|
حكام آل سعود يعيشون هذه الأيام في رعب وتنتظرهم أيام عصيبة
حسين كركوش
الحوار المتمدن-العدد: 5110 - 2016 / 3 / 21 - 15:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نشرت مجلة The Atlantic بداية هذا الشهر مقابلة أجراها الصحافي Jeffry Goldberg مع الرئيس الأميركي أوباما. ما قاله اوباما مهم للغاية ، بل خطير. والكاتب على حق عندما أعطى المقابلة عنوان ( مبدأ أوباما The Obama Doctrine ). ومصطلح (مبدأ) أو (عقيدة) تعني في السياسية الأميركية أن تتواجد عند الرئيس الذي يحكم الولايات المتحدة، رؤيا جديدة خاصة به ، شاملة ، تفصيلية ، مترابطة و واضحة ، تتعلق غالبا بالسياسة الخارجية الأميركية ، وفقا للظروف الدولية المستجدة ، قد يسير على نهجها الرئيس الذي سينتخب الذي يأتي بعده أو يعدلها ، فيقال ، مثلا ، مبدأ الرئيس جيمس مونرو ، ومبدأ ترومان ، ومبدأ ايزنهور ، ومبدأ كندي ، ومبدأ نيكسون.
أوباما تحدث عن قضابا دولية كثيرة متشعبة و متنوعة ، وتوقف كثيرا عند منطقة الشرق الأوسط ، و العالمين العربي والإسلامي. وتحدث بمرارة عن الأفكار المتطرفة التي يروج لها الإسلام السياسي. وانتقد ابوما بقسوة الرئيس التركي رجب طيب اوردغان ، وأعلن عن خيبته من أداء أردوغان الذي كان يتوقع منه أن يكون قائدا مسلما جديدا يعمل على تجسير الهوة بين الشرق والغرب ، لكنه تحول إلى حاكم فاشل ومتسلط. وبالقسوة ذاتها انتقد ابوما الباكستان التي لا يراها مؤهلة ان تكون حليفا لأميركا بسبب نظامها السياسي الفاشل.
وما يضفي أهمية على المقابلة هو ، أهمية الصحافي الذي أجراها ، جيفري غولدبيرغ. غولدبيرغ ( هو أميركي إسرائيلي كان أدى خدمته العسكرية في الجيش الإسرائيلي ، ويصنف كصهيوني متحمس في دفاعه عن إسرائيل ، رغم انتقاده ، أحيانا ، لسياستها) ينشر في كبريات الصحف الأميركية. وسبق له أن أجرى مقابلات مع العديد من رؤوساء الحكومات في العالم ، بما في ذلك حكام عرب ، وقادة أحزب سياسية دينية. وكرس مقالات كثيرة عن جهود إيران في تصنيع قنبلة نووية ، واستنتج وقتها أن إسرائيل ستهاجم إيران ، لا محال ، ألا إذا نجحت الولايات المتحدة في ثني إيران عن المضي في تصنيع سلاحها النووي. و مباشرة بعد ذلك دعاه الرئيس الكوبي إلى هافانا ليناقش معه أمورا تخص كوبا وما تريده منها أميركا.
وهذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها غولدبيرغ مقابلة مع أبوما. فقد بدأت مقابلاته معه منذ 2006 ، ثم تكررت. وبالإمكان القول أن غولدبيرغ يعتبر صديقا أو مقربا للرئيس أوباما ، وهو يعرف عنه كل شاردة و واردة ، وبالتفصيل. ومن هنا تأتي مصداقية ما يقوله وينقله عن أوباما.
يقول غولدبيرغ إن الغرض من هذه المادة أو المقابلة التي نشرها أخيرا ، هو رؤية العالم كما ينظر إليه ابوما ، وان افهم منه الدور الذي ينبغي ان تقوم به اميركا في العالم. وهذه المقابلة أو هذه المادة الصحفية تعتمد على سلسلة احاديثي مع ابوما التي تمت في البيت الابيض و جلساتنا على مائدة الغداء وخلال مرافقتي له في زيارات خارج الولايات المتحدة.
وبالإضافة لعلاقته الحميمة مع ابوما فأن غولدبيرغ يملك علاقات ، منها مهنية و ومنها خاصة ، مع الكثير من كبار صناع القرار داخل الولايات المتحدة وخارجها ، بما في ذلك المستشارين الرسميين الأكثر قربا لأوباما. و غولدبيرغ ، في ثنايا مقابلته الأخيرة مع اوباما ، دائما ما يعود للاعتماد أو للاستشهاد بآراء وبأقوال وبمواقف هولاء الذين يقيم علاقات معهم من صناع القرار داخل أميركا وخارجها. أما فيما يخص موقف اوباما من المملكة العربية السعودية فأن غولدبيرغ يكشف عن أن أوباما حتى قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة ما كان يعتبر السعودية حليفا حقيقيا للولايات المتحدة ويسميها (الحليف المزعوم). وينقل غولدبيرغ عن مستشارين لوزير الخارجية عادل جبير قوله إن ( إيران الآن هي القوة العظمى الجديدة في الشرق الأوسط وأميركا أصبحت القوة القديمة.) و حول موقف أوباما من الأفكار المتطرفة التي تتبناها الحركات الجهادية الإسلامية ، فأن غولدبيرغ ينقل على ألسنة أفراد تحدثوا مع ابوما حول هذا الموضوع. ويقول غولدبيرغ أن اولاءك الذين تحدثوا مع اوباما حول الفكر الجهادي يقولون بان اوباما لديه الكثير مما يقوله حول هذا الموضوع ، لكنهم يقولون ان اوباما حريص على ان لا يتحدث عن هذه القضايا بصراحة وفي العلن خوفا من أن يؤجج كلامه مشاعر معادية (فوبيا) ضد المسلمين.
وكما ذكرنا فأن اوباما تحدث بالتفصيل عن الكثير الكثير من القضايا. ولأن المملكة العربية السعودية أصابتها أكثر من غيرها سهام قاتلة من تلك التي سددها أوباما فأن حكامها من أسرة آل سعود شعروا بالهلع حالما نُشرت المقابلة.
و أول من عبر عن هذا الهلع هو الأمير تركي الفيصل ، الرئيس السابق للمخابرات والسفير السابق في واشنطن ، فنشر مقالا ينتقد فيه الرئيس أوباما. ثم تكررت صيحات الهلع على شكل افتتاحيات في الصحف السعودية الداخلية وتلك الخارجية الممولة سعوديا. وشارك وما يزال في حملة الدفاع كتاب موالون للسعودية. يرى غولدبيرغ أن ابوما ما يزال على رأيه السابق بأن السعودية لا يمكن اعتبارها حليفا للولايات المتحدة ، و أن ابوما منزعج بشكل واضح من قيود السياسة الخارجية التي تجبره أن يتعامل مع السعودية كحليف. ويقول اوباما أن السعودية تنشر الفكر الوهابي المتطرف وتصرف الأموال لنشره في العالم الإسلامي. وضرب مثالا عن اندوسيا التي تحولت ، بسبب المدارس الدينية التي تمولها السعودية ، إلى حاضنة لتفريخ الإرهاب.
وكما نلاحظ فأن الخطر في تصريحات اوباما بالنسبة للسعودية ، أو في الحقيقة ، رؤيته التي ربما سيورثها لمن يأتي بعده من رؤوساء أميركا ، يكمن في أن اوباما لا ينتقد فقط طبيعة الحكم الملكي السياسي القائم في السعودية ، وإنما ينتقد بقسوة تركيبته البنووية العضوية ، أي الفكر الوهابي الذي يستند عليه النظام السياسي. وهذه أول مرة يصدر فيها تقييم أميركي يضرب أساس الشراكة العائلية / الدينية /المذهبية التي قام على أساسها النظام في شبه الجزيرة العربية.
فالمعروف أن (المملكة العربية السعودية) وُلدت من زيجة تمت في القرن الماضي بين بدو لا يروون أبعد من أرنبة الأنف (آل سعود) ، وبين متعصب يّحرم حتى الضحك ، أسمه محمد بن عبد الوهاب. واقتضت هذه الثنائية أن تكون شؤون الحكم لآل سعود ، و شؤون المجتمع للوهابيين. وما كان لهذه الطفلة المغولية المشوهة التي أسموها (المملكة العربية السعودية) أن تستمر لولا بعض عوامل ، أهمها اكتشاف النفط ، و العامل الثاني هو ، الحرب الباردة التي نشأت وكبرت في ظلها المملكة. النفط أخرس ، بعائداته الأسطورية ، الناس الذين يحكمهم آل سعود. كيف لا ، و حتى فراشة مدرسة أضحت لديها خادمة أسيوية تخدمها في المنزل. ولا ننسى ، بالطبع ، القمع البوليسي الشرس و الممنهج الذي تنفذه هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما الحرب الباردة فجعلت الغرب وفي المقدمة الولايات المتحدة بحاجة لخدمات النظام السعودي لصد الأفكار الشيوعية والوقوف بوجه الأنظمة العربية القريبة من السوفيت وقتذاك. وبفضل هذا التخادم ظلت الولايات المتحدة تغض النظر عن ما يحدث في المملكة: مناهج التعليم التي تُرضع التطرف ، وأوضاع النساء المزرية ، وغياب الحريات ، وانعدام الحياة الحزبية ، ورفض الأفكار والممارسات الديمقراطية ، وأزدراء التمثيل البرلماني الديمقراطي ، وغياب حقوق الإنسان. بعد انتهاء الحرب الباردة ، وبعد هجمات أيلول ضد الأبراج الأميركية التي خطط لها وشارك في تنفيذها سعوديون رضعوا منذ الصغر فكر المذهب الوهابي ، استفاقت الولايات المتحدة وبدأت تراجع موقفها إزاء المملكة. وما عبر عنه اوباما في هذه المقابلة كان يتحدث به همسا صناع القرار وصناع الرأي في الولايات المتحدة. كل ما فعله اوباما هو ، أنه قال ذلك علانية وبهذه الصراحة الموجعة. أوباما أراد أن يقول أن النظام السعودي ، سياسيا واجتماعيا ، لم يعدا صالحا بعد الآن ، وأصبح خارج نطاق الخدمة. ومن هنا هلع أفراد عائلة آل سعود الذين يحكمون بلدا بأكمله ، بعد أن صادروا بأسم عائلتهم ، التاريخ والسياسة والانثروبولوجيا والجغرافيا السياسية ، وكل شيء. فكل شيء في هذا المكان يسمى (سعودي) بأسم العائلة التي تحكم. وكل شيء في المجتمع يخضع لما كان يفكر به محمد بن عبد الوهاب. والأسوأ بالنسبة لحكام السعودية في هجوم أوباما ضدهم ، هو توقيت الهجوم. فالسعودية تعيش ، بالإضافة للصعوبات الاقتصادية التي خلقها تراجع أسعار النفط ، أزمة سياسية داخلية. وهي تحاول تصدير أزمتها خارج حدودها : تدخلها في سوريا ، في اليمن ، في العراق ، قطعها لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران. ما قاله اوباما أعاد السعودية لحجمها الحقيقي ، وجعلها تدافع عن نفسها ، بعد أن كانت في موضع الهجوم.
الأمر الآخر الذي أثار رعب حكام آل سعود هو الغزل الأوبامي لعدوة السعودية ، إيران. الأمر الثالث لسبب الرعب هو ، خوف حكام السعودية من أن تكر سبحة الانتقادات أو الهجوم ضدهم من قبل الرؤوساء الأوربيين ، وتتحول الانتقادات إلى مواقف سياسية ضد نظامهم. فأذا كان رئيس أقوى بلد في العالم يقول ما قاله عن النظام السعودي ، فمن يمنع غدا أن تسري العدوى الأميركية إلى قادة أوربا وروسيا واليابان ليعلنوا ما أعلنه أوباما بحق النظام السعودي ؟
أليس من حق حكام آل سعود أن يتوقعوا أياما عصيبة ؟
#حسين_كركوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روحاني يؤكد أن إيران تقاتل في العراق دفاعا عن مصالحها القومي
...
-
الأزمة التي تتعمق في العراق: السبب في (السايبا) وليس في سائق
...
-
(الهمج الرعاع) في العراق يحولون حياة النخب السياسية والدينية
...
-
العراق في غرفة الإنعاش والعبادي يروي نكات عن التكنوقراط
-
مَن يتذكر (رجل من العراق) أسمه وصفي طاهر ؟
-
أصبحت (مقاتل) الشيعة العراقيين في زمن حكم الشيعة تُبث على ال
...
-
- أنفسنا السنة - لكن - لعن الله الواثق - !
-
طوفان الدم والجثث المتعفنة وخيبات الأباء في قصائد سيغفريد سا
...
-
الشاعر الإنكليزي العراقي الأصل سيغفريد ساسون
-
لماذا لا يخاف الفاسدون وناهبو المال العام في العراق من التظا
...
-
المستقبل العراقي يفر نحو (العمة) ميركل هربا من جحيم الماضي و
...
-
دولة الحُسينية وحُسينية الدولة
-
مَن يقضي على التشيع : (فرقة الخشابة) أم (تدين) الشيعة الجُدد
...
-
مَن يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم (تدين) الشيعة الجُدد
...
-
من يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم (تدين) الشيعة الجُدد ؟
-
كيف تغير المزاج الشعبي رأسا على عقب في العراق ؟
-
التشيع الخضرائي
-
إعصار ساحة التحرير يتقدم بسرعة قياسية
-
تظاهرات ساحة التحرير: من (المشروطة) إلى ديكتاتورية (ما ننطيه
...
-
تظاهرات ساحة التحرير: من (المشروطة) حتى ديكتاتورية ( ما ننطي
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|