرَّتينْ وماذا فعلتُ بنفسيَ من أجلِ تفَّاحتينْ؟ * كانَ طيفُكِ ضيفي وكانَ نزيلَ احتراقي الجميلْ وكنتُ أنا غائباً عن مداركِ حسِّي وصوفيَّ نفسي وتعويذتي لعنةُ المستحيلْ *
ثلاثُ أغنياتٍ لبنفسجِ الطريق
أرمي بقطعةِ نردٍ كلَّما عبرَتْ قربي مهاةٌ كخطفِ البرقِ أو أمضي إلى فراغٍ حياديٍّ يسيِّجهُ ملحُ البنفسجِ عن نفسي فلا أُفضي إلى تنهِّدِ قنديلينِ في يدِها ولا أفكِّر في ما قالَ زوجُ حمامٍ في الطفولةِ لي لكنني حينَ جاءَ الصبحُ قريتَها تركتُ قلبي ورائي.. فهو لا يُغضي * عن ظهرِ قلبٍ حفظتِ الحربَ.. لم تثقي إلا بذائقةِ النارنجِ والحبقِ وكنتِ في الضفَّةِ الأخرى تلوِّحُ لي نوارسُ اشتعلتْ أو بلَّلتْ مطرا على قميصكِ.. هل للجسمِ بوصلةٌ تشيرُ نحوكِ في وقتَ الضحى لأرى ظلِّي يمرُّ وحيداً في القصيدةِ..؟ هل أصابني سهمُ هكتورٍ وأضواني يباسُ قلبكِ..؟ أم حينَ انتبهتُ إلى رذاذِ آذارَ في ثوبِ الظهيرةِ لمْ يتركْ لسربِ قلوبٍ في الثرى أثرا؟ ما تابَ قلبي.. ولم تعرفْ دماؤكِ أن تنسلَّ من إثمِ أشعاري وتنساني * هل قلتُ إنَّكِ طولَ العمرِ عاشقةٌ بقلبِ ثكلى.. وإنَّ بنفسَجَ العسَلِ يغارُ منكِ ومن عينيكِ؟ لا فأنا أهذي طويلاً ولكن عنكِ لم أقلِ أمُرُّ مثلَ بكاءِ الريحِ محترقاً وأشربُ القمَرَ الكابي من الألمِ لعلَّ شهراً ونهراً فيكِ يجتمعا عليَّ وحديَ في هذا الربيعِ معا ماذا فعلتُ أنا كيْ يستجيبَ دمي لوجهكِ الناعمِ المغسولِ بالندَمِ؟ ماذا فعلتُ لكيْ أنسى وأحملَ من فردوسِ آدمَ ضلعي طافحاً وجَعا؟ *
صعلوك
الصعلوكُ ليسَ هو من خلا وفاضهُ من المالِ والحبِّ والسعادةِ الصعلوكُ الحديثُ لديهِ بيتٌ وعائلةٌ وأصدقاءٌ طيِّبونَ جدَّاً ونباتاتٌ منزليَّةٌ يعتني بها كما يعتني بقطتهِ المدلَّلةِ كلَّ صباحٍ وتقريباً لا ينقصهُ أيُّ شيءٍ من متاعٍ الصعلوك كائنٌ غامضٌ مثلُ نهاياتِ القصائدِ وأحياناً هو حزينٌ بلا سببٍ كطعمِ القهوةِ كالأنهارِ التي لا تعرفُ إلى أيِّ المصبَّاتِ تجري جسدُهُ شبيهٌ بالغيمةِ الحجريَّةِ الجالسةِ للتفكيرِ على رأسِ جبلٍ عالٍ عاشقٌ يحيا بدغدغةِ فراشاتٍ في قلبهِ وكلَّما سألَ طبيبَهُ عن السببِ إنشغلَ بسيجارةِ (كِنتْ) أخرى وبتأمُّلِ البحرِ عبرَ النافذةِ الصعلوكُ لا تنقصهُ النهاياتُ ولا المطالعُ فقط تنقصهُ القصائدُ نفسُها *
أحتاجُ مصيَدةً
قالَ طفلٌ: أريدُ سماءً إضافيَّةً كي أطيرَ إلى نجمةٍ من ورقْ قالَ آخرُ: أحتاجُ مصيَدةً لعصافيرِ هذا الربيعِ لأنصبَها تحتَ قلبي قالَ بحرٌ بعيدٌ: أريدُ التنزَّهَ خارجَ هذا المكانِ على ساحلِ البحرِ أو في كتابِ الحبقْ قالَ شخصٌ غريبٌ: أريدُ الرجوعَ إلى البيتِ أو قمراً مكتملْ ويدينِ اثنتينِ لأجمعَ ما قد تطايرَ من رغبتي في الأزقَّةِ مثلَ الغبارِ.. وكيْ أتحسَّسَ زوجَيْ حجَلْ قالتْ امرأةٌ: هاتِ لي عنباً في الربيعِ وكُن لي ممَّراً لأعبرَ ضفَّةَ قلبي إلى ما أريدْ شاعرٌ قالَ: ينقصني في حياتي صليبٌ مُريحٌ لأغفو عليهِ وأحلمَ... قالتْ قصيدتُهُ: لا تدعني أكرِّرُ نفسي لأشباحِ هذا الفراغِ وخذني لأقربَ مقهى يُطلُّ على اللازوردِ البعيدْ * قلقٌ أبيض
تنسلِّينَ بخفَّةِ المها من بينِ أصابعي وكالماءِ من شقوقِ قلبي تتركينَ الفراشةَ تخبطُ في العقلِ والطائرَ الطنَّانَ يضربُ بأجنحتهِ وجهَ البحيرةِ الصغيرةِ في مكانٍ ما من الجسدِ لأني نسيتُ أن أسألكِ وأنتِ تمدِّينَ يدَكِ إلى جهةِ الفراغِ بانكسارِ أميرةٍ فينيقيَّةٍ: هل كنتِ تريدينَ الإمساكَ بطرفِ الستارةِ؟ أم بطرفِ القصيدةِ؟ أم بجناحِ غيمةٍ طارتْ للتوِّ من عينيَّ؟ كلَّ مساءٍ ألقي بظلِّي على طحلبِ البحرِ وأرجعُ بخفَّيْ حنيني كلَّ مساءٍ أشتهي ما ليسَ لي وأرجعُ بقلقي الأبيضِ كرملِ المحيطِ من قصائدكِ الكثيرةِ *
#نمر_سعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرايا نثرية 3
-
سبايا الملح/ مجموعة قصائد جديدة
-
بورتريهاتٌ ليليَّة بفحمٍ أبيض
-
قلبُهُ طائرٌ للحنين(في رثاء جهاد هديب)
-
نقوشٌ على حجرِ الورد
-
الكتابة غواية محفوفة بالمكر
-
إيماءاتُ خريفِ المعنى
-
سِفرُ المراثي
-
تقاسيم على غيتارة الحنين
-
إيقاعات 1
-
مرايا نثرية 1
-
مرايا نثرية 2
-
تقاسيم على نايٍ أندلسي وقصيدةٌ إلى خليل حاوي
-
فيسبوكيات
-
قصيدة بثلاث لغات
-
أغاني تروبادور مجهول
-
تحديقٌ بمرايا الذاكرة
-
أجنحةُ الشاعر ومقصُّ الرقابة
-
عن الأبنودي والفيتوري.. وقسوةِ نيسان
-
أشعارٌ محكومةٌ بالشغف/ مجموعة قصائد جديدة
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|