داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 5111 - 2016 / 3 / 22 - 09:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفساد المالي والإداري في العراق
ومتطلبات الإصلاح
أ.د. داخل حسن جريو
عضو المجمع العلمي العراقي.
الفساد المالي والإداري آفة مدمرة لا تنحصر ببلد معين دون آخر , إذ شهدته البشرية منذ الأزل بصورة أو بأخرى بهذا القدر او ذاك بحسب الظروف التي مرت بها هذه البلدان . يزداد الفساد كلما تردت منظومة الأخلاق وإنحسرت القيم, وضعفت إجراءات الرقابة المجتمعية والحكومية لدرجة يشعرفيها السراق والمفسدين بأنهم في أمن وأمان, دون خوف أو وجل من أية مساءلة قانونية , بل إنهم قد يشعرون أنهم فوق القوانين, أو كلما وهنت سلطة الدولة وبات واضحا عدم قدرتها على ضبط الأوضاع العامة, إما بسبب تردي أوضاعها الأمنية أو حدوث تمرد وإضطرابات في إجزاء واسعة من البلاد , وهذا حال العراق منذ غزوه وإحتلاله عام 2003 وحتى يومنا هذا . لذا أصبح تعاطي الرشوة وسرقة الأموال لاسيما المال العام أمرا طبيعيا لدى قادة الأحزاب والكتل السياسية وموظفي الدولة بما فيهم كبار الموظفين بعد أن أمنوا العقاب,وقد يراها البعض منهم ضربا من ضروب الشطارة والشجاعة, وتصبح النزاهة في نظرهم امرا إستثنائيا لا يمارسها إلاّ الضعفاء.
بدا الفساد بشكله الواسع الذي يشهده العراق الآن منذ الأيام الأولى للإحتلال حيث سمحت سلطة الإحتلال ممثلة بحاكمها المدني العام السفير بريمر بنهب ممتلكات الدولة والسماح لزعماء الأحزاب والتجمعات السياسية التي أدخلوها معهم بالإستيلاء على تلك الممتلكات وإتخاذها مقار ومساكن لهم دون مقابل ودون وجه حق حتى يومنا هذا, خلافا لقانون إيجار وبيع ممتلكات وعقارات الدولة, وهي حالة لم يشهدها العراق من قبل على الإطلاق. وبتراكم المال السحت الحرام لدى كبار المفسدين ,فقد عظم شأنهم وتوسع نفوذهم , وشكلوا عصابات مافية لحمايتهم وتصفية خصومهم, وإخراس الأصوات الشريفة التي تطالب بصوت عال بإسترداد المال العام ومحاسبة الفاسدين والمفسدين.
يعود تاريخ الفساد في دولة العراق الحديث إلى بداية العهد الملكي , حيث كان تعاطي الرشوة في دوائر الشرطة والبلدية والكمارك والتسجيل العقاري وأعمال المقاولات أمرا طبيعيا , حيث كان من الصعب تمشية معاملات الناس دون رشوة,إلاّ أنه والحق يقال لم يكن الفساد يوما على ما هو عليه الآن كما ونوعا.إنحسرت ظاهرة الفساد بشكل كبير عند قيام النظام الجمهوري عام 1958, وإستمر كذلك لغاية قرابة منتصف عقد الثمانينات من القرن المنصرم ,حيث بدأت مجددا حالة الفساد والرشوة بالظهور تدريجيا, ولكن بشكل محدود نسبيا نظرا لصرامة إجراءات السلطة القائمة حينذاك,بسبب تداعيات إستمرار الحرب العراقية الإيرانية , بقيام بعض ضباط الجيش العراقي بتعاطي الرشوة عبر الهدايا والهبات من عوائل بعض الجنود مقابل سحبهم إلى المواقع الخلفية من جبهات القتال أو منحهم إجازات لقضائها مع عوائلهم , أو لممارسة بعض أعمالهم الحرة لكسب عيش عوائلهم وبخاصة المهنيين منهم , وكذا الحال مع بعض مسؤولي قواطع الجيش الشعبي مقابل عدم زجهم بتلك القواطع عند تشكيلها. تفاقم الحال بدرجة أشد في عقد التسعينات من جراء إجراءات الحصار الشامل الذي فرض على العراق حينذاك وإستمر أكثر عقد من الزمان , حيث تدنت رواتب الموظفين بصورة كبيرة جدا لم تعد تكفي لسد حاجاتهم لأيام معدودة, الأمر الذي دفع الكثير منهم إلى تعاطي الرشوة على نطاق واسع , وبخاصة العاملين في دوائر الخدمات, ودوائر السفر للحصول على جوازات سفر وبخاصة لتدريسيي الجامعات والإختصاصيين من حملة الشهادات العليا العاملين في دوائر الدولة المختلفة الذين لم يكن بإمكانهم الحصول على موافقة دوائرهم ومؤسساتهم للسفر إلى خارج العراق ضمن الضوابط المعمول بها حينذاك,أو لغرض الحصول على شهادات جامعية خارج إطار الضوابط , أو الحصول على شهادات مزورة وما شابه ذلك.وفي أعقاب غزو العراق وإحتلاله عام 2003 خرجت الأمور عن السيطرة وسط فوضى عارمة بحيث أصبحت سرقة المال العام وتعاطي الرشوة والسلب والنهب والإبتزاز من ابجديات الحياة اليومية دون رقيب أو حسيب حتى يومنا هذا.
ومما يؤسف له أن معظم البلدان العربية ,أبرزها العراق والسودان واليمن والصومال قد تصدرت قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم طبقا لقائمة الشفافية التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية منذ مدة كل عام , لتصنيف دول العالم حسب درجة فسادها , دون أن تحرك هذه البلدان ساكنا لإتخاذ أية إجراءات لمعالجة الفساد المستشري في مجتمعاتها .
أن ما دفعنا هنا لكتابة هذه المقالة هو ما نقرأه ونشاهده في وسائل الإعلام المختلفة من فرقعة إعلامية فارغة من أي مضمون , بعزم الحكومة العراقية والفعاليات المدنية والإجتماعية والدينية المختلفة على محاربة الفساد وإجتثاث الفاسدسن والمفسدين وإسترداد ما نهبوه من المال العام لاسيما أن العراق بات على حافة الإفلاس ,خلافا لما عليه الحال في بلدان الجوار والمنطقة ألأقل مواردا من العراق ,وأن الحكومة ستضرب بيد من حديد على حيتان الفساد بصرف النظر عن مواقعهم وإنتماءاتهم السياسية , لكننا وبكل أسف ما زلنا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا .
وهذا أمر ليس مستغربا على الإطلاق , وربما العكس هو المستغرب , إذ كيف يمكن لفاسد أن يحاسب فاسدا آخر دون أن تنكشف عورته, ذلك أن الفاسدين جميعا في سفينة واحدة في بحر هائج تتقاذفها رياح عاتية قد لا تبقي ولا تذر. فما العمل يا ترى والحالة هذه إذ ليس أمامهم سوى الإنحاء مؤقتا كي تهدأ العاصفة وركوب موجة الإحتجاجات الشعبية ,لا بل وقيادتها وكأنهم ليسوا جزءا من ماكنة الدولة الفاسدة التي يتحدثون عنها , متوهمين أن الاعيبهم هذه ستنطلي على الناس مهما وظفوا إعلاميهم ,وربما شراء ذمم إعلاميين آخرين وضمهم إلى جوقة الطبالين والمزمرين لترويج دعاواهم الإصلاحية الفارغة.
أن من ينشد الإصلاح حقا في كل زمان ومكان لابد أن يكون مشهود له بالنزاهة والعفة والشرف والأمانة وحسن السيرة والسلوك, وليس ممن نهبوا وسرقوا أموال الآخرين وإستولوا على عقارات وممتلكات الدولة دون وجه حق . ويبدو أنه ليس أمرا ممكنا بعد ما آلت إليه حال البلاد من إحتراب وصراعات دامية وتشرذم وإنقسامات وتأجيج مشاعر الحقد والكراهية بين فئات الشعب المختلفة من منطلقات دينية وطائفية وعنصرية , قيام ممن ساهموا في خراب البلاد وتدميرها ونهب ثرواتها , إصلاح ذات البين كونهم أساسا أدوات فاسدة أفسدت البلاد والعباد .
ونظرا لعدم وجود قوى مدنية أو قوى سياسية أخرى فاعلة في الساحة السياسية ممن لا علاقة لها بالعملية السياسية الراهنة , لابد إذن والحالة هذه الإستعانة بقوى دولية فاعلة ممن يهمها أمر العراق وشعبه, للمساعدة بتصحيح مسار العملية السياسية الراهنة في العراق, ذلك أن العملية السياسية القائمة حاليا في العراق قد إنبثقت أساسا عبر ولادة غير طبيعية نتيجة غزوه وإحتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية دون أي مسوغ قانوني , وتتحمل قانونا وأخلاقا مسؤولية ما آل إليه حال العراق,ويجب عليها المساعدة بتصحيح أوضاعه لاسيما أنها تمتلك أوراق قوية وحلفاء من مختلف الجهات داخل العراق وخارجه, للتأثير بقوة في أوضاع العراق إن أرادت ذلك.
ولعل أولى الخطوات وأبسطها في مسيرة الإصلاح :
1. إسترداد عقارات وممتلكات الدولة ومحتوياتها المغتصبة من كبار قادة الكتل السياسية , ومطالبتهم بدفع بدلات إيجار مناسبة للفترة التي شغلوها وتحميلهم أية نفقات ما قد ألحقوه بها من أضرار, وهذه أمور ليست طلاسم واحجية معقدة , بل امور يعرفها القاصي والداني في العراق وخارجه.
2. الإستعانة بمدققين دوليين لمراجعة حسابات الدولة الختامية للسنوات المالية منذ العام 2003 وحتى وقتنا الحاضر للوقوف على أوجه الصرف المختلفة ومدى شرعيتها أو التلاعب بها وتحديد الجهات المسؤولة عن ذلك لمتابعتها لإسترداد المبالغ المنهوبة بالوسائل القانونية .
3. الإستعانة بخبراء قانونيين دوليين لكتابة دستور مدني جديد للعراق, يأخذ في الإعتبار ثوابت العراق القومية والدينية وارثه الثقافي والحضاري, وضمان حريات شعبه ومعتقداته بعيدا عن التعصب والمغالاة, وسيادته في وطنه ارضا وسماءا ومياه, والتمتع بثرواته في تنمية شاملة مستدامة.
4. إسدال الستار عن كل مآسي الماضي القريب والبعيد , والكف عن إثارة الأحقاد والضغائن تحت أي مسمى أو لأي غرض كان , وتركها جميعا لذمة التاريخ ليقول فيها كلمة الفصل, وتجريم كل من يخالف ذلك عبر سن القوانين المناسبة لردع كل من تسول له نفسه العبث بأمن البلاد من هذا المنطلق.
5. إجراء إنتخابات حرة ونزيهة وشفافة بمساعدة منظمة الأمم المتحدة.
6. تفعيل إتفاقية الحماية الأمنية الأمريكية المعقودة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية لضمان أمن العراق داخليا وخارجيا , ذلك أن الإدارة الأمريكية هي من أوصلت العراق إلى حالته المزرية هذه
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟