أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إسماعيل أيت بادو - الأدب والأدبية















المزيد.....

الأدب والأدبية


إسماعيل أيت بادو

الحوار المتمدن-العدد: 5113 - 2016 / 3 / 26 - 04:40
المحور: الادب والفن
    


-تقديم:
سنحاول من خلال هذه البسطة أن نقدم مجموعة من الآراء والدراسات التي قاربت الأدب من خلال طبيعته ووظيفته وعلاقة الاختلاف والائتلاف بينه وبين أشياء أخرى (كالرسم، والموسيقى، والتاريخ...)،وسنقوم بمناقشة هذه الآراء المتعددة، التي يرجع تعددها أساسا الى صعوبة تحديد الأدب، والحسم في ماهيته، وكنهه، فكيف إذن يُنظر الى طبيعة الأدب؟ وما هي وظيفته؟ هل له وظيفة واحدة، أم وظائف متعددة؟ ما الذي يجمعه بأشياء أخرى؟ وما الذي يميزه عنها؟.
-طبيعة الأدب:
وقفت مجموعة من الدراسات وقفة متأنية حاولت بمقتضاها معالجة إشكالية طبيعة الأدب، لكن ما يلفت الانتباه هو كون هذه الدراسات لا تقف بشكل واضح عند طبيعة الأدب، بل تحوم حول طبيعة الأدب ، أو بالأحرى لا تحددها بشكل دقيق، ولعل لهذا سبب وجيه، يكمن في أن الإتيان بطبيعة الأدب فيها ما يدل على قتله، وهذا يُسقط كل دعوة تقول بأنها قادرة على الإتيان بتعريف جامع مانع لطبيعة الأدب، ومن هنا نتحدث عن مشروعية الاختلاف، والتضارب، والتنوع، الذي يثري طبيعة الأدب نفسها، ويمكن أن نقف بعدها على أن محصول هذه الدراسات، ليس إلا جمعا لشتات المعلومات عن طبيعة الأدب، وفق ما تمليه خصائص الأعمال الأدبية، أي ما يجعل من عمل ما عملا أدبيا، ومن هنا يمكننا أن نتساءل، هل هناك أركان تقوم عليها طبيعة الأدب؟ وكيف تشتغل هذه الأركان لتشكل طبيعة الأدب؟ صحيح أن من أهم الأركان التي يقوم عليها الأدب هي اللغة التي تشكل مادته الطبيعية، كذلك الأدب يستطيع أن يتداعى فيه المعنى بواسطة أصوات الكلمات.
إن طبيعة المادة هنا ذات طبيعة لغوية تتجاذب وتشترك في صفات تكون وحدته الشعرية، إن هذه الكلمات بمثابة ألوان يعمد الكاتب الى مزجها مزجا عجيبا، ليصوغ منها عالم الأدب، أي أن طبيعة الأدب تركز على مجموع العمليات التي تنظم اللغة وفق عناصر تميزها عن اللغة التي تحضر في أشكال أخرى، مثل اللغة العلمية، لغة الحديث اليومي...، اللغة ليست شيء مكثف حبيس ثوبه، بل اللغة في الأدب دال على مدلولات متعددة، أي أنها "كلمات ليست بأشياء، بل هي ذات دلالة على الأشياء"1
فاللغة الأدبية تحقق التكامل في ذاتها، وهذه اللغة تعمد للتخييل كحدث ينشئ طبيعة الأدب أي أنها ذات طبيعة تخييلية "أي كتابة ليست حقيقية بالمعنى الحرفي للكلمة" 2 تعتمد القص، ورغم أن هذا الربط غير كاف، إلا أنه على الأقل يعكس طبيعة من طبائع الأدب، ألا وهي اهتمامه وارتباطه بالجانب التخييلي المبني على القص، لكن ليس التخييل وحده هو ما يميز طبيعة الأدب، ومن هنا حق لنا أن نتساءل؛ هل هناك طبيعة واحدة للأدب؟ أم أن الأدب ذو طبائع متعددة؟
ما دمنا تحدثنا عن التخييل، فهناك من يقول بأن التخييل لا يقصد منه التخييل في حد ذاته، بل هو نوع خاص من التخييل، المقترن بما هو ابداعي، ويستدلون على ذلك، ببعض الأعمال التي لم ترق لمصاف الأدب رغم ما يطغى عليها من تخييل، مثل " مجلة سوبرمان، وروايات ميلزوبون، هي تخييلية ولكنها لا تعتبر أدبا على العموم" 3.
إن ما يحدد طبيعة الأدب إذن، هو استعماله للغة بطريقة غير مألوفة، إنه هذا الخرق المتواصل للمتصل المعتاد والمألوف. إنه عنف على اللغة العادية بحيث تسعى طبيعة الأدب الى تركيب عناصر اللغة وفق إيقاع ورنين خاص، يتجاوز المعنى المجرد، والاستعمال التقني للغة. إنه تلك اللغة التي تلفت الانتباه وتخلق الدهشة وتحدث الإلذاذ، وتنظر إلى نفسها بطريقة شوفانية تجعلها " تزهو بكينونتها المادية" 4
إن طبيعة الأدب لا تقف عند هذا الحد بل تتعداه الى شيء آخر، وهو اختراع، فالأدب اختراع على حد تعبير جان بول سارتر. إنه خلق لعناصر جديدة في رحم اللغة، وهذا ما يطبع مادته بالجمالية، ويمنحه ما يعكس ذلك الجانب الجميل من اللغة. ويشير رونيه ويليك بدوره الى أن "إحدى طرق تعريف الأدب، اعتباره كل شيء مطبوع" 5 إن الأدب بهذا المعنى يضم كل شيء ( التاريخ، والفلسفة...)، وأشار الى أن " من الطرق الأخرى لتعريفه قصره على أمهات الكتب أي التي تتميز بالشكل والتعبير الأدبي مهما كان موضوعها، فيكون الأساس هو القيمة الجمالية وحدها، أو هذه القيمة مضافا إليها الناحية الفكرية في الكتاب" 6، غير أنه استدرك بعد ذلك فبين أن لفظ الأدب " خير أن يقتصر معناه على فن الأدب، أي على أدب الخيال" 7 إن طبيعة الأدب بهذا المعنى هي الابتداع والخيال.

-وظيفة الأدب:
حينما نتحدث عن وظيفة الأدب، إنما نبحث عما يحققه، وعن الدور المنوط به، وقد تناول هذه المسألة مجموعة من الباحثين، الذين قاربوها من أوجه مختلفة. إننا إذا أخذنا الشعر على سبيل المثال، فإننا حينما نقرأه نستمتع، وننتفع به أحيانا، وهذه هي الوظيفة التي ينبغي أن يؤديها حسب رونيه ويليك، إذ يقول: " ينبغي أن تحدد وظيفة الشعر بطريقة تأخذ المتعة والمنفعة كلتيهما في الاعتبار" 8، والمتعة التي يتحدث عنها رونيه ويليك، ترادف" لا يدعو الى الملل" 9، ويشير في سياق آخر الى أن المتعة الأدبية "لا تندرج ضمن قائمة طويلة من المتع الممكنة الأخرى، وإنما هي متعة سامية، لأنها تأتي عن طريق نشاط سام، وهو التأمل المنزه غن الغرض والمنفعة الأدبية، في جديتها وإفادتها ممتعة لأن جدية الأدب تختلف تماما عن جدية الواجب الذي لا مناص من أدائه، إنها جدية جمالية" 10، يطرح رونيه ويليك سؤالا مفاده: هل للأدب وظيفة واحدة، أم وظائف متعددة، وظاهر القول عنده أنه لا يمكن الحديث عن وظيفة واحدة للأدب، ما دام أنه " في استطاعة القصاص أن يعلمنا عن الطبيعة البشرية، أكثر مما نتعلمه من علماء النفس" 11، وكذلك قدرته على أن "يقوم مقام أشياء عدة، كالرحلة، أو الاغتراب في البلاد الأجنبية، أو الخبرة المباشرة، أو الحياة البديلة، كما يمكن للمؤرخ أن يستخدمه كوثيقة اجتماعية" 12، إن الأدب بهذا المعنى لا يقتصر كما قلنا على وظيفة واحدة، وقد يجعلنا ذلك نقول- دون حسم الأمر- إن الأدب ذلك الشيء الذي يجذبنا إليه، وكلما اطلعنا على وظيفة ما، ووقفنا عندها، يظهر لنا وظائف أخرى، إنه شيء حي يتحرك، أو بعبارة أخرى إنه مثل الماء لا يمكن القبض عليه، فالأدب له القدرة على أن يبدع لنفسه وظيفة، وفقا لطبيعة الموقف والسياق، فقد تحدث تزفيطان تودوروف عن "جون ستيوان، الذي كان يروي الانهيار العصبي الخطير الذي أصيب به في العشرين من عمره، فصار فاقدا للحس بكل لذة كما بكل إحساس ممكن، ولم تنفعه كل أنواع العلاج التي جربها، وقد بين أن كتابا قرأه صدفة في تلك اللحظة لعب دورا فريدا في شفائه، إنه ديوان شعر لوردسرث" 13 إن هذا المثال الذي قدمه تودوروف يطلعنا على وظيفة أخرى للأدب، ألا وهي الوظيفة العلاجية، فكم هو مفيد أن يكون للأدب دور أساسي في علاج مجموعة من الأمراض النفسية المنتشرة في المجتمع.
ما تحدثنا عنه حتى الآن، يثير في ذهننا سؤالا قد لا نستطيع الاجابة عنه: لماذا هذا التعدد في الوظائف التي يحققها الأدب؟
" الأدب يستطيع الكثير، يستطيع أن يمد لنا اليد حين نكون في أعماق الاكتئاب، ويقودنا نحو الكائنات البشرية الأخرى من حولنا، ويجعلنا أفضل فهما للعالم، ويعيننا على أن نحيا... الأدب مثلما الفلسفة، مثلما العلوم الانسانية، فهو فكر ومعرفة للعالم النفسي والاجتماعي الذي نسكنه" 14
سنحاول أن نجيب عن هذا السؤال، ونقول إن تعدد وظائف الأدب ترجع الى كونها هي التي تضمن استمراريته وبقاءه، فمن وظائفه أيضا إحداث " أثر سامي الهدف في الناس، وخير أثر يمكن أن يحدثه عمل في الناس، هو أن يجعلهم يفكرون تفكيرا حرا؛ أن يدفعهم الى تكوين رأي مستقل، وحكم ذاتي" 15.
نتلمس من هذا الرأي الذي قدمه توفيق الحكيم، أن الأدب ينبغي أن يفك القارئ من القيود، وأن يحسسه بوجوده، وقدرته على الحكم، إنه بهذا المعنى يربي في قارئه الشجاعة، والمروءة، والقدرة على تسيير الأمور" إن الأدب طريق الى إيقاظ الرأي «...» لا أريد من الكاتب أن يريح قارئه أو يلهيه، وإنما أريد أن يطوي القارئ الكتاب، فتبدأ متاعبه " 16 إن وظيفة الأدب بهذا المعنى هي تشغيل القارئ وتوريطه في المتاعب، والمتاعب هنا ليست بذلك المعنى السلبي للكلمة، وإنما جعل القارئ يفكر ويحلل ويعيد البناء، ويملأ البياضات...،" ويقول البعض، إن وظيفة الأدب، تهدف الى أن نتخلص – كتابا وقراءا- من ضغط العاطفة، والتعبير عن العاطفة يؤدي الى التحرر منها، كما قيل عن كوته Goethe إنه تخلص من سوداويته حين ألف آلام فرتر" 17
إن الكاتب عندما يكتب بهذا المعنى يعبر عن عاطفته، وحينما يعبر عنها، يصرف تلك المكبوتات التي تقبع بداخله، حسب تعبير فرويد، ويولد ذلك التفريغ عنده راحة نفسية، وكذلك القارئ والناقد؛ عندما يتعاملان مع ذلك النص، فإنهما يستحمان، فقارئ القصة مثلا: " يحس بالفرج والخلاص, إذ يتبلور شعوره في بؤرة تبرزها له القراءة والمشاهدة، ويشعر في نهاية تجربته الجمالية براحة البال" 18 ونجد أن من وظائف الأدب عند سارتر ، الكشف عن سر الانسان، الذي عليه أن يتحمل المسؤولية، " لأن الكشف نوع من التغيير، وإنه لا يستطيع المرؤ أن يكشف عن شيء إلا حين يقصد الى تغييره" 19، وكذلك الأدب يعمد الى ترسيخ القيم الإيجابية، ويدفع القارئ لطرح الأسئلة، وخلق وإنتاج غاية مطلقة، يحوم حولها الأدب، إن الأدب بهذا المعنى يمنح معنى للأشياء، والظواهر الخارجية، حتى ولو لم يكن خالقها، وظيفة الأدب هي التنفيس عن الانسان بالدرجة الأولى، إنه ذلك الجرس الذي يذكر الإنسان بإنسانيته، إنه ذلك الفضاء الحر للاحتفال بقريحة الإنسان، أي أنه شعيرة من شعائر الاحتفال بالقرائح، حين تصبح القريحة وحدها كفيلة بعملية التأويل، إن الأدب كذلك مجال محقق للذة والطرب الفني، فالأدب يهدف الى عكس الصور السلبية قصد تصحيحها، يعكس لنا الظلم قصد القضاء عليه، يبين أننا مسؤولون على نشره، إن الأدب يعلمنا المسؤولية، الأدب التزام عند سارتر، أي تحقيق للوعي وابلاغ له بقدر ما يمكن، ولذلك وجدنا سارتر يورد الالتزام كثيرا في كتابه " ما الأدب"، فليس المطلوب أن يجلس الأديب في برجه العاجي، بل عليه أن يشارك ويغير بشكل فعال في مجتمعه الذي يوجد فيه.
وظيفة الأدب لا تكمن في أنه "الوسيط الأعظم وإنما التزامه في وساطته " 20 وتكمن وظيفته الاجتماعية في تقليد الآخرين لهذا الدور.

-اشتراك الأدب واختلافه عن فنون وخطابات أخرى:
بعدما تحدثنا عن طبيعة الأدب ووظيفته، اللتين تبين أنهما صعبتا الحسم والتحديد ويحكمهما التعدد الذي يمنح للأدب شرعية البقاء ببقاء الإنسان، كما عبر عنه بارت ذات يوم. وهذا أيضا ما يجعل الدراسات التي انكبت على هذا المجال تقول بوجود علاقة الائتلاف والاختلاف بين الأدب وفنون أخرى، لكننا بدورنا نتساءل عن طبيعة هذه العلاقة؟ وهل هي كائنة وممكنة؟ وما الذي يميز الادب عن غيره من الفنون الأخرى، خصوصا أننا نعلم أنه فن، لكنه فن بشكل خاص، وما هي مساحات التماس التي يخلقها الأدب مع فنون أخرى؟ وإذا كان الأدب صورة كما يردد البعض، فهل هو صورة لحياة الأديب؟ أم لانفعالاته؟ أم صورة من صور التعبير عن الخيال؟ أم صورة للعلاقات الاجتماعية؟ وما علاقته بالعلوم الانسانية الأخرى؟ إن هذه الأسئلة المشروعة جزء لا يتجزأ من الأسئلة التي أرقت الدارسين للأدب، كل هذه الدعوة ستمكننا من الوقوف على أرضية صلبة تخول لنا استيعاب علاقة الأدب بالفنون الأخرى.
إن النص الأدبي دائم خالد، لا يفنى لأن القراءة تجدده، ولأن القراءة ليست اغتصابا زمنيا للنص، بل هي حياة النص نفسه، وهذا ما يميز الأدب عن غيره، إذ أنه يعتمد على القارئ، فلا يمكننا أن نتكلم عن الأدب في غياب القارئ، لأن المكتوب سيظل حبرا على ورق، أي شكل جامد من الكتابة. إنما يمنح للأدب وجوده إذن هو هذا القارئ الذي يعيره جسمه، وينفت فيه الروح ليحول أدبا يضج بالحياة.
لنا أن نرى هذه المقاربة التي أعطاها جان بول سارتر للأدب وهو يصف عمل الناقد.
ويختلف الأدب في حقيقته عن الفنون الأخرى، فالحقيقة التي يقدمها هي حقيقة فنية، خلافا للحقيقة التي يقدمها التاريخ مثلا( حقيقة تاريخية...) ورغم ذلك فإنه يستعمل الحقيقة والمعرفة في علاقتها بسياقاتها الأدبية، أي أنها عناصر لا تتجزأ من العمل الأدبي نفسه، ولا تقدمها بالطريقة الجافة المعهودة، كذلك يمتاز الأدب عن غيره من الفنون بأنه يعمد إلى المُغرب (النازع للألفة Defamiliarizing) . فما هو نوعي في اللغة الأدبية، وما يميزها عن أشكال الخطاب الأخرى هو أنها تشوه اللغة الاعتيادية بطرائق شتى، فتحت ضغط الصناعات الأدبية، تتشدد اللغة وتتكثف، وتتلوى، وتتداخل، وتنقلب رأسا على عقب، إن اللغة الأدبية بهذا المعنى تخفي أكثر مما تظهر.
صحيح أن بين الأدب والموسيقى أو الرسم، التفرقة في الشكل، لكن ليس الأمر في هذا الاتجاه فحسب، بل في المادة كما أشرنا، " فعمل أساسه الألوان أو الأصوات غير عمل آخر مادته الكلمات" 21. أي أن الكاتب يستطيع أن يقودك الى ما يريد بالضبط، فإذا وصف لك
" كوخا أمكنه أن يعطيك منه على رمز للظلم الاجتماعي، وأن يثير بذلك حميتك، أما الرسام فأبكم" 22، فهو يقدم لك هذا الكوخ رمزا للبؤس، لأنه لكي يكون رمزا، يجب أن يكون علامة لها مدلولها، في حين هو في الواقع شيء من الأشياء.
بالرغم من هذا كله ففي " كل هذا الانتاج الفني شيء لا يمكن فهمه كل الفهم، ولا بد من كلمات لا حصر لها للدلالة عليه" 23 لذلك نجد أن بعض الأعمال الأدبية استلهمت مادتها من لوحات فنية، كشفرة دافنتشي the davinci code لدان براون Dan brwn ، كلنا لا يمكن أن ندعي بأننا فهمناها كما ينبغي، وأننا استوعبنا جل ما قاله الأديب في أدبه، لأن الأمر لا يستقيم دوما. إذن صحيح أن الأدب يتفق مع هذه الفنون في كونه فن، لكنه فن بشكل خاص، ويستعمل الفن بشكل خاص أيضا. وصحيح كذلك أن الأدب يعرف من خلال أداته التي هي اللغة، ويشترك فيها مع خطابات أخرى، لكنه فن لغوي خاص يمتاز عن غيره من العلوم الإنسانية، حيث تعمد هذه اللغة للخيال بالدرجة الأولى، وعن أي خيال نتكلم هنا؟ إنه الخيال الفني الإبداعي، الذي يخرق المتصل. وأنه من الفنون التي تعكس الجمال، وفق ما يمليه نظامه من رموز، وعلامات مستفزة للقارئ، ومن دلالات تولد في رحم النص، وتعيش فيه، وهو كذلك تعبير عن الأديب، وعن العالم، وعن نفسه، وحامل لحقائق فنية تجمع بين ما هو نافع وممتع، وتجرد المعلومة من قالبها الجاف، وتصوغها وفقا لسياقها الأدبي الذي يحتمه النص الفني.
ونجد رونيه ويليك في تمييزه للأدب عن من حيث اللغة عن الخطاب العلمي يقول" اللغة العلمية تكون ذات دلالة مباشرة" 24، أي أنها تسعى جاهدا الى توحيد دلالاتها، فقيمتها تكمن في فردانية مدلولها، عكس اللغة الأدبية التي تكمن شعريتها في تعدد دلالاتها، " فهي حافلة بالتراكيب التي تحمل أكثر من معنى" 25 ، وبالتالي فهي تجعل انتاج المعنى يتم عبر سيرورات، لا بشكل مباشر " اللغة الأدبية باختصار تضمينية الى حد كبير" 26كما أن اللغة في الأدب توظف بطريقة جمالية، وحينما نتحدث عن علاقته بالفنون من حيث هو فن، فإنه يشترك معها في كونه يحدث أثرا "كل ما ينتهي إليه التناظر بين الفنون الرفيعة والأدب هو القول بأن هذه الصورة وتلك القصيدة تستثيران فيّ نفس الشعور، مثلا أنا أحس بالانبساط عندما أسمع لحنا لرقصة منيوت Minet لموزارا، أو أتأمل تصويرا لمنظر طبيعي للرسام واتو Wateau، أو أقرأ قصيدة لأنكريون Anacreon" 27، ويختلف الأدب عن هذه الفنون في توظيف اللغة، وقد أشار رولان بارث كذلك الى أن اللغة الأدبية تتعالى عن اللغات الأخرى، أي لغة الخطابات الأخرى إذ يقول " اللغة الأدبية تتميز في ذات الوقت بأنها تحتل مكانا خارج جميع اللغات الأخرى، وأنها تتعالى عليها" 28، تلك إذن خطابات متعدد قيلت ولازالت تقال حول ما يميز الأدب عن غيره من الفنون، وما يميزه عن الخطابات الأخرى التي تستعمل اللغة.

-خلاصة:
نستنتج مما سبق تعدد الخطابات وتنوعها حول طبيعة الأدب ووظيفته وما يجمعه مع خطابات وفنون أخرى، وما يميزه عنها، وقد تبين أن هذه الآراء لا تتعدد من مفكر الى آخر فقط، بل نجدها تتعدد عند المفكر الواحد، ويعلل ذلك صعوبة الحسم في تحديد الأدب، لأنه يتطور ولا يثبت على حال أضف إلى ذلك قابليته للتأقلم في كل زمان ومكان. فقد يحقق وظيفة جمالية في سياق ما، ويحقق وظيفة تعليمية في سياق آخر، وقد يحققهما معا في سياق ثالث، وهكذا دواليك، فالأدب إذن هو هذا الشيء الحي المتسم بالدينامية والحركية واللاثبات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جان بول سارتر: ما الأدب؛ ترجمة محمد عنيفي هلال، دار النهضة، القاهرة- مصر، دس. ص 20.
2 تري إغلتون: نظرية الأدب؛ ترجمة ثائر أديب، منشورات وزارة الثقافة، دمشق- سوريا، 1995. ص9.
3 نفسه، ص11.
4نفسه، ص 12.
5 رونيه ويليك وآوستن وآرن: نظرية الأدب؛ تعريب عادل سلامة، دار المريخ، الرياض، 1992، ص 31.
6رونيه ويليك وآوستن وآرن: مرجع سابق، ص32.
7 نفسه، ص 34.
8نفسه، ص44.
9 نفسه، ص45.
10نفسه، ص46.
11 نفسه، ص 49.
12 رونيه ويليك وأستن وارن: مرجع سابق، ص 46.
13تزفيتان تودوروف: الأدب في خطر؛ ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال، الدار البيضاء، 2007، ص43، بتصرف.
14نفسه، ص 45|.
15 توفيق الحكيم: فن الأدب، دار مصر للطباعة، مصر، دس، ص 173.
16 نفسه.
17رونيه ويليك، مرجع سابق، ص 54.
18 نفسه.
19سارتر، مرجع سابق، ص23
20جان بول سارتر: مرجع سابق، ص 81.
21 جان بول سارتر، مرجع سابق، ص10
22 نفسه.
23 نفسه، ص13.
24 رونيه ويليك، مرجع سابق، ص 35،بتصرف.
25 نفسه، بتصرف.
26 نفسه.
27 نفسه،ص177.
28رولان بارث: درس السيميولوجيا؛ ترجمة ع. بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط3، 1993، ص35.



#إسماعيل_أيت_بادو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطوطمية في المجال القروي، دوار- الزاوية بين الجبلين نموذجا-
- المقامة السوقية


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إسماعيل أيت بادو - الأدب والأدبية